عباقرة الإنشاد الديني

الصوت الجميل نعمة، والمهم هو توظيف هذه النعمة فيما يرضي الله عز وجل، فهناك من وظفوها في قراءة القرآن الكريم، وهناك من وظفوها في الإنشاد الديني الذي يكشف لواعج الروح المؤمنة في تفاعلها الكوني مع كل ما هو مؤثر وشجي من منظور ديني، لأجل هذا يتوفر هذا الكتاب علي دراسة وإبراز عباقرة الإنشاد الديني الذين كان لصوتهم بصمة في روح السامع، حينما استطاعوا أن ينشئوا هذا الفن الجميل والإنشاد الديني الرائع الذي يؤثر في القلوب ويستثير حماستها.
والإنشاد شيء لصيق بالفطرة، فعندما استقر الرسول في المدينة كان أول شيء يقيمه فيها هو بناء المسجد، وكان وهو يبني المسجد ينشد، والصحابة يرددون خلفه، فكان يقول: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة".
إذن هناك نوع من الإنشاد الهادف الذي يبني العقول، ويطرب الآذان، ويرقق القلوب، وفي الوقت نفسه يرضي الله تبارك وتعالي، وحري بكل مسلم أن يقرأ تاريخ هؤلاء العباقرة، ويتعلم منهم خاصة الشباب، فدائما ما نحتفي بمطربي هذا العصر، والجدير أن نحتفي ونوقر من يعمل في هذه المهنة الشريفة وهي الإنشاد الديني، كما أن إعلاء هذا الفن وهذه القيمة الدينية أمر يثاب عليه المرء، فضلا عن أن الخوض في هذا المجال يشجع الناس علي ذكر المولي عز وجل.
إن فن الإنشاد يعد بمثابة واحدة من الطرق المستحدثة لتوجيه رسائل إرشادية وتعليمية إلي عامة الناس بشكل غير مباشر، وهو ما يسعي الكاتب لتأكيده من خلال هذا الكتاب.
تُعرض مادة الكتاب حسب العناوين التالية: المنشد سامي يوسف، دعوة إلي الله علي ألحان الموسيقي- أحمد التوني، شيخ المداحين المصريين والده طالما تغني>لأجل النبي<: أحمد الكحلاوي، مداح الرسول بالوراثة والموهبة - الشيخ أبو العلا محمد، مجدد مدرسة الابتهالات والتواشيح الحديثة، الشيخ إمام عيسي فنان شجاع ترك الابتهال لمناهضة السلطة، صاحب الفضل في تطوير فن الطقطوقة والتواشيح، الشيخ زكريا أحمد مبتهل بدرجة فنان كبير، الشيخ سلامة حجازي شيخ فن الإنشاد المصري، والده رأي فيه خطيبا مفوها: الشيخ سيد درويش المرجعية الأولي لكل المبتهلين والمنشدين، الشيخ سيد متولي مبتهل بدرجة خادم كتاب الله، الشيخ عبد العاطي ناصف مبتهل رغم أنفه، الشيخ محمد الهلباوي مبتهل أبا عن جد، الشيخ محمد عمران صوت يسكنه الخشوع ويقلب عليه الصفاء، الشيخ القارئ المبتهل محمد محمود الطبلاوي، العطواني•• إمام أهل الإنشاد، منشد بردة البوصري زاهد الأضواء والشهرة، الفشني قارئ القرآن، ملك التواشيح، صوته ذو طبيعة خاصة، وأداؤه يسحر الآذان ويستعبد القلوب، النقشبندي صاحب الصوت الندي الخاشع، المبتهل سعيد حافظ قصة نجاح وكفاح، عبد التواب البساتيني ابتهال حتي النخاع، شيخ ساعدته موهبته الفذة علي الانتشار >كامل البهتيمي<، لحن سرعان ما اختفي - صوت السماء.. الشيخ محمد الطوخي - محمد الكحلاوي.. >مداح النبي< أضواء السينما وأموالها عجزت عن إخراجه من صفوف التصوف، الشيخ محمد جبريل.. قارئ القرآن محترف الابتهال والإنشاد، الشيخ محمد صلاح كبارة مبتهل سليل أسرة المنشدين، الشيخ محمد عبد الهادي - مداح الرسول، القارئ مشاري راشد العفاسي، الشيخ ممدوح عبد الجليل من وسط دلتا مصر إلي >ألبرت هول< بريطانيا.. هكذا القصة : الشيخ نصر الدين طوبار.. صوت يحلق في رحاب السماء والخشوع، الشعشاعي أخوه الروحي ومصطفي إسماعيل أحب الأصوات إليه -ياسين التهامي.. مجدد الابتهالات الصوفية، مزاوجة بين إيقاعات النغم الشرقي والألحان الشعبية، منشد القيم الإسلامية يوسف إسلام، يوسف المنيلاوي أحد رواد مدرسة موسيقي الشيوخ.
وهكذا يطوف بنا الكتاب بين كل هؤلاء المنشدين علي اختلاف مدارسهم وألوانهم ويمكن لنا أن نصنفهم ما بين مطربين بدأوا بالإنشاد أو جمعوا بين الاثنين، ومنشدين خلّص انقطعوا لهذا اللون علي سبيل التبتل الروحي، ومنشدين جمعوا بين تلاوة القرآن وممارسة الإنشاد، ومطربين أجانب دخلوا الإسلام واعتنقوه ومن ثم دخلوه بصوت جديد وأداء جديد يتحول فيه الغناء إلي طاقة روحية فاعلة عن طريق التغني في الرسول وتمجيد الإسلام والقرآن وإعلاء القيم الإسلامية بعيدا عن الخلاعة ونشر الرذيلة، ويمكن أن نقدم مثالاً علي كل لون من هذه الألوان التي ارتأيناها في هذا التصنيف.
الشيخ سيد درويش
اشتهر الشيخ سيد درويش بالغناء ولم يشتهر بالإنشاد الديني، وهذه واحدة من مواضع النقد الموجهة للكتاب، فمصطلح الإنشاد الديني ينصرف مباشرة إلي من تغنوا في الحب الإلهي ومدح الرسول، وكان يجب الفصل بين من انصرفوا إلي الغناء ومن انصرفوا إلي الإنشاد الديني علي مستوي التأليف إجلالًا واحتراماً لهذا الفن المستقل الذي يفترض في صاحبه البعد عن مواضع الشبهات وأهل الرذائل، وقد عُرف سيد درويش بمشاكله العديدة مع النساء، الأمر الذي اضطره إلي مغادرة الإسكندرية خوفا علي حياته والتوجه للقاهرة كما يقول مؤلف الكتاب نفسه، وهذا ليس من شأن المنشد الديني.
وأيا ما كان الأمر فقد كان لموت المعلم درويش >أبو سيد درويش< دخل في أن يقطع دراسته وهو صغير، وينتقل من عمل لعمل، فقد عمل في بيع الأثاث القديم مع قريب له، ثم عمل مساعداً لبائع دقيق، ثم مناولاً المونة لأحد مبيضي النحاس.. وهنا حادث طريف يبين قيمة صوت سيد درويش إلي درجة الاستغلال، فقد كان خلال عمله يترنم بجمال صوته بألحان قديمة معروفة، وكان زملاؤه العمال أثناء سماعهم هذه الألحان يقبلون علي عملهم بحماسة ورغبة لا مثيل لهما، فسر به معلمه وأمره أن يكف عن العمل، ويكتفي بالغناء فقط، ففرح الشيخ سيد وجلس يغني طوال نهاره للعمال ويشجعهم علي عملهم، ومن هنا بدأ ينطلق في عالم الغناء.
وبعد شيء من النضج عالج الشيخ سيد في أغانيه العديد من الموضوعات الاجتماعية والدينية كعلاج غلاء المعيشة، وحرمة البيع في السوق السوداء، وهكذا استطاع أن يدرك ويلمس سائر الأمراض الاجتماعية، وأن يسهم في الميدان الوطني إسهاماً كبيراً، فكانت أغانيه الوطنية يغنيها الشعب بكل حواسه وقلبه ومشاعره، ومن هنا اشتهر بأغانيه الوطنية والدينية.
لقد كان هدف الموسيقي قبل الشيخ سيد الطرب فقط، لكن الشيخ سيد جعل منها مهنة أكبر وهي استخدام هذا الفن العظيم في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي والديني.
ياسين التهامي أما المثال الذي نقدمه علي طائفة المنشدين الخلّص الذين انقطعوا لهذا اللون علي سبيل التبتل الروحي فهو ياسين التهامي، وهو أحد أشهر أركان دولة الإنشاد والابتهال الديني في العالم الإسلامي، وقد استطاع أن ينتقل بالقصائد من خاصة الخاصة إلي ألسنة العوام.
ولد ياسين التهامي سنة 9491 بقرية الحواتكة بمحافظة أسيوط في صعيد مصر، ونشأ في أسرة دينية سعرفت بالإنشاد الديني، وكان والده الشيخ تهامي حسنين من الصالحين، وعكف منذ صغره علي حفظ القرآن الكريم ، وقد كان خاله أحمد التوني من مشاهير المنشدين، وقد أراد ياسين التهامي أن يستقل عنه بإنشاد هذا اللون الخاص من القصائد الصعبة ذات الاتجاه الفلسفي الصوفي، وكان له ما أراد.
لم تقتصر شهرة ياسين التهامي علي صعيد مصر أو حتي مختلف أقاليم مصر، بل ذاع صيته خارج مصر والعالم العربي، حيث عكف علي إحياء عدد كبيرمن الحفلات في لندن وباريس وألمانيا وهولندا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من مدن وعواصم دول العالم ، والمعروف عن ياسين التهامي حبه للارتجال في أدائه، حيث لا يحبذ التقيد بالنصوص في الإنشاد الذي يعد حالة من الهيام والذوبان في حب وعشق الله تعالي، ومن ثم فكل ما يقال وينشد هو في الأساس فتح من الله.
ولقد استطاع عن جدارة أن يبتدع بهذه الموهبة لونا جديداً من الإنشاد الديني لم يكن موجوداً من قبل، وقد ظل الابتهال عنده أقرب للدعاء والمناجاة.
ويؤكد المهتمون أن التهامي من القلائل الذين يملكون طاقة ومساحة صوتية هائلة للدرجة التي أغرت الباحث الأمريكي >مايكل فروشكوف< بتخصيص دراسة كاملة عن أدائه الصوتي وغير ذلك من الدارسين، وأشاروا إلي أنه في أدائه أقرب إلي البوح، الذي يخوض في مساحات واسعة في النفس الإنسانية، تجعله يؤثر في ذاته دون معرفة معني الكلمات أو حتي اللغة العربية نفسها، فهو صوت إنساني بامتياز يحسه كل من يسمعه حتي لو لم يكن يفهمه، ومن ثم كان أول ما وصفته به هيئة الإذاعة البريطانية في حلقة خاصة أنه >صاحب صوت إنساني فضفاض يستوعب أي إنسان علي اختلاف لغته وموسيقاه<، وأنه بعد أن أحيا ليلة كاملة في مهرجان الموسيقي الروحية الذي تستضيفه العاصمة البريطانية >لندن< كل عام، علق بعض الحضور بأن >صوته وألحانه تفتح في النفس طرقاً من النور والإيمان<، والمبدأ عند التهامي في اختيار ما ينشد هو روح القصيدة وليس شخص صاحبها.
مشاري راشد العفاسي من أمثلة المنشدين الذين جمعوا بين تلاوة القرآن الكريم بشكل أساسي والإنشاد الديني الشيخ مشاري راشد العفاسي، فهو قارئ للقرآن الكريم ومنشد كويتي، ولد عام 6791، وعكف منذ الصغر علي حفظ كتاب الله ودراسة قواعد تلاوته وتجويده، فقد درس القراءات العشر، ودرس تفسير القرآن بكلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وأجيز في قراءة عاصم رواية حفص من طريق الشاطبية، ثم سافر إلي مصر للحصول علي إجازات من كبار مقرئي العالم الإسلامي مثل الشيخ الحصري.
درس الشيخ مشاري راشد العفاسي في الجامعة الإسلامية السلفية في المدينة المنورة، وتتلمذ علي يد كبار علماء ومقرئي المدينة النبوية في كلية القراءات، وخلال السنة الثالثة له في الكلية كانت علاقاته قد توطدت مع عدد من مقرئي القرآن الكريم في السعودية خصوصا الشيخ أحمد العجمي الذي أفاد كثيراً من خبرته في عالم التلاوة، وربما يكون العجمي أحد أسباب نجاح العفاسي.
انتهي العفاسي من دراسته بالمدينة المنورة وحصل علي الإجازة من كبار قارئي القرآن في المملكة وكذلك مصر، إضافة إلي حصوله علي المؤهل الجامعي من الجامعة الإسلامية بالمدينة، وهنا قرر العودة إلي مسقط الميلاد بالكويت ليتولي مسئولية إمامة الصلاة في أكبر مساجد الكويت، وهو مسجد الدولة الكبير بالكويت، وبات خلال سنوات قليلة أكثر القراء الخليجيين شعبية وربما تكون موهبته سواء علي صعيد التلاوة أو الإنشاد قد لعبت دوراً كبيراً في ذلك، إضافة إلي الفضائيات التي تتكالب علي تسجيلاته.
مشاري العفاسي شخص موهوب فإنك عندما تستمتع إلي صوته العذب، وهو يتلو ويجود القرآن الكريم وينشد القصائد والكلمات العذبة سوف تسافر بروحك معه إلي عوالم وأزمان غير تلك التي نعرفها، وسوف تتذكر فقط أنك وحيد أمام كلمات الله تعالي، وتتعرف للمرة الأولي علي تلك الأسرار التي أودعها المولي كلماته، ومن ثم لم يكن غريبا أن يحظي هذا الصوت بهذه المكانة الكبيرة.
ويذكر العفاسي أن العصر الحالي يشهد حالة من التقدم الاتصالي، ومن ثم يجب أن يبحث كل مسلم عن التوظيف القويم لهذه الإمكانيات المتاحة لخدمة دينه وأمته، وأن هذا ما يحركه دائما علي صعيد إنشاء موقع علي الإنترنت ليكون منبراً للدعاة، وأن الذي ساعده علي هذا الأمر شاب كويتي يدعي صالح المسلم، هذا الإنسان الموهوب صغير السن الذي قام بتصميم وتجهيز الموقع الذي يحمل اسم العفاسي تبرعا منه، والآن يزور الموقع أكثر من 10000 زائر شهرياً، الغريب في الأمر أنني لا أقوم بزيارة الموقع كثيرا، لأني تركت أمر الإشراف عليه لصديقي صالح المسلم الذي قام بدوره بتحميل كل أعمالي علي هذا الموقع من تلاوات قرآنية أو أناشيد إسلامية، ويكون تواصلي مع رواد الموقع عن طريق المشرف.
يوسف إسلام من أمثلة المنشدين المطربين الأجانب الذين اشتغلوا بالغناء ثم دخلوا الإسلام واعتنقوه وحولوا موهبتهم تحويلاً كاملاً من المجون واللهو إلي الإنشاد الديني المحمل بالعاطفة الدينية والقيم الإسلامية السامية المنشد يوسف إسلام.
إنه الشاب الإنجليزي>ستيفن جورجيو< الذي كان يلقب بـ> ملك موسيقي الروك أندرول< في بريطانيا الذي دخل الإسلام بعد تيهة طويلة في ظلمات الشرك دامت 82 عاماً،  فكان دخوله الإسلام إضافة له، خاصة أن دخوله لم يكن إلا عن قناعة، بعد أن أوشك علي الغرق في صيف عام 1975 عندما واجه دوامة شديدة ظهرت له فجأة، ومن ثم شعر بضعف شديد جعله غير قادر علي الاحتفاظ بتوازنه في الماء في الوقت الذي لا يجد فيه أحدا قريبا منه يمكن أن يساعده، فينادي في مشهد درامي مؤثر بأعلي صوته لعل أحداً ينقده لكن من غير جدوي، إلا أنه حين أوشك علي الغرق صرخ بأعلي صوته :>يارب لئن أنقذتني فلسوف أعمل من أجلك شيئاً<، وبالفعل استجاب الله لدعائه، ونجاه من ضره، وبر بوعده فلم يمكث كثيرا حتي أعلن إسلامه، وصار يوسف إسلام أشهر دعاة الإسلام في الغرب الآن.
ولد استيفن جورجيو عام 1947 بلندن في بيت مسيحي متعدد المذاهب، فقد كان أبوه يونانياً أرثوذكسيا، وكانت والدته سويدية كاثوليكية، أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلهاً إذا أتقن عمله، فأتقن عمله واختيرت إحدي أغانيه من بين أفضل عشر أغنيات في بريطانيا، وغير اسمه إلي كات ستيفينز، وهو الاسم الذي اشتهر به.
أصيب في عامه الثاني والعشرين بمرض السل فأقعده هذا في الفراش وجعله يكثر التأمل في الحياة وقرأ في الفلسفة وكتب الشرق، ودفعه هذا إلي البحث عن اليقين الروحي، وقرر أن يعود للغناء بمفاهيم جديدة، وحققت أغنيتاه >الطريق لمعرفة الله< و>ربما أموت الليلة< نجاحاً كبيراً زاده حيرة وتأملاً.
ظل ينتقل بين أكثر من ديانة ومذهب حتي يصل إلي اليقين الروحي حتي عاد مرة أخري إلي تعاليم الكنيسة التي أخبرته أن الله موجود، لكن يجب أن تصل إليه عبر وسيط، فأدي به هذا إلي أن يختار الموسيقي دينا له يفرغ فيها أفكاره ومعتقداته.
ثم جاء حادث الغرق الذي أشرنا إليه ومرضه بالسل ليتصادف هذا وذاك مع عودة أخيه من رحلة زار فيها القدس، وأحضر له فيها من هذه الأراضي هدية، وكانت عبارة عن نسخة مترجمة من معاني القرآن الكريم، فأمسك بالمصحف علي الفور ليجده يبدأ باسم الله، ولا يوجد اسم مؤلف علي غلافه، وبدأ في قراءة هذا الكتاب محاولاً البحث عن ثغرات فيه، لكن هيهات أن يجدها فهو كلام الله المنزه عن الخطأ، بل وجده منسجماً مع الوحدانية الخالصة، وهنا كانت بداية معرفته بالإسلام، وقرر السفر إلي فلسطين لزيارة المسجد الأقصي، وهناك أحس بالطمأنينة، وحينما عاد إلي لندن التقي فتاة مسلمة أخذته إلي المركز الثقافي الإسلامي  بلندن وأعلن إسلامه.
ومن يومها طوي صفحة >كات ستيفنز< تماما وأصبح يعرف باسم >يوسف إسلام< ومن يومها أراد أن يستغل موهبته في الدعوة إلي الله فقام بتسجيل عدد كبير من الأناشيد الدينية التي ألفها بالإنجليزية مع تطعيمها بكلمات وجمل عربية لإكسابها روحاً إسلامية عذبة، وحرص في تلك الألبومات علي إيصال قيمة ومفهوم الإسلام للمسلمين وغير المسلمين، فقد خصص ألبوماً سماه >حياة آخر الأنبياء< روي فيه القصة الكاملة لحياة الرسول، كما تضمن أغنية >طلع البدر علينا<، كما سجل عدداً من الأغنيات الدينية للأطفال من أشهرها: >هذا من أجل الله< التي تحولت إلي نشيد رسمي في عدد كبير من المدارس الإسلامية في بريطانيا، وقدم بعدها أغنيتين مع فريق الأناشيد الماليزي >ريحان< هما: >الله هو النور< و>خاتم الرسل<.
في لقاءات عديدة له صرح يوسف إسلام بأن الإنشاد الديني وسيلة صالحة لمحاربة الموسيقي الفاسدة، لأنه من غير الطبيعي أن يمنع الناس من الترفيه والاستمتاع بأوقاتهم.
حرص يوسف إسلام علي سلامة المقصد والتوجه في أناشيده الدينية الهادفة، وأسهم أيضا في طبع الكتب والمؤلفات الخاصة بشرح ثقافة وقيم الإسلام، كما حرص عن طريق الفن علي غرس روح الإسلام النقي في نفوس الأطفال ليشبوا أناساً صالحين، كما كانت دعوته الدينية شاملة بالقول والفعل، فلم يكتف بالكلمة فقط، بل إن جل اهتمامه أنصب علي التعليم حيث رآه البداية الحقيقية لتكوين جيل مسلم في أوروبا، لاسيما حينما أصبح رئيس وقف المدارس الإسلامية ببريطانيا، بالإضافة إلي إدارة عدد لا بأس به من المؤسسات الخيرية الإنسانية مثل مؤسسة >العطف علي الصغير< وجمعية >عمار المساجد<، كما دخل معترك السياسة ليكون داعية من دعاة السلام، وله مواقف معروفة وألبومات معروفة في هذا الشأن، فقد ألف ألبوماً سياسياً عن مأساة البوسنة أسماه >ليس لدي مدافع هادرة<.
وهكذا كان منشداً وداعية إسلامياً وسياسياً في الوقت نفسه، جدير بالذكر أن المنشد يوسف إسلام متزوج ولديه 5 أولاد، حرص علي تعليمهم تعليماً إسلامياً بجانب التعليم النظامي الإنجليزي، دخل أخوه الإسلام مبكراً، أما أبوه فقد أسلم قبل وفاته بيومين.
ملاحظات
وتبقي لنا كلمة في النهاية، فأولا: هناك بعض الانتقادات للكتاب وإذا كنا قد أبدينا بعضها من قبل، فيلاحظ أيضا أن الكتاب لم يعرف لنا معني الإنشاد الديني في مقدمة الكتاب، وهو مصطلح واسع فضفاض، والغريب أن نجد هذا في الصفحة >55< وعلي لسان الشيخ محمد الهلباوي الذي يقسم الإنشاد الديني لخمسة أنواع، أولها: الإنشاد الصوفي وتكون الغلبة فيه لأشعار الفصحي ويؤصل له بنشيد >طلع البدر علينا<، ثانيا: التواشيح الدينية مثل التي كان يقدمها الشيخ طه الفشني وبطانته، والبهتيمي وبطانته، وثالثها: الإنشاد المنفرد، وهو الذي يسمي بالابتهالات الدينية كالتي يقدمها النقشبندي ونصر الدين طوبار، وهو يعتمد علي الارتجال الفوري أثناء إلقاء القصيدة، ورابعها: الغناء الديني، وهو ملحن من متخصصين في الألحان مثل >ولد الهدي< التي لحنها السنباطي، وخامسها: المديح الشعبي الديني الموجود جنوب مصر وشمالها، وعلي المنشد أن يتبع ويلم بكل الأقسام لتكوين ثقافته الدينية.
الملاحظة الثانية: إذا كنا نتحدث عن الإنشاد الديني وتوظيفه في خدمة الدعوة وتقديم صورة الإسلام الصحيح والترقي بالجانب الوجداني والأخلاقي والعقدي في شخصية المتلقي، فمن الضروري هنا أن نحذر من بعض المظاهر المخلة بروح الإسلام، المشوهة لجوهره العقدي، تلك المظاهر التي قد تصاحب الإنشاد في بعض الحالات، مثل التوسل بغير الله، والتمسح بالقبور، وممارسة الرذائل في الموالد إلي غير ذلك مما هو معروف ويخالف الصورة الصحيحة للدين، فحين عرضنا لهذا الكتاب نظرنا إلي الإنشاد في صورته النقية من حيث هو طاقة جمالية تكمن في الكلمة والحنجرة تمس الأوتار الروحية في الإنسان وتصله بعظمة الخالق دون أن نُسأل عن أي شيء آخر خارج هذه الحدود اتقاء للشبهات، ومن يتقي الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.