شاءت الأقدار أن يتولى دفة الأمور فى مصر شخصية أعادت لمصر مكانتها وعزتها، وحق على البلاد أن تفخر به رغم كونه غير مصرى.
حكم أحمد بن طولون مصر عام 868م نائبا عن الوالى الشرعى التركى “باكباك” فى عهد الخليفة العباسى المعتز بالله، إذ فضل هذا القائد التركى البقاء فى عاصمة الخلافة (بغداد)، وبعد وفاة “باكباك” تولى ولاية مصر القائد التركى يارجوخ أزجور، الذى أبقى أحمد بن طولون فى مصر كنائب عنه فى حكمها.
ومن هنا بدأ أحمد بن طولون يتخذ خطواته الجريئة، وهى أن يستقل بحكم مصر وتكون له ولأبنائه من بعده، فعمل على تدعيم حكمه من الداخل، وذلك عن طريق القضاء على عناصر العداء للحكم الجديد فى البلاد، وتنظيم موارد البلاد المالية، والقضاء على دعاة الفتن والفوضى.
كما اهتم ابن طولون بوظيفة صاحب الشرطة، فوكل إليه أعمالا إضافية مثل النظر فى الأحباس “الأوقاف”، والإشراف على أرزاق الجند وإخضاع السلطات الإدارية المختلفة لإشرافه المباشر، نظرا لتفكيك تلك الأجهزة الإدارية وتفشى الفوضى فى البلاد.
كما أشرف بنفسه على جهاز الأمن وأنشأ جهازا للشرطة السرية مثل بعض العيون التى كان يبعثها خفية لتقصى الأخبار من كل مكان، كما أنشأ نظام سجلات السفر ( وهو جوازات السفر الحالية)، وأصدر أوامره بالقبض على كل من يسافر من مكان لآخر دون سجل يدرج فيه أسم المسافر ومن يرافقه.
ابن طولون يبنى مسجدا بمصر ضد الزلازل والفيضانات!!
هل صادفك فى إحدى جولاتك بمنطقة السيدة زينب أن رأيت ذلك المسجد الصغير الذى يُدعى بمسجد أحمد بن طولون؟، بالتأكيد دار بخاطرك حوار حول صاحب الاسم الذى سمّى المسجد على اسمه، ابن طولون هو مؤسس الدولة الطولونية فى مصر، واحدة من أقدم الدول التى شهدتها مصر، لكن كيف أسسها؟
كان أحمد فى مصر من المماليك الأتراك الذين جلبهم الخليفة العباسى المأمون ثم من تبعه من الخلفاء، وأسس ابن طولون مدينة جديدة فى سنة 256هـ، 870م على جبل يشكر المعروف بقلعة الكبش بين الفسطاط وتلال المقطم، وقد سميت المدينة الجديدة باسم القطائع.
أراد أحمد بن طولون أن يشيد مسجدًا جامعًا بالقطائع لا تأتى عليه النيران أو تهدمه مياه الفيضان، فإن احترقت مصر بَقِى، وإن غرقت بقى، فحقَّق له المهندس رغبته، فبناه جميعه من الآجُرّ الأحمر، ورفعه على دعامات من الآجر أيضًا، ولم يُدخِل فى بنائه أعمدة من الرخام سوى عمود القبلة، وانتهى بناؤه سنة 265هـ، 879م.
وأنشأ ابن طولون بيمارستانا سنة 259هـ، و872م لمعالجة المرضى مجانا دون تمييز بين الطبقات والأديان، وجعل العلاج فيه دون مقابل، وألحق به صيدلية لصرف الأدوية، وزحف ابن طولون ليقمع الفتنة التى شبَّت فى طرسوس، فلما وصل إلى هناك، وكان الوقت شتاءً والثلج كثيرًا، لم يعُقْهُ ذلك عن نصب المجانيق على سور طرسوس لإخماد الثورة، لكنه مرض ولم يستطع الاستمرار فى الحصار؛ فأسرع بالعودة إلى مصر، حيث توفى فى العاشر من ذى القعدة 270هـ، و10 من مايو 883م.