الارهابى سيد قطب, ما لا يعرفه الإخوان عن كاهنهم الأكبر.. سيد قطب
لواء أ ح متقاعد/ حسام سويلم
مقدمة
- كان لافتا للنظر أن الرئيس المعزول محمد مرسي عندما وصل إلى سجن برج العرب، أن طلب الحصول على كتب سيد قطب، خاصة (معالم في الطريق) لتكون سلواه في سجنه، وهو ما يؤكد مدى تأثر مرسي، بالفكر القطبي، وانعكاس ذلك على منظومة سياساته وسلوكياته خلال عام الشؤم الذي حكمت فيه جماعة الإخوان مصر.. وقد ذكرني ذلك بموقف لمرسي، جرى في ندوة لقناة "الفراعين" قبل ثورة 25 يناير بنحو عام ونصف، دعا لها الباحث الإسلامي ضياء رشوان، وشارك فيها محمود عزت، ومحمد مرسي، كممثلين لجماعة الإخوان، لمناقشة ما أثير حول كتاب (دعاة لا قضاة) هاجم فيه المرشد حسن الهضيبي، أفكار قطب، عن التكفير، وأيده في ذلك المرشد التالي عمر التلمساني، فعندما سأله رشوان عن مدى مطابقة أفكار الإخوان لما جاء في كتب سيد قطب؟ أجاب مرسي: "عندما قرأت للأستاذ سيد قطب، بعد وفاته، عشت في كتابًاته فصارت جزءًا مني. لقد وجدت فيه الإسلام بما فيه من السعة والرؤية الشاملة للإسلام"، ثم أضاف مرسي، قائلًا: "وصحيح أن الأستاذ سيد قطب، يقول نصوصًا تكفيرية، ولكننا لا نعتبرها تكفيرية!!، ولكنها نصوص تحرك الوجدان وتتحدى العقل، ويجب لمن يقرأ لسيد قطب أن يتعلم اللغة العربية أولا"، ثم هاجمه القرضاوي الذي سبق أن استنكر الفكر التكفيري لقطب، فقال محمد مرسي: "قلبي على القرضاوي الذي لا يعرف العربية ولا يتقن غير التركمنستانية!! فإذا عرف العربية سيعرف أن ما يقوله قطب هو الإسلام، وأنا شخصيًا عندما قرأت لقطب، تحريت الدقة وسألت الكبار حتى أفهم ما كتبه!!"، وقبل أن تنتهي الحلقة تلقى ضياء رشوان، مداخلة تليفونية على الهواء من محمد بديع، يؤيد فيها دفاع مرسي، وعزت عن أستاذهما وصاحب فكرهما سيد قطب، وعندما أخذ العجب القرضاوي، مما قاله قادة الإخوان على رأيه، وسال سليم العوا عن من هؤلاء؟ اجاب العوا: هؤلاء هم تنظيم العشرات، فرد عليه القرضاوي فاغرافاه: أهم أهم؟! أهؤلاء من حذرنا منهم التلمساني؟!! أصبحوا الآن قادة للإخوان! إننا لله وإنا إليه راجعون!!
تنظيم العشرات أساس القطبيين.
- فمن هم تنظيم العشرات؟ يجيب الأستاذ ثروت الخرباوي، على هذا السؤال المهم في كتابه (سر المعبد) ص 300، قائلًا "هي أجيال نهلت من كتاب الظلام ومن "معالم في الطريق"، كرهت هذه الأجيال المعاني الجميلة التي في الكونوتربت فكريًا على أن الديمقراطية حرام، والليبرالية كفر، فتحت هذه الأجيال رؤوسها ليتم حشوها بكراهية كل المناهج السياسية والاجتماعية التي ابتدعها الإنسان لنفسه، فهمت أننا نعيش في جاهلية أشد ضراوة من جاهلية القرون الأولى، وأن القوانين التي وضعناها لأنفسنا لتنظيم معايشنا هي الطاغوت والكفر، فهمت هذه الأجيال الجديدة "إن الحكم إلا لله"، على نحو يخاصم اجتهادات البشر، ليس لنا أن نجتهد لأنفسنا وكيف نجتهد والله هو الحاكم الحكم؟، فهمت الله على غير مراد الله، الله عندهم هو الذي لا يرحم إلا هم، ولا يغفر لهم، ولا يدخل الجنة سواهم، أما النار فقد خلقها لغير الإخوان، الإخوان هم شعب الله المختار"، ثم يصف الخرباوي إخوان اليوم فيقول: "آلاف الإخوان الذين سيقوا إلى الجماعة منذ منتصف التسعينات يختلفون عن الذي يعرفهم القرضاوي، حتى أولئك الذين يرفضون أفكار القطبيين أمسوا يمالئونهم ويصانعونهم، وما صانعوهم إلا ليبحثوا لأنفسهم عن مكان على خريطة الإخوان.. القطبية كانت هي الطريق الثاني الذي سار فيه الإخوان بعد طريق حسن البنا". ثم تساءل بعد ذلك الأستاذ الخرباوي متخوفًا عن أصحاب الطريق الثالث "التابع في أغوار الإخوان"، وهو تنظيم "جيش الإخوان"!!.
- ومما أثار المخاوف حول (جيش الإخوان) أنهم في مكتب الإرشاد قد أعدوا لذلك بأحباء (قسم الوحدات)، وهو أخطر أقسام الجماعة لأنه المسئول عن الجانب العسكري في نشاط الجماعة، وكان فيه كوادر من ضباط الجيش الذين اخترقوا صفوفه سرًا أمثال الرائد محمد لبيب، وصلح شادي، أبو المكارم عبد الحي، وإبراهيم شرف. وكان المرشد السابق مصطفى مشهور، من أكثر قادة الإخوان إصرارًا على إنشاء هذا الجيش ودعمه قائلًا في وجه معارضيه: هل تتصورون دولة بلا أمن وبلا جيش؟ نحن أكبر من دولة، نحن أمة الإسلام، ويجب أن يكون لهذه الزمة أمن وجيش، ويوم أن يعود (قسم الوحدات) سيكون شعاره (أعدوا). وكانت تقديرات مصطفى مشهور، أن الإخوان سيصلون إلى الحكم في عام 2018، وأن لديهم خطة سيصلون إلى الحكم من خلالها، وأشار مرة في حديث له إلى كلمة (أعدوا) التي بين السفيين في شعار الجماعة، قائلًا: "نحن نعمل بها منذ سنوات طويلة"!!.
- ولكن ماذا عن هذه الخطة؟ هي خطة التمكين التي وضع خيرت الشاطر، لمساتها الأخيرة في عام 2005 تحت اسم (فتح مصر) وتقوم على السيطرة على الجيش والإعلام والقضاء، بعد السيطرة على النقابات المهنية والعمالية والنوادي واتحادات الطلبة، وأن سيطرة الإخوان على هذه الركائز الثلاثة، هي ضمان وصولهم للحكم ميسرًا، لذلك تم مع إنشاء قسم الوحدات إنشاء قسم القضاة، وهو الأمر الذي توقع معه مصطفى مشهور، في عام 1999، أنهم سيدخلون في صدام مع النظام الحاكم في غضون عشر سنوات بعد أن قطع الإخوان أشواطًا في طريق تنفيذ خطة التمكين.
جذور التكفير
- حقيقة الأمر أن توازع تكفير المجتمعات الإسلامية كانت عند حسن البنا، ظهر ذلك واضحًا في البند الخامس والعشرين من رسالة التعاليم، وهو يوجع تعليماته للإخوان وما يجب أن يفعلوه في حياتهم قائلًا: "أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة". ويضيف البنا في التعليمة رقم 37 "أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فرقتك وخاصة إذا أمرت بذلك". إذن فكر التكفير كان مختبئًا في ضمير البنا، لم تظهر فيه إلا بعض فلتات، لذلك وجد التنظيم السري الخاص في الاغتيالات وأعمال التخريب التي قام بها في عهده وبعد ذلك تبريرات شرعية عند الإخوان وحتى اليوم.
- ويزداد الأمر تفاقمًا عندما يخبرنا الشيخ محمد الغزالي، أنه استمع إلى أحد خطباء الجمعة من الجماعة وهو يؤكد: "أن الولاء لمرشد الإخوان حسن الهضيبي، يكفر السيئات، وأن الخروج على الجماعة يمحق الفضائل، وأن الذين نابذوا المرشد عادوا للجاهلية الأولى لأنهم خلعوا البيعة"، وكانت الجماعة قد فصلت الشيخ الغزالي، منها عندما رفض تعيين الهضيبي، مرشد للجماعة متهمًا إياه بأنه "عميل الماسونية"!!، فتسلم خطابًا يقول فيه الإخواني مرسل الخطاب: "هل تظن نفسك مسلمًا بعدما خرجت من صفوف الجماعة؟".
- أما الكاتب الإخواني سعيد حولي فإنه يؤكد في كتابه (المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين) أن جماعة الإخواني هي فقط "جماعة المسلمين" دون غيرها من المسلمين، وذلك طبقًا للنصوص التي وضعها حسن البنا. وإذا انتقلنا إلى محمد قطب، فسنجده يدور في كتابه (جاهلية القرن العشرين) حول تكفير المجتمعات الإسلامية مسترشدًا بكتاب سيد قطب (في ظلال القرآن) الذي يقول فيه مفسرًا آية من آيات القرآن "وهنا يرشدنا الله إلى اعتزال معابد الجاهلية التي هي المساجد التي نعبد الله فيها، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي". ويضيف سيد قطب: "للعصبة المسلمة في كل أرض أن تنفصل عقديًا وشعوريًا ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله بقيام دار إسلام تعتصم بها". ويعلق الخرباوي على ذلك قائلًا: "لقد أصبحت أفكار التكفير غالبة على الجماعة، لقد صارت جماعة الإخوان (مدينة التكفير)، في عالم مضطرب بالصراعات الفكرية والعقائدية والسياسية".. ثم يتساءل: كيف أصبحت أمواج التكفير عند الإخوان بهذه القوة الهادرة وهذا العنفوان المتكبد؟
التكفير والحاكمية في الخطاب القطبي:
- تدور الرؤية العامة لسيد قطب، للإسلام حول اعتبار الصراع البشر عقائدي في الأساس، وأن الحالة المثلى للمجتمع الإسلامي المنشود في نظرة ستستدعي بالضرورة أن يكون في صراعات مستمرة مع باقي المجتمعات بما في ذلك التي تدعي أنها مسلمة. لذلك حدد قطب مفاهيمه عن سبعة عناصر أساسية هي: الجاهلية وتعني التكفير، الحاكمية، الجماعة، المنهج، الثقافة، الأمة، والمجتمع، وسنناقش في هذه المقالة العنصرين الأولين، والباقي في مقالات قادمة أن شاء الله:
أولًا: جاهلية المجتمعات الإسلامية:
- فالجاهلية تمثل في نظرة الانحراف عن نهج الإسلام سواء في الماضي أو الحاضر، فيقول: "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، وحتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية.. هو ما صنع هذه الجاهلية". ثم يمضي معتبرًا المجتمعات الإسلامية القائمة حاليًا تدخل في إطار هذه الجاهلية، فيقول: يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها (مسلمة).. لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده ولأنها تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها.."
ولكي يبرر سيد قطب لقيام (الجماعة المؤمنة)- التي هي جماعة الإخوان في مفهومه- التي ستقود البعث الإسلامي الجديد، ركز على اعتبار الجاهلية صيغة حركية في الأساس، وليست مجرد نظرية، بل تتمثله في تجمع حركي خاضع لقيادة هذا المجتمع الجاهلي، ولمواجهته سيعني قيام تنظيم حركي مسلم مضاد خاضع لقيم الإسلام، يتحوله تحت قيادة إسلامية مستقلة عن المجتمع الجاهلي وقياداته، وأن يحصر ولاءه للقيادة الإسلامية فقط، ويكون تحركهم باتجاه تقويض المجتمع الجاهلي، والدفاع عن المجتمع الإسلامي الجديد.
- وفي كتابه (في ظلال القرآن) تقرأ لسيد قطب: "الجاهلية ليست اسمًا لمرحلة تاريخية سابقة على الإسلام، بل أنها تنطبق انطباقًا حرفيًا على كل وضع بصرف النظر عن اعتبارات الزمان والمكان، إذا كان الوضع مشابهًا لتلك المرحلة التاريخية السابقة على الإسلام".
- ثم يمضي في كتابه (في ظلال القرآن) ليبرر اتهامه المجتمعات الإسلامية (بالشرك) فيقول: "إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده، ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته، ولو قدمت الشعائر التعبدية له وحده". ولا يكتفي قطب، بذلك بل يتهم المجتمعات الإسلامية اليوم بترك الإسلام وهجرته، فيقول: أن المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلامي الحقيقية تتمثل في أقوام من الناس من سلالات المسلمين في أوطان كانت في يوم الأيام دارًا للإسلام يسيطر عليها دين الله وتحكم بشرعيته، ثم إذا هي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقادًا وواقعًا وأن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقادًا"، ثم يمضي في الحاجة نافيًا عن المسلمين اليوم إسلامهم فيقول في نفس الكتاب". في الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين وهم من سلالات المسلمين، وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام دارًا للإسلام، ولكن لا الأقوام تشهد أن لا إله إلا الله بذلك المدلول، ولا الوطان تدين لله بمقتضى هذا المدلول، دائمًا فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله بهذا المدلول (أي المدلول الذي يعتقده سيد قطب) فإنه لم يشهد ولم يدخل الإسلام بعد، كائنًا من كان اسمه ولقبه ونسبه، وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله بهذا المدلول فهي أرض لم تدين بدين الله ولم تدخل في الإسلام بعد".
- وينفي سيد قطب عن الأمة الإسلامية اليوم إسلامها فيقول: "إن الأمة الإسلامية قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعًا"، ثم يضيف "ووجود الأمة الإسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون، فالأمة الإسلامية ليست (أرض) كان يعيش فيها الإسلام، وليست قومًا كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي. إنما الأمة الإسلامية جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات – قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض".
- ويرجع سيد قطب وصمه للمجتمعات القائمة اليوم في الأرض بالجاهلية لأنها تقنن لنفسها من القوانين والتشريعات التي تتلاءم بظروف العصر ومتطلبات الحياة، ويحقق لها الأمن والأمان ويصون مصالحها ويحقق أهدافها ويعتبر سيد قطب ذلك اعتداءا على سلطان الله في الأرض، فيقول "إن العالم اليوم يعيش في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، وهذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطات الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية، وهي الحاكمية لأنها تسند الحاكمية للبشر لتجعل بعضهم لبعض أربابًا". ثم يفصح سيد قطب صراحة عن مكنون مذهبه الذي يتهم فيه المسلمين اليوم يا لكفر صراحة، فيقول: "وإذا بدا للبشر يومًا أن مصلحتهم في مخالفة شرع الله لهم فهم واهمون أولا، وهم كافرون ثانيًا!! ثم يزيد أمر تكفيره للمسلمين، فيقول "والمسألة في حقيقتها مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد. مسألة جاهلية وإسلام.. أن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية.. ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء مسلمين.. والدعوة اليوم إنما ترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام لتجعل منهم مسلمين من جديد". وهنا يجب أن نتوقف لننتقل إلى عام 2005 عندما وضع خيرت الشاطر خطته لتمكين جماعته من حكم مصر تحت عنوان (فتح مصر)، أي ليعيد للمصريين إسلامهم من جديد، ونتوقف أيضا أمام كلمات محمد مرسي في أول مؤتمر له يعقد بعد انتخابه في أول يوليو 2012، وقد اختار مكانة جامع عمرو بن العاص، وكان اختيار هذا المكان مقصود لذاته لأن عمرو بن العاص هو الذي فتح مصر، لذلك اختار محمد مرسي مسجد فاتح مصر ليوجه من عنده رسالة للمصريين جميعًا قال فيها: أن عمر بن العاص دخل مصر في وقفة العيد، وها نحن سنعيد الفتح الإسلامي من جديد"!!. وهو في ذلك يشبه مصر بإسبانيا (الأندلس) عندما خرج منها الإسلام بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك في القرن السادس عشر بعد حكم إسلامي دام فيها ثمانية قرون، وأن جماعة الإخوان اليوم في القرن الحادي والعشرين بقيادة نعيم والشاطر ومرسي هي التي ستعيد للمسلمين في مصر إسلامهم من جديد، ألا يدل ذلك بوضوح لا لبس فيه على نظرتهم التكفيرية للمصريين اليوم؟!.
- ثم ينتقل سيد قطب – بعد أن وصم المجتمعات الموجودة على ظهر الأرض اليوم بالجاهلية والكفر، وبما فيها المجتمعات الإسلامية إلى تحديد مهمة جماعة (الإخوان المسلمين) في تقويض أنظمة الحكم فيها ليقيم على أنقاضها ما يطلق عليه المجتمع الإسلامي أو (الرباني) فنجده يقول في كتابه (معالم في الطريق): "ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه- تواجهه بالقدوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات، وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها". ثم يمضي في تحريضه على تقويض الأنظمة الحاكمة فيقول: "لا يدلنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصرفات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية، ومهمتنا الأولى هي تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه.. أن القانون الوضعي لا يستحق السيادة والسمو".
- يعتبر سيد قطب أن الانقلاب على الأنظمة الحاكمة وإزالتها بالقوة هو عين الجهاد في سبيل الله، فيقول: "والذي يدرك طبيعة هذا الدين يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي الإسلامي في صورة الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان"، ولكن متى يتعين على الجهاد أن يبدأ؟ يجيب قطب على هذا السؤال قائلًا: وحين يبلغ المؤمنون بهذه العقيدة ثلاثة نفر فإن هذه العقيدة ذاتها تقول لهم: أنتم الآن مجتمع، مجمع إسلامي مستقل ومنفصل عن المجتمع الجاهلي"، ثم "والثلاثة يصبحون عشرة، والعشرة يصبحون مائه، والمئة يصبحون ألفًا". وقد سبق لسيد قطب أن أكد فكرة أن العقيدة تقوم بذاتها إلى الحركة الواقعية ومن ثم للجهاد بالسيف"، وهذا ما يؤكد حقيقة مهمة أثبتتها العمليات الإرهابية للإخوان أن "الإرهاب يبدأ فكرًا".
- وعندما برز السؤال المهم: كيف يمكن لهذه الجماعات المحدودة العدد أن تواجه العالم بأسره؟ وهو سؤال تردد بقوة عندما تصور أسامة بن لادن – زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي- أنه قادر على هذه المواجهة بهذه المجموعة التي تحيط به، فاجاب سيد قطب في كتاب (المعالم) قائلًا: "المؤمنون إجراء عند الله أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا، وقبضوا الأجر المعلوم، وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، وذلك شأن صاحب الأمر ولا شأن الأجير"، وهو ما يؤكد مبدأ السمع والطاعة الذي زرعة حسن البنا في أتباعه، وتنفيذ كل ما تمليه قيادة الجماعة عليهم من أوامر دون مناقشة، حتى والله كان أمرًا بالانتحار، وكل ما عليهم هو الثبات مؤكدًا "الثبات هو بدء الطريق إلى النصر، وأثبت الفريقين أغلبهما".
لواء أ ح متقاعد/ حسام سويلم
مقدمة
- كان لافتا للنظر أن الرئيس المعزول محمد مرسي عندما وصل إلى سجن برج العرب، أن طلب الحصول على كتب سيد قطب، خاصة (معالم في الطريق) لتكون سلواه في سجنه، وهو ما يؤكد مدى تأثر مرسي، بالفكر القطبي، وانعكاس ذلك على منظومة سياساته وسلوكياته خلال عام الشؤم الذي حكمت فيه جماعة الإخوان مصر.. وقد ذكرني ذلك بموقف لمرسي، جرى في ندوة لقناة "الفراعين" قبل ثورة 25 يناير بنحو عام ونصف، دعا لها الباحث الإسلامي ضياء رشوان، وشارك فيها محمود عزت، ومحمد مرسي، كممثلين لجماعة الإخوان، لمناقشة ما أثير حول كتاب (دعاة لا قضاة) هاجم فيه المرشد حسن الهضيبي، أفكار قطب، عن التكفير، وأيده في ذلك المرشد التالي عمر التلمساني، فعندما سأله رشوان عن مدى مطابقة أفكار الإخوان لما جاء في كتب سيد قطب؟ أجاب مرسي: "عندما قرأت للأستاذ سيد قطب، بعد وفاته، عشت في كتابًاته فصارت جزءًا مني. لقد وجدت فيه الإسلام بما فيه من السعة والرؤية الشاملة للإسلام"، ثم أضاف مرسي، قائلًا: "وصحيح أن الأستاذ سيد قطب، يقول نصوصًا تكفيرية، ولكننا لا نعتبرها تكفيرية!!، ولكنها نصوص تحرك الوجدان وتتحدى العقل، ويجب لمن يقرأ لسيد قطب أن يتعلم اللغة العربية أولا"، ثم هاجمه القرضاوي الذي سبق أن استنكر الفكر التكفيري لقطب، فقال محمد مرسي: "قلبي على القرضاوي الذي لا يعرف العربية ولا يتقن غير التركمنستانية!! فإذا عرف العربية سيعرف أن ما يقوله قطب هو الإسلام، وأنا شخصيًا عندما قرأت لقطب، تحريت الدقة وسألت الكبار حتى أفهم ما كتبه!!"، وقبل أن تنتهي الحلقة تلقى ضياء رشوان، مداخلة تليفونية على الهواء من محمد بديع، يؤيد فيها دفاع مرسي، وعزت عن أستاذهما وصاحب فكرهما سيد قطب، وعندما أخذ العجب القرضاوي، مما قاله قادة الإخوان على رأيه، وسال سليم العوا عن من هؤلاء؟ اجاب العوا: هؤلاء هم تنظيم العشرات، فرد عليه القرضاوي فاغرافاه: أهم أهم؟! أهؤلاء من حذرنا منهم التلمساني؟!! أصبحوا الآن قادة للإخوان! إننا لله وإنا إليه راجعون!!
تنظيم العشرات أساس القطبيين.
- فمن هم تنظيم العشرات؟ يجيب الأستاذ ثروت الخرباوي، على هذا السؤال المهم في كتابه (سر المعبد) ص 300، قائلًا "هي أجيال نهلت من كتاب الظلام ومن "معالم في الطريق"، كرهت هذه الأجيال المعاني الجميلة التي في الكونوتربت فكريًا على أن الديمقراطية حرام، والليبرالية كفر، فتحت هذه الأجيال رؤوسها ليتم حشوها بكراهية كل المناهج السياسية والاجتماعية التي ابتدعها الإنسان لنفسه، فهمت أننا نعيش في جاهلية أشد ضراوة من جاهلية القرون الأولى، وأن القوانين التي وضعناها لأنفسنا لتنظيم معايشنا هي الطاغوت والكفر، فهمت هذه الأجيال الجديدة "إن الحكم إلا لله"، على نحو يخاصم اجتهادات البشر، ليس لنا أن نجتهد لأنفسنا وكيف نجتهد والله هو الحاكم الحكم؟، فهمت الله على غير مراد الله، الله عندهم هو الذي لا يرحم إلا هم، ولا يغفر لهم، ولا يدخل الجنة سواهم، أما النار فقد خلقها لغير الإخوان، الإخوان هم شعب الله المختار"، ثم يصف الخرباوي إخوان اليوم فيقول: "آلاف الإخوان الذين سيقوا إلى الجماعة منذ منتصف التسعينات يختلفون عن الذي يعرفهم القرضاوي، حتى أولئك الذين يرفضون أفكار القطبيين أمسوا يمالئونهم ويصانعونهم، وما صانعوهم إلا ليبحثوا لأنفسهم عن مكان على خريطة الإخوان.. القطبية كانت هي الطريق الثاني الذي سار فيه الإخوان بعد طريق حسن البنا". ثم تساءل بعد ذلك الأستاذ الخرباوي متخوفًا عن أصحاب الطريق الثالث "التابع في أغوار الإخوان"، وهو تنظيم "جيش الإخوان"!!.
- ومما أثار المخاوف حول (جيش الإخوان) أنهم في مكتب الإرشاد قد أعدوا لذلك بأحباء (قسم الوحدات)، وهو أخطر أقسام الجماعة لأنه المسئول عن الجانب العسكري في نشاط الجماعة، وكان فيه كوادر من ضباط الجيش الذين اخترقوا صفوفه سرًا أمثال الرائد محمد لبيب، وصلح شادي، أبو المكارم عبد الحي، وإبراهيم شرف. وكان المرشد السابق مصطفى مشهور، من أكثر قادة الإخوان إصرارًا على إنشاء هذا الجيش ودعمه قائلًا في وجه معارضيه: هل تتصورون دولة بلا أمن وبلا جيش؟ نحن أكبر من دولة، نحن أمة الإسلام، ويجب أن يكون لهذه الزمة أمن وجيش، ويوم أن يعود (قسم الوحدات) سيكون شعاره (أعدوا). وكانت تقديرات مصطفى مشهور، أن الإخوان سيصلون إلى الحكم في عام 2018، وأن لديهم خطة سيصلون إلى الحكم من خلالها، وأشار مرة في حديث له إلى كلمة (أعدوا) التي بين السفيين في شعار الجماعة، قائلًا: "نحن نعمل بها منذ سنوات طويلة"!!.
- ولكن ماذا عن هذه الخطة؟ هي خطة التمكين التي وضع خيرت الشاطر، لمساتها الأخيرة في عام 2005 تحت اسم (فتح مصر) وتقوم على السيطرة على الجيش والإعلام والقضاء، بعد السيطرة على النقابات المهنية والعمالية والنوادي واتحادات الطلبة، وأن سيطرة الإخوان على هذه الركائز الثلاثة، هي ضمان وصولهم للحكم ميسرًا، لذلك تم مع إنشاء قسم الوحدات إنشاء قسم القضاة، وهو الأمر الذي توقع معه مصطفى مشهور، في عام 1999، أنهم سيدخلون في صدام مع النظام الحاكم في غضون عشر سنوات بعد أن قطع الإخوان أشواطًا في طريق تنفيذ خطة التمكين.
جذور التكفير
- حقيقة الأمر أن توازع تكفير المجتمعات الإسلامية كانت عند حسن البنا، ظهر ذلك واضحًا في البند الخامس والعشرين من رسالة التعاليم، وهو يوجع تعليماته للإخوان وما يجب أن يفعلوه في حياتهم قائلًا: "أن تقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، والأندية والصحف والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرتك الإسلامية مقاطعة تامة". ويضيف البنا في التعليمة رقم 37 "أن تتخلى عن صلتك بأية هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فرقتك وخاصة إذا أمرت بذلك". إذن فكر التكفير كان مختبئًا في ضمير البنا، لم تظهر فيه إلا بعض فلتات، لذلك وجد التنظيم السري الخاص في الاغتيالات وأعمال التخريب التي قام بها في عهده وبعد ذلك تبريرات شرعية عند الإخوان وحتى اليوم.
- ويزداد الأمر تفاقمًا عندما يخبرنا الشيخ محمد الغزالي، أنه استمع إلى أحد خطباء الجمعة من الجماعة وهو يؤكد: "أن الولاء لمرشد الإخوان حسن الهضيبي، يكفر السيئات، وأن الخروج على الجماعة يمحق الفضائل، وأن الذين نابذوا المرشد عادوا للجاهلية الأولى لأنهم خلعوا البيعة"، وكانت الجماعة قد فصلت الشيخ الغزالي، منها عندما رفض تعيين الهضيبي، مرشد للجماعة متهمًا إياه بأنه "عميل الماسونية"!!، فتسلم خطابًا يقول فيه الإخواني مرسل الخطاب: "هل تظن نفسك مسلمًا بعدما خرجت من صفوف الجماعة؟".
- أما الكاتب الإخواني سعيد حولي فإنه يؤكد في كتابه (المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين) أن جماعة الإخواني هي فقط "جماعة المسلمين" دون غيرها من المسلمين، وذلك طبقًا للنصوص التي وضعها حسن البنا. وإذا انتقلنا إلى محمد قطب، فسنجده يدور في كتابه (جاهلية القرن العشرين) حول تكفير المجتمعات الإسلامية مسترشدًا بكتاب سيد قطب (في ظلال القرآن) الذي يقول فيه مفسرًا آية من آيات القرآن "وهنا يرشدنا الله إلى اعتزال معابد الجاهلية التي هي المساجد التي نعبد الله فيها، واتخاذ بيوت العصبة المسلمة مساجد تحس فيها بالانعزال عن المجتمع الجاهلي". ويضيف سيد قطب: "للعصبة المسلمة في كل أرض أن تنفصل عقديًا وشعوريًا ومنهج حياة عن أهل الجاهلية من قومها حتى يأذن الله بقيام دار إسلام تعتصم بها". ويعلق الخرباوي على ذلك قائلًا: "لقد أصبحت أفكار التكفير غالبة على الجماعة، لقد صارت جماعة الإخوان (مدينة التكفير)، في عالم مضطرب بالصراعات الفكرية والعقائدية والسياسية".. ثم يتساءل: كيف أصبحت أمواج التكفير عند الإخوان بهذه القوة الهادرة وهذا العنفوان المتكبد؟
التكفير والحاكمية في الخطاب القطبي:
- تدور الرؤية العامة لسيد قطب، للإسلام حول اعتبار الصراع البشر عقائدي في الأساس، وأن الحالة المثلى للمجتمع الإسلامي المنشود في نظرة ستستدعي بالضرورة أن يكون في صراعات مستمرة مع باقي المجتمعات بما في ذلك التي تدعي أنها مسلمة. لذلك حدد قطب مفاهيمه عن سبعة عناصر أساسية هي: الجاهلية وتعني التكفير، الحاكمية، الجماعة، المنهج، الثقافة، الأمة، والمجتمع، وسنناقش في هذه المقالة العنصرين الأولين، والباقي في مقالات قادمة أن شاء الله:
أولًا: جاهلية المجتمعات الإسلامية:
- فالجاهلية تمثل في نظرة الانحراف عن نهج الإسلام سواء في الماضي أو الحاضر، فيقول: "نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية.. تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم، وحتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية.. هو ما صنع هذه الجاهلية". ثم يمضي معتبرًا المجتمعات الإسلامية القائمة حاليًا تدخل في إطار هذه الجاهلية، فيقول: يدخل في إطار المجتمع الجاهلي تلك المجتمعات التي تزعم لنفسها أنها (مسلمة).. لأنها لا تدين بالعبودية لله وحده ولأنها تعطي أخص خصائص الألوهية لغير الله، فتدين بحاكمية غير الله، فتتلقى من هذه الحاكمية نظامها وشرائعها وقيمها وموازينها وعاداتها وتقاليدها.."
ولكي يبرر سيد قطب لقيام (الجماعة المؤمنة)- التي هي جماعة الإخوان في مفهومه- التي ستقود البعث الإسلامي الجديد، ركز على اعتبار الجاهلية صيغة حركية في الأساس، وليست مجرد نظرية، بل تتمثله في تجمع حركي خاضع لقيادة هذا المجتمع الجاهلي، ولمواجهته سيعني قيام تنظيم حركي مسلم مضاد خاضع لقيم الإسلام، يتحوله تحت قيادة إسلامية مستقلة عن المجتمع الجاهلي وقياداته، وأن يحصر ولاءه للقيادة الإسلامية فقط، ويكون تحركهم باتجاه تقويض المجتمع الجاهلي، والدفاع عن المجتمع الإسلامي الجديد.
- وفي كتابه (في ظلال القرآن) تقرأ لسيد قطب: "الجاهلية ليست اسمًا لمرحلة تاريخية سابقة على الإسلام، بل أنها تنطبق انطباقًا حرفيًا على كل وضع بصرف النظر عن اعتبارات الزمان والمكان، إذا كان الوضع مشابهًا لتلك المرحلة التاريخية السابقة على الإسلام".
- ثم يمضي في كتابه (في ظلال القرآن) ليبرر اتهامه المجتمعات الإسلامية (بالشرك) فيقول: "إن الشرك بالله يتحقق بمجرد إعطاء حق التشريع لغير الله من عباده، ولو لم يصحبه شرك في الاعتقاد بألوهيته، ولو قدمت الشعائر التعبدية له وحده". ولا يكتفي قطب، بذلك بل يتهم المجتمعات الإسلامية اليوم بترك الإسلام وهجرته، فيقول: أن المشقة الكبرى التي تواجه حركات الإسلامي الحقيقية تتمثل في أقوام من الناس من سلالات المسلمين في أوطان كانت في يوم الأيام دارًا للإسلام يسيطر عليها دين الله وتحكم بشرعيته، ثم إذا هي تتنكر لمقومات الإسلام اعتقادًا وواقعًا وأن ظنت أنها تدين بالإسلام اعتقادًا"، ثم يمضي في الحاجة نافيًا عن المسلمين اليوم إسلامهم فيقول في نفس الكتاب". في الأرض اليوم أقوام من الناس أسماؤهم أسماء المسلمين وهم من سلالات المسلمين، وفيها أوطان كانت في يوم من الأيام دارًا للإسلام، ولكن لا الأقوام تشهد أن لا إله إلا الله بذلك المدلول، ولا الوطان تدين لله بمقتضى هذا المدلول، دائمًا فرد لم يشهد أن لا إله إلا الله بهذا المدلول (أي المدلول الذي يعتقده سيد قطب) فإنه لم يشهد ولم يدخل الإسلام بعد، كائنًا من كان اسمه ولقبه ونسبه، وأيما أرض لم تتحقق فيها شهادة أن لا إله إلا الله بهذا المدلول فهي أرض لم تدين بدين الله ولم تدخل في الإسلام بعد".
- وينفي سيد قطب عن الأمة الإسلامية اليوم إسلامها فيقول: "إن الأمة الإسلامية قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض جميعًا"، ثم يضيف "ووجود الأمة الإسلامية يعتبر قد انقطع منذ قرون، فالأمة الإسلامية ليست (أرض) كان يعيش فيها الإسلام، وليست قومًا كان أجدادهم في عصر من عصور التاريخ يعيشون بالنظام الإسلامي. إنما الأمة الإسلامية جماعة من البشر تنبثق حياتهم وتصوراتهم وأوضاعهم وأنظمتهم وقيمهم وموازينهم كلها من المنهج الإسلامي، وهذه الأمة بهذه المواصفات – قد انقطع وجودها منذ انقطاع الحكم بشريعة الله من فوق ظهر الأرض".
- ويرجع سيد قطب وصمه للمجتمعات القائمة اليوم في الأرض بالجاهلية لأنها تقنن لنفسها من القوانين والتشريعات التي تتلاءم بظروف العصر ومتطلبات الحياة، ويحقق لها الأمن والأمان ويصون مصالحها ويحقق أهدافها ويعتبر سيد قطب ذلك اعتداءا على سلطان الله في الأرض، فيقول "إن العالم اليوم يعيش في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، وهذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطات الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية، وهي الحاكمية لأنها تسند الحاكمية للبشر لتجعل بعضهم لبعض أربابًا". ثم يفصح سيد قطب صراحة عن مكنون مذهبه الذي يتهم فيه المسلمين اليوم يا لكفر صراحة، فيقول: "وإذا بدا للبشر يومًا أن مصلحتهم في مخالفة شرع الله لهم فهم واهمون أولا، وهم كافرون ثانيًا!! ثم يزيد أمر تكفيره للمسلمين، فيقول "والمسألة في حقيقتها مسألة كفر وإيمان، مسألة شرك وتوحيد. مسألة جاهلية وإسلام.. أن الناس ليسوا مسلمين كما يدعون وهم يحيون حياة الجاهلية.. ليس هذا إسلاما وليس هؤلاء مسلمين.. والدعوة اليوم إنما ترد هؤلاء الجاهلين إلى الإسلام لتجعل منهم مسلمين من جديد". وهنا يجب أن نتوقف لننتقل إلى عام 2005 عندما وضع خيرت الشاطر خطته لتمكين جماعته من حكم مصر تحت عنوان (فتح مصر)، أي ليعيد للمصريين إسلامهم من جديد، ونتوقف أيضا أمام كلمات محمد مرسي في أول مؤتمر له يعقد بعد انتخابه في أول يوليو 2012، وقد اختار مكانة جامع عمرو بن العاص، وكان اختيار هذا المكان مقصود لذاته لأن عمرو بن العاص هو الذي فتح مصر، لذلك اختار محمد مرسي مسجد فاتح مصر ليوجه من عنده رسالة للمصريين جميعًا قال فيها: أن عمر بن العاص دخل مصر في وقفة العيد، وها نحن سنعيد الفتح الإسلامي من جديد"!!. وهو في ذلك يشبه مصر بإسبانيا (الأندلس) عندما خرج منها الإسلام بعد سقوط الدولة الإسلامية هناك في القرن السادس عشر بعد حكم إسلامي دام فيها ثمانية قرون، وأن جماعة الإخوان اليوم في القرن الحادي والعشرين بقيادة نعيم والشاطر ومرسي هي التي ستعيد للمسلمين في مصر إسلامهم من جديد، ألا يدل ذلك بوضوح لا لبس فيه على نظرتهم التكفيرية للمصريين اليوم؟!.
- ثم ينتقل سيد قطب – بعد أن وصم المجتمعات الموجودة على ظهر الأرض اليوم بالجاهلية والكفر، وبما فيها المجتمعات الإسلامية إلى تحديد مهمة جماعة (الإخوان المسلمين) في تقويض أنظمة الحكم فيها ليقيم على أنقاضها ما يطلق عليه المجتمع الإسلامي أو (الرباني) فنجده يقول في كتابه (معالم في الطريق): "ومن ثم تواجه الحركة الإسلامية هذا الواقع كله بما يكافئه- تواجهه بالقدوة والبيان لتصحيح المعتقدات والتصورات، وتواجهه بالقوة والجهاد لإزالة الأنظمة والسلطات القائمة عليها". ثم يمضي في تحريضه على تقويض الأنظمة الحاكمة فيقول: "لا يدلنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلي والتصرفات الجاهلية والتقاليد الجاهلية والقيادة الجاهلية، ومهمتنا الأولى هي تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه.. أن القانون الوضعي لا يستحق السيادة والسمو".
- يعتبر سيد قطب أن الانقلاب على الأنظمة الحاكمة وإزالتها بالقوة هو عين الجهاد في سبيل الله، فيقول: "والذي يدرك طبيعة هذا الدين يدرك معها حتمية الانطلاق الحركي الإسلامي في صورة الجهاد بالسيف إلى جانب الجهاد بالبيان"، ولكن متى يتعين على الجهاد أن يبدأ؟ يجيب قطب على هذا السؤال قائلًا: وحين يبلغ المؤمنون بهذه العقيدة ثلاثة نفر فإن هذه العقيدة ذاتها تقول لهم: أنتم الآن مجتمع، مجمع إسلامي مستقل ومنفصل عن المجتمع الجاهلي"، ثم "والثلاثة يصبحون عشرة، والعشرة يصبحون مائه، والمئة يصبحون ألفًا". وقد سبق لسيد قطب أن أكد فكرة أن العقيدة تقوم بذاتها إلى الحركة الواقعية ومن ثم للجهاد بالسيف"، وهذا ما يؤكد حقيقة مهمة أثبتتها العمليات الإرهابية للإخوان أن "الإرهاب يبدأ فكرًا".
- وعندما برز السؤال المهم: كيف يمكن لهذه الجماعات المحدودة العدد أن تواجه العالم بأسره؟ وهو سؤال تردد بقوة عندما تصور أسامة بن لادن – زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي- أنه قادر على هذه المواجهة بهذه المجموعة التي تحيط به، فاجاب سيد قطب في كتاب (المعالم) قائلًا: "المؤمنون إجراء عند الله أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا عملوا، وقبضوا الأجر المعلوم، وليس لهم ولا عليهم أن تتجه الدعوة إلى أي مصير، وذلك شأن صاحب الأمر ولا شأن الأجير"، وهو ما يؤكد مبدأ السمع والطاعة الذي زرعة حسن البنا في أتباعه، وتنفيذ كل ما تمليه قيادة الجماعة عليهم من أوامر دون مناقشة، حتى والله كان أمرًا بالانتحار، وكل ما عليهم هو الثبات مؤكدًا "الثبات هو بدء الطريق إلى النصر، وأثبت الفريقين أغلبهما".