الرئيسية
رموز خالدة من ملحمة الجزائر
بالرغم من شراسة المستخرب الفرنسي،
وبالرغم من قوته وعتاده، وبالرغم من
استيطانه الطويل بالجزائر، إلا أنه لم ينعم
بليلة هنية، ولم يطمئن بإشراقة نهار..
فقد كان مهددا يلاحقه شبح المرابطين
من أبناء هذه الأرض الطيبة الطاهرة،
ليكسر شوكته الظالمة، وليلقنه درسا لم
ولن ينساه مادامت صفحات التاريخ
تروي بطولات هذا الشعب العملاق
بصدق وبموضوعية...
هذا الشعب الذي لم يبخل بالنفس
والنفيس، وراح طوال قرن واثنتين
وثلاثين سنة يكافح مرارة وقسوة
المستدمر الطاغي، هذا الشعب الأعزل
الضعيف الذي برهن للعالم أجمع أن ما
أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوة، وأن
القوة ليست في الحديد فحسب وإنما هي
في القلوب المفعمة بالإيمان والتضحية،
وحب الوطن... فليقولوا اليوم ما
شاءوا، وليلفقوا افتراءاتهم وخيبات أملهم
على صفحاتهم المزورة، فلا يمكن أن
يكون أبطال الجزائر إلا أسودا ضارية
توارثت البسالة لتنفجر كبركان صاخب
بوجه المحتل الغاشم...
شعلة من نار
رمز من الرموز الذهبية للجزائر، ولبؤة كما
صورها أغلب من تحدث عنها، امرأة
بألف مقاتل، بل بألف رجل، جمعت بين
الشجاعة والعلم والفطنة والقيادة،
انتفضت وتمردت على كل ما يمكنه أن
يعيق هدفها الأسمى... مواجهة العدو
وتحرير الوطن
لم تكن كمثل نساء زمانها، ولم تكن كمثل
أحد، كانت نموذجا فريدا من نوعه،
خلدت اسمها على صفحات التاريخ
المشرقة، فكانت رمزا، وفخرا، ومثالا
إنها الأسطورة
فاطمة نسومر
(1830م/1863م)
الابنة الوحيدة لوالديها وسط أربعة إخوة
ذكور، استطاعت بفضل ذكائها الخارق
وفطنتها أن تتعلم وتتفقه في الدين، وتتولى
شؤون زاوية دينية لوحدها..
في مجتمع يزوج المرأة في سن السادسة
عشرة لتكون تحت رعاية زوجها، وتحت
مسؤوليته..
كسرت فاطمة كل حواجز مجتمعها
ودخلت معتركا كان حكرا على الرجال
فقط، ولم يكن ولوجها لتطبيبهم، ولا
للوقوف جنبا لجنب معهم، بل لقيادتهم
وتسييرهم...
فاطمة امرأة رسمت أسطورتها بريشتها..
تعلمت، وتفقهت، واعتبرت الحياة قنطرة
تعرج بها إلى عنان السماء فتملصت من
الحياة الزوجية لأنها أدركت بأنها مسؤولية
لن تسمح لها بخط خطوات الكفاح، وهي
التي خططت لبلوغ غايتها المنشودة..
تحرير الوطن، فلم تشأ إقحام الزوج
والأولاد في معترك قد يفشل، ويقضي
على أسرتها
هذا ما يستنتجه كل مخمن في تفكير هذه القائدة الشجاعة.
متصوفة عرفت حق دينها...
هي ذي فاطمة نسومر التي نشأت متصوفة
زاهدة، وكرست عمرها في خدمة الدين
والوطن، فأي إيمان هذا الذي كان يملأ
قلب هذه الشابة المفعمة بالقوة
والإخلاص، وأي إخلاص هذا الذي ملأ
قلبها الرقيق بحب الرحمن، القوي برفض
الطغيان...
سمّاها.. عدوها: جان دارك الجزائر..
فقد كان يرى في فاطمة مثالا شبيها
ببطلتهم الثائرة (جان دارك)، فأي
اعتراف هذا ببطولتها؟؟ ولكنها فضلت
أن تسمى (خولة جرجرة) نسبة إلى
الصحابية خولة بنت الأزور التي اعتبرتها
قدوة لها في الكفاح في سبيل الله..
مسيرتها الجهادية..
التحقت فاطمة بجيش القائد الشجاع
بوبغلة (محمد بن عبد الله) حيث أتقنت
وسط صفوفه كيف تكون محاربة تواجه
قوة العدو وكلها ثقة بنفسها السامية،
كانت بداية نشاطها في منطقة
أربعاء ناث ايراثن حيث تمكنت من تقوية
وتعزيز الجيش المقاوم للاحتلال، وكانت
مستشارة قديرة، تهجم وهي قوية
وتتراجع وهي ضعيفة..
من معاركها..
.. بربوة « تمزقيدة » مع القائد بوبغلة
ضد الجنرال روندون وماهون
.. معركة «واضية» التي كانت هزيمة
المستعمر فيها نكراء بعدما خططت بطلتنا
لسير المعركة ورسمت مسارها المشرف..
وتابعت لالا فاطمة نسومر انتصارتها في
«يللتن» و«الأربعاء» و«تخبت»
و«عين تاوريغ» ... وغيرها من
مناطق بلاد القبائل مما جعل الرعب ينمو
بصفوف المحتل، فعزز قوته وضاعف عدد
جنوده، أما فاطمة فكانت تتخذ معهم
سياسة الكرّ والفرّ حفاظا على جيشها
وتنفيذا لخططها، وكلها عزم للإطاحة
بعدوها..
وفي يوم.. احتدمت نيران الحرب بين
جيش فاطمة وجيش الاحتلال في قرية
«آيت تورغ» حيث تقدمت المجاهدة
كشعلة نارية تتقدم الجيش وتحارب بكل
جسارة، ولأن قوام جيشها كان ضعيفا
مقارنة بعدوها حوصرت فاطمة وجيشها
فأوقفت المعركة، طارحة فكرة التفاوض
التي قبلها العدو الغادر لينقضها بمجرد
وضعها للسلاح.. واعتقلت اللبؤة
وأشبالها وأسرت ما يقارب السبع سنوات
بعيدا عن منطقتها لترحل روحها الطيبة
إلى بارئها بعد مرض عضال..
من أين لها بكل تلك القوة؟؟
لم كانت فريدة؟
لا يضعف قلب امتلأ بالإيمان كمثل قلبها،
وشرب لبن الإخلاص، وسطّر غايته في
السماء يلقي عليها كل يوم تحية الصباح،
ويستنشق في كل لحظة هواء الحب
للوطن.
ولا يشل فكر تغذى منذ نعومة أظفاره على
العلم والمعرفة الحقّة، فدرس وعرف كيف
يطّبق معارفه في ميدان حياته..
ولا يتراجع أبدا من حطّم كل جسور الحياة
ليبقى واقفا على آخر جسر فيها يصله بما
لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر
على بال أحد...
الإثنين مايو 27, 2024 10:25 pm من طرف