حكاية الراحل محمد نوح، ذكرت أغنية: مدد مدد،

حكاية الراحل محمد نوح، ذكرت أغنية: مدد مدد،



طبعا إذا ذُكر الفنان محمد نوح، ذكرت أغنية: مدد مدد، الأغنية كتبها إبراهيم رضوان (صاحب أغنية قلب الوطن مجروح)، لحنها نوح وغناها بعد النكسة، لكن الجمهور تعرف عليها من خلال مدرجات الدرجة الثالثة، كان ذلك في مباراة خاضتها مصر أمام تونس في تصفيات كأس العالم.
ذهب نوح وقتها للصحفي عبد الرحمن فهمي، الكاتب بجريدة الجمهورية، وطلب أن يغنيها في الاستاد، وعرض أن يتولى التجهيزات الصوتية على نفقته الخاصة. لكن حسن أمين رئيس هيئة الاستاد تولى عمل كل شيء. بدأ نوح الغناء من تراك الملعب، فرفض الحكم، فاتجه للمقصورة، فاعترض الإخوة التوانسة، فغناها طوال التسعين دقيقة من مدرجات الدرجة الثالثة.

https://www.youtube.com/watch?v=AoMDfo0L3AY
ارتبط نوح بالدراما، كما ارتبط بالمزيكا، وتجاربه مختلفة ليس فقط من خلال الموسيقى التصويرية للأفلام المعروفة مثل «المهاجر»، لكن كذلك كمخرج لفيلم «رحلة العائلة المقدسة»، وله في المسرح تجارب عديدة، واحدة منها كانت مسرحية «سحلب» التي ألفها وأخرجها، في الثمانينيات. وهي بطولة حسين فهمي وليلى علوي، وتدور حول تلفيق القضايا في أمن الدولة.
بمجرد عرض المسرحية صدر قرار بمنعها، واتهم نوح صراحة زكريا عزمي وصفوت الشريف بأنهما كانا وراء القرار، الغريب أن أحداً لم يلتفت لهذا، ولم يتضامن المثقفون مع نوح، ولم تصدر بيانات أو شجب أو إدانات، وفي تقديرنا أن هذا راجع للمزاج الثقافي العام وقتها، الذي كان ضد السادات وسيرته. المزاج الذي كان يحتفي ويحتفل بقصائد الأبنودي ونجم التي تمجد قتلة السادات. إضافة إلى موقف من مؤيدي معاهدة السلام مع إسرائيل. ومن المعروف أن نوح كان من أشد المتحمسين للسادات، ولعملية السلام، حتى إنه غنى في استقبال الرئيس الراحل بمطار القاهرة لدى عودته من زيارة القدس.

موسيقي فيلم المهاجر .. The Emigrant SoundTrack - Yosef Chahine
https://www.youtube.com/watch?v=8e6uZv1ltt8
شركة النهار، هي شركة أسسها محمد نوح لإنتاج الموسيقى والأغاني المختلفة عن السائد، وبالمناسبة، فإن كثيراً ممن يؤرخون لبدايات الأغنية الحديثة يتذكرون هاني شنودة أو يحيى خليل أو غيرهم، لكن أحداً لا يلتفت إلى نوح، ليس لمظلومية ما، أو لاضطهاد أو لكسل، ولكن لأن تجربة نوح مع أهميتها لم تستند إلى مطرب يحملها على كتفيه كما فعل منير والحجار والحلو مع تجارب أخرى.
فضّل نوح أن يسير منفرداً، قبل أن يحاول مع أولاده تكوين فرقة، لكن هذه المحاولات لم تنجح، لأنه، كما يقولون: كل حاجة ولها حاجة. وكان من الضروري أن تكتمل عناصر اللعبة. رغم ذلك؛ فإن فضل نوح على طوفان المزيكا في السبعينيات كبير، وينطبق عليه هنا قول صلاح جاهين: نوح راح لحاله، والطوفان استمر. المهم، أسس نوح شركة النهار، أصدر من خلالها أغانيه، كما قدم أعمالاً لمطربين أصبحوا أيقونات، منهم فؤاد المستكاوي، أو فؤاد عبد المجيد، مطرب الموشحات المعروف.
اللحظة المهمة هنا هي اللحظة التي قرر فيها نوح بيع الشركة للمنتج أنور عبد الوهاب، صاحب شركة روكي، نهاية الثمانينيات، ومن ثم توقفه عن الإنتاج، بعد أن كان قد اعتزل الغناء قبلها بسنوات.

التربوي

كان نوح مهتماً إلى حد بعيد بعملية التربية، ودور الفن فيها، ليس اهتماماً من كاتب صحفي له مقال في جريدة حزبية، وإنما على أسس علمية، ونوح له عدة دراسات وأفكار، وقدم عشرات المحاضرات في هذا الصدد. اللحظة التي قابلته فيها، كان محاضراً في أحد المراكز، ورغم تصوري في البداية أن مجيئه ليس أكثر من استعانة بنجم لإنجاح الدورة التدريبية، إلا أنّ المحاضرة التي قدمها من أكثر المحاضرات التي سمعتها التزاماً بالمناهج العلمية في التفكير، ولا أعرف لماذا لم يأخذ أحد نوح على محمل الجد في هذا المجال.

النهاية

«هذا هو ما أشعر به بالضبط، فأنا وصلت إلى المرحلة التي فقدت فيها الرغبة في الحياة، وأصبحت أنتظر الموت، وكأنه موعد مبهج مع صديق أفتقد رؤيته منذ زمن طويل.»
كانت هذه الكلمات من أواخر ما كتبه نوح، بعد أن تقدم به العمر، والمرض، نوح الذي عاش 75 سنةـ تستحق من الاهتمام أضعاف ما تحظى به، وربنا يرحم الجميع.