٦ سنوات مرت على اندلاع أحداث «17 فبراير» التى أطاحت بنظام العقيد معمر القذافى فى ليبيا، لتنهى حكماً دام لأكثر من 40 عاماً لم تقل غرابة أحداثه عن غرابة «القذافى»، أثارت الجدل فى كل المحافل الدولية والداخلية. التفاؤل كان عنواناً لمرحلة ما بعد إسقاط «القذافى» لدى كثير من الليبيين، مثل نظرائهم فى مصر وتونس، الذين أطاحوا بنُظم استقرت كل الأدبيات السياسية على وصفها بـ«الديكتاتورية والفاسدة»، لكن الليبيين الآن حالهم يُرثى له، ما بين خائف غير آمن أو ميليشياوى يحمل سلاحه فى وجه بنى وطنه، بين من يبكى على ذويه ممن قُتلوا فى الصراع ومشرد أو نازح يحلم بيوم يعود فيه إلى موطنه، وبين سياسيين يتصارعون على جثة الوطن وإرهابيين يسارعون لأجل إمارة مزعومة.
أوضاع سياسية مأساوية تلك التى يعيشها الليبيون، لمستها «الوطن» فى حوارها مع السياسى الليبى الدكتور محمود جبريل، رئيس وزراء ليبيا الأسبق، بعد مقتل «القذافى»، حيث أكد أن ليبيا تحولت إلى حاضنة للإرهاب ومخزن كبير للسلاح تجاوز الـ30 مليون قطعة، معتبراً أن «17 فبراير» ليست ثورة إنما «انتفاضة» انطلقت بشكل عفوى لتعبر عن رفض واقع مُزرٍ واستُغلت استغلالاً بشعاً لتمكين «الإسلام السياسى» فى المنطقة بدعم دول معينة.. وإلى الحوار.
محمود جبريل لـ «الوطن»: «17 فبراير» ليست ثورة.. و«الناتو» تدخل لتصفية حسابات مع «القذافى»
■ مرت الذكرى السابعة لأحداث «17 فبراير»، والأوضاع تسير عكس ما كان متوقعاً لها، وأنت نفسك كنت جزءاً من هذا المشهد.. فإلى أى شىء وصلت ليبيا؟
- عندما نتحدث عن أن الأمور صارت على عكس ما كان متوقعاً، فالسؤال المنطقى هو: «من الذى توقع؟».. «17 فبراير» لم تمثل مشروعاً مخططاً بشكل استباقى، لم يكن وراءها تنظيم معين حتى نتحدث أنه كان هناك مخطط وهذا المخطط لم ينجح. كانت هناك أحلام.. «17 فبراير» بالنسبة لى أنا تمثل انفجاراً شعبياً، نتيجة تراكم حرمان على مدى 4 عقود متتالية: بطالة متراكمة، انعدام الأمل فى غد أفضل، ووعود كثيرة لم تتحقق، فمثلت هى رفضاً شعبيا. وكان يمكن احتواؤها فى الأيام الثلاثة الأولى لهذه الانتفاضة، أنا أعتقد أن نظام (القذافى) ساهم بشكل مؤثر وفاعل فى إشعال هذه الانتفاضة، كان يمكن احتواؤها فى الأيام الأولى لو خرجت وعود بالإصلاح، بالتحقيق مع الذين قتلوا الشباب فى «بنغازى والبيضاء»، بتقديم مسودة الدستور التى كانت جاهزة، بتغيير الحكومة، أنا أتصور أن كثيراً من مسيرات التأييد للنظام كانت ستنطلق فى مختلف المدن الليبية. وما حدث العكس، وهو أن النظام لجأ إلى مواجهة هذه الانتفاضة بالقوة. فى الأيام الأولى لم يكن هناك شعار واحد ينادى بإسقاط النظام، كان الكل يتحدث عن الإصلاح وتحقيق العدالة، بدأ الحديث عن إسقاط النظام ربما من اليوم الرابع أو الخامس للانتفاضة، فكانت هناك فرصة حقيقة. أسرد هذه التفاصيل حتى أدلل أن «17 فبراير» لم تكن عملاً مخططاً له أهداف معينة، وأن هذا المخطط يعد بتحقيق كذا وكذا.
وما توصيفك للمشهد الحالى؟
- المشهد الحالى بدأ بحالة انفلات كامل، وتصور خاطئ لدى كثيرين أنه عن طريق المغالبة والإقصاء يستطيعون أن يسيطروا على الوضع العام داخل ليبيا، كان كثيرون يعتقدون أن استعمال القوة المسلحة سيؤدى إلى سيطرتهم على الوضع. الآن بعد 6 سنوات متتالية وصل الجميع -إلا ما ندر- إلى قناعة أن القتل لن يؤدى إلا إلى مزيد من القتل، حتى قادة أغلب الميليشيات وصلوا إلى قناعة أنهم يبحثون عن مخرج آمن اليوم، كثير منهم الآن متمسك بالسلاح خوفاً من الدولة، لأنه يعتقد أن الدولة ستكون فى غير صالحه، لأنهم ارتكبوا ما ارتكبوا من الجرائم، راكموا ما راكموا من الثروات، ثم يريدون أن يكونوا جزءاً من المشهد المقبل، لأنهم الذين يشكلون المشهد اليوم. لو أتيح مشروع حقيقى يتضمن التعامل مع المشكلات الحقيقية التى تعوق قيام الدولة، ويجمع الأطراف الحقيقية المؤثرة على الأرض، لأن حوار «الصخيرات» لم يكن انعكاساً لتوازن القوى على الأرض، وهذا هو الخلل الحقيقى، أن تتحدث عن هيكل دون مضمون، أنت تتحدث عن رؤساء جمعيات أهلية، شخصيات مستقلة، مع كل الاحترام لهم، ما هو ثقله السياسى أو العسكرى أو الاجتماعى فى المشهد الليبى اليوم؟ لا شىء، وبالتالى لما خرج اتفاق «الصخيرات» ودخل المجلس الرئاسى إلى «طرابلس»، ببساطة سألتهم الميليشيات: «من أنتم؟»، فأصبح هناك هوة شاسعة بين السلطة الرسمية الممثلة فى هياكل 3 حكومات بدل حكومة واحدة، مجلس رئاسى،
3 برلمانات، بينما السلطة الفعلية التى تحكم على الأرض هى سلطة الميليشيات أو السلطة السياسية أو السلطة الاجتماعية.
الإسلام السياسى فى ليبيا تأثر بنهج إخوان مصر الإقصائى الذى يعتمد العنف و«الغنوشى» يتحرك الآن ليكونوا فى المعادلة بعد أن عرف انعدام شعبيتهم
■ لو عادت الأيام إلى الوراء.. هل كنت سترفض تدخل «الناتو» فى ليبيا؟
- رفضنا التدخل من البداية، هناك مغالطة كبيرة للأسف استغلها كثير من أتباع النظام السابق لتشويه سمعة بعض الناس أن هؤلاء عملاء لـ«الناتو» وأنهم من أحضروه، والحقيقة أن هذا الأمر يدل على جهل سياسى أو تجاهل للحقيقة، ومحاولة لتزييف وعى الناس، لماذا؟ لأن «الناتو» هذه منظمة دولية عسكرية
تعمل حسب قوانين وتتبع دولاً وتعمل تحت مظلة «مجلس الأمن الدولى» واستجابت لقرارات المجلس. عندما حدث التدخل، كان المجلس الوطنى الانتقالى فى ليبيا جسماً ضعيفاً غير معترف به، «الناتو» يتعامل مع دول لا يتعامل مع أجسام، إذا كان «الناتو» مثل «ميكروباص» فى موقف أحمد حلمى، يمكن لأى شخص أن يذهب إليه لتأجيره، إذن سيتحول «الناتو» إلى «ميكروباص قابل للإيجار» وأى شخص يستطيع أن يذهب ويدعو «الناتو» إلى بلاده، هذه مغالطة خطيرة جداً. «الناتو» يعمل وفق قوانين ونظم ويتبع إرادة الدول المشكلة له، لا يتبع إرادة «المجلس الوطنى الانتقالى» الذى لم يكن دولة ولم يكن معترفاً به. للأسف استغل هذا الأمر بعض أتباع النظام السابق وبدأوا تسويق أن «فلان» و«فلان» هما اللذان أحضرا «الناتو»، وهذا شىء غريب، هل بهذه البساطة يأتى «الناتو» لأى شخص يطلبه؟ هذا هو الأمر الأول. الأمر الثانى هو أن التدخل الدولى مرفوض فى كل الأوقات، ما طالبنا به كان محاولة حماية المدنيين من القتل، كان المطلوب منطقة حظر جوى، بحيث لا يطير طيران النظام، ثم استغلت الدول هذا الأمر ووسعت فى قرار «مجلس الأمن»، خدمة لأغراضها الخاصة، لتصفية حسابات وكان الحديث حماية المدنيين بأى وسيلة كانت.
■ وما أهم تلك الحسابات التى قلت إن «الناتو» تدخل لتصفيتها مع نظام «القذافى»؟
«القذافى» كان له عداوات كثيرة، كان له عدوات مع دول خليجية، كان له عداوات مع دول أوروبية والولايات المتحدة، وفى أيام النظام الأخيرة يبدو أنه تصالح على الأقل أمنياً، لأن الأنظمة الأمنية الليبية كانت تتعامل مع أنظمة هذه الدول بشكل مكثف، ما أعطى انطباعاً بأن النظام تصالح مع الغرب. لكن فى حقيقة الأمر القراءة المتواضعة لدىّ أن النظام فى نظر دوائر كثيرة جداً استنفد أوراقه، صلاحيته انتهت، أكثر من 40 سنة، وهناك موجة تغيير فى المنطقة بصفة عامة، موجة عارمة وموجة شبابية، كونها استُغلت من بعض الأطراف لتمرير مشاريعها هذا صحيح، استُغلت هذه الانتفاضات استغلالاً بشعاً من أطراف سياسية معينة بدعم دول معينة لتمرير مشروع آخر، لتمكين الإسلام السياسى فى المنطقة، هذا حقيقى، لكن هذه الانتفاضات عندما انطلقت كانت انتفاضات عفوية كانت تعبر عن رفض شبابى لواقع اقتصادى مُزرٍ وبطالة مستشرية وفقدان الأمل فى غد أفضل، كونها استُغلت.. نعم استغلت.
■ هل لديك تقديرات لحجم الأسلحة الموجودة لدى الميليشيات فى ليبيا؟
التقديرات تتفاوت، هناك بعض البيانات أمام مجلس الأمن تقدر أن حجم الأسلحة فى ليبيا تجاوز 30 مليون قطعة سلاح. أما عدد الميليشيات، فبالطبع هناك ميليشيات بها 15 فرداً فقط، وهناك ميليشيات عدد أفرادها يتجاوز الألف، هناك ميليشيات تمتلك رشاشات فقط، وهناك ميليشيات تمتلك دبابات وصواريخ، استولت على مخازن أسلحة النظام السابق، فأصبح لديها ترسانة أسلحة قوية ربما أكثر مما يمتلكه جيش نظامى. وبالتالى هذه الميليشيات هى أمر واقع، وبالتالى لا بد من التعامل معها من منظور مخاوفها ومصالحها الاقتصادية، لأن ما هو موجود لدينا اليوم هو اقتصاد ميليشياوى، اقتصاد إرهاب، لعلى لا أبالغ إذا قلت إن أغلب الأطراف اليوم أصبح لها مصلحة فى استمرار الوضع الحالى، مصلحة اقتصادية، أتحدث عن الأطراف الليبية، لأنها أصبحت مرتبطة بمصالح اقتصادية. كثير من المسلحين يتاجرون فى الأسلحة، يتاجرون فى المخدرات، يتاجرون فى البشر، يتاجرون كل أنواع التجارة وتحولت إلى مصلحة اقتصادية. الكثير من حملة السلاح بدأوا يبتزون أطرافاً خارجية فى معاركهم، القضية تحولت إلى مصلحة اقتصادية.
■ هل هناك دول معينة تدعم تلك الميليشيات؟
- سمعها الليبيون حتى ملوا سماعها. انتهينا إلى أن ليبيا تحولت إلى مخزن سلاح كبير.
■ وما خطورة هذا الوضع على دولة مثل مصر؟
إبان الانتفاضة فى ليبيا، وأنا لا أذيع سراً، حضرت إلى مصر مرتين وقابلت وزير الدفاع وقتها المشير حسين طنطاوى، وكنت ألح عليه بشكل شديد جداً على ضرورة وجود مصر فى المشهد الليبى مبكراً، وذكرت له أن غياب مصر وغياب الجزائر كدولتين كل منهما تمثل قطباً فى شمال أفريقيا سينتهى أو يؤدى إلى أن دولاً صغيرة هى التى ستشكل المشهد الليبى مستقبلاً، ما قد يؤثر على الأمن القومى المصرى. الأمن القومى المصرى اليوم مهدد حقيقة بهذا الانتشار للسلاح.
ليبيا تحولت إلى مخزن أسلحة وتقارير «مجلس الأمن» تؤكد أن الرقم تجاوز 30 مليون قطعة سلاح والميليشيات تمتلك دبابات وصواريخ _ «السراج» رهينة فى كيلومتر مربع بـ«طرابلس» منذ سنة ونصف السنة.. وحين دخل العاصمة سألته الميليشيات: «مَن أنتم؟»
■ وما طبيعة الوجود المصرى الذى تحدثت عنه مع المشير طنطاوى لمصر فى ليبيا؟
- وجود سياسى، وجود عسكرى، وجود بقوة على الأرض، لأن ليبيا هى امتداد لمصر وتشكل لها أمناً قومياً، أراد صانع القرار أو لم يُرد، هذه حقائق التاريخ والجغرافيا.
■ هل كنت تقصد أن يكون لها قوة عسكرية داخل ليبيا؟
أوضاع سياسية مأساوية تلك التى يعيشها الليبيون، لمستها «الوطن» فى حوارها مع السياسى الليبى الدكتور محمود جبريل، رئيس وزراء ليبيا الأسبق، بعد مقتل «القذافى»، حيث أكد أن ليبيا تحولت إلى حاضنة للإرهاب ومخزن كبير للسلاح تجاوز الـ30 مليون قطعة، معتبراً أن «17 فبراير» ليست ثورة إنما «انتفاضة» انطلقت بشكل عفوى لتعبر عن رفض واقع مُزرٍ واستُغلت استغلالاً بشعاً لتمكين «الإسلام السياسى» فى المنطقة بدعم دول معينة.. وإلى الحوار.
محمود جبريل لـ «الوطن»: «17 فبراير» ليست ثورة.. و«الناتو» تدخل لتصفية حسابات مع «القذافى»
■ مرت الذكرى السابعة لأحداث «17 فبراير»، والأوضاع تسير عكس ما كان متوقعاً لها، وأنت نفسك كنت جزءاً من هذا المشهد.. فإلى أى شىء وصلت ليبيا؟
- عندما نتحدث عن أن الأمور صارت على عكس ما كان متوقعاً، فالسؤال المنطقى هو: «من الذى توقع؟».. «17 فبراير» لم تمثل مشروعاً مخططاً بشكل استباقى، لم يكن وراءها تنظيم معين حتى نتحدث أنه كان هناك مخطط وهذا المخطط لم ينجح. كانت هناك أحلام.. «17 فبراير» بالنسبة لى أنا تمثل انفجاراً شعبياً، نتيجة تراكم حرمان على مدى 4 عقود متتالية: بطالة متراكمة، انعدام الأمل فى غد أفضل، ووعود كثيرة لم تتحقق، فمثلت هى رفضاً شعبيا. وكان يمكن احتواؤها فى الأيام الثلاثة الأولى لهذه الانتفاضة، أنا أعتقد أن نظام (القذافى) ساهم بشكل مؤثر وفاعل فى إشعال هذه الانتفاضة، كان يمكن احتواؤها فى الأيام الأولى لو خرجت وعود بالإصلاح، بالتحقيق مع الذين قتلوا الشباب فى «بنغازى والبيضاء»، بتقديم مسودة الدستور التى كانت جاهزة، بتغيير الحكومة، أنا أتصور أن كثيراً من مسيرات التأييد للنظام كانت ستنطلق فى مختلف المدن الليبية. وما حدث العكس، وهو أن النظام لجأ إلى مواجهة هذه الانتفاضة بالقوة. فى الأيام الأولى لم يكن هناك شعار واحد ينادى بإسقاط النظام، كان الكل يتحدث عن الإصلاح وتحقيق العدالة، بدأ الحديث عن إسقاط النظام ربما من اليوم الرابع أو الخامس للانتفاضة، فكانت هناك فرصة حقيقة. أسرد هذه التفاصيل حتى أدلل أن «17 فبراير» لم تكن عملاً مخططاً له أهداف معينة، وأن هذا المخطط يعد بتحقيق كذا وكذا.
وما توصيفك للمشهد الحالى؟
- المشهد الحالى بدأ بحالة انفلات كامل، وتصور خاطئ لدى كثيرين أنه عن طريق المغالبة والإقصاء يستطيعون أن يسيطروا على الوضع العام داخل ليبيا، كان كثيرون يعتقدون أن استعمال القوة المسلحة سيؤدى إلى سيطرتهم على الوضع. الآن بعد 6 سنوات متتالية وصل الجميع -إلا ما ندر- إلى قناعة أن القتل لن يؤدى إلا إلى مزيد من القتل، حتى قادة أغلب الميليشيات وصلوا إلى قناعة أنهم يبحثون عن مخرج آمن اليوم، كثير منهم الآن متمسك بالسلاح خوفاً من الدولة، لأنه يعتقد أن الدولة ستكون فى غير صالحه، لأنهم ارتكبوا ما ارتكبوا من الجرائم، راكموا ما راكموا من الثروات، ثم يريدون أن يكونوا جزءاً من المشهد المقبل، لأنهم الذين يشكلون المشهد اليوم. لو أتيح مشروع حقيقى يتضمن التعامل مع المشكلات الحقيقية التى تعوق قيام الدولة، ويجمع الأطراف الحقيقية المؤثرة على الأرض، لأن حوار «الصخيرات» لم يكن انعكاساً لتوازن القوى على الأرض، وهذا هو الخلل الحقيقى، أن تتحدث عن هيكل دون مضمون، أنت تتحدث عن رؤساء جمعيات أهلية، شخصيات مستقلة، مع كل الاحترام لهم، ما هو ثقله السياسى أو العسكرى أو الاجتماعى فى المشهد الليبى اليوم؟ لا شىء، وبالتالى لما خرج اتفاق «الصخيرات» ودخل المجلس الرئاسى إلى «طرابلس»، ببساطة سألتهم الميليشيات: «من أنتم؟»، فأصبح هناك هوة شاسعة بين السلطة الرسمية الممثلة فى هياكل 3 حكومات بدل حكومة واحدة، مجلس رئاسى،
3 برلمانات، بينما السلطة الفعلية التى تحكم على الأرض هى سلطة الميليشيات أو السلطة السياسية أو السلطة الاجتماعية.
الإسلام السياسى فى ليبيا تأثر بنهج إخوان مصر الإقصائى الذى يعتمد العنف و«الغنوشى» يتحرك الآن ليكونوا فى المعادلة بعد أن عرف انعدام شعبيتهم
■ لو عادت الأيام إلى الوراء.. هل كنت سترفض تدخل «الناتو» فى ليبيا؟
- رفضنا التدخل من البداية، هناك مغالطة كبيرة للأسف استغلها كثير من أتباع النظام السابق لتشويه سمعة بعض الناس أن هؤلاء عملاء لـ«الناتو» وأنهم من أحضروه، والحقيقة أن هذا الأمر يدل على جهل سياسى أو تجاهل للحقيقة، ومحاولة لتزييف وعى الناس، لماذا؟ لأن «الناتو» هذه منظمة دولية عسكرية
تعمل حسب قوانين وتتبع دولاً وتعمل تحت مظلة «مجلس الأمن الدولى» واستجابت لقرارات المجلس. عندما حدث التدخل، كان المجلس الوطنى الانتقالى فى ليبيا جسماً ضعيفاً غير معترف به، «الناتو» يتعامل مع دول لا يتعامل مع أجسام، إذا كان «الناتو» مثل «ميكروباص» فى موقف أحمد حلمى، يمكن لأى شخص أن يذهب إليه لتأجيره، إذن سيتحول «الناتو» إلى «ميكروباص قابل للإيجار» وأى شخص يستطيع أن يذهب ويدعو «الناتو» إلى بلاده، هذه مغالطة خطيرة جداً. «الناتو» يعمل وفق قوانين ونظم ويتبع إرادة الدول المشكلة له، لا يتبع إرادة «المجلس الوطنى الانتقالى» الذى لم يكن دولة ولم يكن معترفاً به. للأسف استغل هذا الأمر بعض أتباع النظام السابق وبدأوا تسويق أن «فلان» و«فلان» هما اللذان أحضرا «الناتو»، وهذا شىء غريب، هل بهذه البساطة يأتى «الناتو» لأى شخص يطلبه؟ هذا هو الأمر الأول. الأمر الثانى هو أن التدخل الدولى مرفوض فى كل الأوقات، ما طالبنا به كان محاولة حماية المدنيين من القتل، كان المطلوب منطقة حظر جوى، بحيث لا يطير طيران النظام، ثم استغلت الدول هذا الأمر ووسعت فى قرار «مجلس الأمن»، خدمة لأغراضها الخاصة، لتصفية حسابات وكان الحديث حماية المدنيين بأى وسيلة كانت.
■ وما أهم تلك الحسابات التى قلت إن «الناتو» تدخل لتصفيتها مع نظام «القذافى»؟
«القذافى» كان له عداوات كثيرة، كان له عدوات مع دول خليجية، كان له عداوات مع دول أوروبية والولايات المتحدة، وفى أيام النظام الأخيرة يبدو أنه تصالح على الأقل أمنياً، لأن الأنظمة الأمنية الليبية كانت تتعامل مع أنظمة هذه الدول بشكل مكثف، ما أعطى انطباعاً بأن النظام تصالح مع الغرب. لكن فى حقيقة الأمر القراءة المتواضعة لدىّ أن النظام فى نظر دوائر كثيرة جداً استنفد أوراقه، صلاحيته انتهت، أكثر من 40 سنة، وهناك موجة تغيير فى المنطقة بصفة عامة، موجة عارمة وموجة شبابية، كونها استُغلت من بعض الأطراف لتمرير مشاريعها هذا صحيح، استُغلت هذه الانتفاضات استغلالاً بشعاً من أطراف سياسية معينة بدعم دول معينة لتمرير مشروع آخر، لتمكين الإسلام السياسى فى المنطقة، هذا حقيقى، لكن هذه الانتفاضات عندما انطلقت كانت انتفاضات عفوية كانت تعبر عن رفض شبابى لواقع اقتصادى مُزرٍ وبطالة مستشرية وفقدان الأمل فى غد أفضل، كونها استُغلت.. نعم استغلت.
■ هل لديك تقديرات لحجم الأسلحة الموجودة لدى الميليشيات فى ليبيا؟
التقديرات تتفاوت، هناك بعض البيانات أمام مجلس الأمن تقدر أن حجم الأسلحة فى ليبيا تجاوز 30 مليون قطعة سلاح. أما عدد الميليشيات، فبالطبع هناك ميليشيات بها 15 فرداً فقط، وهناك ميليشيات عدد أفرادها يتجاوز الألف، هناك ميليشيات تمتلك رشاشات فقط، وهناك ميليشيات تمتلك دبابات وصواريخ، استولت على مخازن أسلحة النظام السابق، فأصبح لديها ترسانة أسلحة قوية ربما أكثر مما يمتلكه جيش نظامى. وبالتالى هذه الميليشيات هى أمر واقع، وبالتالى لا بد من التعامل معها من منظور مخاوفها ومصالحها الاقتصادية، لأن ما هو موجود لدينا اليوم هو اقتصاد ميليشياوى، اقتصاد إرهاب، لعلى لا أبالغ إذا قلت إن أغلب الأطراف اليوم أصبح لها مصلحة فى استمرار الوضع الحالى، مصلحة اقتصادية، أتحدث عن الأطراف الليبية، لأنها أصبحت مرتبطة بمصالح اقتصادية. كثير من المسلحين يتاجرون فى الأسلحة، يتاجرون فى المخدرات، يتاجرون فى البشر، يتاجرون كل أنواع التجارة وتحولت إلى مصلحة اقتصادية. الكثير من حملة السلاح بدأوا يبتزون أطرافاً خارجية فى معاركهم، القضية تحولت إلى مصلحة اقتصادية.
■ هل هناك دول معينة تدعم تلك الميليشيات؟
- سمعها الليبيون حتى ملوا سماعها. انتهينا إلى أن ليبيا تحولت إلى مخزن سلاح كبير.
■ وما خطورة هذا الوضع على دولة مثل مصر؟
إبان الانتفاضة فى ليبيا، وأنا لا أذيع سراً، حضرت إلى مصر مرتين وقابلت وزير الدفاع وقتها المشير حسين طنطاوى، وكنت ألح عليه بشكل شديد جداً على ضرورة وجود مصر فى المشهد الليبى مبكراً، وذكرت له أن غياب مصر وغياب الجزائر كدولتين كل منهما تمثل قطباً فى شمال أفريقيا سينتهى أو يؤدى إلى أن دولاً صغيرة هى التى ستشكل المشهد الليبى مستقبلاً، ما قد يؤثر على الأمن القومى المصرى. الأمن القومى المصرى اليوم مهدد حقيقة بهذا الانتشار للسلاح.
ليبيا تحولت إلى مخزن أسلحة وتقارير «مجلس الأمن» تؤكد أن الرقم تجاوز 30 مليون قطعة سلاح والميليشيات تمتلك دبابات وصواريخ _ «السراج» رهينة فى كيلومتر مربع بـ«طرابلس» منذ سنة ونصف السنة.. وحين دخل العاصمة سألته الميليشيات: «مَن أنتم؟»
■ وما طبيعة الوجود المصرى الذى تحدثت عنه مع المشير طنطاوى لمصر فى ليبيا؟
- وجود سياسى، وجود عسكرى، وجود بقوة على الأرض، لأن ليبيا هى امتداد لمصر وتشكل لها أمناً قومياً، أراد صانع القرار أو لم يُرد، هذه حقائق التاريخ والجغرافيا.
■ هل كنت تقصد أن يكون لها قوة عسكرية داخل ليبيا؟