غنى الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودى لكل شيء للحب والخير والجمال.. للعوز والفقر والحاجة .. غنى للإنسان
خايف أموت
خايف أموت ..
(خايف أموت من غير ما اشوف تغيير الوشوش)
خرج الشتا وهلِّت روايح الصيف*
والسجن دلوقتى يرد الكيف
مانتيش غريبة يا بلدى ومانيش ضيف
لو كان بتفهمى الأصول
لتوقفى سير الشموس..
وتعطلى الفصول.
وتنشفى النيل فى الضفاف السود
وتدودى العنقود
وتطرشى الرغيف
ما عدتى متمتعة وانتى فى ناب الغول
بتندغى الذلة وتجترى الخمول
وتئنى تحت الحمول
وتزيفى فى القول
وبأى صورة ماعادش شكلك ظريف
***
دوس يا دواس
ما عليك من باس
واكتم كل الأنفاس.
الضهر مليئ بالناس
إللى حبيتهم دون ما يبادلوني
الإحساس.
وأنا عارف إنى ما باملكهمش
لأنى ما مضيتهمشى فى الكراس
الناس اللى دمغها الباطل دمغ
اللى بتنضح كدب وتطفح صمغ
اللى بتحشش
وما بتحسس
واللى بتضحك كل ما تنداس
***
الجامعة طالعة رايتها ضلتها
هدارة
جبارة
صادقة فى نيتها..
بتتجه..
يم الوطن والموت.
و"شبرا" زاحفة تأكد التهديد
وتجمع التبديد
وصلت ميدان الفجر..
فى المواعيد…
النهر.. والضفة.
نبت هلال العيد
ومالت الكفة
وصحيت الرجفة.
مصر اللى لا لحظة ولا صدفة.
ثورة ف ضمير النور.. بتتكون.
رايات.
بدم البسطا..تتلون..
سدوا الطريق..
كيف المؤامرة تموت؟
"فلتسقط الخيانة
والقيادات الجبانة
ندّاغة الإهانة
كريهة الريحة
كريهة الصوت"
***
الغضب..
بيوالى إنشاد البيان
والوجوه الصامدة فى وش الزمان.
والرحابة..
فى الصدور..وفى الليمان..
غابت الأسر الصغيرة فى الوطن
. استوى ع الأرض وعي.
صحيت الأمة ف هدير السعي.
الوطن.. مفهوم
وحلو
ويتحضن..
***
التفت صاحبى يقوللي:
"لسه نايم..؟
مش مظاهرات..
دى حاجات يفهمها شعبك.
إقفل العقل القديم..
وافهم بقلبك.
رقصة الزار القديمة..
الفرعونية
ع الخصيبة السندسية..
لما يجتاحها الألم.
لما تغمرها الإهانة..
والقدم..
تسحق الإنسان..
وتدهس القيم"
ابتسمت..
رقصة الزار القديمة
الحميمة
العظيمة.. لحد فكرناها ثورة
فرق بين رقصة.. وثورة.
لا هى جاية فوق حصان
ولا فى لحظة زمان
حتهب نابتة فى الغيطان
ولا رقصة
برجل حافية
ف مهرجان.
دكهه هادية.
تيجى هادية.. وصوتها دامي
تعزل الكداب..
وتقبض ع الحرامى.
تعرف الناس..مش كتل
تعرف الناس..
بالوجوه..وبالأسامى.
تيجى..فاتحة القبر
نادغة الصبر
قابضة الجمر
تنصب محاكم الشعوب فى كل قصر
تغير العصر..
إلى آخر الصفحات فى سفر الثورة.
ابتسم صاحبى وقاللي:
"حاذر م الارتفاع
سيبك م الاندفاع
حفر حكومتك وساع"
ابتسمت
جفت الرقصة الحبيسة
عادت الأمة التعيسة
اختفى كل اللى كان
اختفى كل البشر
واختفى كل المكان
تحت سنوات الهوان.
**
تتعسنى فكرة إنى هموت
قبل ما اشوف- لو حتى دقيقة-
رجوع الدم لكل حقيقة..
وموت الموت..
قبل ما تصحى..
كل الكتب اللى قريت
والمدن اللى ف أحلامى رأيت
والأحلام اللى بنيت
والشهدا اللى هويت
والجيل اللى هدانى
والجيل اللى هديت..
قبل ما أملس ع الآتي
وادفن كل بشاعة الماضي
فى بيت.
***
حاقولها بالمكشوف:
خايف أموت من غير ما اشوف
تغير الظروف.
تغير الوشوش..
وتغير الصنوف.
والمحدوفين ورا
متبسمين فى أول الصفوف.
خايف أموت وتموت معايا الفكرة
لا ينتصر كل اللى حبيته..
ولا يتهزم كل اللى كنت أكره..
اتخيلوا الحسرة.
***
مأستنا.. إن الخونة.. بيموتوا
بدون عقاب ولا قصاص..
مأساتنا
إن الخونة بيموتوا.. وخلاص.
بدون مشانق فى الساحات..
ولا رصاص.
على كل حال..
صدقى مازال.
صدقى على قيد الحياة
بيفجر الدم النبيل
ويبطش بالاستقلال
ويمرغ الجباه
تحت الجزم والخيل
ويفتح الكوبرى علينا
كل صبح وليل.
والإنجليز..
مازالوا بيقهقهوا
ويضربوا.. ويسجنوا الشباب
على كوبرى عباس..
الأحزان العادية
وفجأة
هبطت على الميدان
من كل جهات المدن الخرسا
الوف شبان
زاحفين يسألوا عن موت الفجر
استنوا الفجر ورا الفجر
ان القتل يكف
ان القبضه تخف
ولذلك خرجوا يطالبوا
بالقبض على القبضه
وتقديم الكف
الدم
قلب الميدان وعدل
وكأنه دن نحاس مصهور
انا عندى فكرة عن المدن
اللى يكرهها النور
والقبر اللى يبات مش مسرور
وعندى فكرة عن العار
وميلاد النار
والسجن فى قلبى مش على رسمه سور
قلت له لأ يا بيه
انا اسف
بلدى بربيع وصباح
ولسه فى صوتى هديل الينابيع
لسه فى قلبى صهيل المصباح
لسه العالم حيى رايح جى
بيفرق بين الدكنه وبين الضى
بلدى مهما تتضيع مش حتضيع
ما ضايع الا ميدان وسيع
يساع خيول الجميع
يقدم المقدام
ويفرسن الفارس
ويترك الشجاعه للشجيع
ولا باعرف ابكى صحابى غير فى الليل
انا اللى واخد على القمر
ومكلمه اطنان من الشهور
وعلى النظر من خلف كوة فى سور
واللى قتلنى ما ظهر له دليل
وفى ليله التشييع
كان القمر غافل ..مجاش
والنجم كان حافل
لا بطل الرقصه ولا الارتعاش
لما بلغنى الخبر
اتزحم الباب
وجونى الاحباب
ده يغسل ..ده يكفن ..ده يعجن كف تراب
وانا كنت موصى لا تحملنى الا كتوف اخوان
اكلوا على خوان
وما بينهمش خيانه ولا خوان
والا نعشى ما حينفدش من الباب
ما اجمل نومه على كتوف اصحابك
تنظر صادقك من كدابك
تبحث عن صاحب انبل وش
فى الزمن الغش
والرؤيه قصادى اتسعت
بصيت واحسب نفسى بين خلان
تعالوا شوفوا الدنيا من مكانى
حاشتنا اغراض الحياه عن النظر
بالرغم من نبل الالم والانتظار
اتعلمنا حاجات اقلها الحذر
ونمنا سنوات مدهشه
نحلب ليالى حلمنا المنتظر
وامتلات الاسواق بالمواكب
تبيع صديد الوهم والمراكب
وفارشه بالوطن على الرصيف
بالفكر والجياع والكواكب ومذله الرغيف
شويه فات سقراط
مسلسلينه من القدم للباط
ومتهم باليأس والاحباط
وبالعدم وبالزنا وباللواط
وبكل كافه التهم
وهو عابر للجحيم على الصراط
ينظر على الشعب التعيس ويبتسم
الى الجحيم للفلسفه
دنيا لا كانت يوم
ولا حتكون فى يوم كويسه
دنيا فى هيأة خنفسة
دنيا فسه
ما اتعس الانسان
ما اسعد الحيوان
وعبر
وصف من الزوانى وراه
متلطخين بالبودرة والمعاجين
حاصرين غطاوى الروس
بطونهم عريانين
بيغنوا طوبى لضحكه المساجين
وعيال عرايا
تفيض بها الطرقات
من القرى ومن المقاطعات
اطفال فى لون الجوع
صوت النفس مسموع
اطفال شبه وضلوع
اما انا
فاتسعت الرؤيا
وبصيت للمسا وللحياه المتعسه
وللنسايم المنعسة
وقلت ورا سقراط
دنيا فى هيئه خنفسه
ما اتعس الانسان
ما اسعد الحيوان
قبل مرورى على بعض مكان
كنت موصى يمه افوت
هجمت من الحارة مجموعه نسوان
رجعوا بالصوت
قالوا يا عبد الرحمن
وقدرت تموت
وتفوت اللحم العارى المتهان
فى المدن اللى معداش منها ريحه انسان
انا مت
ومش منظور لى جواب
متحصن بكتوف الاصحاب
ولذلك فت
عند التربه
قعد الشيخ اوصانى
وادانى كتابى بيمانى
قال لى لو جولك ملكان
قول انا عبد الله مش عبد الرحمن
ودعا لى فى لحظه ما يقوم للعدل ميزان
ينوبنى شىء من العفو وبعض الغفران
وفى لحظه ما انا متزحلق
فى قماشى الابيض
من جوف القبر
التقدم ضابط واتعرض
قبض على الجثه
وطلب الاوراق
مزع الاكفان
عدل الوش
ووقف وركلنى
وقالى بلؤم شديد
حتى فى الموت بتغش
شيلوه
ولقيت نفسى والعربيه داخله القلعه
كانت الدنيا ضجيج والشمس نيران والعه
قوم يا انسان
انا قلت
انا عبد الله مش عبد الرحمن
زى ما الشيخ اوصانى
قالى عندى اوراق تثبت انك مش مرتاح
امرك فاح
ولقيت نفسى محاصر تانى وتحت الرجلين
قلت لنفسى وبعدين
راح تفضل كده لامتى يا غلبان ؟
بتدارى ايه ؟
ايه باقى تانى علشان تبقى عليه ؟
وطنك ؟
متباع
سرك ؟
متذاع
الدنيا حويطه وانت بتاع
ويهين المعنى الضابط
ويدوس بالجزمه على الحلم
ربنا رازجه بجهل غانيه عن كل العلم
ماذا تعنى بالكون يا يساعك يا يسعنى ؟؟
رد يا جربان يا ابن الوسخة ياكلب
اظنك حتقولى تانى الشعب
وصفعنى وتنى على بطنى بالكعب
يا سعادة البيه وانا ايه؟ او ليا فى العمال ايه ؟
ما تضيع الدنيا والعمال دى تغور
يا صاحب هذا المبنى الموروث
ضل جدودك فى الجدران مغروس
انت السلطان وانا المملوك
انت السجان وانا المهلوك
انت المنصور وانا المسفوك
انا الصعلوك وامتى الصعلوك
يقدر يتجاسر على السلطان
اللى فى ايده بدل البرهان مليون برهان
رفع الهد
ماهو برضه دول يفهموا فى الكدب
اول ما اتلفت جه غارس الجزمه فى قورتى
وجيت اقعد بركنى على الاسفلت
ولقيت نفسى محاصر تانى وتحت الرجلين
قلت لنفسى وبعدين
راح تفضل كده لامتى يا غلبان ؟
ما لقتش الراحه فى الموت
يمكن تلاقيها ورا القضبان
اطلعت على الشبابيك وعلى القضبان
على الموقف
على السجن وعلى السجان
ولقيتنى طول عمرى كنت كده
كلب ..محاصر ..متهان ..منبوذ ..جربان
وانا يا ابنى الحلم اللى ما لهش اوان
معروف عشى فى قلب البستان
معروف صوتى فى زمن الاحزان
وفى اى زمان
واتذكرت سنه ما اتبنت القلعه
وكنت انا اول مسجون
وان الضابط ده اول سجان
يوم ما ركلنى نفس الركله
يوم ما صفعنى نفس الصفعه
نفس طريقه الركل
وآخر الليل جانى بدم صحابى فى الاكل
استأذنت ارتب اقوالى
قفل الباب
واتفتح الباب
وخلاص
يا عم الضابط انت كداب
واللى باعتك كداب
مش بالذل حاشوفكم غير
ولا استرجى منكم خير
انتم كلاب الحاكم
واحنا الطير
انتم التوجيه واحنا السيل
انتم لصوص القوت
واحنا بنبنى بيوت
احنا الصوت ساعه ما تحبوا الدنيا سكوت
احنا شعبين ..شعبين ..شعبين
شوف الاول فين ؟؟
والتانى فين ؟؟
وآدى الخط ما بين الاتنين بيفوت
انتم بعتم الارض بفاسها ..بناسها
فى ميدان الدنيا فكيتوا لباسها
بانت وش وضهر
بطن وصدر
والريحه سبقت طلعه انفاسها
واحنا ولاد الكلب الشعب
احنا بتوع الاجمل وطريقه الصعب
والضرب ببوز الجزمه وبسن الكعب
والموت فى الحرب
لكن انتم خلقكم سيد الملك
جاهزين للملك
ايديكم نعمت من طول ما بتفتل ليالينا الحلك
احنا الهلك وانت الترك
سواها بحكمته صاحب الملك
انا المطحون المسجون
اللى تاريخى مركون
وانت قلاوون وابن طولون ونابليون
الزنزانه دى مبنيه قبل الكون
قبل الظلم ما يكسب جولات اللون
يا عم الضابط
احبسنى
سففنى الحنضل واتعسنى
رأينا خلف خلاف
احبسنى او اطلقنى وادهسنى
رأينا خلف خلاف
واذا كنت لوحدى دلوقت
بكره مع الوقت
حتزور الزنزانه دى اجيال
واكيد فيه جيل
اوصافه غير نفس الاوصاف
ان شاف يوعى
وان وعى ما يخاف
انتم الخونه لو يصدق ظنى
خد مفاتيح سجنك واترك لى وطنى
وطنى غير وطنك
ومشى
قلت لنفسى
ما خدمك الا من سجنك