يا اهل العرب والطرب
-[welcoOome]--
مرحبا بك ايها الزائر الكريم
مرحبًا بك ما خطّته الأقلام من حروف
مرحبًا عدد ما أزهر بالأرض زهور
مرحبا ممزوجة .. بعطر الورد .. ورائحة البخور
مرحبا بك بين إخوانك وأخواتك
منورين المنتدى بوجودكم ايها اعضاء وزوارنا الكرام
تحيات الادارة/يا اهل العرب

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

يا اهل العرب والطرب
-[welcoOome]--
مرحبا بك ايها الزائر الكريم
مرحبًا بك ما خطّته الأقلام من حروف
مرحبًا عدد ما أزهر بالأرض زهور
مرحبا ممزوجة .. بعطر الورد .. ورائحة البخور
مرحبا بك بين إخوانك وأخواتك
منورين المنتدى بوجودكم ايها اعضاء وزوارنا الكرام
تحيات الادارة/يا اهل العرب
يا اهل العرب والطرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اسلامي ثقافي رياضي فن افلام صور اغاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

التوجه المتوسطى فى الفكر السياسى المصرى

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

Admin

Admin
مدير الموقع

تتمتع مصر بموقع جغرافى فريد فى ملتقى ثلاث قارات هى
آسيا وأفريقيا وأوروبا، وزاد من قيمة هذا الموقع، سواحلها الطويلة على
بحرين من أهم بحار العالم القديم، هما البحر الأحمر والبحر المتوسط وكان
للبحر المتوسط دور كبير فى تشكيل تاريخ مصر، ولعل أهم جوانب هذا الدور هو
قيامها بعملية الاتصال الحضارى بين شعوب الحوض الشرقى لهذا البحر، فعن طريق
مصر تعرف الجانب الأوروبى لهذا البحر على النتاج الحضارى للشرق الأدنى
القديم، ثم جاء الوقت الذى انتقلت فيه المؤثرات الحضارية عبر المتوسط من
أوروبا إلى مصر، لتتعرف المنطقة العربية على ثمار الفكر الأوروبى عن طريق
مصر (1).
ولقد عنى الفكر السياسى المصرى بالبحر المتوسط، واهتم بدراسة
تفاعلات مصر المتوسطية على مدى المراحل التاريخية المختلفة وازداد هذا
الاهتمام فى السنوات الأخيرة بعد انتهاء الحرب الباردة وتغير المعطيات
الاستراتيجية فى البحر المتوسط، حيث كان يمثل إحدى مناطق المواجهة بين
الشرق والغرب، وهو ما يفرض استنباط وسائل جديدة لإدارة التفاعلات فى هذه
المنطقة، كذلك أبرزت حرب الخليج الثانية وتداعياتها كثافة الترابط بين ضفتى
المتوسط، بحيث أن أى أزمة منشؤها أو أطرافها المباشرة فى الضفة الشرقية أو
الجنوبية للمتوسط، قد تحمل تداعيات سلبية على العلاقات عبر المتوسط
وبالخصوص على دول شمال وغرب أوروبا، وقد تولد عن التغيرات الجديدة التى
يشهدها النظام العالمى بروز أهمية المتوسط بوصفه المجال الطبيعى والمباشر
للنشاط والاهتمام الأوروبى بوصفه يمثل مدخلا لأوروبا إلى الأقاليم النامية
فى آسيا وأفريقيا (2)، كما نتج عن التحولات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط
فى الفترة الأخيرة بروز المتوسطية بوصفها تمثل أحد البدائل المطروحة
لانتظام التفاعلات الإقليمية فى المنطقة لهذا بدا الفكر السياسى المصرى
يهتم بدراسة وتحليل هذا الموضوع.
وتستهدف هذه الدراسة التعرف على التوجه المتوسطى فى الفكر السياسى المصرى من خلال فحص وتحليل نتاج هذا الفكر بهذا الصدد.
وتنقسم الدراسة إلى الأقسام التالية:
المبحث الأول: التوجه المتوسطى المباشر والواضح فى الفكر السياسى المصرى، ويمثله النتاج الفكرى للدكتور/ طه حسين والدكتور حسين مؤنس.
المبحث
الثانى: التوجه المتوسطى فى إطار الاتجاه القومى العربى ويمثله النتاج
الفكرى للدكتور/ سليمان حزين، والدكتور/ جمال حمدان، والدكتور حامد ربيع.
المبحث
الثالث: التوجه المتوسطى فى نتاج مدرسة العلاقات الدولية المصرية ونعالج
فيه رؤية باحثى العلاقات الدولية المصريين لهذا الموضوع.
المبحث الأول:
التوجه
المتوسطى المباشر والواضح فى الفكر السياسى المصرى: فى هذا المبحث نقدم
عرضا تحليليا للاتجاه المعبر عن التوجه المتوسطى المباشر والصريح فى الفكر
السياسى المصرى، وأبرز من يعبر عن هذا الاتجاه، الدكتور/ طه حسين فى كتابه
الهام (مستقبل الثقافة فى مصر) الصادر عام 1937، والدكتور/ حسين مؤنس فى
كتابه (مصر ورسالتها) الصادر عام 1955.
وسنبدأ بعرض أفكار الدكتور/ طه حسين، ونعقبها بعرض لأفكار الدكتور حسين مؤنس.
كان
الدكتور طه حسين من أوائل الذين تناولوا هذا الموضوع فى كتابه (مستقبل
الثقافة فى مصر) الصادر عام 1937، وقد رأى أن العقل المصرى هو غربى التصور
والإدراك والفهم والحكم على الأشياء، وأن الأسرة التى ينتمى إليها هذا
العقل هى أسرة الشعوب التى عاشت حول بحر الروم (البحر المتوسط)، ولا تتعدى
علاقة مصر بالشرق، الشرق القريب الذى يضم فلسطين والشام والعراق أى هذا
الشرق الذى يقع فى حوض البحر المتوسط وأن المصريين وان تبادلوا المنافع على
اختلافها، فإنما يتبادلونها مع شعوب البحر المتوسط (3).
ويوضح بعد ذلك
أن علاقة مصر كانت مستمرة ومنظمة مع بلدان الشرق القريب، وكانت علاقة تأثير
متبادل شمل الحياة العقلية والاقتصادية والسياسية لهذه البلاد، ويؤكد أن
مصر كانت قوة أساسية من قوى التوازن السياسى والاقتصادى فى البحر المتوسط
لا بالقياس إلى بلدان الشرق القريب فحسب، بل بالقياس إلى جميع بلدان البحر
المتوسط الأخرى (4).
ويمكن القول بأن دعوة الأستاذ العميد للمتوسطية قد اتسمت بعدة خصائص نعرض لها على النحو التالى:
1
ـ أنها تقوم على أساس تحقيق المصالح والمنافع المتبادلة بين أطراف البحر
المتوسط بلغة علم العلاقات الدولية المعاصر فاستنادا إلى التاريخ يؤكد طه
حسين أن العلاقة بين أطراف المتوسط عندما تنشط وتزدهر فإنها تحقق مصالح
كافة الأطراف المتوسطية، وأن العزلة والقطيعة بين أطراف المتوسط قد أدت إلى
الفقر والبؤس والضعف الاقتصادى والجهل العميق (5).
2 ـ أن هناك ثقافة
مشتركة تجمع بين شعوب البحر المتوسط، وأن لهذه الثقافة رموزها المادية
والمعنوية، التى أدت إلى خلق حياة عقلية وثقافية مشتركة، ومن ثم فليس بين
الشعوب التى نشأت حول بحر الروم وتأثرت به فارق عقلى أو ثقافى ما، وإنما هى
ظروف السياسة والاقتصاد تدور بين هذه الشعوب مواتية لهذا الفريق ومعادية
لهذا الفريق (6).
3 ـ رأى طه حسين فى المتوسطية أنها المدخل الملائم
للتحديث السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى المطلوب، فالطريق إلى هذا
التحديث وفقا لطه حسين هو: "أن نسير مسيرة الأوروبيين ونسلك طريقهم لنكون
لهم أندادا، ولنكون لهم شركاء فى الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما
يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب" (7).
وإن كان الأمر كذلك
فقد أراد طه حسين أن يؤصل لهذا الرأى، أو لهذا المدخل للتحديث، باعتباره
مدخلا له جذوره وأصوله التاريخية الممتدة على مختلف عصور التاريخ المصرى،
فمصر كانت دائما جزءا من أوروبا فى كل ما يتصل بالحياة العقلية والثقافية
على اختلاف فروعها، والمصريون قادرون على سلوك هذا الطريق لأنه لا توجد
فروق عقلية من حيث القوة والضعف بين المصريين والأوروبيين، استنادا إلى أن
الاثنين ينتميان إلى ثقافة مشتركة هى ثقافة البحر المتوسط، وفى هذا الشأن
يقول: "فكل شىء يدل على أنه ليس هناك عقل أوروبى يمتاز عن هذا العقل الشرقى
الذى يعيش فى مصر وما جاورها من بلاد الشرق القريب، وإنما هو عقل واحد
تختلف عليه الظروف المتباينة المتضادة فتؤثر آثارا متباينة متضادة، ولكن
جوهره واحد ليس فيه تفاوت ولا اختلاف" (Cool.
4 ـ لم تقتصر محاولة الأستاذ
العميد للتأصيل لمدخله فى التحديث على التاريخ، وإنما اتجه إلى الواقع
المصرى ليقدم قراءة خاصة لهذا الواقع تتوافق مع الأفكار التى قدمها، فهو
يرى أن المثل الأعلى للمصرى ماديا ومعنويا إنما هو المثل الأعلى للأوروبى
فى حياته المادية والمعنوية، "فمقياس رقى الأفراد والجماعات فى الحياة
المادية مهما تختلف الطبقات عندنا، إنما هو حظنا من الأخذ بأسباب الحياة
المادية الأوروبية، وحياتنا المعنوية على اختلاف مظاهرها وألوانها أوروبية
خالصة" (9)، ويصل إلى أننا فى هذا العصر الحديث نريد أن نتصل بأوروبا
اتصالا يزداد قوة يوما بعد يوم، حتى نصبح جزءا منها لفظا ومعنى وحقيقة
وشكلا، ولا نجد فى ذلك جهدا أو مشقة لأن عقولنا وطبائعنا وأمزجتنا لا تختلف
فى جوهرها منذ العهود القديمة عن عقول الأوروبيين وطبائعهم وأمزجتهم (10).
5
ـ ويقدم طه حسين الأسس التى يجب أن تقوم عليها صلات وعلاقات مصر بأوروبا
وتتلخص فى المساواة فى الحقوق والواجبات، إلا أنه يربط ذلك بضرورة تحقيقه
أولا فى حياتنا الداخلية، يقول فى هذا الشأن: "يجب أن نمحو من أنفسنا أن فى
الأرض شعوبا قد خلقت لتسودنا، كما يجب أن نمحو من أنفسنا أن فى الأرض
شعوبا قد خلقت لنسودها، ويجب أن نقر فى أنفسنا أن نظام المساواة فى الحقوق
والواجبات هذا الذى نريد أن نقره فى حياتنا الداخلية هو بعينه النظام الذى
يجب أن نقره فى حياتنا الخارجية وفيما بيننا وبين أوروبا من صلات" (11).
6
ـ غير أن تحقيق هذه العلاقة على الأسس السليمة التى بينها طه حسين يتطلب
وفقا له جهدا علميا منظما فى كافة مجالات الحياة، "فمن أراد الغاية فقد
أراد الوسيلة، ومن أراد القوة فقد أراد أسباب القوة" (12)، ومن ثم فعلينا
أن نأخذ بأسباب القوة العسكرية والاقتصادية والمعنوية والسياسية التى
تؤهلنا أن نكون شركاء للأوروبيين فى الحياة وأعوانهم عليها، لا خدما لهم
ووسائل إلى هذه الحياة، وهو ما لا يتحقق إلا إذا أخذنا بوسائلهم فى هذه
المجالات "وسبيل ذلك واحدة لا ثانية لها وهى: بناء التعليم على أساس متين"
(13) ومن الواضح أن طه حسين يقترب فى هذا من مفهوم توازن القوة المعروف فى
علم العلاقات الدولية المعاصر، فالوحدة العقلية والفكرية والثقافية لا تؤدى
إلى إقامة علاقات على أسس المساواة فى الحقوق والواجبات، وإنما يتحقق هذا
من خلال توفير أسباب القوة بالمفهوم الواسع الذى يشمل القوة الاقتصادية
والمعنوية والعسكرية ومن خلال هذا العرض يتضح لنا أن دعوة طه حسين
للمتوسطية، كانت بوصفها مدخلا إلى أوروبا وإلى التحديث المطلوب لمصر على
النمط الأوروبى، باعتبار أن هناك أرضية مشتركة تجمع بين الحضارة المصرية
والحضارة الأوروبية الحديثة هذه الأرضية هى ثقافة البحر المتوسط، كما أنه
أراد بهذا أن يتخلص المصريون من عقد النقص والشعور بالدونية فى تعاملهم مع
الآخر الأوروبى، وأن يتم التفاعل والتعامل معه من موقع الندية والتكافؤ
ولعل فيما قاله جمال حمدان فى هذا الشأن ما يوضح الفكرة: "إذا كان طه حسين
أول المتوسطتين وأوضحهم، فلعله كذلك كان أصرح من فطن إلى أن المتوسطية تؤدى
تلقائيا وحتميا إلى أوروبا وتعنى الأوروبية وتفضى إلى التأورب أو
الأوربية" (14).
تقوم نظرية د. حسين مؤنس حول مصر المتوسطية على ثلاث حقائق هى:
(أ)
أن تاريخ مصر هو تاريخ البحر الأبيض المتوسط على وجه التقريب، فإذا استقرت
أمور مصر، ورضيت أحوالها، عمر هذا البحر بالنشاط، وانتعشت موانيه، ونستطيع
أن نوجز تاريخ البحر الأبيض فى تاريخ الإسكندرية، أما قبل إنشائها فلم يكن
لهذا البحر ككل مترابط ـ تاريخ، إنما كان هناك نشاط محدود فى هذا الجانب
أو ذاك، ومنذ ظهر هذا البلد ظهر البحر الأبيض، بوحدته وقيمته الكاملة،
ولهذه الصلة بين الإسكندرية وحوض البحر الأبيض صدى بعيد فى تاريخ مصر، ولها
نصيبها من رسالة مصر كلها.
(ب) إن تاريخ مصر متأثر بالبحر الأبيض على
صورة دائمة، حتى فى العصور التى يسكن فيها نشاط مصر البحرى، ويسود السكون
موانيها كالعصر التركى مثلا، فقد قامت فى أثنائه جاليات من التجار فى
القاهرة والإسكندرية، ولم تنقطع حركة السفن بين مصر والشام واليونان.
(ج)
أن حياة مصر لا تستقيم إلا إذا كانت على صلة بالبحر الأبيض، ومن ثم
فالعنصر البحرى داخل فى كيانها، مشترك فى تكوينها بنصيب كبير (15).
ويمضى
بعد ذلك فى تحليله ليؤكد على أهمية البعد المتوسطى فى حياة مصر ودورها فى
المنطقة بل ورسالتها الحضارية فى هذا العالم، ويمكن أن نقدم الملاحظات
التالية على ما قدمه د. مؤنس فى هذا الصدد وذلك على النحو التالى:
أولا:
أكد الدكتور مؤنس على أهمية تحقيق التوازن فى السياسة المصرية تجاه
دوائرها الأساسية وهى آسيا وأفريقيا والبحر المتوسط (16)، ورأى أن تغليب
واحدة على الأخرى، أو الانصراف عن إحداها وإهمالها يعرض مصر لأخطار شتى
(17)، والواقع أنه يشير فى هذا الاتجاه إلى إهمال مصر لدائرة البحر المتوسط
بصفة خاصة حيث أنه يرى أنها العنصر الأساسى فى تاريخ هذا البلد، الذى
يتعين على السياسة المصرية أن توليه عناية خاصة، وهو يرى أن توجه مصر نحو
آسيا قد فرض عليها فرضا وأنه يمثل انكسارا فى اتجاه التاريخ العام لمصر.
ثانيا:
حاول الدكتور حسين مؤنس تأكيد نظريته عن مصر المتوسطية استنادا إلى
التحليل التاريخى المفصل لدور مصر فى حضارة البحر المتوسط التى نسميها
اليوم بحضارة الغرب، موضحا أن أسس الحضارة المصرية قبل الرومان واليونان هى
نفسها الأسس التى قامت عليها الحضارة الغربية وهى العلم والفن والعمل، وهى
الأسس التى بدونها لا تستقيم حضارة تكتب لها الحياة (18) ويتبنى فكرة
مؤداها أنه لا يوجد تفريق بين الحضارات، لأن الحضارة معناها ـ وفقا له ـ كل
جهد يبذله الإنسان معنويا وماديا من أجل تحسين ظروف معيشته على الأرض، ومن
ثم فالحضارة البشرية هى حضارة واحدة وسلسلة متصلة لا تنفصل حلقة من
حلقاتها عن الأخرى (19)، ويوجه نقدا شديدا لفكرة أن المصريين ينتمون إلى
الحضارة الشرقية ولا صلة لهم بالحضارة الغربية، ويرى أن هذا قول خاطئ لأن
الحضارة المصرية تمت وازدهرت قبل أن تنمو أو تزدهر واحدة من حضارات الشرق
التى اتصلت بنا فيما بعد، وهو فى تحليله التاريخى هذا يصل إلى أن مصر أصبحت
دولة متوسطة خالصة أيام الأسرة الحادية والعشرين (20)، ثم يوضح بعد ذلك
كيف أصبحت مصر مركز الحضارة المتوسطية فى الحقبة الرومانية المتأخرة ولتظل
كذلك حتى الفتح العربى لمصر، ويوضح أن الحضارة العربية الإسلامية قد امتدت
على ضفاف البحر المتوسط وشملت حوض هذا البحر كله وجزائره ونواحى من إيطاليا
والبلقان، ثم انتقلت أسس الحضارة الإسلامية إلى الأوروبيين عبر المتوسط،
ومن ثم فالحضارة الغربية الراهنة هى حضارتنا، وهى ليست ابتداع الغرب، بل
ثمرة تجارب البشر على مدى الزمن الطويل، وهى ليست أوروبية أو غربية، وإنما
هى إنسانية وحقنا فيها لا يقل عن حق غيرنا بل يزيد فقد ساهمنا فيها عن
طريقين، فقد وضعنا الأسس وجزءا كبيرا من البنيان، ثم جاء غيرنا فأعلى وزاد
(21)، ومن ثم فحضارة الغرب اليوم ـ وفقا لمؤنس ـ هى حضارة البحر الأبيض
المتوسط مزيدة ومحسنة، وهى الحضارة التى وضع المصريون أسسها فى العصور
القديمة وأسهموا فيها فى العصور الوسطى بما قاموا به فى ظل الإسلام، ومن ثم
فهى ليست حضارة غريبة عنا أو إننا غرباء عنها (22).
ثالثا: يربط د.
حسين مؤنس بين قيام مصر بدورها فى البحر المتوسط والأمن القومى المصرى،
فيرى أن عدم الاهتمام بالبحر المتوسط منذ الفتح العربى الإسلامى وحتى
الدولة العثمانية، أدى إلى عدم استفادة مصر من ميزة موقعها، ثم كان عليها
أن تدفع ثمن هذا الإهمال، إذ نهضت الأمم على سواحل ذلك البحر ومصر فى سبات
عميق لتفيق وإذا أقوام من وراء ذلك البحر تطرق أبوابها غزاة فاتحين (23)،
ويعدد المصائب المتتابعة التى نشأت عن إهمال البحر المتوسط، وتخلينا عن
مكاننا فيه، فاختل توازننا وكان هذا الانكسار المحزن فى حياتنا (24).
والخلاصة
وفقا لمؤنس أن البحر الأبيض هو البعد الثالث من أبعاد كيان مصر العام،
ومصر لا تستطيع أن تتخلى عن مكانتها فى ذلك البحر إلا إذا أرادت التخلى عن
كيانها كله، ومن ثم لها فى هذا البحر رسالة هى التى يكتمل بها وجودها
ويستقيم كيانها وميزان حياتها، ورسالة مصر السامية هى سلام وعرفان (25).
المبحث الثانى:
التوجه
المتوسطى فى إطار الاتجاه القومى العربى: فى هذا المبحث نعرض لرؤية ثلاثة
من المفكرين المصريين ذوى الاتجاه العربى لمصر، وهم د. سليمان حزين ود.
جمال حمدان، للتوجه المتوسطى، وهما يركزان وإن اختلفت الأسس التى يقوم
عليها تحليل كل منهما على أن التوجه المتوسطى لمصر، يأتى فى نطاق دورها
العربى، ونعرض أولا لأفكار د. حيزن ثم الدكتور جمال حمدان، ود. حامد ربيع.
أولا: الدكتور سليمان حزين ورؤيته للتوجه المتوسطى لمصر:
يبدأ
د. حزين بتحليل الأسباب والعوامل التى أدت إلى دعوة د. طه حسين إلى
المتوسطية، إلا أنه يرى أن الصورة التى رسمها طه حسين هى صورة مبسطة أكثر
من اللازم، فثقافة مصر لا يمكن أن تكون نتيجة بسيطة لاختلاط الأصول
الحضارية العربية بالإضافات التى جاءت من بحر الإغريق عن طريق الإسكندرية،
ولا هى حتى بالنتيجة شبه المركبة التى جمعت بين الأصول الحضارية الشرقية
(المصرية والعربية)، والإضافات الإغريقية، وما أضافته إليها العناصر
الغربية من أوروبا الحديثة خلال القرنين الأخيرين ويرجع ذلك إلى أن جذور
الحضارة والثقافة فى المنطقة جذور ضاربة فى أعماق التاريخ، بل وفى أواخر
عصر ما قبل التاريخ، فصلات مصر ببلاد العرب صلات ترجع إلى فترات طويلة قبل
بداية التاريخ المكتوب، كما أن صلات مصر القديمة بعالم اليونان ترجع إلى
أقدم كثيرا من ظهور الإغريق الأقدمين فى أيام الإسكندر، ويمضى فى تحليله
التاريخى ليقدم صورة مختلفة تمام الاختلاف عما قدمه طه حسين، حيث يرى أن
الثقافة فى مصر العربية لها جذورها القديمة والعتيدة ولكنها فى الوقت ذاته
هى الصورة العربية المصرية المتجددة لاتصال الفكر والثقافة منذ أقدم العصور
وعلى امتداد ما نحن مقبلون عليه من أيام (26).
ثم يحدد د. حزين جذور
الثقافة المصرية بقوله أنها ثلاثية الجذور، فهناك البيئة المصرية الأفريقية
والنيلية التى خرجت منها الثقافة المصرية مستندة إلى أصول البيئة فى أرض
الكنانة بوادى النيل الأسفل، وهناك البيئة العربية فى شبه جزيرة العرب، وهى
التى خرجت منها الأصول الحامية والسامية ثم الإسلامية ووصلت إلى مصر،
واختلطت ببعض أصولها الأولى وتبنتها لتنشرها على العالم الإسلامى كله، ثم
هناك بيئة البحر المتوسط واليونان وما وراء ذلك فى غرب أوروبا وهى التى
أضافت إلى ملامح الحضارة والثقافة المصرية، ولكنها لم تطمس معالمها الأصيلة
المصرية والعربية وإنما أضافت إليها ما أثراها على مر الزمان وعلى طريق
المستقبل (27).
وأخيرا يوضح د. حزين تأثير المتوسط على تاريخ مصر العام
بقوله: أن هذا التاريخ ينقسم إلى قسمين، الأول يبدأ ببداية الحياة الزراعية
المستقرة فى الوادى حوالى 5000 قم ويستمر إلى نهاية العهد الفرعونى،
والثانى يبدأ بغزوة الإسكندر ويستمر إلى وقتنا هذا ويرى أن أهم نتائج حملات
الإسكندر، هى ظهور العالمية، ومعها برزت قيمة موقع مصر، واتجهت أنظار أهل
الشرق والغرب إلى أرض الزاوية، واهتم الناس بشئون هذا الموقع الجغرافى الذى
يتحكم فى مواصلات الشرق والغرب، والشمال والجنوب، وبدأت صفحة جديدة فى
تاريخ مصر، ولم يعد هذا التاريخ مقصورا على أهل الوادى واستغلالهم لظروف
البيئة المحلية وإنما أصبح كذلك متصلا بمسائل كثيرة عالمية، لا دخل لمصر
فيها، بل كثيرا ما سيرتها عناصر لا تتصل بمصر، ولا بالعالم المجاور لها،
وإنما هى عناصر قد تشابكت مصالحها فى أقصى الغرب وأقصى الشرق (28).
ويقدم
عرضا تاريخيا منذ عهد البطالمة وحتى الآن حول دور الموقع الجغرافى لمصر
الذى برزت أهميته للعالم من خلال تفاعلات البحر المتوسط السياسية والعسكرية
فى عهد الإسكندرية، موضحا تأثيره على حركة المواصلات العالمية البحرية،
ويبين أثر تحول طرق الملاحة البحرية إلى رأس الرجاء الصالح على البحر
المتوسط وأثر الحملة الفرنسية فى توجيه الأنظار إلى أهمية موقع مصر والعودة
إلى الطرق البحرية القديمة، وشق قناة السويس وتحول النقل البحرية مرة أخرى
نحو مصر (29).
ويمكن القول بأن رؤية حزين للبعد المتوسطى لمصر، تأتى
بوصفه أحد مكونات الدور المصرى فى المنطقة العربية بصفة أساسية، وليس بوصفه
بعدا مستقلا عن الإطار العربى كما ذهب إلى ذلك حسين مؤنس وبدرجة أقل طه
حسين، إلا أنه يوضح من ناحية أخرى أن هناك علاقة تأثير ذات طابع استراتيجى
متبادل بين مصر والبحر المتوسط، فإن كان موقع مصر قد برز من خلال حدث
متوسطى كموقع هام ومؤثر، إلا أن التفاعلات المصرية كان لها أثرها بعد ذلك
على هذا البحر من حيث فقدانه أهميته كممر بحرى لحركة التجارة العالمية أو
استرداده لها بعد ذلك.
ثانيا: جمال حمدان والبعد المتوسطى فى شخصية مصر:
يرى
جمال حمدان أن هناك أربعة أبعاد فى توجيه مصر، الآسيوى والأفريقى على
مستوى القارات، والنيلى والمتوسطى على المستوى الإقليمى، وهذه الأبعاد
تتداخل فى بعضها البعض كما يفعل النيلى والأفريقى، ويتداخل المتوسطى مع
البعد الأوروبى، غير أن الكل يتداخل مع الإطار العربى الكبير (30).
ويتناول بعد ذلك البعد المتوسطى فيشير إلى بعض المفاهيم والتحفظات التى يجب مراعاتها عندما تقترب من هذا البعد من إبعادنا:
1
ـ بعد البحر المتوسط بعدا من أبعاد التوجيه المصرى، فمصر برمتها تتطلع
إليه، والبلد يطل عليه بجبهة مترامية، وهو يمثل أحد الضلوع الأربعة، أو
بالأصح الضلع الحى الوحيد الذى يتصل بالمعمور المصرى مباشرة، باعتبار الضلع
الغربى ميتا، والجنوبى والشرقى شبه ذلك ومن ثم فإن البلد بهذا لا يملك إلا
أن يتفاعل مع البحر ويتعايش معه، فإحاطة الصحراء بمصر، كما بالشام
والأناضول، وجهتها كما وجهتهم نحو البحر المتوسط وربطتهم بأوروبا من خلفه،
كما ربطتهم ببعضهم البعض، وكما يرتبطون بأفريقيا وآسيا، ومن ثم فمصر
متوسطية أكثر مما هى مدارية أو أفريقية.
2 ـ أن البحر المتوسط وخاصة
الحوض الشرقى منه ينتهى عند مصر، وإن كانت هى أبعد أجزائه عن أوروبا، وأى
استفادة منه كمعبر إلى الشرق، لابد أن تستقطب أخيرا فى مصر، وبغير مفتاح
مصر، والشام إلى حد ما، تصبح الحركة فيه محلية تقريبا، ويتحول من بحر عالمى
إلى بحر إقليمى، أى يتحول إلى طريق مسدود.
3 ـ إن البعد المتوسطى بعد
مائى، أو هو مائى أولا، يليه يابس ثانيا، وليس يابسا مباشرا متصلا ولصيقا
باليابس المصرى، أو استمرارا له كما هو الحال بالنسبة للأبعاد الأخرى
آسيوية وأفريقية، أو نيلية أو عربية، وهذا ما يضع البعد المتوسطى فى مرتبة
أدنى بالضرورة بين إبعادنا وفى تاريخنا، بحيث يصعب أن يوضع تماما على قدم
المساواة معها، فتوجيهنا الجغرافى أرض أكثر مما هو مائى، وتاريخنا برى
بمقدار ما أنه نهرى، وأكثر مما هو بحرى.
4 ـ البعد المتوسطى يرادف البعد
الأوروبى ويتداخل معه بشدة، غير أن مصر أبعد ما تكون فيزيقيا عن الاتصال
الأرضى بأوروبا وإذا كان المتوسط عامل وصل تاريخيا وبشريا واقتصاديا وحركيا
فإنه يظل فاصلا طبيعيا جغرافيا كاملا، ولهذا لا يستقيم تماما أن نتحدث عن
البعد المتوسطى وكأنه البعد الأوروبى مثلا، إلا أن البحر المتوسط يستمد
أهميته الفائقة فى تاريخنا وتوجيهنا من أن أوروبا تقع وراءه، ومن ثم فمفهوم
المتوسط لا يمكن أن ينفصل عن مفهوم أوروبا.
5 ـ هناك تداخل إذن بين
البعد المتوسطى والبعد الأوروبى سواء على المستوى الجغرافى أو التاريخى،
فجغرافيا ليس المتوسط البحر والحوض إلا جزءا من أوروبا القارة، وتاريخيا
كان بعدنا المتوسطى فى القديم يعنى أساسا جنوب أوروبا، ولكنه حديثا يشمل
أوروبا جميعا وبالدرجة الأولى أوروبا الغربية (31).
ويقدم حمدان بعد ذلك
تحليلا لرأى د. طه حسين ود حسين مؤنس، ولكنه يأخذ على مؤنس أنه ربما زاد
نوعا فى تقييم دور مصر النسبى فى حياة البحر المتوسط وفى دور البحر المتوسط
النسبى فى كيان مصر، حقيقة أن علاقة مصر تأثيرا وتأثرا بعيدة المدى ولكن
من بين دول المتوسط من لعب فيه دورا أبرز، ثم أن مصر ربما تتأثر بمعايير
البحر المتوسط أكثر مما تؤثر فيها، وإن كانت هى أهم حلقة تتحكم فيه، ومن ثم
فالبحر المتوسط يظل بعدا محوريا من أبعاد مصر، وإن كان من الصعب أن يعد
الأهم على الإطلاق ( 32).
ويستعرض حمدان تطور علاقات مصر بالبحر المتوسط
عبر المراحل التاريخية المختلفة، ليصل إلى نتيجة فى هذا الصدد، تتمثل فى
كونها قد اتخذت نمطا جغرافيا متحركا، جيئة وذهابا بحيث تركز على أكثر من
منطقة منه أكثر من مرة وأحيانا أكثر من مرتين فهناك دورات مد وجزر فى حركة
هذه العلاقات بين الشرق والغرب، وبين جنوب الألب وشماله، وهو يرى أن هذه
الحركة فى علاقات مصر المتوسطية، كانت تعكس نبض البحر وحوضه، بمعنى أنها
كانت تعكس التفاعلات التى تحدث فى نطاق المتوسط (33).
ويعرض حمدان بعد هذا التحليل لرؤيته للبعد المتوسطى لمصر، فيذكر ما يلى:
(أ)
لا جدال أن البحر المتوسط بعد هام للغاية، فهو نافذة مصر على الشمال،
وضابط إيقاع لنبضها الحضارى والمادى، غير أنه بالرغم من ذلك فإن تأثيره
متقطع يشتد حينا ويضعف حينا، أى أنه مذبذب بين شد وجذب، ثم أن دور مصر فيه
الآن دور استقبال أكثر منه إرسال، وإن كانت العلاقة عكسية فى التاريخ
القديم، كما أن دوره فى كيان مصر، ربما تضاءل على مر التاريخ باطراد، وذلك
لأن دور البحر المتوسط ككل قد قل نسبيا مع اتساع العالم ومنذ أصبح المحيط
الأطلسى هو البحر المتوسط الجديد.
(ب) إن ما نرى من خطورة علاقاتنا
بأوروبا المعاصرة عن طريقة، فهى لا تجعل منه إلا محطة طريق أكثر منها محطة
وصول فالعلاقات التجارية بين دوله ضعيفة، إلا أن وضع البحر المتوسط الحالى،
يعنى أن مفهوم المتوسط قد اتسع ليشمل أوروبا ككل (34).
(ج) إن بعدنا
المتوسطى حضارى أكثر مما هو طبيعى، واقتصادى أكثر مما هو بشرى ويبقى فى
النهاية أن البعد المتوسطى بالرغم من أهميته وخطورته هو بعد تكميلى أو هو
لا يرقى إلى المستوى الآسيوى والنيلى، ولا يجوز علميا أن يوضع فى مقابل
العروبة (35).
(د) من المحقق أن البعد المتوسطى فى حياة مصر كان يمكن أن
يكون أكبر وأخطر لولا أننا أهملناه كجزء من إهمالنا العام للبحر حيث
استغرقتنا العقلية البرية استغراقا شديدا، ولا نغالى إذا قلنا أن دور البحر
المتوسط فى مصر أقل منه فى معظم بلاد الحوض، وخلف هذا التحديد ترقد ضوابط
الجغرافيا التى توضح أن لمصر علاقة بهذا البحر لكنها ليست العلاقة الوحيدة
فى كيانها كما أن مصر هى أبعد وحدات الحوض عن سواحله المقابلة الهامة، كما
أنها متوسطية الموقع دون أن تكون متوسطية المناخ، وعلى الجانب البشرى، فلعل
مصر أقل أجزاء حوض البحر تلقيا واستقبالا للتعمير والمؤثرات الجنسية من
سواحله، وخاصة سواحله الأوروبية (37).
(ه) إن دور البحر المتوسط فى
ميزان قيمنا الإقليمية ليس بالدور الثانوى ولو أنه أيضا ليس بالدور الأول،
ورغم أن دور البحر المتوسط الآن يختلف جذريا عما كان عليه من قبل إلا أن
هناك مجالا كبيرا لتوثيق وتعميق علاقات مصر السياسية والثقافية والاقتصادية
بدول الحوض، وذلك للثقل العالمى الخطير لما وراء البحر، لأوروبا فى
السياسة الدولية والحضارة العصرية والعلم والتكنولوجيا، والذى يربطنا
بأوروبا روابط قوية كثيرة، فهى الأقرب إلينا بكل المقاييس، تاريخيا
وجغرافيا وحضاريا وسياسيا بل وجنسيا مقارنة بأفريقيا (38).
(و) ليس
المطلوب أن تكون مصر قطعة من أوروبا وليس مطلوبا القطيعة مع أوروبا،
المطلوب أن تصبح مصر دولة عصرية حديثة متقدمة، وفى هذا لا مفر من أن نعمق
إبعادنا المتوسطية وما وراء المتوسطية أى الأوروبية (39).
(ز) إن قيام
إسرائيل فى حوض المتوسط وهو نصف عربى أصبح يستدعى رسم استراتيجية عربية
متوسطية أوروبية عظمى لحصارها بحريا وسياسيا وماديا وعزلها عن دوله ودولها،
فالذى يفصلنا اليوم عن أوروبا ليس البحر وإنما إسرائيل.
(ح) إن البحر
يربطنا اليوم بأوروبا أكثر من أى وقت مضى فى التاريخ، والعقبة الوحيدة هى
إسرائيل، وبإزالة هذا العقبة يمكن أن تتخلق ـ أو رابيا ـ حقيقية جدا،
وفعالة إلى أقصى حد على كل المستويات المادية والاقتصادية والعلمية،
والتكنولوجية والحضارية والثقافية، تستطيع أن تشكل وحدة حقيقية أكثر قطعا
من فكرة أو أفريقيا أو أوراسيا، وعلى الأقل فإن انبثاق مثل هذه الوحدة جدير
بأن يساعد على احتواء العقبة الإسرائيلية حتى التلاشى وإلى نقطة النهاية
وخطر الزوال (40).
بعد أن عرضنا لآراء جمال حمدان وتحليله المفصل للبعد المتوسطى بالنسبة لمصر، يمكن أن نقدم الملاحظات التالية:
(أ)
إن دائرة تركيز حمدان حول البعد المتوسطى تتمثل فى أنه هام بالنسبة لمصر
إلا أنه ليس البعد الرئيسى الذى يجب أن تركز عليه مصر، فى توجهها بحيث يكون
محورا لحركتها، فهناك أبعاد أخرى أكثر أهمية من البعد المتوسطى، ولعل
البعد العربى هو أهم هذه الأبعاد الذى لا يمكن من وجهة نظر وضعه موضع
المقارنة مع البعد المتوسطى.
(ب) يربط حمدان بين البعد المتوسطى وأوروبا
باعتباره المدخل الملائم للتفاعل مع أوروبا وهو يعطى هذا التفاعل أهمية
كبيرة، إلا أن تفاعل مصر مع أوروبا عبر المتوسط لابد وأن يكون فى نطاق خدمة
دورها الرئيسى وهو الدور العربى.
(ج) عندما يقدم فكرة توظيف المتوسط
وأوروبا، فإنه يقدمه كمدخل للتحديث وبناء الدولة العصرية، وهو فى هذا يلتقى
مع طه حسين، إلا أنه يختلف معه بعد ذلك فى فهمه للدولة العصرية من حيث
هويتها، فالدولة العصرية التى ينشدها حمدان تختلف عن الدولة العصرية التى
يسعى إليها طه حسين، فالأولى عربية الهوية، فى حين أن الثانية أوروبية
الثقافة والحضارة استنادا إلى الرابطة الثقافية والحضارية التى تجعلنا جزءا
من أوروبا وفقا لطه حسين.
(د) يرى حمدان أن توجه مصر المتوسطى يتيح
لمصر إقامة شبكة من العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية مع أوروبا،
وهو أمر مطلوب، ولكنه وفقا لحمدان لخدمة أهداف معينة، وبصفة خاصة زيادة
فعالية دور مصر العربى.
(ه) يصل حمدان فى نهاية تحليله إلى إمكانية
تحقيق تحالف عربى أوروبى عبر المتوسط يصل إلى درجة التوحد (أورابيا) وأن
هذا التحالف قد يكون أداة لعزل إسرائيل وتصفيتها يقدم د. حامد ربيع رؤية
خاصة بالتوجه المتوسطى المطلوب بالنسبة لمصر، غير أن هذه الرؤية ترتبط
ارتباطا واضحا بالانتماء العربى لمصر، وبالأمن القومى المصرى بوصفه جزءا لا
يتجزأ من الأمن القومى العربى ويمكن أن نعرض لهذه الرؤية على النحو
التالى:
1 ـ يرى حامد ربيع أن طبيعة الموقع الجغرافى لمصر والتى تتمثل
فى كونها نقطة التقاء القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا بالإضافة إلى
شواطئها المتحكمة فى التجارة الدولية البحر المتوسط فى الشمال والشمال
الشرقى والبحر الأحمر فى الشرق، قد كان له تأثير كبير على الأمن القومى
المصرى وأدت كذلك إلى ارتباط هذا الأمن القومى المصرى بالأمن القومى
العربى.
2 ـ وقد ترتب على ذلك أن مصر دولة معبر ودولة التقاء، الأمر
الذى جعل مصر محور نظام الاتصال العالمى، خاصة بعد فتح قناة السويس، وبرز
دور القناة الهام فى فترة الحرب الباردة سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو
الاتحاد السوفيتى، ومن ثم فمصر دولة هامة بالنسبة للقوى العالمية الكبرى
والعظمى (41).
3 ـ عاشت مصر دائما فى خطر، وكانت معظم الأخطار تأتيها من
الشمال والشمال الشرقى عبر البحر المتوسط ومن ثم كان البحر المتوسط أحد
مصادر الضغط الدائمة على الأمن القومى المصرى.
4 ـ ومن النتائج المترتبة
عن هذا الموقع الجغرافى أن سياسة مصر يجب أن يسيطر عليها متغير الانتشار
الإقليمى فى الشرق الأوسط والمساندة الحركية باسم دول المنطقة العربية
(42).
5 ـ أن أحد المبادئ المتعلقة بحماية الأمن القومى المصرى تتمثل فى
ألا تعتمد مصر على السلاح البرى فقط، أداتها العسكرية يجب أن تتضمن أسطولا
بحريا متقدما وبدرجة لا تقل أهمية عن الجيش البرى لأتساع شواطئها الشمالية
المفتوحة، فضلا عن أهمية دور مصر فى البحر الأحمر (43).
6 ـ يسجل حامد
ربيع فى هذا الصدد ملاحظة جديرة بالتفكير وهى أن مصر ليس لها تقاليد بحرية
تماثل اليابان وبريطانيا، ونضيف بأنه ربما كان اهتمام محمد على بالقوات
البحرية حدثا فريدا فى تاريخ مصر.
7 ـ يشير حامد ربيع إلى بعض الأخطار
الناتجة عن المتغيرات الجديدة فى العالم والتى يمكن أن تؤثر على الأمن
القومى المصرى منها إمكانية أن تفقد مصر مكانتها الموقعة كمحور لنظام
الاتصال العالمى وحركة التجارة نتيجة للتقدم التكنولوجى فى صناعة النقل
البحرى وإمكانية نجاح إسرائيل فى القيام بدور مصر الإقليمى فى ظل الواقع
العالمى المتغير والتوازنات الإقليمية الجديدة (44).
هذا هو ملخص الرؤية
التى قدمها د. حامد ربيع للتوجه المتوسطى المطلوب بالنسبة لمصر، فهو توجه
لخدمة الأمن القومى المصرى وتعزيز انتماء مصر العربى، لأن تحقيق هذا الأمن
القومى المصرى، يحقق الأمن القومى العربى، ومواجهة مصر للأخطار الجديدة على
أمنها لا تتأتى إلا بتوجيه مزيد من الاهتمام إلى البحر، وعدم الاقتصار على
الاهتمام بالبر.
المبحث الثالث:
التوجه المتوسطى فى نتاج مدرسة العلاقات الدولية المصرية:
فى
هذا الجزء من الدراسة سنعرض للأفكار المتعلقة بالتوجه المتوسطى فى الفكر
السياسى المصرى، من خلال تحليل عينة من النتاج الفكرى للباحثين المصريين فى
مجال العلاقات الدولية ومن خلال الفحص المبدئى لأهم الدراسات والمقالات
التى قدمت حول هذا الموضوع يمكن أن نشير إلى ما يلى:
أولا: محدودية الدراسات التى عنيت بالتوجه المتوسطى للسياسة الخارجية المصرية خلال الفترة من 1965 وحتى مطلع التسعينيات.
ثانيا:
شهدت الفترة التى تبدأ بالتسعينيات وحتى الآن اهتماما بهذا الموضوع، وزادت
كثافة المعالجة خلال عام 95 ومطلع 96 وحتى إعداد هذه الدراسة.
ثالثا: خلال حقبة الحرب الباردة كان اهتمام الباحثين المصريين بالبحر المتوسط يدور حول الجوانب التالية:
(أ) الاستراتيجية الأمريكية والسوفيتية فى البحر المتوسط بوصفه مسرحا للتواجد البحرى للقوتين الأعظم.
(ب) النزاعات المتفجرة فى البحر المتوسط كالأزمة القبرصية، والنزاع اليونانى التركى.
(ج) بعد حرب أكتوبر 1973، أزداد الاهتمام بالعلاقات المصرية والعربية مع أوروبا عبر المتوسط، وبالحوار العربى الأوروبى.
رابعا:
فى الفترة الأخيرة بدأ الاهتمام بالتوجه المتوسطى بوصفه أحد البدائل
المقدمة على الساحة والتى يمكن من خلالها انتظام التفاعلات السياسية
والاقتصادية والثقافية فى المنطقة.
خامسا: هناك محاولة لتأصيل التوجه المتوسطى استنادا إلى خبرة الحوار العربى الأوروبى.
وفيما
يلى نعرض لأهم الأفكار التى قدمها الباحثون السياسيون المصريون فى حقل
العلاقات الدولية، مركزين على ما جاء فى إطار أدبيات الحوار العربى
الأوروبى، ثم الاتجاه المتوسطى كبديل من البدائل المقدمة على الساحة
المتوسطية فى أدبيات الحوار العربى الأوروبى:
أولا: السياسة المتوسطية لدول الجماعة الأوروبية:
عنى الباحثون المصريون بدراسة السياسة المتوسطية لدول الجماعة الأوروبية، ومدى إمكانية استفادة مصر والدول العربية من هذه السياسة.
وتتلخص
السياسة المتوسطية لدول الجماعة الأوروبية فى عقد اتفاقيات مع بلدان البحر
المتوسط قد تصل إلى درجة الانتساب إلى الجماعة، والبعض الآخر هدفه التوصل
إلى هذه الدرجة من خلال إنشاء مناطق للتجارة الحرة، من خلال اتفاقيات
للمعاملات التفضيلية لقوائم من السلع والبضائع بين دول المتوسط والجماعة
(45).
وتشير معظم الدراسات التى تمت فى هذا الشأن إلى النتائج التى
تحققت فى هذا المجال نتيجة لعقد دول الجماعة لمثل هذه الاتفاقات مع مصر ومع
بعض الأقطار العربية المتوسطية، ومقارنة تلك الاتفاقيات بالاتفاقات التى
تمت مع إسرائيل، ثم برزت فى السنوات الأخيرة مسألة التنافس بين الأقطار
العربية المتوسطية فى الحصول على مزايا إضافية من خلال هذه الاتفاقيات
(46).
ثانيا: الأمن والاستقرار فى البحر المتوسط وأهميته بالنسبة للأمن الأوروبى:
اهتمت
الدراسات التى تناولت الحوار العربى الأوروبى أو علاقة مصر بالجماعة
الأوروبية، بموضوع الأمن والاستقرار فى البحر المتوسط، خاصة فى جنوب البحر
المتوسط، وذلك باعتبار أن البحر المتوسط يمثل الإطار الجغرافى الذى يجمع
بين العرب وأوروبا، ومن ثم كان هناك تركيز مستمر على قضية الصراع العربى
الإسرائيلى، وما يمثله هذا الصراع من تهديد لحدود أوروبا الجنوبية فى حالة
نشوب صراع عسكرى كما حدث فى أعوام 56، 67، 73، وهذه المسألة أثارت العديد
من القضايا منها الأمن العربى والأمن الأوروبى، ومدى التماس والتناقض
بينهما، وضرورة مساهمة أوروبا فى حل هذا الصراع، وفى تقديم المساعدات لمصر
والدول العربية من أجل تحقيق السلام الذى يضمن الاستقرار فى المنطقة (47).
واتجهت
بعض الدراسات المصرية نحو معالجة التوازنات الدولية فى منطقة شرق البحر
المتوسط، وقد شملت الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية لهذا الموضوع
(48).
ثالثا: التعاون الاقتصادى والتكنولوجى والبيئى اهتم الباحثون
المصريون بالتعرف على أوجه التعاون الاقتصادى والتكنولوجى والبيئى التى
يمكن أن تتم مع أوروبا عبر المتوسط، وبتقييم ما تم التوصل إليه فى هذا
الشأن سواء من خلال السياسة المتوسطية لدول الجماعة أو من خلال الحوار
العربى الأوروبى، وإن حظى الجانب الاقتصادى باهتمام واضح شمل كافة المجالات
الممكنة أو المحتملة (49).
رابعا: نظر الباحثون المصريون إلى الاتجاه
المتوسطى للجماعة بوصفه يحقق مصالح الجماعة الأوروبية خاصة فى مجال الأمن
وتأمين احتياجاتها من النفط، وفتح أسواق المنطقة أمام المنتجات الأوروبية،
ورأى البعض منهم أن هذا الاتجاه كان أحد الدوافع التى دفعت أوروبا لإجراء
الحوار العربى الأوروبى (50).
خامسا: رأى الباحثون المصريون أن الحوار
العربى الأوروبى يختلف عن السياسة المتوسطية لأوروبا من حيث أنه يقوم على
الحوار الجماعى مع العالم العربى، كما أنه يشمل مجالات عديدة غير المجال
التجارى الذى يقوم على أساسه التوجه المتوسطى الأوروبى هذا بالإضافة إلى
كونه يحترم الهوية العربية (51).
رؤية الباحثين المصريين للمتوسطية كبديل مقترح للمستقبل:
تناول
عدد من الباحثين المصريين موضوع المتوسطية بوصفه أحد البدائل المقترحة
لإقامة نوع من أنواع التكتل الإقليمى الذى يمكن أن تنتظم من خلاله
التفاعلات السياسية والاقتصادية والثقافية فى المنطقة وقد اتسمت معالجة هذا
الموضوع فيما قدمه هؤلاء الباحثون من أفكار بصدد هذا الموضوع بالخصائص
التالية:
أولا: السعى إلى وضع تعريف محدد لمفهوم المتوسطية، وفى هذا
يقول محمد سيد أحمد: المشروع المتوسطى هو مشروع يريد أن يجمع الدول المطلة
على البحر المتوسط جميعا وربما بالذات الدول العربية التى تطل على شاطئه
الجنوبى مع الدول الأوروبية التى تطل على شاطئه الشمالى، للحيلولة دون صدام
حضارات عبر هذا البحر الذى شهد مولد العديد منها ويشمل المشروع الإسرائيلى
(52).
ويرى السيد يين أن مشروع المشاركة الأوروبية المتوسطية المعروض
على الدول العربية جنوب المتوسط بصور وأشكال شتى، ثنائية أو جماعية، هو
نموذج من نماذج التعاون الجديدة التى تقوم ليس على أساس إقليمى يرتبط
بالجوار الجغرافى وإنما لتحقيق أهداف سياسية وغايات اقتصادية يرى أهمية
استراتيجية بالغة فى تحقيقها على أرض الواقع، وهو يرى أنه بمثابة شراكه
شاملة مقترحة بين الدول الأوروبية فى إطار مشروع استراتيجى متكامل بأبعاده
الأمنية والاقتصادية والسياسية والثقافية (53).
ويذكر د. محمود
عبدالفضيل أن بدايات فكرة التجمع الاقتصادى المتوسطى تعود إلى الاقتصادى
الفرنسى الراحل فرانسوا بيرو عند نهاية السبعينيات عن ضرورة تحويل حوض
البحر المتوسط إلى بحيرة للتنمية والسلام، ولكن الفكرة ظلت مجرد صياغة
نظرية عامة لمشروع مستقبلى، لم تتم ترجمته إلى مقترحات وآليات عمل لدفع
عمليات التعاون الاقتصادى الإقليمى بين بلدان المتوسط، إلا أن تم إحياؤه فى
بداية التسعينيات مع تسارع التطورات شرقا وغربا بعد حرب الخليج ونهاية
الحرب الباردة، وهو يشكل محاولة لبلورة رؤية مستقبلية لمستقبل المنطقة مع
مطلع القرن الحادى والعشرين (54).
يركز د. حسن البدراوى على الجانب
الثنائى للمتوسطية فهو يرى أن المطروح من الجانب الأوروبى هو عقد مجموعة من
الاتفاقات المنفصلة مع دول جنوب البحر المتوسط وهى اتفاقيات ذات أبعاد
سياسية وأمنية واقتصادية واجتماعية ومالية وفنية تستهدف فى النهاية إقامة
منطقة تجارة حرة بحلول عام 2010.
ويلخص محمد عبدالسلام مفهوم المتوسطية
كما عبر عنها السيد عمرو موسى وزير الخارجية المصرى فى لقائه مع الباحثين
بالأهرام بقوله: المتوسطية تستند إلى وجود إرادة سياسية لدى دول البحر
المتوسط، لتشكيل تجمع فعال، يرتكز على أسس محددة، ذات طابع اقتصادى وسياسى
وثقافى وأمنى، وتتحرك نحو إطار أشبه بإطار هلسنكى الأوروبى، ويتم بناؤها
استنادا على اتفاقيات مشاركة والتزامات تعاقدية ونقاش جاد حول كافة القضايا
التى تهم دول البحر المتوسط بكافة تفاصيلها، ويتم التفاعل بين أطرافها
بشكل سلس، ويتوقع أن يتسع إطارها مع الوقت لتضم دولا أخرى فى المنطقة لا
تطل على البحر المتوسط مباشرة وإن كانت ترتبط بالدول المطلة عليه، والإطار
المتوسطى بهذا المفهوم يمثل توجها بالنسبة للسياسة الخارجية المصرية (55).
ويذكر
أحمد نافع أن المتوسطية تعنى ظهور تجمع جديد للعالم القديم فى حوض البحر
المتوسط الغنى بالحضارات له إطار سياسى واقتصادى واجتماعى وثقافى مقارب
لصيغة هلسنكى التاريخية للأمن والتعاون الأوروبى وذلك من أجل العمل على
بناء منطقة سلام وإزدهار مشتركة فى حوض المتوسط (56).
ومن خلال هذه
التعريفات التى قدمها المفكرون والباحثون المصريون يمكن القول بأن الإدراك
المصرى للمتوسطية يدور حول كونها مشروعا مستقبليا لتحقيق التعاون بين بلدان
البحر المتوسط جنوبه وشماله فى كافة المجالات من أجل تحقيق الأمن والتنمية
فى المنطقة، وأن المتوسطية لها بعض الأسس أو الجذور التى تكفل لها أن تكون
موضع التنفيذ، منها أن هناك ضرورات موضوعية متوافرة على جانبى المتوسط
تتطلب إقامة مثل هذا التجمع.
ثانيا: اهتم الباحثون المصريون بدراسة
الأسباب التى دفعت أوروبا إلى طرح هذه الفكرة وفى هذا الصدد يذكر حسين
عبدالرازق أن مشروع الشركة الأوروبية والمتوسطية له مجموعة من الأسباب
منها:
1 ـ احتياج أوروبا لدمج دول جنوب البحر المتوسط فى الاتحاد الأوروبى لزيادة قدرتها التنافسية مع الولايات المتحدة واليابان.
2
ـ اقتناع عدد من الدول الأوروبية بأن الأخطار التى تهدد الاستقرار فى
القارة الأوروبية، لم تعد تنطلق من شرق القارة وإنما من الجنوب (57) ويحدد
السيد يسن هذه الأسباب استنادا إلى وثائق البرلمان الأوروبى فيذكر ـ أن
الأسباب التى دعت الاتحاد الأوروبى إلى صياغة استراتيجية شاملة للتعاون
الأوروبى المتوسطى وتردها إلى معدلات الزيادة السكانية المتسارعة واتساع
الفجوة الاقتصادية بين الدول المتوسطية، وتصاعد نفوذ القوى الأصولية، وظهور
مواقع أزمات متعددة، ووجود مشكلات غير قابلة للحل بشكل قطرى مثل مشكلات
المياه والطاقة (58) ويشير محمود عبدالفضيل إلى بعض هذه الأسباب فيذكر أن
الاهتمام الأوروبى بجنوب المتوسط قد بدأ من خلال عدد من الهواجس الأمنية
حول مستقبل هجرة وتدفق العمالة من بلدان جنوب المتوسط إلى بلدان الشمال فى
أوروبا، وإمكانات تصدير التطرف والعنف من بلدان الساحل الجنوبى فى ظل
احباطات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى هذه البلدان (59).
ويركز طه
المجدوب على مجموعة من العوامل السياسية فى الأساس التى تعد بمثابة أسباب
لتحرك الاتحاد الأوروبى نحو مشروع التعاون المتوسطى وهى: حرب أكتوبر 73 وما
نتج عنها من تداعيات خطيرة عرضت الاستقرار العالمى للخطر وهزت أركان الأمن
القومى لأوروبا الغربية، بعد أن تعرضت صناعاتها لمخاطر داهمة نتيجة
لانقطاع مصدر الطاقة عنها بسبب الحظر البترولى الذى فرضه العرب على الدول
الغربية مما جعل أوروبا تعيد النظر فى سياستها تجاه الدول العربية، ثم كانت
أحداث التسعينيات وتطورات عملية السلام العربى الإسرائيلى وتضخم النفوذ
الأمريكى فى المنطقة ومحاولة التحول إلى السلام الاقتصادى بانعقاد قمة
الدار البيضاء وعمان رغم عدم اكتمال حالة السلام السياسى الأمر الذى دفع
أوروبا نحو طرح هذا المشروع (60) والملاحظ من خلال هذا العرض أن الفكر
السياسى المصرى، يرى أن هناك مجموعة من العوامل المتعددة التى دفعت أوروبا
إلى تقديم مشروع التعاون الأوروبى المتوسطى، ويمكن أن نوجزها على النحو
التالى:
(أ) مجموعة العوامل المتصلة بتوازن القوى فى المنطقة بين القوى الكبرى فى عالم اليوم.
(ب)
مجموعة العوامل ذات الطابع الأمنى والتى تجد جذورها فى عدم الاستقرار
الداخلى فى دول جنوب المتوسط، إضافة إلى بعض المشكلات الإقليمية فى
المنطقة.
(ج) مجموعة العوامل الاقتصادية والخاصة بإمكانية التعاون
الاقتصادى، وخلق فضاء اقتصادى أوروبى متوسطى يوفر نطاقا ملائما للنشاط
الاقتصادى.
(د) مجموعة العوامل ذات الطابع الكونى والتى لا يمكن حلها على المستوى القطرى والتى تتطلب تضافر كافة الجهود كلها، مثل مشكلة البيئة.
(ه)
مجموعة العوامل ذات الطابع الحضارى، والتى تدور حول إمكانية تحقيق نوع من
أنواع التفاعل الحضارى بين دول المتوسط التى تتسم بالتنوع الحضارى.
ثالثا:
آثار الفكر السياسى المصرى تساؤلا هاما يتلخص فى الآتى: هل المشروع
المتوسطى الأوروبى يأتى فى إطار التنافس بين أوروبا والولايات المتحدة على
النفوذ فى المنطقة؟ ولقد انقسم الباحثون المصريون إلى اتجاهين أساسيين فى
هذا الصدد، الأول يرى بأن المشروع المتوسطى الأوروبى هو ر

https://taamelbyot.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى