يا اهل العرب والطرب
-[welcoOome]--
مرحبا بك ايها الزائر الكريم
مرحبًا بك ما خطّته الأقلام من حروف
مرحبًا عدد ما أزهر بالأرض زهور
مرحبا ممزوجة .. بعطر الورد .. ورائحة البخور
مرحبا بك بين إخوانك وأخواتك
منورين المنتدى بوجودكم ايها اعضاء وزوارنا الكرام
تحيات الادارة/يا اهل العرب

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

يا اهل العرب والطرب
-[welcoOome]--
مرحبا بك ايها الزائر الكريم
مرحبًا بك ما خطّته الأقلام من حروف
مرحبًا عدد ما أزهر بالأرض زهور
مرحبا ممزوجة .. بعطر الورد .. ورائحة البخور
مرحبا بك بين إخوانك وأخواتك
منورين المنتدى بوجودكم ايها اعضاء وزوارنا الكرام
تحيات الادارة/يا اهل العرب
يا اهل العرب والطرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اسلامي ثقافي رياضي فن افلام صور اغاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

السودان , صحيفة حريات . حلايب ووادي حلفا ومياه النيل: قواسم مشتركة أم تقاطعات؟

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

Admin

Admin
مدير الموقع

صحيفة حريات الثلاثاء 16 إبريل 2013
حلايب ووادي حلفا ومياه النيل: قواسم مشتركة أم تقاطعات؟
د. سلمان محمد أحمد سلمان..

فتحتْ زيارة الدكتور محمد
مرسي رئيس جمهورية مصر للسودان يومي الخميس والجمعة الرابع والخامس من
أبريل عام 2013 أبوابَ النزاع على مثلث حلايب بين مصر والسودان على
مصراعيها. فقد أعلن السيد موسى محمد أحمد مساعد رئيس الجمهورية السوداني أن
الرئيس محمد مرسي وعد أثناء زيارته للسودان الرئيس عمر البشير بإعادة
الأوضاع في مثلث حلايب وشلاتين إلى ما قبل عام 1995 – أي إلى السيادة
السودانية. غير أن المعارضة المصرية قررت، فور صدور تلك التصريحات،
استغلالها استغلالاً تاماً في هجومها على نظام الرئيس مرسي. فقد أدانها
بأسلوبٍ قاسٍ عددٌ كبيرٌ من القيادات السياسية والعسكرية والأكاديمية
المصرية. اضطر ذلك الهجوم الكاسح حكومة الرئيس مرسي إلى التراجع ونفي تلك
الوعود، وزاد المتحدث باسم الرئاسة المصرية الوضع سوءاً بإعلانه أن منطقة
حلايب أراضي مصرية. ونتج عن تلك الإدانات من المعارضة المصرية والنفي من
النظام المصري أنْ عَقَدَ السيد موسى محمد أحمد مؤتمراً صحفياً يوم
الثلاثاء 9 أبريل أعاد خلاله تأكيد ذلك الوعد من الرئيس مرسي للرئيس
البشير.
بدأ النزاع حول مثلث حلايب في
يناير عام 1958، وأوشك أن يقود إلى حربٍ بين السودان ومصر. إلا أن مصر
سحبت جيوشها واعترفت بسيادة السودان على حلايب في شهر فبراير من ذلك العام،
مُنهيةً بذلك النزاع على المنطقة في شهوره ومراحله الأولى. لكن بعد 37
عامٍ من حسم ذلك النزاع عادت مصر في عام 1995 واحتلت منطقة حلايب، إثر
محاولة اغتيال الرئيس السابق حسني مبارك في أديس أبابا، ناسفةً بذلك كل
تعهداتها والتزاماتها السابقة. وقد ظلّ النزاع على منطقة حلايب هو “المسكوت
عنه” في علاقة مصر والسودان منذ عام 1995 حتى انفجر أخيراً في أبريل عام
2013.

بنتْ الحكومةُ والمعارضةُ
المصرية رفض الانسحاب من حلايب على دعوى أن حلايب أراضي مصرية، وأن مصر لن
تفرط في شبرٍ من أراضيها. ولا بد لهذه الدعوى أن تثير مسألة موافقة السودان
على إغراق منطقة وادي حلفا و27 من قراها وأراضيها الزراعية، من أجل بناء
السد العالي، في كرمٍ وسخاءٍ ليس له سابقةٌ في العلاقات الدولية. فهل كان
ذلك تفريطاً من السودان في “أشبار” كثيرة من أراضيه، أم كان بادرة حسن نية
تستحق الرد عليها بالمثل، إن لم نقل بأحسن من ذلك؟

سوف نتعرّض في هذا المقال
للقواسم المشتركة والتقاطعات بين حلايب ووادي حلفا ومياه النيل، ونوضّح أن
الشعب السوداني قدّم الكثير من التضحيات للشعب المصري ليبني السد العالي،
وأن تلك التضحيات كانت وحدها كافيةً كيلا تثير مصر أي نزاعٍ مع السودان حول
مثلث حلايب.

2

تبلغ مساحة مثلث حلايب حوالى
20,580 كيلومتر مربع (حوالى ضعف مساحة منطقة أبيي كما حدّدتها محكمة
التحكيم الدولية بمساحةٍ تبلغ 10,640 كيلومتر)، ويقع المثلث شمال خط 22
شمال مطلاّ على البحر الأحمر. وقد أخذ اسمه من مدينة حلايب، كبرى المدن في
المثلث (مع مدينتي شلاتين وأبو رماد).

برز الخلاف حول تبعية المثلث
لأول مرة في 29 يناير عام 1958 حين أرسلت الحكومة المصرية مذكرة تحتجّ فيها
على نيّة السودان عقد انتخابات في منطقة حلايب باعتبار أنها تتبع لمصر
بموجب اتفاقية الحكم الثنائي لعام 1899. وقد قامت مصر بإرسال فرقةٍ عسكريةٍ
إلى منطقة حلايب بعد إرسال تلك المذكرة. وأعقبتْ مصرُ تلك المذكرة بمذكرةٍ
أخرى في 9 فبراير عام 1958 تُعلن فيها نيّتها إجراء استفتاء رئاسة
الجمهورية في تلك المنطقة أيضاً.

أعلن السودان رسمياً في 13
فبراير عام 1958 رفضه التام للمذكرة المصرية وللاستفتاء الذي قرّرت مصر
إجراءه في حلايب. وأعلن السودان أن المنطقة أراضي سودانية بمقتضى اتفاقية
الحكم الثنائي والتفاهمات التي تلتها، وبحكم الإجراءات العملية والإدارية
التي قام بها السودان في المنطقة خلال فترة الحكم الثنائي وسنوات الحكم
المدني الأول.

في 18 فبراير عام 1958 غادر
السيد محمد أحمد محجوب وزير الخارجية الخرطوم إلى القاهرة لمناقشة مشكلة
حلايب مع الحكومة المصرية. عند وصوله القاهرة عرضت عليه الحكومة المصرية
مقترح الاّ تُجرى انتخابات سودانية أو استفتاء مصري في حلايب، ولكنّ
الحكومة السودانية رفضت هذا الحل الوسط وأصرّت على تبعيّة حلايب للسودان
دون شروطٍ أو قيد. ورغم الاجتماعات المطوّلة التي عقدها السيد المحجوب مع
الرئيس جمال عبد الناصر، فقد فشل الطرفان في حلّ النزاع من خلال التفاوض.

وفي 20 فبراير عام 1958 رفع
السودان شكوى رسمية لمجلس الأمن الدولي. اجتمع المجلس في 21 فبراير، ووقتها
تراجعت مصر، بناءاً على بيانٍ تلاه مندوبها السيد عمر لطفي، عن قرارها
بعقد الاستفتاء، وسمحت في نفس الوقت للسودان بإجراء انتخاباته في حلايب.
كما أعلنت مصر سحب فرقتها العسكرية من المنطقة وتأجيل مناقشة الخلاف حول
حلايب إلى ما بعد قيام الانتخابات السودانية. عليه فقد قرّر مجلس الأمن حفظ
شكوى السودان والاجتماع لاحقاً بناءاً على طلب أيٍ من الطرفين وموافقة
أعضاء المجلس. وقد تمّ سحب الوحدة المصرية بالكامل من حلايب، وإجراء
الانتخابات السودانية في موعدها وفي كل أرجاء حلايب.

وقد اعتبرت الحكومة السودانية
هذه النتائج انتصاراً كبيراً لها في ذلك النزاع، خصوصاً وأن مصر لم تثر
موضوع حلايب مرةً ثانية. كما اعتبر المراقبون حديث مصر عن مناقشة الخلاف
بعد الانتخابات ثم الصمت عن الخلاف بعد ذلك محاولةً من مصر لحفظ ماء الوجه
بعد اعترافها بسيادة السودان على منطقة حلايب، وتأكيداً لهذا الاعتراف.
وهكذا عادت حلايب إلى السيادة السودانية الكاملة.

3

في 8 نوفمبر عام 1959، أي بعد
أقل من عامين من اندلاع نزاع حلايب وانتهائه، قام السودان بتقديم أكبر
تنازلاتٍ وتضحياتٍ في تاريخ البشرية تقدّمها أية دولةٍ لدولةٍ ثانية في
مشروعٍ مائيٍ يخص تلك الدولة الثانية وحدها. ففي ذلك اليوم وقّع السيد
زكريا محي الدين واللواء محمد طلعت فريد على اتفاقية مياه النيل لعام 1959.
وافقت الحكومة السودانية بمقتضى تلك الاتفاقية على قيام السد العالي وعلى
إغراق مدينة وادي حلفا ومعها 27 قرية شمال وجنوب المدينة تحت بحيرة السد،
وعلى التهجير القسري لحوالى خمسين ألف من السودانيين النوبيين، وعلى إغراق
منازلهم ومزارعهم ومتاجرهم وقبور أحبائهم وضرائح أوليائهم وجزءاً كبيراً من
تراثهم وتاريخهم. كما غرقت في بحيرة السد مع كل ذلك قرابة 200,000 فدان من
الأراضي الزراعية الخصبة، وقرابة مليون شجرة نخيل وحوامض في قمة عطائها.
وافق السودان أيضاً أن تمتد البحيرة لمسافة 150 كيلومتر داخل أراضيه، وأن
تندثر تحت تلك البحيرة وإلى الأبد آثارٌ تاريخيةٌ لحضاراتٍ نمت واستطالت في
فجر البشرية، وهي آثارٌ لا يمكن أن تُقدّرَ بثمن. واندثرت مع كل ذلك
معادنٌ لم يكن أحد قد قدّر كميتها وقيمتها، ويدور الحديث منذ العام الماضي
عن كمياتٍ ضخمةٍ من الذهب والحديد دُفِنتْ تحت البحيرة. كما دُفِنتْ تحت
البحيرة شلالات دال وسمنه التي كان يمكن أن تولّد قدراً كبيراً من الكهرباء
يفوق 650 ميقاواط.

وقد كلّف ترحيل وإعادة توطين
أهالي منطقة وادي حلفا الخزينة السودانية مبلغ 37 مليون جنيه، بينما كان
التعويض الذي دفعته مصر للسودان مبلغ 15 مليون جنيه فقط. قدّم السودان كل
تلك التضحيات والتنازلات الجسام حتى يتسنّى لمصر أن تبني السد العالي وتنال
كلَّ فوائده وحدها.

بدأ العمل في السد العالي في
يناير عام 1960، بعد شهرين فقط من توقيع اتفاقية مياه النيل، واكتمل بعد
عشرة أعوام ونصف في يوليو عام 1970 بتكلفةٍ قاربت الـ 600 مليون دولار.
يبلغ طول السد 4,000 متر وعرضه 1,000 متر، بينما يبلغ ارتفاعه 110 متر،
وتبلغ سعة البحيرة التخزينية للسد 162 مليار متر مكعب من المياه (أي ما
يساوي حوالى ضعف حمولة نهر النيل السنوية المقدّرة عند أسوان بـ 84 مليار
متر مكعب). ويبلغ طول البحيرة وراء السد (والتي سُمّيت بحيرة ناصر في مصر)
550 كيلومتر (حوالى 150 كيلومتر منها داخل الحدود السودانية وتُعرف بإسم
بحيرة النوبة)، وعرضها 35 كيلومتر، مع مساحة سطحية تُقدّر بحوالى 5,250
كيلومتر مربع. وقد كان السد العالي عند اكتماله عام 1970 أكبر سدٍّ في
العالم، وكان وما يزال أكبر سدٍّ على نهر النيل، ولكن سوف يتفوّق عليه سد
النهضة الاثيوبي عند اكتماله.

ظلّ السد العالي منذ اكتماله
خط الدفاع القوي لمصر ضد الفيضانات التي كبّدت مصر عبر التاريخ الكثير من
الخسائر في الأرواح والممتلكات. كما أصبح السد شهادة تأمينٍ ضد الجفاف الذي
كانت آثاره قاسيةً على مصر في سنوات شحّ الأمطار في الهضبة الاثيوبية.
وصار السد المنظّم الأول لعمليات الري الشاسعة في مصر، والتي جعلت مصرَ في
سبعينيات القرن الماضي تزرع كلَّ ما تحتاجه من المحصولات. وأصبحت بحيرة
ناصر مصدراً كبيراُ للثروة السمكية التي توالدت بصورةٍ غير عادية. كما أن
السد يُولّد حوالى 1,200 ميقاواط من الطاقة الكهربائية والتي غطّت حاجة مصر
من الكهرباء وقتها. وينظّم السد ويسهّل الملاحة على نهر النيل داخل مصر كل
شهور السنة.

4

ماذا جنى السودان من السد
العالي؟ إنه لم ينل حتى جزء يسير من الكهرباء والتي كانت أبسط مقومات رد
الجميل والشكر للسودان. لقد ظلّ المفاوض المصري يكرّر دون انقطاع منذ عام
1954 أن السد العالي لمصلحة مصر والسودان معاً، وأن نصيب السودان من مياه
النيل مخّزن في بحيرة السد العالي، وأنه لولا السد العالي لما أصبح نصيب
السودان من مياه النيل متاحاً. ويبدو أن بعض السياسيين والمهندسين
السودانيين قد صدّق تلك المقولة الساذجة من كثرة تكرارها، وتمّ تضمينها في
اتفاقية مياه النيل لعام 1959. وقد أصبح نهر النيل بموجب تلك المقولة
واتفاقية مياه النيل لعام 1959 يجري لأول مرة في تاريخه من الشمال إلى
الجنوب. كما وافق السودان نتيجة قبوله تلك المقولة على تحمّل فاقد التبخر
في بحيرة السد والبالغ عشرة مليار متر مكعب مناصفةً مع مصر.

لقد كان نصيب السودان من السد
العالي، في حقيقة الأمر، هو الكارثة التي حلّت بالسودانيين النوبيين. فقد
تمّ تهجيرهم قسريأ وبدون أبسط مقومات المشورة إلى بيئةٍ تختلف اختلافاً
تاماً عن بيئتهم، وفي منطقةٍ تبعد أكثر من 700 كيلومتر من موطنهم الأصلي.
ووجدوا أنفسهم فجأةً بين مجموعاتٍ قبلية تختلف اختلافاً كبيراُ عنهم، ولم
يكن لهم تداخل أو معرفة بها، وفي طقسٍ ماطرٍ راعدٍ لم يكونوا على درايةٍ به
أو بآثاره إطلاقاً. وقد تعرّضوا بسبب الطقس لمشاكل صحية وأمراض لم يكونوا
على معرفةٍ بها من قبل. وقد قلّت المساحة التي كانت تُروى من خزان خشم
القربة في مشروع حلفا الجديدة الزراعي بصورةٍ كبيرة بسبب كميات الطمي
الضخمة التي يحملها نهر عطبرة كل عامٍ من الهضبة الاثيوبية. كما زادت
الشكوى من أن أراضي المشروع (سهل البطانة) هي أراضي رعيٍ ولا تصلح للزراعة،
ومن علاقات الانتاج السلطوية المركزية الجديدة التي لم يعتادوا عليها
عندما كانوا مزارعين أحرار في وادي حلفا. عليه فقد أصبح لزاماً على الكثير
من المهجّرين البحث عن وسائل كسب عيشٍ أخرى غير الزراعة. وكان على الشعب
السوداني أن يتحمّل أكثر من 60% من تكلفة إعادة التوطين.

كما كان نصيب السودان من السد
العالي أيضاً تحمّله فاقد التبخّر في بحيرة السد العالي البالغ عشرة مليار
متر مكعب سنوياً مناصفةً مع مصر. وقد جعل هذا بدوره نصيب السودان من مياه
النيل يقلّ بخمسة مليار متر مكعب سنوياً.

5

كان السد العالي أول سدٍ في
العالم تبنيه دولةٌ ويخلّف تلك الآثار الكارثية في دولةٍ أخرى. وقد سبقه
خزان جبل أولياء الذي تمّ بناؤه في السودان في ثلاثينيات القرن الماضي
لمصلحة مصر دون أية فائدة للسودان. وقد نتج عن بناء خزان جبل أولياء
الترحيل القسري لآلاف السودانيين وإغراق أراضي زراعية ضخمة المساحة وخصبة
التربة. لكنّ التهجير القسري بسبب السد العالي كان أكبر حجماً، وكانت آثاره
أكثر كارثيةً على السودان وعلى أهالي منطقة وادي حلفا. وهكذا قدّم شعب
السودان تضحياتٍ جسام لصالح الشعب المصري تمثّلت في الآثار الكارثية لبناء
سدين لمصلحة مصر وحدها.

وكأن هذا لا يكفي، فقد وافق
السودان عام 1976 على شقِّ قناة جونقلي التي كانت كل مياهها الإضافية ستكون
لمصلحة مصر لأن السودان فشل خلال الخمسين عام الماضية في استعمال نصيبه من
مياه النيل، ولم يكن عملياً في حاجةٍ إلى مياه جديدة. وكانت تلك أيضاً
بادرة إخاءٍ وحبٍّ لمصر وشعب مصر كلّفت السودان جزءاً من أراضيه والكثير من
ماله، رغم أن الحركة الشعبية أوقفت العمل في القناة في فبراير عام 1984
قبل أشهرٍ ومسافةٍ قصيرة من اكتمالها.

6

بعد ساعاتٍ من إعلان السيد
موسى محمد أحمد أن الرئيس محمد مرسي وعد بإعادة الأوضاع في مثلث حلايب
وشلاتين إلى ما قبل عام 1995 تعالت التصريحات من مصر تنتقد وتدين الرئيس
مرسي وتؤكد بصورةٍ قاطعة تبعية حلايب لمصر. وانتقلت تلك التصريحات
والانتقادات من المعارضة إلى الحكومة نفسها وإلى حركة الإخوان المسلمين
الحاكمة. وقد قامت جماعة الإخوان المسلمين المصرية بالتراجع عن تبنيها وعود
الرئيس مرسي، وغيّرت خريطة مصر على موقعها لتشمل مثلث حلايب، وأعلنت
صراحةّ أن حلايب أراضي مصرية. وزاد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة السيد
إيهاب فهمي الطين بلةً بنفيه وعود الرئيس مرسي وتأكيده السيادة المصرية على
حلايب.

وفي هذا الصدد فقد شنَّ
المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق هجوماً لاذعاً على الوعود المنسوبة
للرئيس مرسي بتسليم تلك المنطقة الحدودية للسودان، حيث قال إن التنازل عن
هذا الشريط الحدودي يمسّ الأمن القومي المصري وسيادة البلاد، وإذا فعل
الرئيس ذلك سيلقنه الشعب ”درساً لا يُنسى”، كما أنه لا يملك حق التفريط
فيها.

وانضمّ الإخوان المسلمون
المصريون أنفسهم إلى نادي المنتقدين لرئيسهم. فقد أعلن السيد عبد الستار
المليجي القيادي الإخواني أن الحاكم الذي يتنازل عن جزءٍ من أرضه يجب أن
يُحاكمَ من شعبه قبل أن يُحاكمَ من القانون، وأن الشعب المصري سوف يحاكم
مرسي لو فتح ملف حلايب مع السودان.

على نفس هذا المنوال فقد صرّح
اللواء محمد رشاد وكيل جهاز المخابرات العامة السابق أنه ليس مسموحاً لأي
رئيس ولا لأي مسؤولٍ في الدولة أن يتنازل عن أي جزءٍ من الوطن. وتوالت
التصريحات من الخبراء العسكريين، فقد ذكر اللواء ممدوح عزب، الخبير العسكري
والاستراتيجي أن منطقة حلايب وشلاتين هي أرض مصرية خالصة حتى وإنْ أدارتها
حكومة السودان لفترةٍ بسبب قربها الجغرافي لها، وأضاف “مع العلم أن
السودان نفسها كانت تابعة للإدارة والسيادة المصرية.”

ولم يتأخر الأستاذ هانئ رسلان
رئيس وحدة السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات عن اللحاق بهذا
الركب. فقد ذكر في المقابلة التي أجرتها معه صحيفة أخبار مصر- البديل
ونُشِرتْ في موقع سودانايل في 13 أبريل عام 2013 رداً على سؤالٍ عن التحكيم
حول المنطقة: “الموقف المصرى لايناقش او ينظر الى التحكيم الدولي على
السيادة المصرية لمنطقة حلايب، فكل شبر فيها مصري بالكامل، فمساحتها التي
تبلغ 20 ألف كيلومتر مربع تقريبا، هي داخل الحدود المصرية بما لا يقبل
التأويل طبقًا لاتفاقية 1899، التي تقول بأن خط العرض 22 شمال خط الاستواء
هو الحد الفاصل بين البلدين، واذا نظرنا لحلايب نجدها تقع بالكامل شمال هذا
الخط.”

7

لقد نسي الإخوة المصريون أو
تناسوا موقف حكومتهم من حلايب، وسحب قواتهم العسكرية منها، ووقف إجراءات
الاستفتاء المصري وقيام الانتخابات السودانية فيها عام 1958. ونسوا أيضاً
كلّ ما قدّمه لهم السودان على مرِّ التاريخ.، أصبحت حلايب فجأةً مشكلة
الأمن المصري الأولى، وأعلن سياسيوها وعسكرها وأكاديميوها أن مصر لن تفرّط
في شبرٍ منها. نسي الإخوة ملايين “الأشبار” والتضحيات الجسام التي قدّمها
أهالي وادي حلفا خاصةً والشعب السوداني عامةً ليصبح السد العالي حقيقةً
وتنتهي هموم ومخاوف وآلام مصر من الفيضانات والجفاف والجوع والعطش والظلام.
ونسوا آلاف الكيلومترات من الأراضي السودانية الخصبة وعشرات القرى والآثار
والمعادن وشلالات توليد الكهرباء التي غرقت تحت بحيرة السد العالي من
أجلهم.

نسوا أيضاً تلك الوقفة
النبيلة التي وقفها الشعب السوداني معهم إبان حرب يونيو عام 1967. ونسوا
كيف وضع السودان مشاكله في جنوب البلاد على المحك، ودخل الحرب بجانب مصر،
وتحمّل كل تبعاتها التي شملت وقوف اسرائيل ودعمها لجنوب السودان بصورة
كبيرة بعد تلك الحرب. وقد أعاد الشعب السوداني للرئيس عبد الناصر ابتسامته
وثقته بنفسه عندما استقبله في أغسطس عام 1967 في الخرطوم استقبال الأبطال
وليس كرئيسٍ مهزوم. نسوا كيف نظّم السودان مؤتمر القمة العربي ذاك الشهر
وكيف وفّقَ وقاربَ السودانُ بين الرئيس عبد الناصر والملك فيصل ورؤساء دول
الخليج لتنهمر المعونات الاقتصادية والعسكرية على مصر إثر ذلك المؤتمر،
وتخفّف كثيراً من الآثار القاسية لحرب يونيو.

نسوا أيضاً كيف كان السودان
العمق الأمني لمصر إبان حرب أكتوبر عام 1973، وكيف تمّ نقل الطائرات
الحربية المصرية إلى المطارات العسكرية السودانية لتأمينها. نسوا كلّ ذلك
ودقّ عسكرهم وسياسيوهم وأكاديميوهم طبول الحرب بسبب أن الرئيس مرسي وعد
بفتح ملف حلايب مع السودان.

8

وحتى لو افترضنا جدلاً أن
حلايب هي فعلاً أراضي مصرية (وهذا افتراض خاطئ بناءاً على السرد الذي
قدمناه أعلاه، ولكن نثيره فقط لأسباب تساؤلات هذه الخاتمة) فقد كان الجميل
الذي قدمه السودان لمصر بقبوله إغراق مدينة وادي حلفا وقراها من أجل قيام
السد العالي، كافياً لأن يقول هؤلاء الساسة والعسكر والأكاديميون المصريون
للسودان: “قد تكون حلايب مشكلةً بيننا، ولكن تقديراً ووفاءاً لوقفة الشعب
والحكومة السودانية معنا بقبول بناء السد العالي وإغراق مدينة حلفا وقراها
ومزارعها، وتقديراً لمواقف شعب السودان الأخرى تجاه مصر عبر السنين فلن
نسمح لمنطقة حلايب أن تكون حجر عثرةٍ في علاقاتنا.”

9

يثير الموقف المصري عدّة
تساؤلات أهمها: أين ذهبت مسألة العلاقات الأزليّة بين البلدين التي كان
يكرّرها الإعلام المصري بانتظام؟ أين ذهبت برامج التكامل الاقتصادي والمائي
ومشاريع الوحدة ونهر النيل وقناة جونقلي؟ أين ذهب الوفاء والاعتراف
بالجميل؟ بل أين ذهبت مواقف ووعود الحكومة المصرية للسودان بخصوص حلايب في
فبراير عام 1958؟



نهب الأراضي السودانية








April 16, 2013








الفاضل عباس محمد علي..


جاء فى أخبار الجمعة أن
سكان أم دوم بضاحية الخرطوم بحري…خرجوا فى تظاهرة مدوية احتجاجاً على نزع
أراضيهم التي ظلوا يمتلكونها ويفلحونها منذ 60 عاماً…لصالح مستثمرين
أجانب…بموجب القوانين الجائرة التى صدرت مؤخراً والتي تجيز للحكومة تجاوز
ما كان سارياً منذ بداية القرن العشرين من تحريم لتمليك الأرض فى السودان
للأجانب… ومن حماية لأصحاب الأرض الأصليين.

وفى نفس هذا السياق،
انعقد يوم السبت بالرياض عاصمة العربية السعودية الملتقي السعودي السوداني
لتدعيم الشراكات التى نشأت مؤخراً بين البلدين فى مجالات الإستثمار الزراعي
والحيواني والمعدني وخلافه، وقيل إن الملتقي قد وضع اللمسات الأخيرة
لتنفيذ 450 مشروعاً سعودياً فى السودان بتكلفة 15 مليار دولار. والجدير
بالذكر أن الاستثمارات السعودية السابقة تشمل العديد من مشاريع إنتاج العلف
والخضروات واللحوم والدواجن، بقيمة تتجاوز ال 11 مليار دولار. وعلي سبيل
المثال، لدي المستثمرين العرب (السعوديين والقطريين) مزارع ضخمة للغاية
بمحازاة النيل بمنطقة كورتي بالإقليم الشمالي يتم ترحيل منتجاتها يومياً من
مطار مروي لجدة والرياض والدوحة، وهي غير خاضعة لرسوم الإنتاج أو الجمارك
أو أي نوع من الضرائب والزكاة، ويشرف عليها عمال وفنيون أجانب أحضرتهم تلك
الشركات العربية وشركاؤها الغربيون، وليس بينهم سوداني واحد…إذ لم يوضع في
الحسبان أي عائد للجانب السوداني (باستثناء تكلفة الصفقات التى تمت مع
الجهات الحكومية المركزية …والدفعيات تحت الطاولة)…ولا تجني العمالة
المحلية أي فائدة من هذه المشاريع…من ناحية كسب عيش أو التدريب والتعرف علي
التقنيات العالية التى تستخدم فى تلك الإقطاعيات…بينما المزارع داخل
السعودية مثلاً قامت علي أكتاف الزراعيين والفنيين والعمال السودانيين…ولا
يستطعم السكان المحليون و لا ذرة واحدة من ذلك الإنتاج الزراعي والحيواني
الذى يستخلص من بلادهم…فقط، يتناقلون أخبار تلك المزارع من علي
البعد…ويطالعونها من خلال كوات وفجوات الأسلاك الشائكة والأسوار
الخضراء….وهي بين ظهرانيهم….ولسان حالهم يقول: (ياجنة الرضوان…فيها النعيم
ألوان…لكن لغيري!).

و لا شك أن رأسمال case
السودانيين بملتقي الرياض هو “قانون تشجيع الاستثمار” الصادر يوم 31 يناير
الماضي، والذى قال عنه رئيس المجلس الأعلي للإستثمار الدكتور مصطفي عثمان
اسماعيل فى مؤتمر صحفي بالرياض قبل يومين: “إنه أصلح العيوب فى القوانين
السابقة، وأزال كل العقبات أمام المستثمرين الأجانب، وحدّ من إمكانية
مقاضاة المستثمر حتى لو ظلم أحداً أو اتضح أن الأرض التى منحت له متنازع
عليها، وضمن للمستثمر تصدير كل منتجاته بلا رسوم جمركية أو إجراءات إدارية
كتفتيش البضائع المراد تصديرها، كما ضمن له استئجار الأرض لمدة 99 سنة”.
وبناءاً علي ذلك، فهنالك مليونا فدان منحت للمستثمرين السعوديين بمنطقة
البطانة بشرق السودان، بالإضافة للحيازات المذكورة بشمال السودان،
والمشاريع العديدة الجديدة التي طرحت بالملتقي.

هذا، ولقد سبق أن منحت
حكومة السودان مليوني فدان غرب النيل بالإقليم الشمالي لرجال الأعمال
المصريين ليفعلوا بها ما يشاؤون… ويجلبوا لها ملاين الفلاحين المصريين،
فكاً للضائقة الديموغرافية التي تواجه الجارة الشقيقة. كما باعت الحكومة
أراضي النقل النهري ومصلحة المرطبات علي شاطئ النيل بالخرطوم بحري
لمستثمرين قطريين. وجاء فى صحف هذا الأسبوع أن الدكتور المتعافي وزير
الزراعة ورئيس مجلس إدارة مشروع الجزيرة ينوي بيع قطعٍ شاسعة بشمال
الجزيرة للأجانب، كما قام بتأجير 400 ألف فدان بالجزيرة لشركة من كوريا
الجنوبية، بقيمة دولار واحد للفدان، لفترة 33 سنة. كما صرح وزير الزراعة
المصري أنهم تحصلوا علي 500 ألف فدان قاموا باستصلاح وزراعة 150 ألفاً منها
حتي الآن.

ولقد صاحب هذه الهجمة علي
الأراضي السودانية حديث ممجوج ومكرور عن “السودان سلة غذاء العالم
العربي”، لو تكاملت الموارد المالية العربية مع الإمكانيات السودانية في
مجال الأراضي والمياه، بالإضافة للعمالة المصرية. ونفس هذه النغمة كانت
تردد فى أول أيام نظام جعفر نميري فى مطلع السبعينات، وكانت الجامعة
العربية هي التى تمسك بعصا المايسترو،… بيد أن القوانين التى تمنع الأجانب
من تملك الأرض بالسودان ظلت فى مكانها، ولم يجرؤ النظام المايوي علي سن
قوانين عشوائية مثل قانون تشجيع الاستثمار الذى صدر هذا العام. وبالفعل
بدأت حركة استثمار واسعة النطاق فى السودان فى منتصف السبعينات، بالشروط
“الوطنية” السودانية، إذ لم ينبطح نظام النميري تماماً أمام الأثرياء
النفطيين وحلفائهم الغربيين، ربما لأن أثر الوعي السياسي والنقابي المتكئ
علي المدرسة الثورية الإشتراكية ما زال حياً آنئذٍ، رغم أن النميري كان قد
ذبح قيادات اليسار والحركة النقابية فى يوليو 1971 وحل جميع النقابات وأرسل
كوادرها إلي غياهب السجون.

ومن جراء ذلك الانفتاح
الإستثماري الذى استقطبته حكومة النميري وفق منطلقاتها، قامت فى تلك الفترة
عشرات المشاريع الزراعية والصناعية، ليس عن طريق شراكات مباشرة مع
رأسماليين أجانب، ولكن بهبات ومنح وقروض ميسرة من بعض حكومات الدول المنتجة
للنفط والمصرف العربي والشركة العربية للزراعة والتنمية والبنك الإفريقي
والمنظمات النقدية العالمية، وبتنفيذ سوداني صرف قامت به مؤسسات الري
واستصلاح الأراضي المحلية. وشهد السودان ميلاد مشروع الرهد ومشروع السوكي
بشرق النيل الأزرق لإنتاج القطن والفول السوداني والذرة، ومشروع غرب سنار
للسكر ومشروع عسلاية بالنيل الأبيض لإنتاج السكر أيضاً، ومشروع ملوط لإنتاج
السكر بالجنوب، والكناف بجنوب سنجة وبالتونج بالجنوب، ومشروع الخضر
والفاكهة بواو، ومشروع كلي والسقاي بشمال السودان، ومشروع الجموعية
بالفتيحاب جنوب أم درمان، وإعادة الحياة لمشروع الجنيد للسكر بشمال
الجزيرة…إلخ،…وهي ما كانت تعرف بمشاريع التنمية. وهي فعلاً تنمية شاملة،
رغم العيوب التى صاحبتها…عيوب التكلس والبيروقراطية والفساد المالي
والإداري التى تجلبها الدكتاتورية ونظام الحزب الواحد “الإتحاد
الإشتراكي”؛… ومن باب التنمية الشاملة المتكاملة، فقد شهدت البلاد صعوداً
نسبياً فى النمو الاقتصادي…كما شهدت استقرار مئات الآلاف من الأسر
السودانية المتنقلة…التى تجمعت بمدن صغيرة داخل تلك المشاريع، وعرفت
الإستقرار والإنتاج المرتب… بانتظام وترتيب الري الصناعي الذى لا يخضع
لعوامل الطبيعة فقط،… واستفادت من خدمات التعليم لأطفالها والتطعيم
والعناية الصحية؛…وبالإضافة للزراعة، فقد استطاعت تلك الأسر أن تمارس قدراً
معقولاً من تربية الحيوانات والدواجن…مما حقق لها الغذاء البروتيني
والدخول النقدية الإضافية فى أوقات الضيق، دون الحاجة للإستدانة أو التخلص
القسري من منتوجاتها عن طريق “بيع السلم” الذى جلبته المصارف الإسلامية تحت
إدارة وتنظير الإخوان المسلمين.

ومن ناحية أخري، لاذت
الأصوات التى كانت تتحدث عن “سلة الغذاء” بالصمت الرهيب، منذ السبعينات…حتى
السنوات الأخيرة المنصرمة…حينما أصاب اليأس المميت النظام الحاكم فى
السودان…علي إثر انفصال الجنوب وتجفيف مصدر العملة الصعبة، وهو النفط. ولقد
ساهم ذلك الوضع، أي تعذر الإستيلاء علي الأراضي السودانية بالشروط
الرأسمالية المعروفة، وساهمت ظروف كثيرة متشابكة أخري فى دفع الدول التى
كانت تتطلع للإستثمار الزراعي فى السودان للبحث عن بدائل؛ ومن جراء ذلك،
علي سبيل المثال، استفادت السعودية من التقنيات الحديثة فى استكشاف مصادر
المياه بصحاريها (فى أثناء البحث عن النفط)، واستصلحت مئات الآلاف من
الأودية والفيافي…وزرعتها قمحاً وعلفاً، (بالري المحوري)…لدرجة أنها اكتفت
ذاتياً وأصبحت ممولاً رئيساً للأسواق الخليجية بمنتجات مزارعها من الأعلاف
والقمح والدواجن والبيض ومشتقات الألبان… كما استثمرت الدول الخليجية
الأخري فى شتى بقاع الدنيا، عن طريق الشراكات مع أصحاب الأرض المحليين، من
أستراليا إلي أمريكا الجنوبية.

ولقد كان هنالك استثناء
وحيد للسياسة المايوية النميرية المتحفظة إزاء الشراكة مع رأس المال العربي
والعالمي،… لعله من باب التجربة…: وهو “مشروع سكر كنانة
حول مدينة رَبَك بالناحية الشرقية لمدينة كوستي… علي النيل الأبيض…ذلك
المشروع ذو المساحة الخرافية الذى تمتلكه الحكومة الكويتية وصندوق نقدها،
بينما يمتلك السودان جزءاً ضئيلاً من أسهمه، ولا دخل لحكومة السودان في
إدارته…ويتم تصدير إنتاجه بالكامل للخارج…ولقد تم ذلك حتي فى الظروف التى
شح فيها السكر بالأسواق المحلية، خاصة أيام الضيق و”الفجوة الغذائية”
والمجاعات التى شهدها السودان فى آخر أيام النميري…1983-1985…ورغم ذلك،
فإنه لأمر يدعو للحيرة الشديدة أن الشعب السوداني الذى أطاح بالمشير
النميري عن طريق انتفاضة سلمية فى أبريل 1985… وأستعاد حرية التنظيم
والتعبير، وأعاد الحياة للصحف الحرة والنقابات…لم يتعرض لمشروع سكر كنانة
بأي هجوم أو نقد وتحليل، ولم يوجه له أي إتهام بخرق السيادة الوطنية
واستحلاب موارد البلاد بلا عائد يذكر، (باستثناء الرشاوي التي ذهبت
للمتنفذين)…ولكن، ربما صمتت النقابات والحركة الديمقراطية عن ذلك المشروع
لأنهم يعرفون جيداً أن معظم منتجاته فى حقيقة الأمر تتسرب للأسواق السوداء
المحلية، من خلف ظهر إدارته، ولقد ساهمت كثيراً فى تلبية حاجة السودانيين
للسكر…وهم أكثر خلق الله استهلاكاً لهذه السلعة الخطيرة..”التى يسمونها
السلعة الإستراتيجية”…وأكثر البشرية محبة للشاي بالحليب “المقنّن” الذى
تستقر فى جوفه أربع معالق سكر للكوب الواحد.

فلماذا ياتري عادت نغمة
الإستثمار فى السودان بغرض الاستفادة من أراضيه الشاسعة وشمسه الساطعة علي
الدوام وأنهاره وأمطاره… بعد كل ذلك البيات الشتوي؟ ولماذا لم يتقحّم نظام
الأخوان المسلمين هذه المجالات من قبل رغم أنه ظل ممسكاً بخناق البلد منذ
ربع قرن؟ ولماذا عادت نغمة سلة الغذاء بعد صمت استمر منذ انتفاضة أبريل
1985 التى أطاحت بنظام النميري؟

قبل أن نبحث عن إجابات علي هذه التساؤلات…دعنا ننظر فى أمر ال opportunity cost/benefit
… أي ما هو الحال لو تم الاستثمار الجاد والعادل فى السودان من قبل راس
المال العربي منذ مجيء النظام الديمقراطي الذى أفرزته انتفاضة أبريل 1985؟


  • · لو تم تحقيق شعار سلة الغذاء بصورة ذكية ولاذبة لكتب الثبات والاستقرار والنجاح لذلك النظام الديمقراطي الإبريلي الشرعي.
  • · وكان ذلك سيقود بالطبع لاكتمال
    البنية التحتية، بما فيها الطرق البرية والسكك الحديدية التي تربط الشمال
    بالجنوب وبكافة المناطق المهمشة بأطراف السودان، ولتمكنت القوى العاملة
    الوافدة من تلك المناطق من الإنتشار فى كافة أرجاء وطن يشهد التطور
    والإزدهار الإقتصادي، ولتناهت الثروة إلي كافة المناطق المهمشة…وخفت
    الضغائن ضد المركز….وحسنت النوايا…وترسخت الوحدة الوطنية.

  • · ولربما تناهت تلك التنمية للجنوب
    ولدارفور والمناطق المشابهة، بما تتضمنه من وعي وتعليم، …مما يقوي من لحمة
    الوطن… فيصبح كالبنيان يشد بعضه بعضاً.

  • · باختصار، لو سارت البلاد فى طريق
    التنمية النزيهة المدعومة بالدولار النفطي الأخوي تحت ظلال الديمقراطية
    والشفافية، لما كان هناك فراغ سياسي يتطلع الإخوان المسلمون لتعبئته…كما
    فعلوا بإنقلابهم العسكري فى 30 يونيو 1989.



وإذا عدنا لتلك الأسئلة
الخاصة بالنسخة الجديدة من نغمة “سلة الغذاء” بعد غيبة دامت ثلاثين عاماً،
لنفكر قليلاً فى حال ومآل الرأسمالية العالمية، وفى ممارساتها بكافة أرجاء
الدنيا.

ولقد أجبنا علي جزء من
هذه الأسئلة عندما تعرضنا للظروف الحالكة التى أطلت على النظام الإخواني
الراهن بعد انفصال الجنوب، وما تفجر علي إثرها من حروب بجنوب كردفان والنيل
الأزرق مع حلفاء الحزب الحاكم بالجنوب – الحركة الشعبية قطاع الشمال. ولكن
ربما تتضح الرؤيا أكثر لو استوعبنا حقيقة المد الذى تعيشه الرأسمالية
العالمية بعد إنهيار المعسكر الإشتراكي، فى ظل النظام العالمي
الجديد….وانتصار آليات السوق، علي الأقل علي مستوى الدعاية وغسل أدمغة
الجماهير،… وحقيقة محاصرتها للشعوب التى تجلس علي إمكانيات وموارد أولية
هائلة، كالأرض والمعادن، وحقيقة تشابكها “أي الرأسمالية العالمية” مع بعضها
البعض، بغض النظر عن الخلفيات المناطقية والثقافية والدينية. فإذا أنت
لجأت هذه الأيام لصندوق النقد العالمي أو البنك الدولي أو أي من ممولي
الستينات والسبعينات الغربيين، لكي تشيّد بنية تحتية أو تحقق ثمة تقدم
إقتصادي أو تحول إجتماعي…لأرهقوك بالشروط الرأسمالية اليهودية الفتاكة، أو
ربما أشاروا عليك بأن تجرب أهلك العرب لأنهم ميسورو الحال وأصحاب أرصدة
مكتنزة…وإذا عدت لبني عمومتك هؤلاء لفرضوا عليك شروطاً لا يلبيها إلا مثل
قانون الإستثمار سيئ الذكر أعلاه…الذى تفتقت عنه عبقرية الإخوان فى
السودان بعد 24 سنة من حكمهم.

وهذا النمط من الشراكات ليس جديداً مائة بالمائه؛ فسكر كنانة
يشهد علي هذا النوع من الاستغلال الذي يمتص رحيق الأرض ويتركها بعد أربعين
سنة مليئة بالنباتات الضارة وفاقدة للخصوبة، مما يجعلك تعود للسماد
الصناعي…وما يميز المنتوجات الزراعية السودانية حتى اليوم هو أنها
organic…طبيعية
مائة بالمائة، وأرضها “قريرة عز الطين”،… ولم تداخلها كيماويات تسبب
السرطان والفشل الكلوي..إلخ…………ولعلك فى النهاية تعيد اكتشاف الحقيقة التي
تقول بأن هذا ليس زمان العمومة أو الخؤولة…إنما زمن المصالح.

وأوضح مثال لاستغلال
الإمكانيات التى يزخر بها العالم الثالث بواسطة الرأسمالية العالمية، ما
كان يتم فى جمهوريات الموز بأمريكا الوسطي وبكافة دول أمريكا اللاتينية
التى كانت مجرد مزارع ضخمة
plantations
للأثرياء الأمريكان…وما كانت شعوب تلك الدول إلا مجرد عمالة رخيصة لدي
الأمريكان…بلا تعليم أو أي فرص تذكر فى الحياة…حتى أطل عليهم “الربيع
اللاتيني” فى نهاية الثمانينات، قبيل إنهيار المعسكر الإشتراكي……فدكّوا
حصون الدكتاتوريات العميلة للولايات المتحدة، وأقاموا ديمقراطيات، مثل
البرازيل، حققت المعجزات فى زمن قياسي…والبرازيل مثلاً هي إحدى دول البركس
Brics…ومن الإقتصاديات النامية التى يشار لها بالبنان.

وأقرب مثال للسودان هو
زمبابوي التى ظلت حتي سنوات قليلة خلت عبارة عن إقطاعيات يمتلكها
البيض…وشركاؤهم الإنجليز والبيض الجنوب أفريقيون…بينما ظل الشعب الإفريقي
الزمبابوي يرزح تحت الفقر لعشرات السنين بعد الإستقلال في 1980…وطوال تلك
الفترة كان روبرت موقابي ورهطه من حزب الإتحاد الوطني الإفريقي الزمبابوي
يحكمون كأباطرة مرتشين ومرتهنين لدى الأقلية البيضاء…وكانت المزارع
“البيضاء” الشاسعة المساحات والمحاطة بالأسلاك الشائكة والأسوار الخضراء
والمحروسة بالكلاب الألسيشيان…عبارة عن جنان الله فى أرضه، خضرة وزرعاً
وضرعاً وإنتاجاً وفيراً من التبغ والموز والفواكه والخضروات واللحوم…بأحدث
التقنيات…والمستودعات الضخمة المبرّدة…والبنية التحتية المتقدمة التي تحمل
هذه المنتوجات للخارج…والبيض يعيشون فى قوقعتهم المخملية..وفى أنديتهم
الأرستقراطية… بينما السود كأنهم فى العصور الوسطي…ولكن الوعي الذى تناهي
للشعب الزمبابوي بعد انهيار دولة الفصل العنصري بجنوب إفريقيا فى مطلع
التسعينات، وتطور آليات القرية الكونية وأجهزة الإتصال…جعل الشعب يتذمر
ويتنمر…بقيادة النقابي المعارض مورقان شنقراي…وكردة فعل، أعاد الرئيس
موقابي تقمص شخصية المناضل الثوري المعادي للإمبريالية والإقطاع…عام
2008…فبدأ فى تأميم تلك المزارع بطريقة عشوائية وفوضوية بعد ثلاثين سنة من
غض الطرف……ولكن ذلك لم ينقذ الوضع الإقتصادي المزري لزمبابوي…فحاول موقابي
أن يرشي شنقراي بإشراكه فى الحكم، رئيساً للوزراء…وكل ذلك لم يقد لإنقاذ
الإقتصاد أو لأي تحسن فى أحوال الكادحين السود… وسارت الأوضاع من سيء
لأسوأ.

وعلي كل حال، فإن
الاستسلام للتنمية الرأسمالية مائة بالمائه لن يقود إلا لوضع كذلك الذى
تعيش فيه زمبابوي منذ استقلالها قبل نيف وثلاثين عاماً…و لا بد من أخذ
إعتبارات أخري فى الحسبان…خاصة ما يتعلق بتوزيع الثروة والسلطة والإهتمام
بكل المناطق والمكونات المهمشة…وبعدم هيمنة المركز علي الأطراف…وبالحكم
الراشد والشفافية وحرية التنظيم والتعبير.

وفيما يختص
بموضوع الأراضى والاستثمار فى السودان، فإن الخطأ لا يكمن فى هذه الجزئية
فقط، إنما فى النظام بأكمله، إذ لا يستقيم الظل والعود أعوج…فهو نظام فاشل
وفاسد ومرفوض من شعبه وآيل للسقوط…وأي محاولات لضخ دماء فى عروقه بحقن
دولارات نفطية فى خزائنه ثمناً لتلك الاستثمارات المشبوهة…إنما هي نفخ في
جراب مثقوب، لأنها ستذهب فقط لجيوب المافيا الحاكمة…بينما يخسر الشعب
الأرض… ولا يستفيد شيئاً من استثمارات تستزرع فى أحشائه كأنها أعضاء غريبة…
سرعان ما يرفضها الجسد. وأي تورط للمستثمرين العرب مع هذا النظام هو فى
حقيقة أمره دعم لتنظيم الإخوان المسلمين العالمي عبر فرعه الحاكم
بالسودان…تحت رعاية الإمبراطورية الشيعية الإيرانية ذات النوايا
التوسعية…وهذا التنظيم العالمي معروف باستهدافه للأنظمة المستقرة الحاكمة
بكل الدول العربية شرق البحر الأحمر…فهل يدرك الإخوة العرب التواقون
للاستثمار فى السودان هذه الحقائق؟

ألا هل بلغت…اللهم فاشهد!

https://taamelbyot.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى