يا اهل العرب والطرب
-[welcoOome]--
مرحبا بك ايها الزائر الكريم
مرحبًا بك ما خطّته الأقلام من حروف
مرحبًا عدد ما أزهر بالأرض زهور
مرحبا ممزوجة .. بعطر الورد .. ورائحة البخور
مرحبا بك بين إخوانك وأخواتك
منورين المنتدى بوجودكم ايها اعضاء وزوارنا الكرام
تحيات الادارة/يا اهل العرب

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

يا اهل العرب والطرب
-[welcoOome]--
مرحبا بك ايها الزائر الكريم
مرحبًا بك ما خطّته الأقلام من حروف
مرحبًا عدد ما أزهر بالأرض زهور
مرحبا ممزوجة .. بعطر الورد .. ورائحة البخور
مرحبا بك بين إخوانك وأخواتك
منورين المنتدى بوجودكم ايها اعضاء وزوارنا الكرام
تحيات الادارة/يا اهل العرب
يا اهل العرب والطرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اسلامي ثقافي رياضي فن افلام صور اغاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

الشاعر نجيب سرور الجائع المشرد، نهاية مشواره مستشفي المجانين!

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

Admin

Admin
مدير الموقع

الشاعر نجيب سرور  الجائع المشرد، نهاية  مشواره مستشفي  المجانين!
الشاعر نجيب سرور  الجائع المشرد، نهاية  مشواره مستشفي  المجانين! Naguib-seror

وُلد نجيب سرور عام 1932 في قرية إخطاب بمحافظة الدقهلية، وهي احدى أهم قلاع الاقطاع المصري فى ذلك الزمن. وقد ظلت إخطاب بفلاحيها ومآسيها وغيطانها، متغلغلة في نسيج حياة نجيب سرور وفي الكثير من كتاباته ومسرحياته. منها استخرج المادة البشرية والحياتية الأولى لأدبه، وفيها تلقى معارفه الأولى، إذ تشرب بالموروث الشعبي من عادات وحكايات وأمثال واعتقادات وأساطير. وفيها قرأ ما ألقت به الأيام بين يديه، خاصة وأن والده محمد سرور امتلك مجموعة من الكتب يُعتد بها، وكانت له محاولات شعرية وقصصية. وكثيرا ما حث الأب ابنه نجيب على القراءة والكتابة، على خلاف الحال مع ثروت الأخ الأكبر لنجيب الذى اختصته الأسرة بأعمال "الغيط"، والذي أكمل تعليمه لاحقا، على أمل أن يحقق الابن نجيب سرور حلم الأب محمد سرور، بأن يصبح كاتبا وأديبا يُشار إليه بالبنان، فلم تكن المناقشات الأدبية بين الابن نجيب سرور ووالده لتنقطع يوما فى تلك المرحلة. وبالفعل التحق نجيب بالمدرسة الابتدائية وبدأ رحلته التعليمية، وتفوق وشُغف بالقراءة، وتمتع بحس نقدي راق، حتى أن الكتاب لم يكن ليفارق يده. ومرت الأيام ونجح نجيب فى الابتدائية، ثم التحق بالمدرسة الثانوية، فلم تكن على أيامه المرحلة الاعدادية. وبدأ الصبي نجيب ينضج، كان لا يترك كتب الشعر من يديه وخاصة كتب أبي العلاء المعري ـ موضوع هذا الكتاب ـ على صعوبتها، خاصة لمن هم في مثل سنه آنذاك.
وطبقا لرواية نجيب سرور (فارس آخر زمن!) وهى رواية غير منشورة تجسد السيرة الذاتية لنجيب سرور، حال رحيله دون اكتمالها، كان الوالد محمد سرور بحكم وظيفته دائم التنقل من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة بين الوجهين البحري والقبلي، فقد ترك التدريس الالزامي والتحق بمدرسة الصيارفة، وأصبح يملك ثلاثة عشر فدانا. وفي مدرسة مغاغة الثانوية اشترك نجيب لأول مرة في تمثيل مسرحية (أصدقاء السوء). وفي كلية الحقوق التى اختارها له والده انضم نجيب الى فريق التمثيل، واشترك مع زميله كرم مطاوع فى تمثيل مسرحية (نهر الجنون) لتوفيق الحكيم من اخراج سعد أردش الطالب آنذاك.
وبدأت اهتمامات نجيب تزداد بالتمثيل، فالتحق مع كرم مطاوع، وفي عام واحد، بالمعهد العالي للفنون المسرحية مع كلية الحقوق، بيد أن نجيب لم يلبث أن ترك دراسة الحقوق فى السنة النهائية ليتفرغ للمعهد. ولكم أغضب ذلك الأب، الذى لم يبث أن غفر لابنه فعلته تلك بعد أن عرف أن هناك نية لايفاد بعثات إلى الخارج، وإلى روسيا بالذات، فقد كانت طرق البعثات إلى لندن وباريس مغلقة عقب حرب 1956. بعثة إلى الخارج ودكتوراه قد تحمي ابنه من الضياع فى عالم الفن والأدب بين أذرع الأخطبوط الذي كان يوشك هو ـ الوالد نفسه ـ أن يضيع بينها فى مطلع شبابه حين كان يكتب الشعر والمسرحيات!..ويحمل مجرد شهادة مدرسة المعلمين. وبالفعل فاز نجيب بالبعثة، وكان قد أقسم بينه وبين نفسه على ألا يعود إلى مصر، فيما لو اتيحت له فرصة الخروج منها، لما سادها آنذاك من قمع شرس لأصحاب الرأى وسجناء الضمير. وراح الأب محمد سرور يشترى لولده لوازمه، وأوصاه فى قصيدة الوداع التى ألقاها بين المودعين أن يعيش دائما بعقله وقلبه ووجدانه فى وطنه مصر مهما باعدت بينهما المسافات والسنوات!
وفي موسكو ضرب نجيب على نفسه عزلة، لاقتناعه ـ كما قال لصديقه أبو بكر يوسف فيما بعد ـ بأن المبعوثين المصريين آنذاك (عام 1959) كانوا منتقين بعناية من أجهزة المباحث بحيث لا يفلت منهم تقدمي واحد. أما هو فأفلت بأعجوبة، لأنه وصل إلى موسكو فى قمة الحملة المعادية للشيوعية فى الجمهورية العربية المتحدة، وهي حملة صاحبت إقامة الوحدة بين مصر وسوريا. ولعبت دورا مأساويا في حياة نجيب سرور في موسكو. فما ان أفصح نجيب سرور عن انتمائه للفكر الماركسي، وأشاع انه كان عضوا بأحد التنظيمات الشيوعية في مصر (جماعة حدتو) حتى وجد نفسه محاصرا بشكوك وريب قوية من قادة التنظيمات الشيوعية العربية في موسكو، وخاصة تنظيم الحزب الشيوعي السوري الذي كان يقوده في موسكو أحد أعضاء اللجنة المركزية للحزب اللاجئين الى الاتحاد السوفيتي. وكان مبعث الريبة هو: كيف يتمكن شخص يقول انه شيوعي من المجيء الى موسكو في هذه الفترة بالذات، ويفلت من أجهزة المباحث المصرية التى كانت في أوج عنفوانها، بل وفوق ذلك يأتي طالبا فى بعثة حكومية!
وفي محاولة منه لتبديد هذه الشكوك جنح نجيب الى التطرف، فلجأ الى تشكيل مجموعة من "الديمقراطيين المصريين" لإصدار البيانات واتخاذ المواقف المعادية للنظام الحاكم، واستغل ذات مرة فرصة انعقاد أحد المؤتمرات التضامنية مع الشعب الكوبي في جامعة موسكو فقفز إلى المنصة واستولى عليها، وأطلق بيانا ناريا ضد "النظام القمعي الديكتاتوري" في مصر وسوريا. وبينما هدرت القاعة المملوءة عربا وأجانب بالتصفيق ظهر الحرج والضيق على أوجه المسئولين في الجامعة، الذين وضعهم نجيب في ورطة شديدة. ونجحوا أخيرا في تنحيته عن المنصة ولكن بعد فوات الأوان! ففي اليوم التالي احتجت السفارة المصرية على جامعة موسكو، وفُصل نجيب من البعثة (هو وماهر عسل الذي ترجم له البيان وألقاه بالروسية) وأُلغى جوازا سفرهما، وطالبت السلطات المصرية المسئولين السوفيت بترحيل نجيب سرور وماهر عسل إلى القاهرة فورا!.
بهذه الحركة نجح نجيب في كسب ثقة الشيوعيين العرب في موسكو فدافعوا عن بقائه فيها وتكللت مساعيهم لدى السلطات السوفييتية بالنجاح فظل نجيب في موسكو، ولكنه نُقل إلى مدينة جامعية أخرى حتى لا يحتك بالمبعوثين المصريين الهائجين ضده. وبمرور الوقت أدرك نجيب انه ارتكب حماقة، ولم يعد يدري ماذا يفعل بهذه المجموعة الصغيرة التى التصقت به. واعترف لأعضائها صراحة بأنه لا يفقه شيئا في السياسة، وأنه لا يريد أن يلحق بهم الضرر، ولذلك قرر تركهم والانصراف إلى الدراسة، ونصحهم أن يحذو حذوه.
وبالفعل، وفي الوقت الذي بدا وكأن أمور نجيب سرور تسير إلى الأفضل، بعد تبدد سحب الشكوك فيه وانتصاره في المواجهة مع السلطات الحكومية المصرية آنذاك، سواء برفضه أمرا منها بالعودة إلى مصر بعد ثلاثة أشهر من وصوله إلى موسكو، أو بصموده أمام الضغوط التى مورست ضده بعد فصله من البعثة، أخذ نجيب يبتعد عن مجموعته الصغيرة ويغرق في الشراب والديون. وفى هذه الفترة بدأ يكتب قصيدة "العودة" التى أورد مقاطع منها في ديوانه "لزوم ما يلزم" وهى قصيدة مغرقة في اليأس والضياع والحنين إلى الوطن:
"يا مصر يا وطني الحبيب!
يا عش عصفور رمته الريح في عش
غريب،
يا مرفئي..آت أنا آت..
ولو في جسمي المهزول آلاف
الجراح..
وكما ذهبت مع الرياح..
يوما أعود مع الرياح..
ومتى تهب الريح..أو هبت..
فهل تأتي بما يهوى الشراع؟
ها أنت تصبح في الضياع..
في اليأس..شاة عاجزة..
ماذا لها، إن سُلت السكين، غير
المعجزة؟!.."
وهجر نجيب سرور المسرح الذي كان يدرس فيه تحت إشراف المخرج الكبير نيكولاي أخلوبوكوف متعللا بأن أخلوبوكوف مخرج شكلي يهوى المؤثرات الصوتية والضوئية ولا يغوص في أعماق النص المسرحي. وبالطبع لم يكن هذا هو السبب الحقيقي الذي نفر نجيب من دراسة المسرح، ودفعه للتفكير الجدي فى اعداد اطروحته للدكتوراه عن ثلاثية الروائي المصري نجيب محفوظ، وإنما كانت الأزمة الحادة التى أخذت تتفاعل في أعماقه، والتي لم يجد سرور سوى الاغراق في الشراب كوسيلة للهروب منها. وذات مرة سأله صديقه أبو بكر يوسف مستنكرا ـ وكان يجالسه في أحد المطاعم ـ:
ـ لماذا تفرط في الشراب إلى هذا الحد؟
فأجاب:
ـ لكي أنسى!
قال له:
ـ وما الذي تريد أن تنساه؟
فأجاب بروح دعابته الحاضرة دائما:
ـ وهل تراني أذكر!
في أواخر فترة وجوده في موسكو، حوالي عام 1963 بدأ نجيب يُكثر من الحديث عن النفوذ الصهيوني في الاتحاد السوفيتي. واستنكر من حوله منه ذلك بشدة، ولم يصدقوا أن الاتحاد السوفيتي يمكن أن يكون خاضعا للنفوذ الصهيوني، واعتبر زملاء نجيب أنه يغالي كعادته، وخاصة في ظل تفاقم أزمته الشخصية.
ثم وقعت الحادثة التي وضعت نهاية لبقاء نجيب سرور في موسكو...
كان نجيب يسامر أحد الأصدقاء اليمنيين فحدثت مشاحنة بينه وبين أحد الرواد الذي ظنهما يهينانه. وتدخل رجال الشرطة وحاولوا اقتياده بلي ذراعيه. وكان نجيب قوي البنية، فتخلص منهم بقوة اعتبروها مقاومة، فاجتمعوا عليه واقتادوه إلى مبنى الشرطة حيث أوسعوه ضربا. وقال نجيب لصديقه أبي بكر يوسف وهو يروي هذه الواقعة: لقد بكيت آنذاك ليس من الألم بل على انهيار المثال ـ يقصد المثال الشيوعي بالطبعـ، وأحسست أنه لا فرق بين شرطة سوفيتية ومباحث مصرية، فكلها أجهزة قمع، وإنما نحن الذين صدقنا الأوهام عن "الإنسانية الاشتراكية"..
وسافر نجيب إلى بودابست بدعوة من أحد اللاجئين السياسيين المصريين هناك، حيث عمل في القسم العربي بإذاعة بودابست، وواجه هناك الغيرة والحقد من جانب الشيوعيين السوريين الذين كانوا فى معظمهم غير مؤهلين لمجاراة نجيب فى قدراته وابداعاته فناصبوه العداء. فعاودت نجيب سرور أزمته التي لم يفلح تغيير المكان في إطفاء جذوتها، وكان يتصل بزوجته طالبة الآداب الروسية ساشا كورساكوفا وصديقه أبي بكر يوسف من هناك، مؤكدا لهما على معاداة الشيوعيين السوريين له وسعيهم لابعاده والتخلص منه، علاوة على تأكيده على استفحال النفوذ الصهيوني لا في القسم العربي في إذاعة بودابست فحسب بل وفى معظم أوجه الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية في المجر.
وذات مرة اتصل نجيب بصديقه أبي بكر يوسف من بودابست، وكان ذلك في ربيع عام 1964، وطلب من عاملة البدالة أن تكون المكالمة على حسابه، فوافق صديقه مستغربا، وعندما تم الاتصال أخبره نجيب أنه طلب ذلك لأنه لا يملك ثمن المكالمة، وقال بصوت متهدج أفجعت نبرته المتهالكة أبا بكر يوسف إنه جائع ولم يأكل منذ أيام، وسيذهب اليوم التالي إلى السفارة المصرية "ليسلم نفسه" (كما قال) لأنه لم يعد يحتمل الزيف المحيط به، ويريد أن يعود إلى مصر ليموت فيها، مثل سنوحي!
رجاه صديقه أن يهدأ وألا يتسرع على أمل تدبير الأمر، ولكن نجيب أصر قائلا إنه لم يعد ثمة معنى للاستمرار في لعبة الخداع، فالعالم كله لصوص ومخدوعون، وما المذاهب إلا أساليب يلجأ إليها اللصوص لتغطية سرقاتهم. وبهذه المناسبة فقد كتب نجيب سرور في بودابست قصيدته الشهيرة "المسيح واللصوص" حيث "اتهم" فيها المسيح بأنه السبب في ظهور اللصوص الذين أخذوا يتاجرون باسمه، وباسمه يحكمون!
وحين يحاول "مسيح نجيب سرور" أن يرد على الشاعر بأنه سيعود ليصحح الأوضاع يجادله الشاعر:
ـ هل تصدق ما تقول؟
ـ الآب قال بأنني حتما أعود
ملكا على أرض البشر
لتسود فى الناس المسرة والسلام!
ـ لو عدت..من ذا يعرف؟
ـ سأقول: جئت أنا المسيح!
ـ سيطالبونك بالدليل
ـ ستكون في جيبي البطاقة والجواز
ـ هذا قليل..
ما أسهل التزوير للأوراق في عصر
اللصوص
ولديهم (الخبراء) سوف يؤكدون
إن الهوية زائفة!
ـ لكن عليها الختم..ختم الآب!!
ـ يا بئس الدليل!
سيؤكد الخبراء أن الختم برهان على
زيف الهوية!
ـ سأريهم هذى الثقوب..
في جبهتي ـ أنظر ـ وفى الكفين،
في الرجلين..
جئت أنا المسيح!
سيقول لوقا: قال مرقص
إن متى قال، يوحنا يقول:
"في البدء كان الأمر "اصلب
والآن صار الصلب أوجب!"
حتما ستصلب من جديد
هم في انتظارك ـ كل أتباعك، قطعان
اللصوص ـ
هم في انتظارك بالصليب..
ماذا؟ أتبكي؟ كل شيء مضحك حتى
الدموع!
ألعصر يضحك من دموعك، من
دموعي، عصرنا
عصر اللصوص،
بل أنت..حتى أنت لص!
لو لم تكن ما كان في الأرض
اللصوص!
حتى أنا لص..ألم أخدع طويلا
باللصوص؟!
فى هذه الأثناء كتب الناقد المصري رجاء النقاش فى جريدة الجمهورية مقالا بعنوان "مأساة فنان مصري في بودابست"، تحدث فيه عن معاناة نجيب وتعرضه لمخاطر جمة وشبهه بأنه "قط فوق سطح من الصفيح الساخن" على حد تعبير تنسي وليامز، وهذا السطح ـ طبقا للنقاش ـ هو القلق الذي لايرحم، ولا يتيح لاصحابه عمرا هادئا، أو حياة بلا تقلبات عنيفة مرة! وبدا واضحا حرص الناقد المصري على استمالة النظام الحاكم آنذاك للسماح لنجيب بالعودة إلى مصر، حتى أنه قرر صراحة فى نهاية مقاله: "إن حنين هذا الفنان ـ يقصد نجيب ـ الى وطنه ليس جريمة، وتفكيره في بلاده عندما تأزمت به الأمور وانسدت في وجهه الطرق هو نوع من التوبة الصادقة ينبغي أن نقبله منه ونساعده عليه"!
وبالفعل عاد نجيب سرور عام 1964 لأرض الوطن يحمل صك الغفران الذى نجح رجاء النقاش فى استمالة النظام المصري الحاكم آنذاك ليمنحه للفنان التائب ـ على حد تعبير رجاء النقاش فى مقالته الشهيرة ـ نجيب سرور!! كان واضحا ان نجيب يحمل مخزونا كبيرا من المعرفة والخبرة الدراسية والحياتية، والمشاريع والأفكار، مع تقلص واضح فى الفجوة ما بين أقواله وأفعاله. دخل نجيب رأسا في قلب الأحداث، وبشكل عاصف، ومتدفق، ومتعدد المجالات: في الاخراج المسرحي، والتمثيل، وكتابة الأغاني، وكتابة الشعر الحديث الذى يتميز بتركيبه الدراميـ على الأخص فى ديوانه الشيق "لزوم ما يلزم"، وكتابة المسرح الشعري، وهو مجال نشاطه الابداعي الأساسي فى هذه المرحلة. فقد جاء نجيب سرور حاملا للمسرح الشعري نقلة الى مرحلة جديدة، مختلفة، وكان عمله التمهيدي لهذه النقلة الرائعة هو ملحمته الشعرية الشعبية (ياسين وبهية)، وكان قد وضعها وهو فى موسكو ثم بودابست. هذه الملحمة استطاع المخرج كرم مطاوع أن يمسرحها بمهارة وابداع، فكانت حدثا مهما يكشف قدرات الاخراج على مسرحة الشعر عندما يتضمن الشعر عناصر الدراما.
وفي المعهد العالي للفنون المسرحية، حيث كان يدرس، كان نجيب سرور يقول ما يريد كما يريد، ويلقي دروسه في المسرح وتاريخه من وجهة نظره العلمية الثورية. لهذا طُرد نجيب من المعهد الذي كان يقوم فيه بتدريس مادتي التمثيل والاخراج، وكان يلقى فيه المحاضرات بكل صراحة وشجاعة عن أزمة المسرح في مصر. وعن محنته تلك يقول نجيب سرور فى استغاثته الى محرر مجلة الكواكب عام 1968 ما نصه: "..في تقرير للخبير الفرنسي السيد توشار شهادة لي بأنني أحسن أستاذ بالمعهد العالي للفنون المسرحية، عرفت هذا من السيد الوزير نفسه ومن الدكتور مصطفى سويف. ومع ذلك وبعد عامين من التدريس في المعهد، وبعد هذا التقرير، فوجئت باستبعادي من المعهد! كيف؟ ولماذا؟ وهكذا..لا معهد..ولا عمل بالمؤسسة..ولا تعيين..ولا دخل منتظم..ولا مرتب ثابت..ولا اطمئنان إلى اليوم والغد وما بعد الغد!..ولا يمكن طبعا الاعتماد على فرص العمل المتباعدة وغير المنتظمة في الإذاعة والتليفزيون. وأنت تعلم لماذا؟"!
وتتكاثر الحوادث المؤلمة ويتشرد نجيب سرور ويجوع، ويحاولون استيعابه باغرائه بأن يقدم للتليفزيون أعمالا ترفيهية لا تقول شيئا ولا تتعرض لشيء مقابل آلاف الجنيهات. فيتعفف نجيب سرور وهو الجائع المشرد، ويقول لعارض الصفقة هذه: "قل لوزيرك إن هذه اللعبة القذرة يجيدها غيري، وهم أكثر من الهم على القلب. أما أنا فلن أقبل هذه الرشوة المقنعة"!..ويعود نجيب إلى الجوع والتسكع، بل والاستجداء! ويتهمونه بالجنون، ويرسلوه إلى مستشفيات المجانين!
ولندع الرجل يصف لنا واحدة من تجاربه المخيفة والمرعبة في تلك المسشفيات التى يقرر، فى رسالة استغاثة أرسلها إلى يوسف إدريس، أن مجموع المدد التى قضاها فيها بلغ أربع سنوات ونصف!! المهم يقول نجيب عن تجربته المريرة واللاإنسانية فى مستشفى الأمراض العقلية الشهيرة بـ (العباسية): " لقد تلقفوني فور عودتي من دمشق وأرسلوني.. لكن مهلا، ليس في معتقل من المعتقلات الحكومية المعروفة والمزدحمة بالنزلاء، وإنما في مستشفيات المجانين، مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية!!...المهم أنني خرجت من مستشفى الأمراض العقلية بمعجزة حطاما أو كالحطام! خرجت إلى الشارع.. إلى الجوع والعري والتشرد والبطالة والضياع وإلى الضرب في جميع أقسام البوليس المخلص في تنفيذ أغراض الأعداء والمحسوب علينا من المصريين أو نحن العرب!خرجت أدور وأدور كالكلب المطارد بلا مأوى، بلا طفلي وزوجتي..وظللت مجمدا محاصرا موقوفا. وبعيدا عن مجالات نشاطي كمؤلف مسرحي ومخرج وممثل، وبعيدا عن ميادين النشر كشاعر وناقد وزجال ومؤلف أغان"!!
ويموت نجيب سرور جائعا مشردا، فى غيبة زوجته وولديه، فقد اضطرت زوجته للذهاب إلى موسكو مع ولديها شهدي وفريد لارسال الأول الى المدرسة الثانوية الداخلية بموسكو لعدم وجود مرحلة ثانوية بالمدرسة الروسية بالقاهرة آنذاك، وعدم إتقانه للغة العربية اللازمة لالتحاقه بمدرسة ثانوية مصرية، ورغم أنها أوصت الكثيرين على زوجها إلا أن غيبوبة السكر نالت من الرجل، وكان قد غادر شقته بالهرم إلى بيت أخيه ثروت بمدينة دمنهور. رحل نجيب سرور عن دنيانا باكيا حزينا عاتبا على مجتمع لا يجد الشجاعة حتى الآن لرثائه. وذهب الجثمان إلى قرية إخطاب، تلك التى لطالما تغنى بها نجيب فى مسرحياته وأشعاره، واتشحت القرية بالسواد، وكُتب على قبره بالبنط العريض..
قد آن يا كيخوت للقلب الجريح أن يستريح
فاحفر هنا قبرا ونم
وانقش على الصخر الأصم
يا نابشا قبري حنانك
هاهنا قلب ينام
لا فرق من عام ينام وألف عام
هذي العظام حصاد أيامي
فرفقا بالعظام ! ..
تلك هى حكاية نجيب سرور، دون كيخوته المصري، سردتها بأمانة وايجاز ليعلم القاريء الكريم لمن يقرأ، فهذا الكتاب عمل نقدي متميز آثر نجيب أن يودعه ذاكرة الزمن، وها نحن نحقق له ما تمنى! وجدير بالقاريء الكريم أن يعلم بأهمية وخصوصية هذا العمل لنجيب سرور، فقد ربطت بين نجيب وموضوعه صلة فكرية وروحية وطيدة، يندر تكرارها. ويكفي أن نعلم أن رحلة نجيب سرور مع كتابات أبي العلاء بدأت فى فترة مبكرة من حياته، ففى رسالة منه إلى الناقد والأديب أنور المعداوى بمجلة الرسالة الشهيرة آنذاك، وهو بعد طالب بمدرسة مغاغة الثانوية، بدا جليا مدى تأثره بالنهج العلائي، حتى أنه يستشهد بأشعار وآراء أبي العلاء، على صعوبتها، خاصة لمن هم في مرحلته العمرية آنذاك. ليس ذلك فحسب فقد أخبرتني زوجته السيدة ساشا بأن نجيب لم يكن ليمل مجالسة أبي العلاء، فهو حين يقرأ له يسمع منه، وهو حين يكتب عنه يتحدث اليه! فيالها من صداقة ويالهما من صديقين حميمين! والواضح أن نجيب لم يجد بين الأحياء خلا وفيا، فآثر صداقة الراحل أبي العلاء! وكم كانت زوجته تسعد حين تراه فى معية أبي العلاء التماسا للسكينة والصفاء! فهى تعلم ولع زوجها وشغفه واطمئنانه لأبي العلاء، حتى أنها لما دفعت إلى بنسخة قديمة للزوميات، لأستعين بها فى تحقيق الكتاب الماثل، وجدتها مليئة بالخطوط والعلامات، دلالة على تكرار نجيب لقراءتها وتعمقه في فهمها. والحق أنه ليس لصداقة كتلك أن تدوم لولا صفاء الصديقين، ولولا أن أحدهما ـ وهو الحي ـ يجد فى معية أخيه ما يهديء روعه

https://taamelbyot.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى