لمحة عامة عن تاريخ وجغرافية فلسطين
مقدمة
تمتاز فلسطين بتاريخ غني وجغرافية متنوعة، وتقع في قلب العالم القديم، الذي كان مسرحا حيويا للحضارات على مرّ العصور. وهي مهد الديانات السماوية ومنبع حضارات التي أعطت البشرية الكثير.
وتنوع ساكنو هذه البلاد، وتركوا بصمات وشواهد ومعالم زال بعضها ماثلاً حتى الآن، وبقي الآخر راسخًا؛ ليمثل شاهدًا حيًا على حضارات سادت هذه البلاد، في شتى أنحاء فلسطين؛ في قراها وسهولها وجبالها وأغوارها وصحرائها وعلى شواطئها، وشملت هذه الشواهد التاريخية: المساجد، والكنائس، والأديرة، والمزارات، والقباب، والمحاريب، وأشجار الزيتون الرومية، وكروم العنب، وبيارات.
وتعدّ فلسطين واحدة من أهم مناطق الجذب السياحي في العالم؛ لأهميتها الدينية والتاريخية التي لا ينازعها فيها أي بلد آخر في العالم، ولتمتعها بتضاريس ومناخات متنوعة وشديدة التباين، وهذه الميزات أكسبت فلسطين عن حق لقب القارة.
وفلسطين جسر ضيق في أقصى غرب الهلال الخصيب يربط بين قارتي أفريقيا وآسيا؛ الأمر الذي زاد من عظم شأنها، وأثر على مجرى تاريخها يشكل كبير.
كانت فلسطين ومازالت بلداً له شأنه في معظم الأحداث المهمة في تاريخ العالم؛ لقد أثرت وتأثرت بالعديد من الحضارات الهامة في تاريخ البشرية، ابتداء بحضارة مصر الفرعونية، مروراً بالحضارات البابلية والآشورية واليونانية والفارسية والرومانية والبيزنطية………الخ، وانتهاء بالمسلمين والمسيحيين العرب، واليهود الإسرائيليين اليوم. حتى الإنجليز والفرنسيين و الروس والأمريكيين، كان ومازال لهم جميعاً تأثير على طابع فلسطين الحالي.
اسم "فلسطين" قديم جداً، ورد ذكره أول مرة في السجلات المصرية التي تعود إلى العصر البرونزي المتأخر في فترة حكم الفرعون المصري رعمسيس الثالث، حوالي سنة 1220-1200 قبل الميلاد، استخدم المصريون الاسم (بلست pelest)، كما هو مدون بالهيروغليفية على جدران معبد الكرنك (Medinet Habu Temple)، في إشارة لسكان ساحل فلسطين الجنوبي. ورد ذكر الاسم لاحقاً في العهد القديم وفي السجلات الآشورية في إشارة إلى سكان نفس المنطقة من يافا شمالاً إلى رفح جنوباً. وهكذا تعارف الناس على تسمية هذه المنطقة باسم "فيلستيا". لكن منذ عهد المؤرخ اليوناني هيرودتس، القرن الخامس قبل الميلاد، أصبحت كلمة فلسطين تشير إلى فلسطين التاريخية بزواياها الأربع، من نهر الأردن شرقاً، إلى البحر الأبيض المتوسط غرباً ومن الساحل الفينيقي (لبنان اليوم) شمالاً، إلى البحر الأحمر وصحراء سيناء جنوباً.
فلسطين عبر التاريخ:
فلسطين في العصر الحجري: 1400-4500 قبل الميلاد
التنقيبات الأثرية التي جرت في فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر، أظهرت مخلفات إنسانية يعود تاريخها إلى أقدم العصور؛ ففي وادي النطوف القريب من قرية شقبا غربي رام الله مثلاً، عثر المنقبون على مخلفات يعود بعضها للمرحلة الثانية من العصر الحجري القديم 70.000-35.000 ق.م، وأحدثها يعود إلى العصر الحجري الأوسط 14.000-8.000 ق.م. اكتشفت الحضارة النطوفية لأول مرة عام 1928م على يد المنقبة دوروثي غارود في الكهف المعروف ب"مغارة شقبا". وتمثل هذه الحضارة الخطوة الأولى للإنسان على طريق بناء أول مجتمعات زراعية في التاريخ.
زاول إنسان هذا العصر مهن الالتقاط والجمع وصيد الحيوانات البرية والأسماك في الوديان، كوادي النطوف ووادي خريطون جنوب شرق بيت لحم، والتي كانت مياههما غزيرة فيما مضى.
الفترة الواقعة بين عامي 10.000و8000 قبل الميلاد، تشكل مرحلة انتقالية بين العصر الحجري القديم والعصر الحجري الحديث، أو بعبارة أخرى بين نمط التنقل والتجول من أجل الصيد والتقاط القوت؛ إلى نوع من حياة الاستقرار، حيث أصبح الإنسان منتجاً لقوته بنفسه وجد في أحد كهوف الكرمل العائدة لهذا العصر جمجمة كلب كبير يستدل منها أن الإنسان ابتدأ في نهاية العصر الحجري الوسيط في تدجين الحيوانات. والآثار التي عثر عليها في أريحا والعائدة لأواخر هذا العصر تدل على تدجين البقر والماعز والغنم والخنازير. باهتداء الناس إلى تدجين الحيوانات اضطروا للانتقال إلى نمط حياة جديد، وهو حياة البداوة والتنقل بقطعان ماشيتهم من مرعى إلى آخر، وهكذا أصبحوا رعاة بعد أن كانوا صيادين وجامعين لقوتهم.
عند بداية العصر الحجري الحديث (حوالي 8000 ق.م) دخل سكان فلسطين في مرحلة جديدة طوروا فيها مهاراتهم في الزراعة، وأصبحوا يتمتعون بنوع أعلى من الاستقرار، حتى أنهم بدؤوا يطورون بعض المعتقدات الدينية والمفاهيم الفنية. يبدو أن الناس في هذه الفترة كانوا يقدسون أسلافهم، حيث عثر على مجموعة من الجماجم المفصولة عن هياكلها العظمية في أريحا تعود إلى هذا العصر، كما أنهم عبدوا القمر لأنه أكثر نفعاً وتلطفاً من الشمس في بلاد حارة وجافة مثل فلسطين. عثر المنقبون في كهوف الكرمل على رسم لثور حفر بأدوات عظمية على قطعة من الحجر الطباشيري منحوتة على صورة رأس إنسان. تتمثل حضارة سكان فلسطين في هذا العصر بالأدوات الحجرية المصقولة وبالصحون الحجرية والهواوين والمداق والمناجل الصوانية المثبتة على قبضة خشبية، والتي يظن أنها كانت تستعمل لحصاد القمح. عثر المنقبون على الكثير من هذه الأدوات في مغارة شقبا وفي أريحا ومناطق أخرى. معظم الأدوات الصوانية في أريحا مصنوعة من مادة السبج (الأوبسديان) وهي مستوردة من بلاد الأناضول. ويستدل من هذه الأدوات على أن سكان فلسطين هم أول من زاول الزراعة في العالم.
عهد الناس في هذا العصر بالمهنة الجديدة إلى نسائهم وأولادهم، أما الرجال فقد ظلوا منصرفين إلى أعمال الصيد والرعي والغزو. زرع السكان القمح والشعير والدخن (وهو نوع من الذرة)، ثم زرعوا العنب والتين والزيتون وأنواعاً من الخضروات.
عثرت عالمة الآثار البريطانية المشهورة "كاثلين كنيون" التي نقبت في تل السلطان في أريحا بين عامي 1952-1958 على مدينة متكاملة تعود لهذا العصر، واكتشفت أبنية عمومية من الحجارة يبلغ ارتفاع بعضها عشرة أمتار، وسوراً خارجياً به برج مستدير، قطره 13 متراً، يصعد إليه بإحدى وعشرين درجة. يعتبر سور أريحا وبرجها أقدم بناء حجري عثر عليه حتى الآن في العالم، ويعود تاريخ بنائهما إلى سنة 7000 ق. م. وبذلك استحقت أريحا عن حق لقب أقدم مدينة في العالم والبلد الذي شهد ظهور أول نواة لحكومة مركزية في التاريخ.
ليس واضحاً حتى الآن إن كانت هذه الفترة قد انتهت في مدينة أريحا بسبب عوامل طبيعية كالزلازل أو على يد فاتحين جدد، لكن كينيون تذكر بأن هجرة سكانية ربما تكون قد حدثت بين هذا العصر والعصر اللاحق.
أما من الناحية الاقتصادية فيبدو أن الإنسان في هذه الفترة كان لا يزال يعتمد في حياته على الصيد إلى جانب النباتات التي دجنها وزرعها، مثل: الشعير، والقمح، والبازلاء، والعدس، والنباتات العلفية.
يقسم المؤرخون العصر الحجري الحديث إلى قسمين: قبل الفخاري(8000-6000ق.م)، والفخاري(6000-4500ق.م) كما تشير التسمية، يتميز الجزء المتأخر من هذا العصر، أكثر من أي شي آخر، باكتشاف الفخار، كان لهذا الاكتشاف أثر عظيم، ليس على إنسان العصور الحجرية فقط، بل وأيضاً على كل العصور التي تلته. لقد حرر الفخار إنسان العصور القديمة من عبوديتة للصخر الصعب التشكيل الذي حد من قدرته على الإبداع وتنويع أدوات عمله، واليوم يعتبر الفخار أفضل وسيلة لدى الأثريين المعاصرين لدراسة حضارات العالم القديم.
العصور النحاسية والبرونزية: 4500-1200 قبل الميلاد
في نهاية العصر الحجري، بدأ الفخار وحتى المعادن، وتحديداً النحاس، يحلان تدريجيا محل الحجارة لصنع معظم الأدوات اللازمة للإنسان، يختلف العاملون في الآثار الفلسطينية على تفسير الفترة النحاسية هذه وهي مرحلة انتقالية بين العصور الحجرية والعصور البرونزية، ولكنهم تعارفوا على تسميتها بالعصر الحجري النحاسي. البعض يعتبرها مرحلة متأخرة من العصر الحجري وآخرون يعتبرونها مرحلة مبكرة من العصر البرونزي. المدافن ذات المداخل الرأسية في أريحا وتل الفارعة، وخاصة الأواني والحلي والنحاسية والفخارية المكتشفة هناك، هي مصدر معلوماتنا الرئيسي عن نهاية العصر الحجري وبداية العصر البرونزي.
يعرف العصر البرونزي القديم في فلسطين 3200-2000 ق.م، بعصر دويلات المدن. بدأت اتصالات فلسطين التجارية بمصر وبلاد ما بين النهرين في هذه الفترة؛ فالمنتجات الفلسطينية مثل السيراميك وزيت الزيتون كانت تصدر على قوافل من الحمير إلى هذه البلاد. تمكنت العديد من دول المدن الكنعانية في هذا العصر، وبالرغم من الهيمنة الثقافية المصرية، من المحافظة على درجة عالية من الاستقلال الذاتي. وبنى العديد من ملوك مدن الدول الكنعانية أسواراً حول مدنهم وقاموا بإنشاء حكومات وجيوشاً مستقلة، وشيدوا قصورًا ومعابد، وأحكموا سيطرتهم على المناطق والقرى المحيطة بمدنهم. بعض هذه المدن مثل شكيم (نابلس) ومجدو وغزة وأسدود والخليل وغيرها، تطورت مع الأيام إلى قوى إقليمية هامة، حتى إن ما يسمى بملوك الأقطار الأجنبية "الهكسوس"، (وهم على الأغلب من سكان فلسطين في هذه الفترة)، بلغوا من القوة بحيث نجحوا في احتلال شمالي مصر، كما أدخلوا استعمال الخيول والعربات إليها. لكن وبعد انتصارات متتالية على الهكسوس، تمكن الفرعون المصري، مؤسس الأسرة المصرية الثامنة عشرة، تحتمس الثالث 1469-1436ق.م من طرد الهكسوس من مصر وملاحقتهم إلى فلسطين وتثبيت هيمنة بلاده عليها. استمرت الهيمنة الفرعونية على فلسطين حتى العصر الحديدي، وتميزت بسيطرة وحضور عسكري قوي بالإضافة إلى هيمنة ثقافية، حيث عمد الفراعنة إلى اصطحاب أمراء المدن الكنعانية الرئيسية معهم إلى مصر لتعليمهم هناك وبالتالي ضمان ولائهم.
سهلت حياة التمدن تطوير المهارات المتخصصة لدى هذه الفترة، حيث تم اكتشاف العجل لصناعة الفخار، وأضيف القصدير إلى النحاس لإنتاج البرونز، وهو معدن أكثر عملية وأقوى لصنع الأدوات للاستخدام البشري في الحقبة المتأخرة من هذا العصر، لم يعد استخدام معدن البرونز مقتصراً على صناعة أدوات الترف والزينة بل استخدم أيضاً في صناعة الأسلحة والأدوات المختلفة. عبد الكنعانيون من سكان مدن فلسطين في تلك الفترة العديد من الآلهة مثل: إيل وعشتار وشاماش….وغيرهم.
إن أفضل تمثيل لمخلفات هذا العصر موجود اليوم في تل بلاطة (شكيم) قرب نابلس، وتل الفارعة شمالاً (ترزا)، وتل التل (عاي) قرب دير دبوان وتل النصبة (ميتزبا) قرب رام الله.
العصر الحديدي: 1200-538 قبل الميلاد
شهدت فلسطين الكثير من التطورات الثقافية والسياسية ذات الشأن في هذه الفترة، فاكتشاف الحديد والفولاذ وابتكار الأبجدية كانت تطورات هامة جداً في تأثيرها ليس على فلسطين وحدها، بل على تاريخ البشرية عموماً، شهدت فلسطين خلال هذه الفترة صراعات عنيفة من أجل السيطرة عليها بين بعض القوى المحلية من جهة، وبينها وبين الدول والإمبراطوريات المختلفة في الشرق الأدنى القديم من جهة أخرى. استمرت ممالك الدول المحلية المختلفة بالتنازع فيما بينها حتى القرن الثامن قبل الميلاد، عندما اجتاحت الجيوش الآشورية منطقة الهلال الخصيب، وأخضعت معظم الدويلات الصغيرة في سوريا وفلسطين، بما في ذلك ممالك المدن الفلسطينية الساحلية: غزة وجات وأسدود وعكرون وعسقلان ومملكتي العبرانيين الأصغر حجما: يهودا والسامرة في الوسط وأيضا المملكة الآرامية الأكبر في دمشق كانت منطقة الساحل الفلسطيني أغنى وأكثر ازدهاراً من المناطق الجبلية الوسطى في تلك الفترة كما هو الحال دائماً. اشتهرت مدن الساحل بصناعة الصوف وتلوينه بصبغ أرجواني جميل يلبسه الحكام ويستخدم لأغراض التصدير أما مملكتا السامرة في منطقة نابلس ويهودا إلى الجنوب؛ فيبدو أن الأولى كانت أغنى وأكثر سكاناً من مملكة الجنوب التي كانت عاصمتها القدس، بلغ عدد سكان السامرة حوالي 40.000 نسمة، وقد طورت اقتصادياً زراعياً فعالا يقوم على إنتاج الزيت والخمور.
عندما بدأت آشور بالضعف كانت بابل تزداد قوة، وعند سنة 600 قبل الميلاد بدأت الجيوش البابلية بالتقدم غرباً مدمرة المدن المختلفة في فلسطين، بما في ذلك القدس التي دمرت عام 587 قبل الميلاد، وبعث نبوخذ نصر شعوب المنطقة إلى المنفى في بابل، وهكذا؛ حلت اللغة الآرامية (لغة شمال سوريا) محل الكنعانية في البلاد، وبقيت كذلك حتى بداية الفترة المسيحية كانت الآرامية تكتب بأبجدية كنعانية، ومنها تطورت اللغتان العربية والعبرية. يمكن التعرف على مخلفات هذه الفترة في بلدة سلوان بالقدس، وفي الجيب (جيبيون) قرب رام الله، وشيلو على الطريق المؤدي إلى نابلس، وأيضاً في سبسطية شمالي نابلس.
العصور الفارسية والهيلينستية، والرومانية والبيزنطية: 538ق.م - 636م
في بداية الفترة الفارسية (538-332ق.م) سمح سايروس ملك فارس لكل الشعوب التي تم نفيها في زمن البابليين والآشوريين بالعودة إلى بلادهم. استفاد اليهود كغيرهم من هذه السياسة الليبرالية وعادوا إلى فلسطين، وقد سمح لهم الفرس لاحقاً بتشييد معبد في القدس.
آثار هذه الفترة نادرة في البلاد؛ لأن فلسطين أصبحت مقاطعة صغيرة قليلة الشأن في إمبراطورية ضخمة تسيطر على كل منطقة الشرق الأوسط، كما أن فلسطين لم تكن مهمة كثيراً بالنسبة للفرس من الناحية الدينية، وبالتالي لم يعن هؤلاء بتشييد الكثير من الأبنية فيها، ومن ناحية أخرى فإن الكثير من مخلفات هذه الفترة والفترات التي سبقت عصر هيرودس العظيم (القرن الأول قبل الميلاد) دمرت على يديه لإفساح المجال أمام أعماله العمرانية الضخمة.
احتل الإسكندر الكبير فلسطين بعد أن هزم الفرس في 332ق.م وبعد موته في 323ق.م نال قائد بطولومي حكم مصر، وسلوقس نال سوريا، وهكذا أصبحت فلسطين مسرحاً للصراع بين السلالتين البطلمية والسلوقية.
احتفظ البطالمة بفلسطين حتى عام 200 قبل الميلاد عندما انتقلت إلى أيدي السلوقيين. ويمكن مشاهدة بقايا هذه الفترة اليوم في كل من سبسطية، وجبل جرزيم في نابلس، وبيتين قرب رام الله.
احتل القائد الروماني بومباي فلسطين سنة 63 ق.م واستمر حكم الرومان لها حتى الفتح الإسلامي. في البداية حكم الرومان فلسطين حكماً مباشراً، ولكن حين ظهر قائد محلي قوي هو هيرودوس الأدومي 37ق.م، منحه الرومان حكماً ذاتياً وأضافوا مناطق جديدة إلى مملكته. وكان عصر هيرودوس واحداً من أزهى العصور في تاريخ فلسطين؛ فقد قام هذا الملك العظيم بتنظيم البلاد وتشييد العديد من المدن والقلاع والمعابد في كل مكان، و لو أنه أرهق رعاياه بالضرائب الباهظة. افتقر أبناء هيرودوس لخصائص والدهم، لذلك قام الرومان مرة ثانية بمباشرة حكم فلسطين بأنفسهم في العام السادس بعد الميلاد، وحولوا السلطة السياسية إلى الحكام الرومان الذين اتخذوا قيسارية عاصمة لهم.
شهدت فلسطين ثورتين خلال هذه الفترة الأولى ثورة قادها الحزمونيون اليهود عام 66م، وعلى أثرها قام تيتوس وفسباسيان بتدمير العديد من المدن الفلسطينية بما فيها القدس، والثانية ثورة باركوخبا 132-135م، وعلى أثرها هدم الرومان مدينة القدس، وبنوا على أنقاضها مدينة جديدة أسموها إيليا كابيتولينا. بعد هذا تحولت فلسطين إلى مسرح للنزاع بين المسيحية والديانات الرومانية الوثنية القديمة. استمر هذا النزاع إلى أن اعترف الإمبراطور قسطنطين بالديانة المسيحية واعتمادها ديانة رسمية للإمبراطورية بعد مرسوم ميلان عام 314 بعد الميلاد. ويمكن التعرف على أهم بقايا هذه الحقبة التاريخية في كل من سبسطية قرب نابلس، والهيروديون قرب بيت لحم، والحرم الإبراهيمي في الخليل، وفي قمران وتلال أبو العريق قرب أريحا…….الخ.
انتقال الحكم من روما إلى بيزنطة عام 324 بعد الميلاد لم يكن بالتغيير الهام من الناحية الحضارية، لقد كان مجرد انتقال لمركز الثقل السياسي للإمبراطورية من روما إلى المدينة الجديدة "القسطنطينية" عاصمة الإمبراطورية البيزنطية. أما الحدث الذي كان له تأثير هام على فلسطين فهو قرار الإمبراطور الروماني قسطنطين إعطاء الشرعية للديانة المسيحية في العام 314 كما ذكرنا سابقاً، لقد كان لهذا القرار تأثير بعيد المدى على كل التطورات اللاحقة في تاريخ فلسطين والعالم، فقد ظهرت الكثير من الكنائس والأديرة في كل مكان، وبدأ الحجاج المسيحيون بالتدفق على البلد من كل أنحاء العالم المسيحي. ويمكن التعرف على بقايا هذه الفترة في كل من:
كنيسة المهد، ودير مار سابا، ودير ابن عبيد في منطقة بيت لحم، وكنيسة بيثاني في العيزرية، وكنيسة القيامة في القدس، وفي البيرة، وبيتين في منطقة رام الله