الرئيسية
فى مثل هذا اليوم ٢٠ أكتوبر عام ١٩٦٦
سمه الأصلى هو محمد الحو واسمه الفنى محمد فوزى، وهو أحد أشهر المطربين والملحنين والممثلين والمنتجين المصريين فى القرن العشرين، وهو مولود فى قرية كفر أبوجندى التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية فى ٢٨ أغسطس عام ١٩١٨، وحصل على الابتدائية من مدرسة طنطا عام ١٩٣١، وكان قد تعلم أصول الموسيقى فى ذلك الوقت على يد عسكرى المطافى محمد الخربتلى، الذى كان يصحبه للغناء فى الموالد والليالى والأفراح.
ثم هبط القاهرة عام ١٩٣٨، واضطربت حياته فيها لفترة قبل العمل فى فرقة بديعة مصابنى ثم فرقة فاطمة رشدى ثم الفرقة القومية للمسرح، وفى عام ١٩٤٤ دخل عالم السينما لأول مرة من خلال دوره فى فيلم سيف الجلاد، وخلال ثلاث سنوات استطاع التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات، وفى عام ١٩٥٨ أسس شركة «مصر فون» لإنتاج الأسطوانات، وتفرغ لإدارتها، وضرب بها شركات الأسطوانات الأجنبية، التى كانت تبيع الأسطوانة بتسعين قرشاً، بينما كان يبيعها هو بخمسة وثلاثين قرشاً، وأنتجت شركته أغانى كبار المطربين فى ذلك العصر مثل: أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وغيرهما إلى أن تم تأميمها سنة ١٩٦١، وتم تعيينه مديراً لها براتب ١٠٠ جنيه، الأمر الذى أصابه باكتئاب حاد، كان مقدمة لمرضه. ومحمد فوزى هو صاحب لحن النشيد الوطنى للجزائر قسما الذى نظمه شاعر الثورة الجزائرية مفدى زكريا.
تزوج محمد فوزى عام ١٩٤٣ بزوجته الأولى السيدة هداية وأنجب منها نبيل وسمير ومنير، وانفصل عنها عام ١٩٥٢، ليتزوج بالفنانة مديحة يسرى وأنجب منها عمرو (وقد توفى لها ابنان من محمد فوزى)، وانفصل عنها عام ١٩٥٩، ثم تزوج عام ١٩٦٠ بزوجته الثالثة كريمة وأنجب منها ابنته الصغرى إيمان بعد عام وظلت معه حتى وفاته.
وحين داهمه المرض احتار أطباء العالم فى تشخيصه، وقرر السفر للعلاج بالخارج، وبالفعل سافر إلى لندن فى أوائل عام ١٩٦٥، ثم عاد إلى مصر، ولكنه سافر مرة أخرى إلى ألمانيا بعدها بشهرين، إلا أن المستشفى الألمانى أصدر بيانا قال فيه إنه لم يتوصل إلى معرفة مرضه الحقيقى ولا كيفية علاجه، ولم يكن هذا المرض سوى سرطان العظام، الذى توفى على إثره فى مثل هذا اليوم ٢٠ أكتوبر عام ١٩٦٦ عن ٤٨ عاما.
صوت رخيم وموهبة تلحينية وتمثيلية يجيد لعبة كرة القدم والألعاب السويدية
محمد فوزي رائد الأغنية الاستعراضية العربية الحديثة
وصفته مجلة «الإثنين»، في العام 1938، «بالمطرب ذي الصوت الرخيم الذي يعرف «العربية»، ويفهم «الإنكليزية»، ويجيد كرة القدم والألعاب السويدية، ويميل الى الدراما وتمثيل الروايات الغنائية والاستعراضية».
في بداياته، اختبره العملاق يوسف وهبي في دور صغير في فيلم «سيف الجلاد» والمخرج محمد كريم أسند إليه أول دور بطولة في فيلم «أصحاب السعادة». وبعد نجاحه الكبير في هذا الفيلم أسس شركة للإنتاج السينمائي حملت اسم «أفلام محمد فوزي» عام 1947، وخلال ثلاث سنوات تربّع على عرش السينما الغنائية طوال الأربعينات والخمسينات.
الإذاعة المصرية التي طالما رفضته مطرباً، دأبت على بث أغانيه السينمائية من دون التعاقد معه، لكنها بعد ثورة تموز 1952، كان المطرب الأكثر طلباً لأغانيه في الإذاعة، سواء بأغنياته الوطنية أو أغنيات الأطفال.
مديحة يسري باحت بالكثير حول حياتها مع الراحل، في مقابلة حصرية «للكواكب». أكثر ما كان يشعرها بالمرارة، هو عدم تكريم الراحل في العقود الأربعة الماضية بعد رحيله، رغم أن وزارة الاقتصاد الحالية كرّمته بوصفه أحد رجال الاقتصاد الوطني المصري.
بحسرة، روت الفنانة الكبيرة كيف أمّمت الدولة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر شركة «مصرفون»، وكانت يسري شريكته في الحياة الزوجية، وفي الشركة أيضاً، قالت: «الدولة لم تقدّر الدور العظيم الذي قام به لخدمة الاقتصاد المصري وقامت بتأميم المصنع والشركة والبيت والسيارات وكل شيء كنّا نملكه، أخذوا حتى ملابسي ولم يبق لي أي شيء إلا «بورتريه» لي كان قد رسمه صلاح طاهر، ثم بيعت الفيلا.
وقاموا بتعيينه مستشاراً فنياً للشركة، لكنه فوجئ في أحد الأيام عندما ذهب في الصباح الى مكتبه، بشخص كفيف يحتل مكانه، فأصيب بصدمة كبيرة وحزن أدى الى إصابته بالسرطان الذي بقي ينهش جسده طوال أربعة أعوام حتى توفي رحمه الله.
تكريم الناس
تتذكر مديحة يسري: «رغم عدم تكريم الدولة له حتى بعد وفاته، إلا أنه حاز تكريم الناس، وجنازة مهيبة، حتى أننا انتظرنا أربع ساعات أمام المدفن الخاص به، لأن الجماهير خرجت لوداعه مما اضطر الداخلية لإرسال سيارات خاصة لتحمل جثمانه الى المدفن.
«أحببت فوزي جداً، لكني حزنت كثيراً عندما علمت بخيانته لي حيث كانت صدمة كبيرة، وطلبت الطلاق لكن استمرت العلاقة طيبة بيننا». هكذا تصف مديحة يسري حياتها مع الفنان الراحل، أما أطرف المواقف حسب مديحة يسري أنها سافرت لتصوير فيلم خارج مصر من دون موافقة فوزي، لكن عند وصولها الى المطار فوجئت بباقة ورد مرسلة إليها منه، ويومها جاءت شقيقته هدى سلطان وأوضحت لها أنه أرسل الورد لخوفه أن تصدق الخبر المنشور في جريدة «الأهرام» والذي يفيد بطلاقه لها، وهو خبر غير صحيح.
وتضيف الفنانة أنها عرفته في البداية كصديق وفيّ وقف الى جانبها بعد وفاة زوجها أحمد سالم، مما كان لذلك أثر كبير في نفسها الى أن طلبها للزواج، فبدأت تنظر إليه نظرة أخرى لتدرس الإنسان الذي سيشاركها حياتها، فأعجبت به: «.. لم أملك نفسي من الإعجاب به فقد كان وفياً، شهماً، كريماً وفوق هذا كله أحسست بأن روحه قد تآلفت مع روحي وأصبحنا شخصاً واحداً وتزوجنا وعشنا معاً ثماني سنوات أعتبرها من أجمل سنوات عمري... وأعتقد أن الصداقة التي جمعتنا قبل الزواج والكيمياء الخاصة بيننا بعد الزواج كانا سبباً في نجاح الثنائيات السينمائية التي قدمناها معاً مثل «قبلة في لبنان»، «فاطمة وماريكا وراشيل» قبل الزواج، وبعده قدمنا: «من أين لك هذا»، «معجزة السماء» و»بنات حواء» وكلها حققت النجاح».
تعتبر مديحة يسري أن محمد فوزي «... كان كوميدياناً من الدرجة الأولى إضافة الى مواهبه المتعددة كملحن ومطرب وممثل».
«وكان إنساناً نادراً ينظر الى محبة جمهوره بأنها أمانة في عنقه لا بد من ردها، وكان شديد الالتصاق بأبناء بلده ومسقط رأسه وأفراد أسرته هناك ويسأل عن الجميع بمن فيهم الفلاحون والفقراء».
وبعد الطلاق، بقيت الصداقة بينهما حتى آخر يوم في حياته وكانا في وفاق وسعادة رغم خسارتها لابنها منه عمرو بحادث سيارة، وكانت الصدمة الكبرى في حياتها.
ترك محمد فوزي أثراً كبيراً لدى جميع الفنانين الذين جاؤوا بعده، فالعديد منهم أعادوا غناء أعماله في حفلات أو تسجيل بعضها في إعادة توزيع جديدة ضمن أسطوانات، وسواء تلك التي لحّنها وغناها بنفسه أو تلك التي لحّنها لغيره من المطربين. ففي الثمانينات من القرن الماضي، غنى له كل من علي الحجّار ومحمد الحلو ومحمد ثروت وإيمان البحر درويش وآخرين كثر أمثال حميد الشاعري الذي أطلق عام 1996 شريطاً بعنوان «حلاوتك يا فوزي»، أعاد توزيع أغنيات: «يا مصطفى»، «حبيبي وعيني»، «تملّي في قلبي»، «ماما زمانها جايه»، «يوم الخميس» و»فطومة».
ومن جيل المطربين الجدد في مصر، حمادة هلال، الذي يعد واحداً من أكثر عشاق محمد فوزي حيث أعاد غناء أشهر أغنيات فوزي للأطفال: «ماما زمانها جايه» و»ذهب الليل طلع الفجر». والمطرب هشام عباس أيضاً غنى هاتين الأغنيتين للأطفال، أما المطرب إيهاب توفيق فقد قام بغناء أغنية «شحات الغرام» أكثر من مرة في حفلاته الغنائية التي يشاركه فيها بعض المطربات في دار الأوبرا مثل مي فاروق وغيرها.
صوت المبتسم
يقول عنه علي الحجّار: «هو المطرب الوحيد الذي يمتلك صوتاً مبتسماً. تشعر وأنت تستمع إليه بالبهجة سواء في خامة صوته أو في طريقة أدائه، بعكس لمحة الشجن الموجودة عندنا جميعاً كمغنين منذ أن استمعنا لتسجيلات كل المطربين القدامى وحتى الآن...».
ويضيف: «أما محمد فوزي كملحن، فكان يصنع لحناً يتّصف بميزتين كبيرتين، أولاهما: «التفرّد»، لأنه كان يلحّن بطريقة تخصه هو وحده ولا تشبه طريقة من سبقوه أو من عاصروه أو من جاؤوا بعده من الملحنين. وثانياً: إن ألحانه كانت متطورة، سابقة لعصرها، لدرجة أن كبار الملحنين الذين سبقوه في الظهور والشهرة كانوا يقتبسون من جمله اللحنية وينسبونها لأنفسهم. ويستطيع أي مستمع جيد أن يرصد الكثير من الجمل اللحنية التي اقتبست، بل سرقت من ألحان محمد فوزي، سواء من الملحنين الذين عاصروه أو من الموجودين بيننا».
أم كلثوم
وعلى لسان علي الحجّار، فإن محمد فوزي قام بزيارة أم كلثوم مصطحباً معه الملحن الراحل بليغ حمدي وقدمه لها قائلاً: «أهو ده اللي مصر حتغنيله في السنين اللي جايه»، فكان أن لحّن بليغ لأم كلثوم إحدى عشرة أغنية. وقلة من الناس الذين يعرفون أن النشيد الوطني الجزائري هو من تلحين الموسيقار الراحل محمد فوزي.
الفنان سمير صبري، ما يزال يحلم بتقديم مسلسل عن حياة محمد فوزي. فمنذ عشرين عاماً يصارع ويتجوّل بين شركات الإنتاج الكبرى لإقناعها بتبني المشروع الضخم. ثم تعاقد مع شركة «صوت القاهرة» وقام بتصوير ثلاث ساعات ثم أخلّت بتعاقدها.
لقد قام الفنان صبري بأخذ جميع الموافقات من الورثة ولم يواجه حسب قوله أي مشكلة من أي نوع، فهو لا يعتبر العمل مجرد سيرة ذاتية للراحل بل هو شهادة سياسية واجتماعية وفنية على العصر الذي عاش فيه.
وكان عنوان الفيلم «عوام على بر الهوى»، ثم تمّ تغييره الى «شحات الغرام»، وتم اختيار العديد من نجوم التمثيل للمشاركة وخصوصاً اختيار الفنانة مديحة يسري التي تقوم بدور الراوية فهي شاهدة ومعايشة لعصر محمد فوزي ليس لأنها زوجته فحسب، بل إلمامها بكل صغيرة وكبيرة في هذه المرحلة. أما سمير صبري فكان سيقوم بدور المنتج حلمي رفلة أحد أهم أصدقاء فوزي.
وما يزال سمير صبري وبعد التوقف عن التصوير وإقامة الدعاوى ضد الشركة مصراً على إكمال مشواره مع محمد فوزي حتى النهاية فهو يعتبره الحلم الذي سيتحدى به كل عائق، لأن محمد فوزي فنان عظيم لم يحصل على التكريم الذي يستحقه وهذا العمل هو أقل ما يمكننا تقديمه له.
محمد فوزي وهدى سلطان كانت تربطهما علاقة وطيدة كشقيقين وإن شابها بعض الجمود أو القطيعة أحياناً، خصوصاً في بداية عمل هدى في الفن والذي كان معارضاً له، إلا أن عدداً من الرسائل التي أرسلها فوزي لشقيقته هدى أثناء مرضه وعلاجه في نيويورك أثبتت أنها كانت قريبة جداً إليه، حتى من زوجاته، حيث كانت تقوم بالعديد من الأمور العائلية والمالية التي يوصيها بها في رسائله.
الفنانة صباح، من أكثر الفنانات اللواتي مثلن معه في الأفلام السينمائية، ووصفت علاقتها بمحمد فوزي بأنها «... لم تكن زمالة فنية، ولكنها تخطت ذلك بمراحل لتصل الى مرحلة الصداقة الوثيقة، خصوصاً أنها وجدت فيه حسب كلامها كل صفات الصديق الوفي المخلص المتمثلة بالشهامة والمروءة والكرم والجدعنة».
وتضيف بأنها كانت تشعر بسعادة غامرة وتفاؤل شديد حين تتلقى عرضاً لبطولة فيلم ويكون بطله محمد فوزي، وهذا بالفعل انعكس على الشاشة ليظهر مدى الحب والمودة اللذين جمعانا ولذلك حققنا العديد من النجاحات في أفلامنا وأبرزها: «الآنسة ماما»، «فاعل خير» وغيرهما.
ووصفت صباح فن فوزي بـ»الشمولية»، ويسعى دائماً لتطوير نفسه ومستواه. وأشارت الفنانة الى أن فوزي كان يحرص على زيارتها حين يأتي الى لبنان، وكان خبر وفاته من أبرز الأحداث الحزينة التي مرّت في حياتها.
الموهبة الموسيقية
أما الجانب الأهم في مسيرة محمد فوزي الفنية، فهي الموهبة الموسيقية، حيث كتب موسيقى لأكثر من خمسين فيلماً سينمائياً ما بين غناء وتلحين أغنيات وموسيقى مقاطع الأفلام، إذ كان يمتلك قدرة على الابتكار حسب رانيا يحيى الدكتور والناقدة وكانت أعماله الموسيقية تعبّر عن مضمون كل فيلم، فتنوّعت أعماله الموسيقية بين الشرقية الصحيحة، الى ما يشبه الموسيقى الكلاسيكية العالمية، وهذا يدل على عبقرية وملكة موسيقية عالية، إضافة الى دراسته الأكاديمية المتخصصة في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية حيث درس علوم الهارموني والكونترانبط، إضافة الى دراسة علم الآلات الموسيقية بمساحاتها الصوتية واستغلالها فنياً بشكل إبداعي للحصول على بنية جديدة وصوت حديث مختلف ومميز، مع اعتماده لجمل لحنية قصيرة ذات مصاحبة هرمونية، وأحياناً بوليفونية تتداخل فيها الألحان في الوقت نفسه مما أثرى ألحانه وصبغها بصبغة عالمية.
الإيقاعات
ومن ناحية الإيقاعات، فكانت حيوية مفعمة بالحياة والنشاط والمرح تعكس شخصيته وتعمل انعكاساً واضحاً لها، فيما تتماشى الموسيقى مع قصة الفيلم حيث خير معبّر عن الشخصيات والمضمون العام. ووصل عدد أغنيات الأفلام ربما ما يزيد على 300 أغنية، كل منها تُعتبر وكأنها أشبه بالفيديو كليبات التي نشهدها في أغنيات اليوم، كأغنية مصورة بدقة وتناغم مع الموسيقى واللحن والصوت المغنى كفن مستقل عن الفيلم ذاته رغم أهميتها في السياق العام للفيلم.
في النهاية، لا بد من اعتراف العالم بإبداع محمد فوزي وبأنه صاحب مدرسة مستقلة، قوية ومتميزة في التلحين والتأليف الموسيقي وفي تطوير العمل السينمائي الاستعراضي عبر كنوز تركها للأجيال ومنها دروس الوطنية أيضاً.
سمه الأصلى هو محمد الحو واسمه الفنى محمد فوزى، وهو أحد أشهر المطربين والملحنين والممثلين والمنتجين المصريين فى القرن العشرين، وهو مولود فى قرية كفر أبوجندى التابعة لمركز طنطا بمحافظة الغربية فى ٢٨ أغسطس عام ١٩١٨، وحصل على الابتدائية من مدرسة طنطا عام ١٩٣١، وكان قد تعلم أصول الموسيقى فى ذلك الوقت على يد عسكرى المطافى محمد الخربتلى، الذى كان يصحبه للغناء فى الموالد والليالى والأفراح.
ثم هبط القاهرة عام ١٩٣٨، واضطربت حياته فيها لفترة قبل العمل فى فرقة بديعة مصابنى ثم فرقة فاطمة رشدى ثم الفرقة القومية للمسرح، وفى عام ١٩٤٤ دخل عالم السينما لأول مرة من خلال دوره فى فيلم سيف الجلاد، وخلال ثلاث سنوات استطاع التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات، وفى عام ١٩٥٨ أسس شركة «مصر فون» لإنتاج الأسطوانات، وتفرغ لإدارتها، وضرب بها شركات الأسطوانات الأجنبية، التى كانت تبيع الأسطوانة بتسعين قرشاً، بينما كان يبيعها هو بخمسة وثلاثين قرشاً، وأنتجت شركته أغانى كبار المطربين فى ذلك العصر مثل: أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وغيرهما إلى أن تم تأميمها سنة ١٩٦١، وتم تعيينه مديراً لها براتب ١٠٠ جنيه، الأمر الذى أصابه باكتئاب حاد، كان مقدمة لمرضه. ومحمد فوزى هو صاحب لحن النشيد الوطنى للجزائر قسما الذى نظمه شاعر الثورة الجزائرية مفدى زكريا.
تزوج محمد فوزى عام ١٩٤٣ بزوجته الأولى السيدة هداية وأنجب منها نبيل وسمير ومنير، وانفصل عنها عام ١٩٥٢، ليتزوج بالفنانة مديحة يسرى وأنجب منها عمرو (وقد توفى لها ابنان من محمد فوزى)، وانفصل عنها عام ١٩٥٩، ثم تزوج عام ١٩٦٠ بزوجته الثالثة كريمة وأنجب منها ابنته الصغرى إيمان بعد عام وظلت معه حتى وفاته.
وحين داهمه المرض احتار أطباء العالم فى تشخيصه، وقرر السفر للعلاج بالخارج، وبالفعل سافر إلى لندن فى أوائل عام ١٩٦٥، ثم عاد إلى مصر، ولكنه سافر مرة أخرى إلى ألمانيا بعدها بشهرين، إلا أن المستشفى الألمانى أصدر بيانا قال فيه إنه لم يتوصل إلى معرفة مرضه الحقيقى ولا كيفية علاجه، ولم يكن هذا المرض سوى سرطان العظام، الذى توفى على إثره فى مثل هذا اليوم ٢٠ أكتوبر عام ١٩٦٦ عن ٤٨ عاما.
صوت رخيم وموهبة تلحينية وتمثيلية يجيد لعبة كرة القدم والألعاب السويدية
محمد فوزي رائد الأغنية الاستعراضية العربية الحديثة
وصفته مجلة «الإثنين»، في العام 1938، «بالمطرب ذي الصوت الرخيم الذي يعرف «العربية»، ويفهم «الإنكليزية»، ويجيد كرة القدم والألعاب السويدية، ويميل الى الدراما وتمثيل الروايات الغنائية والاستعراضية».
في بداياته، اختبره العملاق يوسف وهبي في دور صغير في فيلم «سيف الجلاد» والمخرج محمد كريم أسند إليه أول دور بطولة في فيلم «أصحاب السعادة». وبعد نجاحه الكبير في هذا الفيلم أسس شركة للإنتاج السينمائي حملت اسم «أفلام محمد فوزي» عام 1947، وخلال ثلاث سنوات تربّع على عرش السينما الغنائية طوال الأربعينات والخمسينات.
الإذاعة المصرية التي طالما رفضته مطرباً، دأبت على بث أغانيه السينمائية من دون التعاقد معه، لكنها بعد ثورة تموز 1952، كان المطرب الأكثر طلباً لأغانيه في الإذاعة، سواء بأغنياته الوطنية أو أغنيات الأطفال.
مديحة يسري باحت بالكثير حول حياتها مع الراحل، في مقابلة حصرية «للكواكب». أكثر ما كان يشعرها بالمرارة، هو عدم تكريم الراحل في العقود الأربعة الماضية بعد رحيله، رغم أن وزارة الاقتصاد الحالية كرّمته بوصفه أحد رجال الاقتصاد الوطني المصري.
بحسرة، روت الفنانة الكبيرة كيف أمّمت الدولة في عهد الرئيس جمال عبدالناصر شركة «مصرفون»، وكانت يسري شريكته في الحياة الزوجية، وفي الشركة أيضاً، قالت: «الدولة لم تقدّر الدور العظيم الذي قام به لخدمة الاقتصاد المصري وقامت بتأميم المصنع والشركة والبيت والسيارات وكل شيء كنّا نملكه، أخذوا حتى ملابسي ولم يبق لي أي شيء إلا «بورتريه» لي كان قد رسمه صلاح طاهر، ثم بيعت الفيلا.
وقاموا بتعيينه مستشاراً فنياً للشركة، لكنه فوجئ في أحد الأيام عندما ذهب في الصباح الى مكتبه، بشخص كفيف يحتل مكانه، فأصيب بصدمة كبيرة وحزن أدى الى إصابته بالسرطان الذي بقي ينهش جسده طوال أربعة أعوام حتى توفي رحمه الله.
تكريم الناس
تتذكر مديحة يسري: «رغم عدم تكريم الدولة له حتى بعد وفاته، إلا أنه حاز تكريم الناس، وجنازة مهيبة، حتى أننا انتظرنا أربع ساعات أمام المدفن الخاص به، لأن الجماهير خرجت لوداعه مما اضطر الداخلية لإرسال سيارات خاصة لتحمل جثمانه الى المدفن.
«أحببت فوزي جداً، لكني حزنت كثيراً عندما علمت بخيانته لي حيث كانت صدمة كبيرة، وطلبت الطلاق لكن استمرت العلاقة طيبة بيننا». هكذا تصف مديحة يسري حياتها مع الفنان الراحل، أما أطرف المواقف حسب مديحة يسري أنها سافرت لتصوير فيلم خارج مصر من دون موافقة فوزي، لكن عند وصولها الى المطار فوجئت بباقة ورد مرسلة إليها منه، ويومها جاءت شقيقته هدى سلطان وأوضحت لها أنه أرسل الورد لخوفه أن تصدق الخبر المنشور في جريدة «الأهرام» والذي يفيد بطلاقه لها، وهو خبر غير صحيح.
وتضيف الفنانة أنها عرفته في البداية كصديق وفيّ وقف الى جانبها بعد وفاة زوجها أحمد سالم، مما كان لذلك أثر كبير في نفسها الى أن طلبها للزواج، فبدأت تنظر إليه نظرة أخرى لتدرس الإنسان الذي سيشاركها حياتها، فأعجبت به: «.. لم أملك نفسي من الإعجاب به فقد كان وفياً، شهماً، كريماً وفوق هذا كله أحسست بأن روحه قد تآلفت مع روحي وأصبحنا شخصاً واحداً وتزوجنا وعشنا معاً ثماني سنوات أعتبرها من أجمل سنوات عمري... وأعتقد أن الصداقة التي جمعتنا قبل الزواج والكيمياء الخاصة بيننا بعد الزواج كانا سبباً في نجاح الثنائيات السينمائية التي قدمناها معاً مثل «قبلة في لبنان»، «فاطمة وماريكا وراشيل» قبل الزواج، وبعده قدمنا: «من أين لك هذا»، «معجزة السماء» و»بنات حواء» وكلها حققت النجاح».
تعتبر مديحة يسري أن محمد فوزي «... كان كوميدياناً من الدرجة الأولى إضافة الى مواهبه المتعددة كملحن ومطرب وممثل».
«وكان إنساناً نادراً ينظر الى محبة جمهوره بأنها أمانة في عنقه لا بد من ردها، وكان شديد الالتصاق بأبناء بلده ومسقط رأسه وأفراد أسرته هناك ويسأل عن الجميع بمن فيهم الفلاحون والفقراء».
وبعد الطلاق، بقيت الصداقة بينهما حتى آخر يوم في حياته وكانا في وفاق وسعادة رغم خسارتها لابنها منه عمرو بحادث سيارة، وكانت الصدمة الكبرى في حياتها.
ترك محمد فوزي أثراً كبيراً لدى جميع الفنانين الذين جاؤوا بعده، فالعديد منهم أعادوا غناء أعماله في حفلات أو تسجيل بعضها في إعادة توزيع جديدة ضمن أسطوانات، وسواء تلك التي لحّنها وغناها بنفسه أو تلك التي لحّنها لغيره من المطربين. ففي الثمانينات من القرن الماضي، غنى له كل من علي الحجّار ومحمد الحلو ومحمد ثروت وإيمان البحر درويش وآخرين كثر أمثال حميد الشاعري الذي أطلق عام 1996 شريطاً بعنوان «حلاوتك يا فوزي»، أعاد توزيع أغنيات: «يا مصطفى»، «حبيبي وعيني»، «تملّي في قلبي»، «ماما زمانها جايه»، «يوم الخميس» و»فطومة».
ومن جيل المطربين الجدد في مصر، حمادة هلال، الذي يعد واحداً من أكثر عشاق محمد فوزي حيث أعاد غناء أشهر أغنيات فوزي للأطفال: «ماما زمانها جايه» و»ذهب الليل طلع الفجر». والمطرب هشام عباس أيضاً غنى هاتين الأغنيتين للأطفال، أما المطرب إيهاب توفيق فقد قام بغناء أغنية «شحات الغرام» أكثر من مرة في حفلاته الغنائية التي يشاركه فيها بعض المطربات في دار الأوبرا مثل مي فاروق وغيرها.
صوت المبتسم
يقول عنه علي الحجّار: «هو المطرب الوحيد الذي يمتلك صوتاً مبتسماً. تشعر وأنت تستمع إليه بالبهجة سواء في خامة صوته أو في طريقة أدائه، بعكس لمحة الشجن الموجودة عندنا جميعاً كمغنين منذ أن استمعنا لتسجيلات كل المطربين القدامى وحتى الآن...».
ويضيف: «أما محمد فوزي كملحن، فكان يصنع لحناً يتّصف بميزتين كبيرتين، أولاهما: «التفرّد»، لأنه كان يلحّن بطريقة تخصه هو وحده ولا تشبه طريقة من سبقوه أو من عاصروه أو من جاؤوا بعده من الملحنين. وثانياً: إن ألحانه كانت متطورة، سابقة لعصرها، لدرجة أن كبار الملحنين الذين سبقوه في الظهور والشهرة كانوا يقتبسون من جمله اللحنية وينسبونها لأنفسهم. ويستطيع أي مستمع جيد أن يرصد الكثير من الجمل اللحنية التي اقتبست، بل سرقت من ألحان محمد فوزي، سواء من الملحنين الذين عاصروه أو من الموجودين بيننا».
أم كلثوم
وعلى لسان علي الحجّار، فإن محمد فوزي قام بزيارة أم كلثوم مصطحباً معه الملحن الراحل بليغ حمدي وقدمه لها قائلاً: «أهو ده اللي مصر حتغنيله في السنين اللي جايه»، فكان أن لحّن بليغ لأم كلثوم إحدى عشرة أغنية. وقلة من الناس الذين يعرفون أن النشيد الوطني الجزائري هو من تلحين الموسيقار الراحل محمد فوزي.
الفنان سمير صبري، ما يزال يحلم بتقديم مسلسل عن حياة محمد فوزي. فمنذ عشرين عاماً يصارع ويتجوّل بين شركات الإنتاج الكبرى لإقناعها بتبني المشروع الضخم. ثم تعاقد مع شركة «صوت القاهرة» وقام بتصوير ثلاث ساعات ثم أخلّت بتعاقدها.
لقد قام الفنان صبري بأخذ جميع الموافقات من الورثة ولم يواجه حسب قوله أي مشكلة من أي نوع، فهو لا يعتبر العمل مجرد سيرة ذاتية للراحل بل هو شهادة سياسية واجتماعية وفنية على العصر الذي عاش فيه.
وكان عنوان الفيلم «عوام على بر الهوى»، ثم تمّ تغييره الى «شحات الغرام»، وتم اختيار العديد من نجوم التمثيل للمشاركة وخصوصاً اختيار الفنانة مديحة يسري التي تقوم بدور الراوية فهي شاهدة ومعايشة لعصر محمد فوزي ليس لأنها زوجته فحسب، بل إلمامها بكل صغيرة وكبيرة في هذه المرحلة. أما سمير صبري فكان سيقوم بدور المنتج حلمي رفلة أحد أهم أصدقاء فوزي.
وما يزال سمير صبري وبعد التوقف عن التصوير وإقامة الدعاوى ضد الشركة مصراً على إكمال مشواره مع محمد فوزي حتى النهاية فهو يعتبره الحلم الذي سيتحدى به كل عائق، لأن محمد فوزي فنان عظيم لم يحصل على التكريم الذي يستحقه وهذا العمل هو أقل ما يمكننا تقديمه له.
محمد فوزي وهدى سلطان كانت تربطهما علاقة وطيدة كشقيقين وإن شابها بعض الجمود أو القطيعة أحياناً، خصوصاً في بداية عمل هدى في الفن والذي كان معارضاً له، إلا أن عدداً من الرسائل التي أرسلها فوزي لشقيقته هدى أثناء مرضه وعلاجه في نيويورك أثبتت أنها كانت قريبة جداً إليه، حتى من زوجاته، حيث كانت تقوم بالعديد من الأمور العائلية والمالية التي يوصيها بها في رسائله.
الفنانة صباح، من أكثر الفنانات اللواتي مثلن معه في الأفلام السينمائية، ووصفت علاقتها بمحمد فوزي بأنها «... لم تكن زمالة فنية، ولكنها تخطت ذلك بمراحل لتصل الى مرحلة الصداقة الوثيقة، خصوصاً أنها وجدت فيه حسب كلامها كل صفات الصديق الوفي المخلص المتمثلة بالشهامة والمروءة والكرم والجدعنة».
وتضيف بأنها كانت تشعر بسعادة غامرة وتفاؤل شديد حين تتلقى عرضاً لبطولة فيلم ويكون بطله محمد فوزي، وهذا بالفعل انعكس على الشاشة ليظهر مدى الحب والمودة اللذين جمعانا ولذلك حققنا العديد من النجاحات في أفلامنا وأبرزها: «الآنسة ماما»، «فاعل خير» وغيرهما.
ووصفت صباح فن فوزي بـ»الشمولية»، ويسعى دائماً لتطوير نفسه ومستواه. وأشارت الفنانة الى أن فوزي كان يحرص على زيارتها حين يأتي الى لبنان، وكان خبر وفاته من أبرز الأحداث الحزينة التي مرّت في حياتها.
الموهبة الموسيقية
أما الجانب الأهم في مسيرة محمد فوزي الفنية، فهي الموهبة الموسيقية، حيث كتب موسيقى لأكثر من خمسين فيلماً سينمائياً ما بين غناء وتلحين أغنيات وموسيقى مقاطع الأفلام، إذ كان يمتلك قدرة على الابتكار حسب رانيا يحيى الدكتور والناقدة وكانت أعماله الموسيقية تعبّر عن مضمون كل فيلم، فتنوّعت أعماله الموسيقية بين الشرقية الصحيحة، الى ما يشبه الموسيقى الكلاسيكية العالمية، وهذا يدل على عبقرية وملكة موسيقية عالية، إضافة الى دراسته الأكاديمية المتخصصة في معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية حيث درس علوم الهارموني والكونترانبط، إضافة الى دراسة علم الآلات الموسيقية بمساحاتها الصوتية واستغلالها فنياً بشكل إبداعي للحصول على بنية جديدة وصوت حديث مختلف ومميز، مع اعتماده لجمل لحنية قصيرة ذات مصاحبة هرمونية، وأحياناً بوليفونية تتداخل فيها الألحان في الوقت نفسه مما أثرى ألحانه وصبغها بصبغة عالمية.
الإيقاعات
ومن ناحية الإيقاعات، فكانت حيوية مفعمة بالحياة والنشاط والمرح تعكس شخصيته وتعمل انعكاساً واضحاً لها، فيما تتماشى الموسيقى مع قصة الفيلم حيث خير معبّر عن الشخصيات والمضمون العام. ووصل عدد أغنيات الأفلام ربما ما يزيد على 300 أغنية، كل منها تُعتبر وكأنها أشبه بالفيديو كليبات التي نشهدها في أغنيات اليوم، كأغنية مصورة بدقة وتناغم مع الموسيقى واللحن والصوت المغنى كفن مستقل عن الفيلم ذاته رغم أهميتها في السياق العام للفيلم.
في النهاية، لا بد من اعتراف العالم بإبداع محمد فوزي وبأنه صاحب مدرسة مستقلة، قوية ومتميزة في التلحين والتأليف الموسيقي وفي تطوير العمل السينمائي الاستعراضي عبر كنوز تركها للأجيال ومنها دروس الوطنية أيضاً.
الإثنين مايو 27, 2024 10:25 pm من طرف