”الدرس انتهى لموا الكراريس.. بالدم اللي على ورقهم سـال.. في قصـر الأمم المتــحدة.. مسـابقة لرسـوم الأطـفال.. إيه رأيك في البقع الحمـرا.. يا ضمير العالم يا عزيزي.. دي لطفـلة مصرية وسمرا.. كانت من أشـطر تلاميذي”..هكذا استهل الشاعر الكبير صلاح جاهين رائعته الشهيرة، مسجلا شهادته عن مجزرة بحر البقر بالشرقية.
44 عاما مرت على مجزرة بحر البقر ومازال الجرح ينزف في قلوب المصريين على الأطفال التي قتلت براءتهم وهم في مقتبل العمر، زهور فتحت في جناين مصر ولكنها قطفت مبكرا.
اغتيال البراءة
في صباح يوم الأربعاء 8 إبريل 1970 سمع تلاميذ مدرسة بحر البقر الابتدائية المشتركة أصوات الطائرات تحلق في سماء مدرستهم، لا يعرفون ما هذه الطائرات ولا مهمتها ولكن كعادة الأطفال يفرحون برؤيتها، إلا أن الصدمة كانت غير متوقعة، حيث أنهت هذه الطائرات حياتهم بدلا عن أن تكون سبب بهجتهم.
نسفت إسرائيل المدرسة مستخدمة طائرات “الفانتوم” الأمريكية الصنع، حيث اختلطت أشلاء التلاميذ مع حطام المدرسة التي كانت تضم ثلاثة فصول وعدد تلاميذها 130 طفلا أعمارهم تتراوح بين ستة أعوام إلى أثني عشر عاما، فيما راح ضحية هذه الجريمة الشنعاء 30 طفلا ومدرسا وأصيب العشرات بإصابات خطيرة ومنهم من أكمل حياته معاقا وذو عاهة مستديمة.
وقاحة إسرائيل
دمر الاحتلال الإسرائيلي المدرسة المكونة من طابق واحد فقط بخمس قنابل وصاروخين بزعم أنها قاعدة عسكرية يستخدمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لتخزين القنابل والصواريخ لاستهداف اسرائيل خلال حرب الاستنزاف التي انتهجها عبد الناصر بعد نكسة 1967 وكبدت القوات الإسرائيلية خسائر جمة في الأرواح والمعدات.
وبمنتهي الوقاحة خرج موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها ليتحدث إلى راديو “إسرائيل” قائلا: “المدرسة التي ضربتها طائرات الفانتوم هدف عسكري”، في وقت بعث فيه يوسف تكواه مندوب إسرائيل في الأمم المتحدة، برسالة للمنظمة الدولية، كتب فيها: “تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الكاكي اللون، وكانوا يتلقون التدريب العسكري”!.
وأكمل راديو إسرائيل نغمة الادعاءات الظالمة في حق أطفال المدرسة، حيث زعم أنهم “كانوا أعضاء في منظمة تخريبية عسكرية”.
كما أكد “أمي حاييم هي” الطيار الإسرائيلي، الذي شارك في تلك الجريمة عندما أسر من قبل القوات المصرية في حرب أكتوبر 1973 أنها جريمة متعمدة، كما جاء بأقواله، وأقر واعترف بأنهم قصفوا المدرسة عن عمد وأنهم كانوا يعرفون أنهم يستهدفون بقنابلهم وصواريخهم مجرد مدرسة ابتدائية.
غضب العاجز
أما الخارجية الأمريكية كان تعليقها على هذه المجزرة البشعة بحق الأبرياء في بحر البقر والتي شاركت فيها؛ بأنها “أنباء مفزعة”، مضيفة أن هذه الحادثة الأليمة تعتبر “عاقبة محزنة يؤسف لها من عواقب” وذلك لعدم الالتزام بقرارات مجلس الأمن الخاصة بوقف إطلاق النار”.
من جانبها، وصفت موسكو الحادث بأنه رد لإسرائيل على هجمات الجيش المصري والضرر الذي لحق بها جراء حرب الاستنزاف، مضيفة “وعندما أرادت اختيار حق الرد فلم تعارك جيشا بل ذهبت للانتقام من أطفال مدرسة “بحر البقر”، وكان “ردا عاجزا”.
رسالة بحر البقر لـ«نيكسون»
أما أطفال قرية بحر البقر الآخرون والذين رأوا بقايا أجساد زملائهم وجيرانهم، فقد أرسلوا رسالة إلى “باتريشيا نيكسون” زوجة الرئيس الأمريكي وقتها “نيكسون”، وسألوها: هل تقبلين أن تقتل طائرات الفانتوم أطفال أمريكا؟!..أنتِ الأم لجولى و تريسيا والجدة لأحفاد.. فهل نستطيع أن نذكر لكِ ما فعله زوجك المستر نيكسون؟!”.