في رمضان ... شوارع القاهرة تتزين بالفوانيس وألوان الخيامية
أقبل شهر الصوم ونستشعر الآن بركاته فى كل ركن من أركان القاهرة ، ولا تكتمل فرحتنا بحلول هذا الشهر الكريم دون أن نزين الشوارع بأجمل وأرقي الزينات، فهذا الشارع قد زينه الأطفال بقصاصات الأوراق الملونة وعلقوا معه فانوس قد صنعوه بأيديهم مستخدمين نفس القصاصات ليظهر الشارع فى أبهي حُله رغم بساطة الخامات ، وهذا شارع آخر تعاون فى تزيينه الكبار مع الصغار فتجده ملئ بمجموعة من الزينة تضم هلال ونجمة وعرائس ومثلثات مصنوعة كلها من الأوراق البلاستيكية الملونة وقد ضموا له فوانيس صغيرة لإضاءة الشارع وقت صلاة التراويح.
ولا تخلو الزينات من الأقمشة الخيامية التي تعد تراثاً مصرياً أصيلاً والذي تتلالئ في شوارع القاهرة بألوانها الزاهية الأحمر والأصفر والأخضر.
| |||
هكذا يحتفل المصريون من كافة فئات المجتمع بالشهر الكريم ، فلا فرق بين شوارع الأغنياء أو الفقراء فالكل أتفق على الزينة مع إختلاف نوعها، والكل تبارى فى وضع لمسات الشهر الكريم على شوارعهم فى حب وتناغم وفرحة كست ليس فقط وجوههم بل إمتدت لتكسو شوارعهم أيضاً. زينات خاصة للمساجد | |||
وكان للمساجد نصيب أيضاً من الزينة في رمضان حيث يحرص المصريون على تزيينها بإضاءات ملونة ترحيباً بالمصلين، وقد قيل قديماً أن المصريين كانوا يستقبلوا شهر رمضان بعد رؤية الهلال مستخدمين الدفوف فما يعرف بـ "زفة الهلال" ، وما لبث أن تلاشت تلك الاحتفالات ليصمد تزيين الشوارع وتستمر كعادة رمضانية متكررة. وفي العصر الإسلامي كانت المساجد في شهر رمضان تُضاء بالقناديل، كما أمر الخليفة عمر بن الخطاب المسلمين بتزيين سور ساحة الكعبة بهدف الإنارة ليلاً، كما أمر أيضاً بتزين المساجد وإنارتها من اليوم الأول لرمضان؛ حتى يتمكن المسلمون من آداء الشعائر الدينية. | |||
وقد إختلفت الزينة بالطبع عن ما نعيشه حالياً فالزينة قديماً تلخصت فيما يعرف "بالأسرجة" وهي عبارة عن وعاء فيه زيت وله فتيل يشعل بالنار للإضاءة وقد تطور بعد ذلك لاستخدام سراج "أبو دنان" وبعدها إستخدمت القناديل، وقد أضئ المسجد النبوي فى عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بالقناديل على يد " تميم الداري " وهي عبارة عن إضافة زجاج حول السراج وتعليقه ، وقد تطورت هي أيضاً ليظهر منها الزجاج المزخرف والبلورية متقنة الصنع ، وقد علقت في بعض الأحيان بسلاسل من الذهب أو الفضة - وأختصت بها المساجد دونما غيرها . الخيامية تراث مصري أصيل يزدهر في رمضان | |||
ومن عصر لعصر آخر إختلفت مظاهر الاحتفالات وزينات الشوارع والخامات المستخدمه فيها، فقد تنوعت الخامات بداية من قصاصات الأوراق مروراً بالزينة البلاستيكية ووصولاً إلى الأقمشة الخيامية وكل على حسب ثمنه وجودته ، ومن أفضل الأنواع وأغلاها سعراً هي الأقمشة الخيامية لما لها من تراث مصري أصيل ومهارة دقيقة فى التصنيع، والخيامية تعني الأقمشة القطنية السميكة المطرزه بألوان زاهية متجانسة ومختلطة بين الأحمر والأزرق والأخضر والأصفر كل فى تناغم جذاب . | |||
الدقة والصبر من سمات صانعي الخيامية | |||
والخيامية جزء من التراث المصري توارث أسرارها ومهارات صنعها الأجيال جيل بعد جيل ، و قد أرجعت بعض الروايات أصوله إلى العصر الفرعوني ، حيث أكدت أنهم كانوا يستخدمون جلود الحيوانات فى صناعتها ، وقد إزدهرت فى العصر الإسلامي خاصة الفاطمي حيث كانوا يستخدمون ألوان الفاكهة في صباغتها ، وقد جرت العادة على وضع شروط خاصة لإنضمام أي فرد للمهنة فلابد أن يحظي الحرفى الجديد بالمهارة و الدقة والصبر خاصة أن القطعة الواحدة يستغرق صنعها ما بين عشرة أيام وثلاثة أشهر كل حسب التصميم، وكان الخيامية يجتمعون مع شيخ الخيامية لرؤية وفحص أعمال الخيمى الجديد فإذا كانت أعماله على المستوى المطلوب ينضم للخيامية ويقام مأدبة يعلن خلالها اعتماده وإنضمامه للمهنة. | |||
كيفية صناعة أقمشة الخيامية | |||
ويكمن جمال الأقمشة الخيامية فى تصاميمها الخلابة حيث يقوم صانعوها بتنفيذ التصميم على القماش مستخدمين أنواع مختلفة من القماش أهمها القطن والتيل، ثم يقومون بتخريم الرسم ونثر بودرة مخصصة لطباعة الرسم على القماش، ثم يقوم بقص قطع القماش وحياكتها مع بعضها بشكل فنى يبرز الأشكال الهندسية والزخرفية التي تعكس الحضارة الإسلامية والخط العربى ، وهناك أشكال هندسية عديدة تستخدم فى تصميمات الخيامية ومنها: تصميم البؤجة والتى تأخذ شكل المعيّن, وتصميم الخاتم وهي عبارة عن مربعين أو أكثر فوق بعضهم البعض, وتصميم الزهرة التي تشبه قرني غزال, وتصميم الزهرة التى تختزل أيقونتها البصرية شكل زهرة من مقطع جانبي أونصف زهرة أوفرع حامل الزهور والأوراق, وتصميم الكعب وهو قلب مفرغ مقلوب, وتصميم اللوزة وهو قلب مصمت مقلوب, وتصميم البلحة وهو مثل ورقة الشجر, | | ||
و تصميم المخمس وهو مثل اسمه خماسي الأضلاع, وتصميم الشمعة والمفروكة وهي مثل سنان الحراب أو تجمع ثلاث سنون, وتصميم رأس ثعبان ، وتصميم كف السبع، وتصميم الرباط الذي يشبه العقدة التي تصل بين الوحدات الطولية وتصميم السلسلة ، ويحدد إتقان الصنع والأقمشة المستخدمة سعر كل قطعة ، ومهما زاد سعرها ستبقي صناعة الخيامية شامخة عبر العصور تنتظر حلول شهر رمضان لتتزين بها شوارع المحروسة و يحيي ذكراها من جديد . |