بسبب نزيف الهجرة.. "عرائس" الحسكة بدون "عرسان"!

عادة ما تعيش الفتيات على وقع أحلام فستانها الأبيض، وتحلم بليلة عُرسها وجلوسها إلى جانب حبيبها، متى ما سنحت لها الفرصة المناسبة، لكن اليوم تختلف الظروف عن مثيلاتها سابقاً، خاصة وأن نزيف الهجرة لم يتوقف، وسوء الأوضاع الأمنية والمادية وتعدد الجهات الحاكمة في المحافظة أفسد كل شيء. 

تغيرات في ترتيبات الأعراس
كانت نبرة الصوت العالية لـ (هبة) في إحدى مقاهي الانترنيت كفيلة بلفت انتباه الحضور لقضيةٍ باتت تتكرر يومياً، وتروي هبة قصتها لـ أورينت نت قائلة: منذ 7 سنوات أنا وإبراهيم روحٌ واحدة في جسدين، وتحديداً منذ السنة الثانية في كلية الهندسة المدنية، لكنه غادر البلاد بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وأقترح إبراهيم إجراء العرس في دهوك في كردستان العراق، أو إجراء العرس من دونه، لن أقبل أن أعيش الفرح بدونه، أنا في حيرة من أمري بين حرمان أهلي من ليلة عرسي، وبين الزفة دون عريسي ودون رجل يُراقصني.

العريس.... هرب!
 لكن ماذا يفعل العريس في ليلة عرسه وهو في بلادٍ أخرى، وكيف يتأمل عرسه وهو غائب، وهل من وصفٍ لشعوره ذاك اليوم.

جوان مُقيم في ألمانيا يقول لـ أروينت نت "منذ أربع أشهر كانت ليلة عرسي، كنت وحيداً أنتظر أن تصلني صور العرس تباعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كنت أخطط لهذا اليوم منذ سنين، لكن الظروف رمت بي هنا، ويتحسر جوان على عدم مجالسته لحبيبته في ليلة عرسه، وعدم حَضنِها أو مُراقصتها.

عادة كان الراغب بالزواج يستعجل طلب الالتحاق بالخدمة الإلزامية، لكن الحرب وإطالة أمد النزاع في سوريا دفع بالعديد من الشبان للإحجام عن تلك الفكرة، وانحصرت الخيارات بالسفر خاصة للمطلوبين إلى الجيش، هجرة الشبان للخارج وطلبهم للزواج من فتيات في الداخل يرافقه جملة من المتاعب والصعوبات الجمة. حيث تشرح (دلفين) حالتها بعد خطوبتها من (شيراز) الذي أصر على المغادرة بسبب الخدمة الإلزامية إلى النمسا. وتتحسر على اضطرارها للسفر دون أي عرس أو حفلة وكأنها في مأتم. 

العرس الناقص
عادة ما يُشكل غياب العريس مُشكلة في المونتاج والتصوير، خاصة وأن المقاطع التصويرية تكون ناقصة. 
ويقول (جودي) وهو مصور أعراس في مدينة القامشلي/ قامشلو، "نحن كمصورين نعاني أكثر من الجميع لغياب العريس, تكون الحالة سيئة بسبب عدم وجود حركة قَطعّ قالب الكاتو، رقصة السلو, رقصة الزفة, مدخل العريسين..الخ لذا فإن أغلب أشرطة الأعراس في أخر سنتين تتشابه لجهة الرتم الممل في التصوير، والأسوء حين ترقص العروس دون عريسها، تبدو لوحة ناقصة وسلبية وحتى قبيحة. يضيف جودي هناك حالة غريبة حيث تقبل العروس الزفة دون عريسها، لكنها ترفض أن توزع صورها على أقاربها وأصدقائها، بل تشترط على تقديم ضمانات لذلك". 

حسرة الأهالي
المشكلة والألم لا يتوقف عند العروس أو العريس فقط، بل يتعدى الأمر إلى الأهالي وتأملهم للعرس الناقص لبناتهم، ويحتارون في كيفية إزالة مسحة الحزن البادية على عيني العروس.

(فؤاد) والد العروسة هبة يقول: في حقيقة الأمر الوضع سيء والأمور مكركبة، فالعروس لا تعرف كيف تُدبر أمرها في غياب زوجها أو عريسها، وتكون فاقدة ومحرومة من بسمة وفرحة شراء مستلزمات بيتها أو عرسها برفقة عريسها، وهي بذلك تفقد نصف فرحتها ليوم تحلم به كل فتاة.

(حمدية والدة العريس شيراز) تقول: بلغ ابني 33 سنة وأنا أنتظره بفارغ الصبر ليتزوج، اتصل بنا وطلب خطبة دلفين، قطع سلسلة فرحتنا حين أخبرني أنه لن يحضر عرسه، وطلب أن نرسل له عروسه دون حفل، تصوروا أن ابني سيتزوج دون أن نحضر عرسه. جازاهم الله من دفع بشبابنا للهجرة.

تضاعف المشكلة وسط أرقام مرعبة
مؤخراً طفت على السطح مُشكلة أكبر، فعدد كبير من الصبايا أصبحنَ يشترطن السفر إلى أوربا كشرط مسبق لقبول الزواج. وتُعيد الأخصائيون الاجتماعيون سبب هذا التحول إلى الفقر والحرمان التي تعانيه الأسر في المنطقة، وحالات الخوف من الموت في إحدى التفجيرات أو الاشتباكات المفاجئة، وما يعانوه من القلق النفسي والإرهاق العقلي نتيجة فقدان أغلب المستلزمات اليومية.

أحمد وجوان مدراء صالات الأعراس ضمن مدينة القامشلي صرحا لنا: منذ عام 2013 وإلى اليوم، فإن نسبة الأعراس التي لا يتواجد العريس هي حوالي 50% لـ عام2013، و 65% 2014، و 75% 2015، و 90% 2016. 

وصحيح إننا كصالات أفراح لا نتأثر بهذه الحالة لجهة أسعار تأجير الصالات، لكن بالمحصلة نحن أمام مستقبل سيء للمنطقة نتيجة الهجرة الجنونية للشباب. 

كانت الحسكة وبحسب بعض الإحصائيات الرسمية من أكثر المحافظات في نسبة الولادات، لكن بات الأهالي يحلمون برؤية " عرس كامل بحضور عريس وعروسة".