كتاب "وين ماشى بينا سيدي؟" للدكتور سامي جلولي
الذي يتكلم عن احوال قطر بشكل كامل والمؤمرات التي تكيدها قطر للقضاء على الدول العربية والاسلامية
تحميل كتاب "وين ماشى بينا سيدي؟" للدكتور سامي جلولي
تحميل كتاب "وين ماشى بينا سيدي؟" للدكتور سامي جلولي
أين تكمن أهمية «قطر» بالضبط؟ ما الذى جعل صوتها عالياً وحضورها طاغياً ونفوذها يتخطى تاريخها وحدودها الجغرافية؟ لماذا تبدو لكل من يأتى على ذكرها -متفقاً أو مختلفاً- مثل كائن «مفتعل»، أو رأس من دون جسد يستند إليه، ومع ذلك يثير -هذا الكائن أو ذلك الرأس- كل هذه الأسئلة؟ يقول المثل الدارج: «إن كل ذى عاهة جبار»، وعاهة «قطر» أنها بلا أى حيثية سياسية: لا إقليمياً ولا دولياً ولا حتى فى إطار محيطها المحلى.. أى بالقياس إلى جيرانها فى الخليج. لكنها رغم ذلك ابتكرت لنفسها حيثية ونفوذاً جعلا منها -خلال سنوات قليلة- نقطة التقاء مصالح ومكائد وخطط تقسيم و«مؤامرات كونية» ضد دولة عريقة وشاسعة ومؤثرة مثل مصر.. مصر التى تستطيع بسهولة أن تقول إن عمر مقهى «الفيشاوى» فى «حسينها» أقدم وأشد تأثيراً من كل دولة «قطر»!
إلام تستند قطر فى تلك الحيثية وذلك النفوذ؟ إلى «غازها» أولاً، ثم إلى «جزيرتها» ثانياً، لكن الأهم هو تلك الشهوة الجامحة لدى عائلتها الحاكمة لتعويض عقدة نقص كامنة فى البنية السياسية والتاريخية لهذه الدولة. غير أن كل هذه المقومات لم تحقق لـ«قطر» سوى دور «سمسار» مصالح فى معادلة نفوذ جديدة، معادية للتراث السياسى والثقافى، الذى يفترض أنها تنتمى إليه.
ما الذى يمكن أن تتوقعه من «سمسار» سوى أن يكون منحازاً، بل وعدائياً فى انحيازه لما يظن أن فيه إثباتاً لوجوده وتعويضاً لعقدة نقصه.. حتى إذا كان الأمر يتعلق بمصالح ومخططات قوى شريرة أكبر منه بكثير، تسعى إلى تفتيت أو تفكيك أو تدمير محيطه المحلى والإقليمى؟
ما الذى يمكن أن تستثمر فيه دولة مثل قطر «غازها» إن لم يكن شراء الذمم والمواقف، وما الذى يمكن أن تروج له «جزيرتها» إن لم يكن خطابات تحريض وكراهية، ورسائل إعلامية تتنافى وأبسط قواعد المهنية واللياقة؟. لكن السؤال الأهم، الذى يعنينا، هو ما الذى نتوقعه من دولة تافهة سياسياً، قبلت وقبِل حكامها على أنفسهم أن يكتفوا بدور «السمسار» فى هذا المخطط الاستعمارى البغيض.. إن لم يكن «فساد جوف» هذا المخلوق وكثرة فضائح نظامه العشائرى الحاكم؟
«قطر من الداخل»: يبدو هذا موضوعاً مغرياً فى ضوء ممارسات وتحالفات ومواقف قطر المخجلة والعدائية تجاه جيرانها وتجاه محيطها الإقليمى، والسؤال عن «الدوافع» يبدأ بالضرورة من قراءة وتفكيك بنية النظام الحاكم لقطر بكل ما فيه من تقلصات وانقلابات عشائرية، فضلاً عن توزيع الأدوار وتداولها بين عناصر قوة هذا النظام، سواء كانوا أفراداً من العائلة الحاكمة أو مؤسسات إعلامية مثل قناة «الجزيرة»، أو استثمارية عابرة للقارات. من هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الذى وضعه الباحث السياسى التونسى، الدكتور «سامى الجلولى»، واختار له عنواناً استشرافياً بعامية خليجية هو «وين ماشى بينا سيدى».
استهل المؤلف كتابه المهم والمثير للفضول بتمهيد أقرب إلى رثاء لما وصل إليه حال العالم العربى من فوضى وتقتيل وعطالة باطنية وغباء سياسى، وأشار فى تمهيده إلى أننا نؤسس لعصر جديد، وليمته ذبائح بشرية ووقوده نفط، وحطبه أجساد خيرة شباب هذه الأمة.. «نعلم الصغير كيف نقتل، وننتشى بصورة الأشلاء التى تبث على التليفزيون تحت صيحات التكبير. هذا هو الدين الإسلامى فى نسخته الجديدة الذى يبشر به عصر الجماهير الجديد»!. ويختم «الجلولى» تمهيده مندداً بـ«تواطؤ» النظام القطرى مع بعض النافذين وأصحاب القرار السياسى والمالى.. «فى ظرف سنة واحدة سقطت أنظمة وشردت عائلات وسقط الآلاف من الضحايا، والهدف من كل هذا؟.. تحقيق الديمقراطية ونشرها بالوطن العربى».
1 - آل ثانى
تمرّد آل ثانى، ممثلين فى الشيخ قاسم بن محمد آل ثانى، على آل خليفة، مشايخ البحرين، بتواطؤ من الإنجليز، ودخلوا فى صراع مع حاكم البحرين، الشيخ محمد بن خليفة، والذى انتهى فى 12 سبتمبر سنة 1868م بتوقيع الشيخ محمد معاهدة تحت الإكراه مع الكولونيل «لويس بيلى» المقيم البريطانى فى الخليج، تم بمقتضاها الاعتراف بانفصال هذه المشيخة التى أصبحت تسمى «دولة قطر».
لم يهنأ لآل خليفة البال حتى بعد تواطؤ الإنجليز معهم، فهم كعادة العرب تتوجس خيفة من العرب، فعملوا سنة 1871 على ربط علاقات حماية مع العثمانيين فى الأحساء لحمايتهم من اعتداء البحرين.
القرضاوى
بدأت الانقلابات فى مشيخة قطر عندما عين «حمد بن عبد الله آل ثانى» أخاه «على بن عبدالله آل ثانى» خلفاً له، لأنه أصلح من ابنه «خليفة»، لكن شقيقه «على» ترك الحكم لابنه «أحمد» ولم يُعِده لـ«ابن حمد» المسمى «خليفة بن محمد آل ثانى»، فأدى هذا التحول إلى نشوب سلسلة من الانقلابات العائلية، وعوض أن يُرجع «على» الحكم لابن أخيه سلمه لابنه «أحمد»، الذى قام بدوره بتعيين «خليفة» ولياً للعهد لجبر الخواطر، لكن «خليفة» رفض ذلك وقام بانقلاب عسكرى على «أحمد»، وقام بتوطيد حكمه بأن سلم مقاليد الدولة لأبنائه. كانت تلك هى البذرة التى قام عليها نظام الحكم، والتى أدت فيما بعد إلى انقلابات عائلية متكررة، تارة دموية، وتارة أخرى بيضاء كالثلج، لم يكن «خليفة» يعلم بأن الضربة ستأتيه من حيث لا يحتسب، من ابنه البكر «حمد» سنة 1995، الذى بدوره -حمد- نجح من محاولة انقلابية فاشلة قام بها ابنه «جاسم» سنة 2009.
موسم الهجرة إلى الشمال
رواية للأديب السودانى «الطيب صالح»، استعار أهل النفوذ والسلطة فى قطر عنوانها لجعلها الفترة المناسبة للتخطيط لأعمالهم الانقلابية ضد الحاكم بأمره، وإن كان موسم الهجرة إلى الشمال فى رواية «صالح» يقصد به الهجرة للاطلاع على الآخر بما يحمله من مفاهيم وقيم مختلفة، فإنه فى الحالة القطرية يقصد به حزم الأمتعة صيفاً للتوجه نحو أعالى أوروبا هرباً من حر قطر الملتهب، الأغنياء منهم لا يكتوون بهذه الحرارة، فهى جُعلت فقط للعمالة من البنغال والهنود وللفقراء والمنبوذين من الشعب القطرى، أما صفوة القوم فلهم رب يحميهم، رب المال والنفوذ.
غير أن الحاكمين بأمرهم فى قطر يغبطون حتى الذين لا يقدرون على دفع مصاريف موسم الهجرة إلى الشمال، فإن كانت أجسادهم فى الشمال فإن عقولهم وقلوبهم فى الجنوب خشية من الغدر والخيانة، شأنهم كشأن أى حاكم غير عادل يخاف من ظلمه للناس، ومن قطعة للرقاب وللأرزاق، فليس أخطر من أن يضيق العيش على معدم، وتضيق السبل بمنكسر الجناح.
ميزة الانقلابات فى مشيخة قطر، أنه يبدأ التخطيط لها فى فصل الشتاء لتكتمل فصولها فى فصل الصيف، تقريباً لا يمر صيف دون الكشف عن محاولة انقلابية، الكثير منها يقع كتمانه رغم وجود قناة المخابرات «الجزيرة» على بعد أمتار فقط من المواقع المسترابة، مما يجعل من صيف قطر جحيماً فوق جحيم، وكأن الله أراد بالحاكمين بأمرهم فى المشيخة العذابَ فى الدنيا قبل الآخرة، لا يهنأ لهم بال، لا فى الشتاء ولا فى الصيف.
تبدو مشيخة قطر بحجمها الصغير كقرية وديعة، وهى ككل دول الخليج العربى حارة جداً صيفاً، بما لا يسمح لأهلها بالبقاء فيها خلال أشهر القيظ، فتبدو شبه خالية إلا من العمالة الآسيوية الرخيصة والمغلوبة على أمرها، مما يساعد على أى تحرك عسكرى، لا يتحرك العسكر إلا عندما يخرج الأمير فى رحلته الصيفية، فهو وإن خرج يحمل معه ما ثقل من المتاع ومن الحجّاب والخدم، وكل الذين لا ينالون ثقته.
2 - المرأة التى هزت عرش قطر
موزة بنت ناصر المسند، والدها واحد من أعيان قطر، كان معارضاً لحكم آل خليفة، تكبد والدها ناصر المسند، بسبب دفاعه عن حقوق أهل قطر، التضييق والسجن، واضطر إلى اختيار المنفى الاضطرارى عام 1964 متوجهاً إلى الكويت يصحبه آلاف القطريين من أتباعه ومحبيه، تعبيراً عن مكانة الرجل ومستوى التضامن مع ما يمثله من معارضة ومطالبة.
كانت دعوته لكبار أهل قطر، ومنهم والده وآخرون، أن يقوموا بواجبهم، وأن يفاتحوا حاكم قطر ويصارحوه، مطالبين بحقوق أهل قطر والمساواة بينهم فى الحقوق والواجبات عامة، وفى الانتفاع من عائدات النفط تحديداً، كما يطالبون الحاكم بتطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية والمساواة أمام العدالة وفى القانون، ووقف حظر الهجرة وضبط عملية التجنيس، أسوة بما حققته دولة الكويت، وما تقدمه لمواطنيها فى ذلك الوقت من رعاية وحماية وخدمات اجتماعية ومساواة أمام القانون والمحاكم.
قامت باعتقاله القوات القطرية سنة 1963 وبقى فى السجن إلى حدود سنة 1964، بعد أن توفى رفيقه «حمد العطية» فى السجن، أُطلق سراحه، واختار المنفى، فهاجر نحو الكويت، مما اضطر قبيلة «المهاندة» وأهل «الخور» و«الذخيرة» كلهم إلى أن يهاجروا مع ناصر المسند إلى الكويت عام 1964 بعد التضييقات الكبيرة التى يتعرض لها.
ظل «ناصر» يناضل من الكويت، ويحث أتباعه على عدم التراجع عن مطالبهم، مما أقلق راحة النظام القطرى، بما يمثله «ناصر» من وزن فى الشأن القطرى العام. أمام عدم انكسار شوكته، ولإيجاد مصالحة شاملة وراديكالية، خاصة أن شوكة «ناصر» بدأت تقوى، فهو حر طليق بالكويت رغم ما قد يمثله من إحراج للسلطات الكويتية التى من مصلحتها حصول اتفاق بين «ناصر» و«خليفة» حتى لا تبقى فى إحراج بين نفوذ «ناصر» المعارض ونظام «خليفة» الرسمى، بدأ البحث عن طريق يحفظ ماء وجه الجميع، ولا شك فإن الطريق المثلى لمثل هذه العداوات هو طريق المصالحة عن طريق المصاهرة.
لـ«ناصر المسند» فتاة يانعة، جميلة ورقيقة يمكن أن يزوجها حاكم قطر «خليفة» لابنه «حمد»، ستصبح هذه الفتاة مع مرور الوقت المرأة الحاكمة بأمرها فى قطر، والأكثر نفوذاً وتأثيراً فى العالم العربى، امرأة توفرت لها جل الإمكانيات المادية والمعرفية، شديدة الذكاء، عنيدة، محبة للتحدى وطموحة، كل هذه العوامل ستفتح لها طرقاً جديدة.
سترسم سياسة جديدة براجماتية، قائمة أحياناً على النفعية المباشرة وأحياناً أخرى على الانتهازية المقيتة. امرأة لا ترحم أعداءها، تعرف كيف تفتك بهم، تقتنص الفرص فتحولها لبرامج ومشاريع خطيرة.. لإيقاف هذا الإبعاد ولإجراء مصالحة بين ناصر المسند وحاكم قطر، وقع تزويج «موزة» ابنة ناصر المسند بـ«حمد بن خليفة».
فى الأصل، الشيخة موزة كانت ضحية لصفقة مالية وسياسية بين أبيها ناصر المسند والحاكم السابق «خليفة»، فقد كان ناصر المسند من أهم المعارضين للحكم، وتزويج ابنته من ابن الحاكم تم عبر صفقة سياسية تخلى بموجبها المعارض عن معارضته فى مقابل نفوذ من نوع خاص.
لم يكن تزويج «حمد» بـ«موزة المسند» إلا ليشكل انقلاباً فى حياة خاصة، وفى تاريخ المشيخة عامة، كانت صفقة الزواج بين «آل خليفة» و«آل المسند» صفقة سياسية بالدرجة الأولى تهدف إلى وضع حد لطموحات «آل المسند» السياسية وتخفيف الضغوطات من والدها المعارض على نظام حكم خليفة آل ثانى، ولم يكن الشيخ خليفة يتخيل أن ابنة خصمه ناصر المسند يمكن أن تدق المسمار الأخير فى نعشه وتجرده من حكمه فى وضح النهار وتحكم على بقائه منفياً بالخارج.
لم تكن «موزة» أكثر من معادلة لتقريب وجهات النظر والقطع مع المعارضة فى بلد صغير جداً، عدد سكانه يحسب بالآلاف، كانت المعادلة لا تمنحها أكثر من مجرد زوجة ثانية للشيخ الصغير «حمد بن خليفة» الذى ارتبط ببنات عمومته -«حمد» متزوج من ثلاث نساء- وبدل أن تكون «موزة» مجرد رقم فى زوجات «حمد» ومثلما كان الهدف الأساسى من زواجها متمثلاً فى الإنجاب والإكثار من النسل، اختارت «موزة» أن يكون لها رأى آخر غير الذى وقع رسمه.
تتميز «موزة» بذكاء حاد، امرأة عصرية وتسلطية تسعى للحكم ولفرض الرأى. متعطشة للسلطة وللسلطان. لكن مساعى «موزة» وزوجها سوف تصطدم بحقائق التاريخ، خاصة أن المشيخة بتكوينها الحالى كانت خطأ جسيماً تواطؤ فيه النظام البريطانى الذى عمل على تجزئة المنطقة، إضافة إلى أن تاريخ قطر الحديث لم يعرف استقراراً سياسياً حيث مثل التكالب والصراع على الحكم أهم ميزة.
لم تعرف قطر استقراراً بين أبناء نفس العائلة الحاكمة وهذا ما جعل البلاد تغرق فى وحل الدسائس والمؤامرات، تداخلت فيها فضائح أخلاقية ومالية وجنسية وصراعات على النفوذ بين أفراد العائلة الواحدة، وغدر بالمحارم توّجها الحاكم الحالى الشيخ حمد الذى طرد والده العجوز من الحكم واتهمه بالسرقة والاختلاس وتركه يعتاش على الهبات فى السعودية وغيرها من دول الخليج.
لم يكن الشيخ خليفة نفسه يتوقع أن تتطور المصالحة إلى درجة تصبح فيها الصفقة «موزة» هى الحاكم الفعلى فى قطر والعقل المدبر لعملية انقلاب أبيض أطاح بالشيخ الأب «خليفة» بل وأطاح فيما بعد بأولاد زوجها «حمد» من زوجته الأولى مريم بنت محمد آل ثانى.
لم تقتنع الشيخة موزة بأن تكون مجرد زوجة ولى العهد أو أن تعيش على الهامش وسط ثلاث نساء لا يقتسمن معها حلم السيدة الأولى فقط، وإنما يسبقنها فى شرعية السلطة لأبنائهن، وضع موزة كزوجة ثانية بين ثلاث زوجات ليس أبنائها حظ فى الخلافة، كما أنه ليس لها حظ فى أن تكون امرأة التغيير، ما ميز الشيخة موزة أنها كانت الأقرب إلى قلب زوجها وأكثرهن فطنة وحيلة من بين زوجاته، حيث نجحت فى تأليب «حمد» الطامح بخلافة والده وعملت على إيقاظ نار السلطة والنفوذ فيه، وأن يسبق أبناء عمومته الذين بدأت شوكتهم فى التعاظم، حيث تجلى ذلك جيداً فى مجاهرتهم فى المطالبة بالحكم، فحركت فيه غرائز السلطة فهمّ بالإسراع للاستيلاء على الحكم من أبيه، خاصة أنه تناء إلى علمه بأن والده يحضر لدعوة أخيه من الخارج لتسليمه مقاليد السلطة.
لقد اجتمعت العديد من المتناقضات لتصب كلها فى مصلحة الشيخة موزة، سيتحقق هدف زواجها الذى كان من الأساس الاستيلاء على الحكم والثأر لوالدها.
ألم نحرق القائدة البربرية الكاهنة تونس حتى لا ينعم بخيراتها الفاتحون الجدد؟ ألم تحرق عليسة حاكمة قرطاج نفسَها وأبناءها عندما خسرت المجد والسلطان؟
استطاع والد «موزة» الثأر من والد «حمد» عن طريق ابنته، عن طريقها استطاع الحصول على نفوذ لم يكن يحلم به من قبل، فلم ينسَ ناصر المسند التنكيل وأساليب الاضطهاد التى مورست عليه وعلى ذويه وأتباعه فى عهد والد «حمد» وجعلهم يعيشون فى الشتات.
استطاع ناصر المسند الانتقام من الشيخ خليفة وجعله يعيش بدوره فى الشتات، لقد كانت ضربة مدوية لعبت فيها الشيخة موزة وزوجها «حمد» دوراً حاسماً، فليس أكثر جرحاً وإيلاماً من عقوق الوالدين، كعادة جل المخططين البارعين يديرون كل شىء من وراء الستائر، تمسك الشيخة موزة فقط بخيوط الماريونات توجهها أينما تشاء ووقت ما تشاء، فكان لها ما أرادت، استراحت من «خليفة» ونصبت زوجها «حمد»، أوغرت صدره ضد نسائه الأخريات وضد ولى عهده «مشعل» من زوجته مريم بنت محمد آل ثانى، فكان لها ما أرادت فعُزل ولى العهد ووضح تحت الإقامة الجبرية رفقة أخيه «فهد».
حمد بن جاسم أول من بارك الانقلاب وكان متواطئاً فيه، وهو من يحكم فعلياً فى قطر رفقة الشيخة «موزة»، الشىء الذى يجعل ابن أخته الأمير «حمد» كثير الشك به، غير ذى ثقة، فكيف يمكن الارتياح لشخص باع زوج أخته لصالح ابنها، ميزة الانقلابيين والمتواطئين أنهم يجتمعون حول الشك والريبة وعدم اطمئنان كل للآخر، لا يمكن لـ«حمد» السفر خارج قطر إلا وخاله «حمد» فى صحبته، ينتظر منه أن يغدر به، ولذلك فهو يصحبه فى كل رحلاته خارج قطر، خاصة الصيفية منها، وذلك خوفاً من أن يقود انقلاباً ضده أحمد بن جاسم، رجل متحدث لبق له العديد من العلاقات خارج قطر مع مؤسسات وحكومات وأشخاص نافذين فى عالم المال والسياسة والسلطة، وهذا ما يثير الحنق لدى «حمد».
يكتوى الأمير حمد بن خليفة بنارين: فمن جهة لا يمكنه الاستغناء على إمكانيات خاله فهو المحنك والسياسى والدبلوماسى الخطير والمهندس الفعلى للسياسة الخارجية القطرية، ومن جهة أخرى يحتاط من إمكانياته الكبيرة وطموحه العنيف الذى قد يقوده إلى الانقلاب على «حمد» وافتكاك الحكم منه.
بعد نجاح «موزة» فى تثبيت زوجها «حمد» فى الحكم، ستمر للمرحلة الموالية وهى تنصيب ابنها «جاسم» ولياً للعهد، وذلك بإيغال صدر «حمد» على ابنه «مشعل» من الزوجة الأولى، لقد كان لموقع الشيخة موزة فى القصر أن مكنها من الاطلاع بالاهتمام الكبير الذى يوليه الجد «خليفة» بحفيده مشعل، وهو ابن من الزوجة الأولى لـ«حمد» على اعتباره الحاكم القادم، خصوصاً أن زوجها «حمد» مصاب بقصور كلوى مما يقلل من فرص التوريث الذى تسعى إليه الشيخة موزة، فكان لزاماً عليها المسارعة بالتخطيط والتنفيذ قبل حصول أى مكروه لزوجها فتضيع بذلك الفرصة من يدها إلى الأبد، ولن يصير لها أن تصبح كاهنة أو حاكمة.
لكى يبعدوا «مشعل» عن ولاية العهد، وقع الاهتداء إلى نعته بالمختل حتى يثبتوا عدم أهليته للحكم، كان لزاماً على «حمد» أن يحسم الأمر فى تنصيب ابنه «جاسم»، لم يمنع إقصاء ولى العهد «مشعل» من إمكانية الحكم وتنصيب ابنها «جاسم» مكانه من أن يحد من تثبيت مركزها داخل البلاط الأميرى، فعملت «موزة» على تقوية علاقاتها فى أوساط الأسرة الحاكمة حتى تضمن المشيخة لابنها، خاصة أن زوجها يعانى من قصور كلوى، بالإضافة إلى أن للشيخ الصغير أكثر من متربص يتحين الفرصة للانقضاض عليه، فأخواه «مشعل» و«فهد» من زوجة «حمد» الأولى يطلبان المشيخة لأنفسهما وعمه القوى الشيخ عبدالله يرى نفسه أحق بولاية العهد، وحمد بن جاسم لا يخفى حلمه بحكم قطر، فالعصر عصر الثورات وهو المسيطر على اقتصادها، لذا فتحت الشيخة موزة نافذة على واشنطن لتبارك هذا الاختيار وتزكيه وتدعم ابنها الصغير فى أول زيارة قام بها إلى أمريكا بعد أن تولى ولاية العهد، قيل يومها إن الشيخة تحاول أن تقدم نفسها كشيخة خليجية متحررة تخرج دون محرم ولا تضع العباءة والنقاب وهى مثال للمرأة التى يمكن أن تكون صديقاً وفياً للأمريكان والفرنسيين.
سريعاً ما جاء الرد الأمريكى جريئاً ومشجعاً أمام حزمة من الامتيازات التى لم يقدر الأمريكان على رفضها، قدمت وزوجها قاعدة عسكرية دائمة ومطاراً وخدمات لوجيستية فى الخليج لم يكن الأمريكان ليحلموا بها.
عمل النظام الأمريكى على إيلاء زيارة ابن موزة مكانة مرموقة وقوبلت فى واشنطن باهتمام خاص من قِبل أجهزة الإعلام لرغبة هذه الأجهزة فى معرفة خبايا الشيخ الصغير والدور الذى لعبه فى عملية تنحية جده الشيخ خليفة وتنحية أخويه الأكبر منه سناً من منصب ولاية العهد بل وإشرافه شخصياً على وضعهما قيد الإقامة الجبرية فى الدوحة بعد اتهامهما بالتورط فى محاولة الانقلاب التى استهدفت إرجاع جدهما الشيخ «خليفة» إلى الحكم.
3 - من هو حمد بن خليفة آل ثانى؟
الشيخ حمد أكبر أولاد «خليفة»، كان أقلهم اهتماماً بدراسته وتعليمه، أكمل دراسته الثانوية بصعوبة بالغة وبتدخل أميرى حيث كان ضعيفاً جداً فى الرياضيات وفى الفلسفة وفى الجغرافيا وفى التاريخ، كان عوض أن يمشى للمدرسة ليتعلم ما قد يفيده فى حكمه فإنه يقضيه فى الجلوس عند بيت أصدقائه من التلامذة يجتمعون على نظم الشعر البدوى وأكل «الثريد» و«المضروبة» كما كان محباً للحلويات كـ«الخنفروش». «الثريد» أكلة شعبية قطرية تتكون من الخبز المغموس فى مرق اللحم، «والمضروبة» وهى كذلك أكلة شعبية قوامها الطحين والسمك المملح.
أرسل الشيخ حمد إلى كلية ساندهيرست العسكرية ببريطانيا، لم ينهِ دراسته فى الكلية المذكورة ففصل منها بعد 9 أشهر إلا أنه عاد إلى قطر برتبة جنرال فأصبح قائداً للجيش ثم ولياً للعهد سنة 1971.
الثلاثاء 27 يونيو 1995، الطقس حار والسماء مغبرة.
العواصف الرملية كثيراً ما تلوث صيف قطر. ثمة شىء ما ينذر بحدوث الأسوأ. تطيّر الشيخ خليفة من هذا اليوم. فقد عرف عنه عدم التشاؤم، محب للمرح والمزحة الخفيفة. كان الشيخ خليفة قد غادر قطر إلى سويسرا فى رحلة استجمام كعادة شيوخ ومترفى دول الخليج خلال فصل الصيف. يهربون من الحر والقيظ لطقس أوروبا المنعش.
أُجرى للأمير حفل وداع فى مطار الدوحة. ينحنى «حمد» مثلما تقتضيه المراسم الأميرية ليقبّل يد والده أمام عدسات التليفزيون. قُبلة كانت طابعاً وختماً وقّع به «حمد» صكاً قلب تاريخ الإمارة وسيقلب مستقبل أنظمة عربية. وقتها كان «حمد» قد انتهى من وضع خطته للإطاحة بأبيه واستلام الحكم.
صبيحة ذلك اليوم المشؤوم، بعد أن اطمأن الجميع من مغادرة طائرة الشيخ خليفة الأجواء القطرية وحلقت بعيداً، قطع تليفزيون قطر إرساله لإعلان البيان رقم واحد. وعرض التليفزيون صوراً لوجهاء المشيخة وهم يقدمون البيعة للشيخ «حمد» خلفاً لأبيه. وفق بعض الشيوخ الذين حضروا ذكروا فى مجالسهم الخاصة أنه وقع التغرير بهم وإيهامهم بأن «حمد» دعاهم للتسليم عليه لا ليباركوا انقلابه الأبيض. بلع الشيوخ الطعم. فـ«حمد» قد خدعهم عن بكرة أبيهم رفقة معاونيه الذين قاموا بتركيب جميع الصور دون صوت. الشىء الذى دفع مجلة «روزاليوسف» المصرية إلى وصف الانقلاب بأنه «انقلاب تليفزيونى».
تمخض الانقلاب عن اعتقال 36 شخصاً من المقربين للشيخ الأب «خليفة» وتم الزج بهم فى سجن دائرة «بوهامور»، كانت تلك هى بداية الانهيار الجديد فى الأسرة الحاكمة.
سنعرف لاحقاً سنة 2011 كيف سيقوم «حمد» بتصدير فكرة الانقلابات التليفزيونية إلى الخارج، فعن طريق الصور المركبة التى بثتها وتبثها قناة «الجزيرة» استطاع حمد إيهام العالم بوجود مجازر بليبيا وبسقوط مدن ومراكز قرار وفعلاً نجح فى ذلك، لا شك أن حمد متأثر جداً بالأفلام الهوليوودية فمثل تلك الأشياء تتطلب سيناريوهات كبيرة ودقيقة لا تحتمل الأخطاء، ولـ«حمد» السبق فى تجربة الانقلابات التليفزيونية منذ 1995.
لكى يقنع الرأى العام المحلى والإقليمى بشرعية انقلابه على أبيه، اتهم «حمد» والده بأنه سلك سياسة تقرب وانحياز لإيران التى تعادى دول الخليج العربى، وأن والده كان بصدد شراء المياه من إيران لتزويد قطر بها، كما أن والده يقود إصلاحاً بطيئاً جداً لا يجارى الإمكانات المادية والثروات الطبيعية التى تتحكم عليها الدولة.
وفق كثير من الروايات ساندت إسرائيل حمد بن خليفة فى انقلابه على والده. كان حمد بن جاسم بن جبر هو صلة الوصل بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة ولى العهد حمد بن خليفة من جهة أخرى. فالأخبار الواردة عن اكتشاف حقول غاز هائلة لا يمكن أن تبقى فى يد نظام بدأ فى نسج تحالفات مع إيران الشىء الذى سيزيد من تقوية شوكتها.
لقد رفضت أغلب دول الخليج ما أتاه «حمد» فى حق أبيه من جور واستيلائه على الحكم دون وجه شرعى. حرّك الشيخ زايد رئيس الإمارات جيشاً من قبائل العيديد وذلك لدك قطر برّاً وجوّاً لاسترداد شرعية الأب خليفة المغدور به من جهة، وكى لا يتحول ما أتاه حمد إلى عرف فى منطقة الخليج حتى لا يتشجع آخرون على القيام بانقلابات ضد حكامهم.
الطبخة جاهزة وتنتظر الأوامر. لم تتحرك الجيوش فى حين لزمت الطائرات مكانها. جاءت ساعة الحسم. تدخلت أمريكا لتقول للشيخ زايد بأن هذا شأن أمريكى بالبلاد وعليه ليس العدول عن قراره فحسب وإنما تسليم كل القادة القطريين الفارّين بأبوظبى فكان لهم ما أرادوا.
لضمان حكمه وتثبيته اقتسم «حمد» الكعكة مع جل الذين شاركوه الانقلاب. فمنح رئاسة الوزراء لعبدالله ونصّب خاله وزيراً للخارجية وهو الأمر الذى دفع مجلة «روزاليوسف» إلى القول: «لقد وصل الملك لير إلى الدوحة» والملك «لير» هو بطل إحدى مسرحيات «شكسبير» وتقوم المسرحية المذكورة على الخيانات والغدر فى أوساط العائلة الواحدة.
وإذا كان الانقلاب التليفزيونى فى قطر قد نجح فى إيصال الشيخ حمد إلى حكم المشيخة إلا أن رفض الأب خليفة القبول بالأمر الواقع ودعمه لعملية الانقلاب الفاشلة كشف النقاب عن الكثير من أسرار الحكم فى مشيخة قطر وعن علاقاتها الدولية والإقليمية. لم يكن هذا الرفض من والده المغدور به بل من والدته زوجة الشيخ المعزول خليفة التى أصدرت بياناً داخلياً فى أوساط العائلة ووزعته من مقر إقامتها آنذاك فى أبوظبى أعلنت فيه براءتها من أخيها حمد بن جاسم ومن ولديها عبدالله ومحمد اللذين انضما إلى أخيهما حمد فى الانقلاب على أبيه بعد أن وزّع الكعكة على الجميع.
حارب «حمد» والده وخصومه ببيان وثائق تثبت أن عائدات النفط تذهب بالكامل إلى حساب شخصى باسم والده الأمير -حوالى عشرة مليارات دولار- وأن أقل من عشرين بالمائة من هذا الدخل يصرف على سكان المشيخة والأجهزة الخدماتية فيها.. وتبين أيضاً أن للأمير حصة معلومة فى جميع الشركات والمؤسسات العاملة فى المشيخة، وأن جميع رشاوى وعمولات صفقات العلاج والسلاح وخلافه تذهب إلى الأمير وأولاده.
هذه الأسرار خرجت إلى العلن بعد أن قام الابن بالطلب رسمياً من البنوك السويسرية بالحجر على أموال أبيه على اعتبار أنها تعود للمشيخة وتم حل المشكلة وراء الأبواب المغلقة وبوساطات عربية بعد تعهد الأب بالامتناع عن القيام بأية تحركات مريبة أو الاتصال بمؤيديه فى الداخل وموافقته على تسليم كبار معاونيه ممن كانوا آنذاك يقيمون فى هيلتون أبوظبى إلى المخابرات القطرية وخروج الأمير المخلوع من أبوظبى.
فبراير 1996، هذه المرة لم يكن تاريخ الانقلاب مطابقاً لموسم الانقلابات الناجحة. لهذا فشل. أعلن عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم الجديد يتزعمها ابن عم الشيخ خليفة رفقة أكثر من 110 متهمين أغلبهم من قبيلة «مرى» التى تعاطفت مع الأمير المخلوع «خليفة» كما تورط فى هذه المحاولة مصريان وسعوديان وبحرينى وثلاثة فلسطينيين وتنزانى وسريلانكى. ويبدو أن أولاد الشيخ حمد قد شاركوا بشكل أو بآخر فيها انتصاراً لجدهم، لذا تم طرد الشيخ فهد بن حمد من سلاح الدروع واتهامه بأنه «إسلامى متطرف» وتم وضع الشيخ مشعل بن حمد قيد الإقامة الجبرية. وقيل يومها إن الشيخين عزلا بضغط وتخطيط من الشيخة موزة حتى تمهد لولديها «جاسم» و«تميم» الطريق نحو البلاط الأميرى. وهذا ما كان، حيث أعلن فى أكتوبر عام 1996 عن تعيين جاسم بن حمد ولياً للعهد وهو الابن البكر للشيخة موزة وهو -مثل أبيه- تخرج فى كلية ساندهيرست فى بريطانيا دون أن يكمل تعليمه الثانوى العادى.
سنة 1997 تصالح «حمد» مع والده الذى اختار العيش بفرنسا بعد أن غنم هو الآخر من مال المشيخة ما يجعله «غنياً فوق العادى» شرط عدم التدخل فى الشئون الداخلية القطرية أو ممارسة أى عمل سياسى له علاقة بالشأن القطرى.
عاش «الأمير الوالد المخلوع» متنقلاً بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا قبل أن يعود إلى الدوحة سنة 2005 للمشاركة فى تشييع جنازة إحدى زوجاته التى توفيت فى الدوحة، ومنذ ذلك الحين نال اللقب الرمزى «الأمير الوالد» لكنه غاب تماماً عن الأضواء دون أى أخبار عنه رغم وجوده فى الدوحة، فى ظل تسريبات تقول إنه قيد الإقامة الجبرية، ومعلومات أخرى تقول إنه فى أحد المراكز الطبية فى الدوحة ويعانى من أمراض شيخوخة متفاقمة.
4 - «جاسم» فى حضرة شيخه
كان الطفل «جاسم» على غير عادة الأطفال الأشقياء الذين يمزقون الكراريس ويلوثون ثيابهم بالحبر وطباشير الألواح. لعل الورع المزيف لشيخه قد بعث فيه السكينة لحين وسيكون دماراً عليه فى ما بعد بحكم تربية غير متوازنة ستقضى على ولايته للعرش.
كان الطفل «جاسم» مستمراً أمام شيخه فى استماع لدروس دينية غاية فى التشدد وعوض أن يتلقن الطفل تربية دينية رفقة أترابه بالمدارس العامة حتى يحدث له توازن بيئى وعقلى ونفسى فإنه وقع تخصيص جناح بالقصر الأميرى لشيخ متزلف ومرتزق كان هدفه الأساسى شحنه قدر الإمكان بأفكار موغلة فى المناهج المذهبية التى تجد لها مكاناً خصباً فى بعض دول الخليج. وكان من الحظ العاثر للطفل جاسم أن درس الدين على يد واحد من أكبر المتاجرين بالدين والموغلين فى التطرف الفكرى، وثبت بالحجة أثناء قيام الثورات العربية الأخيرة أنه يحرض الناس على القيام ضد أولى الأمر وزرع الفتن والتقاتل فيما بينهم، وكأن فى قطر لا يوجد هناك أولو أمر ولا شباب ليثور.
القرضاوى «معلماً»
لم يكن معلم الطفل «جاسم» إلا الشيخ الذى لا يشق له غبار فى الفتاوى الجائرة، حرق الأمصار وخلاء الديار، درس الشاب الصغير جاسم الدين على يد رئيس المجلس العالمى للإخوان المسلمين يوسف القرضاوى الذى خصص له الشيخ حمد بن خليفة جناحاً خاصاً فى القصر الأميرى لتدريس أبنائه العلوم الدينية، ومَنحَه الجنسية القطرية وأعطاه جواز سفر خاصاً وخصص له راتب وزير وأوصى بمعاملته فى كل الدوائر الحكومية كأحد أفراد الأسرة الحاكمة.
اتجه «جاسم» نحو التشدد أكثر من إخوته، لكنه لم يعد يكتفى بمفاهيم «القرضاوى» المتبدلة. فلم يعد له ميل لمفتى البلاط الذى يفسر ويبدل الدين حسب أهواء السلطان. أحس الفتى «جاسم» بأن تكليف «القرضاوى» بتدريسه لم يكن الهدف منه إلا جعله داخل الملعب لا خارجه. فـ«القرضاوى» مفتى البلاط مهمته خدمة العائلة لتأمين الحكم والحفاظ على الطاعة والولاء.
تأثر «جاسم» بخطابات سلفيين وتفسيرات متشددين فى الدوحة غير راضين بحكم والده وغير قانعين بتصرفات والدته الذين يرون فى تصرفاتها خروجاً عن نواميس وعادات البيئة الخليجية.
تزامن تقارب «جاسم» والخطاب السلفى مع تصاعد المناخ المتطرف الذى وجد فى أفغانستان أرضاً خصبة لإقامة أول إمارة إسلاموية فى التاريخ الحديث، ومعسكراً لتدريب الشباب المغرر به أو المتحمس لقتال أهله ومجتمعه وبلده. مثلما حصل ويحصل فى بلاد عربية وإسلامية عديدة.
بدا تأثر «جاسم» بهذه الثقافة الجديدة بإحاطة نفسه بفقهاء ومدرسين من مشايخ السلفية من دعوية وجهادية كوّنوا حلقة تثقيفية فاتخذ اتجاهاً فكرياً سلفياً متشدداً بدأت تظهر آثاره على سلوكه وحياته اليومية، وعلاقته بأسرته، خاصة والده حمد بن خليفة ووالدته موزة المسند. لم تكن هذه الدروس فى واقع الأمر إلا تحريضية. فلقد أراد المشايخ إعادة فتح قطر من جديد. فهم يرون فى حال قطر تفسخاً أخلاقياً كبيراً ووجدوا فى الابن «جاسم» الوسيلة المثلى للتغيير.
بدأ «جاسم» يجهر بآرائه السياسية الرافضة لسياسة والده القريبة لإسرائيل وأمريكا. وسياسة «الجزيرة» المشبوهة فى التهليل والتطبيل لحزب الله ولإيران وما يفعلانه فى لبنان والعراق. حدث أن طلب «حمد» من ابنه «جاسم» مرافقته لزيارة لبنان بعد عدوان إسرائيل عليه سنة 2006. فرفض «جاسم» الذهاب إلى هناك سائلاً والده كيف يمكنه الوصول إلى لبنان والحال أن الأجواء مراقبة من طرف سلاح الجو الإسرائيلى، قائلاً له: «إلا إذا حصلت على إذن فى ذلك».
أحس المجلس العائلى بالخطر المحدق سيما مع تواتر التقارير عن انحرافات «جاسم» الخطيرة التى لا تنبئ بحسن العواقب. لم يكن أمام «موزة» و«حمد» إلا التصرف قبل أن تقع الفأس فى الرأس ويستولى الطفل على الحكم وما قد ينجر عنه من انحرافات قد تكون مدمرة لقطر نفسها. ففكره متشدد والعصبية الانقلابية مكوّن من مكونات الحكم القطرى. بسرعة كبيرة وقع تجريد «جاسم» من ولاية العهد وتعيين أخيه «تميم» ولياً للعهد.
انقلاب عسكرى أم عائلى؟
بدأ التذمّر فعليّاً من سياسة الابن جاسم وأصبح يمثل عبئاً على البلاط الأميرى وكان لا بد من إبعاده تماماً عن دوائر النفوذ وإراحة رأس البعض من المنتفعين بأوضاع القصر لتعزيز مواقعهم أو للحصول على تكريمات وترقيات أو كذلك لفرض توازنات داخلية جديدة بين قيادات أسرة آل ثانى والتخلص السلمى من «جاسم» وظهرت الفكرة بتسريب إشاعة مفادها أن «جاسم» يستعد للانقلاب على أبيه.
وصلت إلى مسامع القصر الأميرى وأجهزة الأمن فى الدوحة تحركات متطورة فى سلوك وأعمال الشيخ جاسم بين تحريض سياسى وتحرك شبه عسكرى وحيازة أسلحة لمجموعات محسوبة على الشيخ جاسم أو محيطه.
تصاعدت الأخبار التى وصلت إلى حمد بن خليفة حتى قيل إن الشيخ جاسم ينوى القيام بعمل ما ضده وإنه على أهبة الاستعداد. استنفر «حمد» جميع الأجهزة الأمنية والمخابراتية لتطويق الدوحة. فانتشر الجيش والشرطة فى مداخل ومخارج الدوحة وفى جميع المرافق الاستراتيجية للدولة حول القصر الأميرى ووزارات السيادة ومبنى الإذاعة والتليفزيون.
الغريب فى الأمر أن إزاحة «جاسم» من ولاية العهد لم تكن وفق مرسوم أميرى يعلن فيه اكتشاف عملية الانقلاب، فقطر مهووسة بكلمة انقلاب ثم إن السلطة القطرية أرادت إفضاء صيغة الأمر العادى حتى يظهر للرأى العام بأنه شأن روتينى وحتى يسهل هضمه فهذا على الأقل ما ذكرته قناة «الجزيرة» قبل حدوث قرار العزل بأنّ «هناك اتجاهاً لإجراء تغيير فى ولاية العهد القطرى..».
بعد ساعات صدر مرسوم أميرى جاء فيه أن الشيخ «جاسم» تنازل عن ولاية العهد لأخيه الشيخ «تميم».
طبعاً لم يذكر المرسوم أن الشيخ جاسم لم يتنازل عن ولاية العهد لأكبر إخوته الشيخ مشعل، لأن الشيخ مشعل موضوع قيد الإقامة الجبرية فى الدوحة هو وأمه، ابنة الشيخ محمد بن أحمد آل ثانى.. ولم يتنازل الشيخ جاسم لأخيه «فهد» الذى يكبره سناً لأن هذا -بدوره- يعيش فى منزل محاصر بعناصر المخابرات بعد طرده من سلاح الدروع واتهامه بالجنون لأنه رفض جريمة الانقلاب على جده «خليفة».
لم يدم الاستنفار العسكرى طويلاً فى شوارع الدوحة. وتم حصار الزوبعة التى يذهب البعض إلى أن جهاز المخابرات القطرى هو الذى ابتدعها وذلك خدمة لبعض الأجنحة على حساب أخرى، وذلك لإبعاد «جاسم» عن السلطة حيث يرون فى اتجاهاته الجديدة خوفاً كبيراً على مصالحهم ودائرة نفوذهم. تمت السيطرة على الأمر بسرعة وتم اعتقال عدد من المسلحين، وعزل «جاسم» بعيداً عن أنصاره.
انتهى تحرك الشيخ جاسم بن حمد مؤقتاً، وربما تحسب والده لأى انقلاب يقوم به أى من أبنائه أو إخوته كما حصل سابقاً مع والده ومعه شخصياً. وضع «جاسم» تحت الإقامة الجبرية وبدأ الإعلام يشتغل على صورة أخيه تميم الذى حل محله كولىّ للعهد.. صبر الأم موزة لم يدُم. فرقّت لحال ابنها الذى أصبح تحت الإقامة الجبرية وسعت للتوسط بينه وبين والده حمد وبحثت عن طريق لحفظ ماء وجه الجميع فوقعت مطالبة الابن جاسم بترتيل خطاب فى غاية السذاجة والسفاهة على قناة «الجزيرة» مبيناً أنه تنازل عن الحكم لصالح أخيه وهو فى كامل قواه العقلية والأدبية مقابل فك عزلته والسماح له بالسفر.
هذه هى ديمقراطية الحكم القطرى، يتنازل الكبير للصغير عن الحكم طواعية غير راغب فيه، زاهداً فى المسئولية فهى ولا شك أمانة ويوم القيامة خزى وندامة.
تبقى قطر بركاناً يخمد لفترة ثم سرعان ما يثور من جديد.. لا يُعرف له وقت، وإن كان المتابعون للشأن القطرى بإمكانهم الاستدلال على إمكانية حدوثه مع فارق فى عدم إمكانية تحديد وقت لذلك. ميزة قطر أنها ما إن يخمد بركان حتى يشتعل آخر. فى قطر السلطة لا تمنح وفق أطر دستورية وشرعية بل تنتزع. محنة الحكم فى قطر أن كل انقلاب يخفى وراءه آخر. الأعداء كثيرون وطرق الاستيلاء على الحكم كانت كلها مشبوهة، فمن الغدر إلى القتل، إلى خيانة الأمانة.
النار تحت الرماد فى مشيخة قطر.. وأى شىء يحصل لن يبدو خروجاً عن المألوف، لكن من شأنه أن يصنع تحالفات جديدة وقد يؤثر على وضعيات أخرى، وما تكثيف أمير البلاد من التحالفات مع جهات بعينها حتى يستقوى على أعدائه ويضمن حكمه إلا دليل قوى على ذلك.
تلعب العديد من المعطيات فى بسط الأمن وتحديد السلم الاجتماعى من عدمه. فالمعطى البشرى المتمثل فى قلة عدد السكان والمعطى الجغرافى المتمثل فى صغر المساحة، والأمنى المتمثل فى وجود ضمانات أجنبية بالداخل، يساند سياسة القمع التى يسلكها النظام القطرى. فنسبة 15 بالمائة من السكان وإن كانت لهم اهتمامات سياسية إلا أن حجر العمل السياسى بما يعنيه من تكوين للأحزاب يبقى مكبّلاً للحريات والحقوق السياسية. إضافة إلى أن نسبة 75 بالمائة من سكان المشيخة هم أجانب غير معنيين بالأوضاع السياسية، يناضلون فقط من أجل ضمان الحق الاقتصادى الأدنى، هم أنفسهم يمثلون قنبلة موقوتة.
5 - الشيخة موزة: تسويق الصورة الجديدة
منذ مدة تحولت الشيخة موزة من مجرد زوجة ساعدت زوجها على افتكاك الحكم من والده -ثم افتكت من أبناء الزوجة الأولى ولاية العهد لأحد أبنائها- إلى امرأة تسعى لأن تكون واجهة قطر الخارجية وذلك بتوظيف نفسها لتغطية عيوب قطر الداخلية، فجندت الخبراء العرب والغربيين من أجل استحداث مؤسسات شكلية تعنى بمسائل حيوية وبراقة كالديمقراطية والتنمية والمرأة، والحال أن قطر من أكثر الدول المنتهكة للديمقراطية وللحقوق الأساسية، كاغتصاب حقوق المرأة والاعتداء على حق المواطنة وممارسة الإبعاد القسرى والنفى والتهجير. كما عملت «موزة» على تجييش الآلة الإعلامية خدمة لمهامها، فأصبحت قطر تختصر فى «موزة» مثلما كان يعرف الإعلام الأجنبى ليبيا بـ«القذافى».
ما يجمع سيدات السلطة العربيات أنهن مكروهات من جانب بنات جنسهن لتكبّرهن وخروجهن عن بعض الأطر التقليدية التى تحكم المجتمع، خاصة إذا ما صاحب ذلك ضجيج إعلامى كبير دون حصول إنجازات على الأرض. حيث تنتقد القطريات «موزة» لكونها استعاضت عنهن بتجنيس العراقيات والفلسطينيات واللبنانيات المؤهلات علمياً وعملياً لإدارة البلاد. وما أكثر اللبنانيات بمكاتب ودواوين إمارة قطر فهن الآمرات الناهيات بكل من مكتب الديوان الأميرى ومكتب الشيخة موزة. كما استعاضت عن الاهتمام بقضايا المرأة القطرية التى تعانى من القيود الاجتماعية المجحفة بالاهتمام بالحفلات والاحتفالات. كما كنّ يعتقدن بأن «موزة» سوف تعمل على تطوير صورة المرأة القطرية وتقديمها بشكل يلائم طموحاتها ويعبر عن آمالها فجعلت همّها الأول والأخير التشبّه بالملكة رانيا، زوجة ملك الأردن ولتبدو صغيرة استعاضت عن كل ذلك بمصممى الأزياء وبصالونات ومعاهد التجميل الفرنسية والأمريكية لصبغ الشعر وشد البشرة.
باتت الشيخة موزة الشريك الأكبر، إن لم نقُل الحاكم الفعلى لقطر، بمساندة مباشرة من عائلة المسند، جاءت بهم إلى أعلى مراكز السلطة والقرار عبر أجهزة الأمن، فـ«محمد المسند» الذى جىء به كنائب مدير جهاز أمن الدولة أصبح الآن مدير الجهاز، و«خالد المسند» كان يشغل منصب المنسق العام بين الديوان الأميرى والأجهزة الأمنية، فلا يمر تقرير للأمير إلا عن طريقه. يقوم بغربلة التقارير ولا يسمح بمرور إلا التقارير التى تخدم العائلة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن «حمد» متزوج من ثلاث نساء وكثيراً ما ترد إليه تقارير عن وضع أبنائه الآخرين فيقع عرضٌ ما قد يدينهم، أما ما قد يزيد فى إشعاع صورتهم على حساب أبناء «موزة» فإن مصير هذه التقارير الإهمال.
أما شقيقها «على» فهو أكبر مقاول فى قطر الآن، وهو يدير أعمالها العقارية التى تجعلها من أكبر مُلاك العقارات، لا فى قطر فحسب بل فى كامل منطقة الخليج العربى.
تشتغل عائلة موزة فى المقاولات والعقارات والتجارة والتكنولوجيا والخدمات البحرية والجوية والإدارية والقانونية والاستشارية، وذلك عن طريق شركة «المستثمرون القطريون» التى يديرها «عبدالله بن ناصر المسند». فمعظم مفاصل الاقتصاد القطرى تحت سلطتها. انفردت بذلك مثلما انفردت بتونس عصابة النصب والاحتيال المسماة بـ«الطرابلسى» و«الماطرى».
فبالإضافة إلى أنه رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذى لـ«شركة المسند القابضة» يرأس أو ينوب عبدالله بن ناصر المسند مجموعة أخرى من الشركات، فهو عضو مجلس الإدارة لـ«هيئة سوق المال القطرية»، وعضو مجلس الإدارة لـ«رابطة رجال الأعمال القطريين»، ورئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذى لـ«شركة الخليج القابضة» ونائب رئيس مجلس الإدارة لـ«بنك الخليج التجارى»، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة معلوماتية، ونائب رئيس مجلس إدارة «فودافون».
تتمتع الشيخة موزة بصفات عديدة تؤهلها لمنافسة أو صد حمد بن جاسم بن جبر، الذى بدوره يسعى إلى الاستحواذ على السلطة عبر تكوين شبكة من العلاقات النافذة فى دائرة مغلقة للانقضاض على السلطة فى اللحظة المناسبة. فهو يرى أن حمد بن خليفة غير كفء لإدارة البلاد كما أن أبناءه لا يمتلكون الكاريزما والتكوين اللازمين، إضافة إلى أن وجود امرأة فى السلطة فى الخليج العربى يلقى معارضة كبيرة، خاصة من جانب السلفيين والمتشددين.
وإن كان حمد بن جاسم وموزة الحاكمين الفعليين لقطر، وأن ما يجمعهما هو الطابع العصرى والتحررى بعيداً عن قيود المجتمع القبلى. فإن «موزة» باتت منافساً لحمد بن جاسم فى مجال الأعمال وهى تتحرك لتصبح أغنى امرأة فى الخليج العربى كله.
تبقى حظوظ «موزة» وافرة فى الاستحواذ على السلطة فى قطر، فهى كذلك تتمتع بدائرة نفوذ كبيرة لدى الأمريكان والإنجليز.
وإن اكتفى حمد بن جاسم بنسج علاقات مصلحية مع شركات السلاح وغيرها، فإن «موزة» مهتمة جداً بنسج علاقات قوية مع منظمات المجتمع المدنى الدولى التى تعنى بشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية، كما أنها تحيط نفسها بحلقة من نساء الأعمال القطريات، بالإضافة إلى حوافز ذاتية بحكم أنها زوجة الأمير المدللة التى لا يرد لها طلب وطغت على زوجات «حمد» الأخريات اللاتى لا يقع ذكرهن مطلقاً، كما أن «موزة» هى التى فرضت ابنها تميم ولياً للعهد على حساب ابنى الأمير من زوجته الأولى «مريم بنت محمد آل ثانى»، إضافة إلى توظيف أبنائها الإناث والذكور فى مفاصل الدولة، كالقوات المسلحة والديوان الأميرى.. هذا دون أن نغفل عن كونها ابنة «المسند» إحدى العائلات الأساسية فى هذه المشيخة، شريكة السلطة والثروة والصفقات.
6 - حمد بن جاسم الوجه البراجماتى
لم تكن الشيخة موزة لتستطيع لوحدها أن تخطط وتدبر وتنفذ فلم تجد بداً من اختيار شخص يتمتع بالحنكة والقوة الكافيتين للقيام بهذه المهمة، فكان أن وجدت ذات الصفات فى ذات الشخص فى نفس العائلة، وهو الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى، رئيس الوزراء، وزير الخارجية آنذاك.
ولد «حمد» سنة 1959 فى قطر ودرس فى لبنان، ولإتقان اللغة الإنجليزية ذهبت إلى بريطانيا، بدأ مسيرته المهنية فى الحكومة موظفاً إدارياً عند عمه.
لـ«حمد بن جاسم» 9 أبناء من زوجته الأولى الشيخة «جواهر بنت فهد بن محمد آل ثانى» و5 أبناء من زوجته الثانية الشيخة «نور بنت عبدالعزيز بن عبدالله بن تركى السبيعى» وزير تربية وتعليم سابق وأحد وجهاء قطر.
المتأمل فى سيرة حمد بن جاسم الذاتية وتدرجه فى السلطة يلحظ أنه كان بعيداً كل البعد عن العمل السياسى إلى سنة 1992 رغم أنه خال أمير قطر الحالى، وقد وجد فيه حليفاً استراتيجياً بعد انقلابه على والده سنة 1995.
بدأ حياته فى الدولة سنة 1982 كإدارى حيث كان يشعل مدير مكتب وزير الشئون البلدية والزراعة، وحتى بالنظر إلى تدرجه بشكل عام يُلحظ أن جل الوظائف التى قام بها كانت تكنوقراطية، الشىء الذى سيساعد «حمد» على تكوين علاقات جيدة مع الجميع بعيداً عن الحسابات أو الانتماءات السياسية الضيقة.
يمتلك «حمد» عقارات بداخل قطر وخارجها. فى قطر، تمتد ممتلكاته من فندق فورسيزنز الفاخر إلى الخطوط القطرية السريعة النمو. كما يرأس مجالس إدارات شركات ومؤسسات ضخمة كـ«هيئة الاستثمار الخارجى» و«شركة الديار القطرية للاستثمار العقارى»، وقد خلقت له ثروته الواسعة الكثير من الانتقادات. فقد كشفت صحيفة «التايمز» اللندنية عن أنه أنفق 100 مليون جنيه إسترلينى على شراء شقة هى الأغلى من نوعها فى لندن تطل على حديقة الهايد بارك، مجهزة بجدران ونوافذ مقاومة للرصاص، كما أن المبنى مزود بممر تحت الأرض متصل بفندق «الماندرين أورينتال» القريب، حيث تم تخصيص 36 موظفاً من موظفيه لخدمة المقيمين فى الشقق الفاخرة.
يجمع حمد بن جاسم بين الدهاء السياسى والنفوذ الاقتصادى، وهو، وفق أحد المسئولين الكبار فى الدولة، المالك الاقتصادى لقطر.
يصفه الصحفى الكويتى «فؤاد الهاشم» بأنه مدمن على حيل السياسة متناقض فى السلوك.. يزور إسرائيل فى يوم، و«نصر الله» فى يوم آخ
الذي يتكلم عن احوال قطر بشكل كامل والمؤمرات التي تكيدها قطر للقضاء على الدول العربية والاسلامية
تحميل كتاب "وين ماشى بينا سيدي؟" للدكتور سامي جلولي
تحميل كتاب "وين ماشى بينا سيدي؟" للدكتور سامي جلولي
أين تكمن أهمية «قطر» بالضبط؟ ما الذى جعل صوتها عالياً وحضورها طاغياً ونفوذها يتخطى تاريخها وحدودها الجغرافية؟ لماذا تبدو لكل من يأتى على ذكرها -متفقاً أو مختلفاً- مثل كائن «مفتعل»، أو رأس من دون جسد يستند إليه، ومع ذلك يثير -هذا الكائن أو ذلك الرأس- كل هذه الأسئلة؟ يقول المثل الدارج: «إن كل ذى عاهة جبار»، وعاهة «قطر» أنها بلا أى حيثية سياسية: لا إقليمياً ولا دولياً ولا حتى فى إطار محيطها المحلى.. أى بالقياس إلى جيرانها فى الخليج. لكنها رغم ذلك ابتكرت لنفسها حيثية ونفوذاً جعلا منها -خلال سنوات قليلة- نقطة التقاء مصالح ومكائد وخطط تقسيم و«مؤامرات كونية» ضد دولة عريقة وشاسعة ومؤثرة مثل مصر.. مصر التى تستطيع بسهولة أن تقول إن عمر مقهى «الفيشاوى» فى «حسينها» أقدم وأشد تأثيراً من كل دولة «قطر»!
إلام تستند قطر فى تلك الحيثية وذلك النفوذ؟ إلى «غازها» أولاً، ثم إلى «جزيرتها» ثانياً، لكن الأهم هو تلك الشهوة الجامحة لدى عائلتها الحاكمة لتعويض عقدة نقص كامنة فى البنية السياسية والتاريخية لهذه الدولة. غير أن كل هذه المقومات لم تحقق لـ«قطر» سوى دور «سمسار» مصالح فى معادلة نفوذ جديدة، معادية للتراث السياسى والثقافى، الذى يفترض أنها تنتمى إليه.
ما الذى يمكن أن تتوقعه من «سمسار» سوى أن يكون منحازاً، بل وعدائياً فى انحيازه لما يظن أن فيه إثباتاً لوجوده وتعويضاً لعقدة نقصه.. حتى إذا كان الأمر يتعلق بمصالح ومخططات قوى شريرة أكبر منه بكثير، تسعى إلى تفتيت أو تفكيك أو تدمير محيطه المحلى والإقليمى؟
ما الذى يمكن أن تستثمر فيه دولة مثل قطر «غازها» إن لم يكن شراء الذمم والمواقف، وما الذى يمكن أن تروج له «جزيرتها» إن لم يكن خطابات تحريض وكراهية، ورسائل إعلامية تتنافى وأبسط قواعد المهنية واللياقة؟. لكن السؤال الأهم، الذى يعنينا، هو ما الذى نتوقعه من دولة تافهة سياسياً، قبلت وقبِل حكامها على أنفسهم أن يكتفوا بدور «السمسار» فى هذا المخطط الاستعمارى البغيض.. إن لم يكن «فساد جوف» هذا المخلوق وكثرة فضائح نظامه العشائرى الحاكم؟
«قطر من الداخل»: يبدو هذا موضوعاً مغرياً فى ضوء ممارسات وتحالفات ومواقف قطر المخجلة والعدائية تجاه جيرانها وتجاه محيطها الإقليمى، والسؤال عن «الدوافع» يبدأ بالضرورة من قراءة وتفكيك بنية النظام الحاكم لقطر بكل ما فيه من تقلصات وانقلابات عشائرية، فضلاً عن توزيع الأدوار وتداولها بين عناصر قوة هذا النظام، سواء كانوا أفراداً من العائلة الحاكمة أو مؤسسات إعلامية مثل قناة «الجزيرة»، أو استثمارية عابرة للقارات. من هنا تأتى أهمية هذا الكتاب الذى وضعه الباحث السياسى التونسى، الدكتور «سامى الجلولى»، واختار له عنواناً استشرافياً بعامية خليجية هو «وين ماشى بينا سيدى».
استهل المؤلف كتابه المهم والمثير للفضول بتمهيد أقرب إلى رثاء لما وصل إليه حال العالم العربى من فوضى وتقتيل وعطالة باطنية وغباء سياسى، وأشار فى تمهيده إلى أننا نؤسس لعصر جديد، وليمته ذبائح بشرية ووقوده نفط، وحطبه أجساد خيرة شباب هذه الأمة.. «نعلم الصغير كيف نقتل، وننتشى بصورة الأشلاء التى تبث على التليفزيون تحت صيحات التكبير. هذا هو الدين الإسلامى فى نسخته الجديدة الذى يبشر به عصر الجماهير الجديد»!. ويختم «الجلولى» تمهيده مندداً بـ«تواطؤ» النظام القطرى مع بعض النافذين وأصحاب القرار السياسى والمالى.. «فى ظرف سنة واحدة سقطت أنظمة وشردت عائلات وسقط الآلاف من الضحايا، والهدف من كل هذا؟.. تحقيق الديمقراطية ونشرها بالوطن العربى».
لا يمر صيف دون الكشف عن محاولة انقلابية فى قطر تتكتم عليها قناة «الجزيرة المخابراتية» ثم يهرب منفذوها إلى أعالى أوروبا
1 - آل ثانى
تمرّد آل ثانى، ممثلين فى الشيخ قاسم بن محمد آل ثانى، على آل خليفة، مشايخ البحرين، بتواطؤ من الإنجليز، ودخلوا فى صراع مع حاكم البحرين، الشيخ محمد بن خليفة، والذى انتهى فى 12 سبتمبر سنة 1868م بتوقيع الشيخ محمد معاهدة تحت الإكراه مع الكولونيل «لويس بيلى» المقيم البريطانى فى الخليج، تم بمقتضاها الاعتراف بانفصال هذه المشيخة التى أصبحت تسمى «دولة قطر».
لم يهنأ لآل خليفة البال حتى بعد تواطؤ الإنجليز معهم، فهم كعادة العرب تتوجس خيفة من العرب، فعملوا سنة 1871 على ربط علاقات حماية مع العثمانيين فى الأحساء لحمايتهم من اعتداء البحرين.
القرضاوى
بدأت الانقلابات فى مشيخة قطر عندما عين «حمد بن عبد الله آل ثانى» أخاه «على بن عبدالله آل ثانى» خلفاً له، لأنه أصلح من ابنه «خليفة»، لكن شقيقه «على» ترك الحكم لابنه «أحمد» ولم يُعِده لـ«ابن حمد» المسمى «خليفة بن محمد آل ثانى»، فأدى هذا التحول إلى نشوب سلسلة من الانقلابات العائلية، وعوض أن يُرجع «على» الحكم لابن أخيه سلمه لابنه «أحمد»، الذى قام بدوره بتعيين «خليفة» ولياً للعهد لجبر الخواطر، لكن «خليفة» رفض ذلك وقام بانقلاب عسكرى على «أحمد»، وقام بتوطيد حكمه بأن سلم مقاليد الدولة لأبنائه. كانت تلك هى البذرة التى قام عليها نظام الحكم، والتى أدت فيما بعد إلى انقلابات عائلية متكررة، تارة دموية، وتارة أخرى بيضاء كالثلج، لم يكن «خليفة» يعلم بأن الضربة ستأتيه من حيث لا يحتسب، من ابنه البكر «حمد» سنة 1995، الذى بدوره -حمد- نجح من محاولة انقلابية فاشلة قام بها ابنه «جاسم» سنة 2009.
موسم الهجرة إلى الشمال
رواية للأديب السودانى «الطيب صالح»، استعار أهل النفوذ والسلطة فى قطر عنوانها لجعلها الفترة المناسبة للتخطيط لأعمالهم الانقلابية ضد الحاكم بأمره، وإن كان موسم الهجرة إلى الشمال فى رواية «صالح» يقصد به الهجرة للاطلاع على الآخر بما يحمله من مفاهيم وقيم مختلفة، فإنه فى الحالة القطرية يقصد به حزم الأمتعة صيفاً للتوجه نحو أعالى أوروبا هرباً من حر قطر الملتهب، الأغنياء منهم لا يكتوون بهذه الحرارة، فهى جُعلت فقط للعمالة من البنغال والهنود وللفقراء والمنبوذين من الشعب القطرى، أما صفوة القوم فلهم رب يحميهم، رب المال والنفوذ.
غير أن الحاكمين بأمرهم فى قطر يغبطون حتى الذين لا يقدرون على دفع مصاريف موسم الهجرة إلى الشمال، فإن كانت أجسادهم فى الشمال فإن عقولهم وقلوبهم فى الجنوب خشية من الغدر والخيانة، شأنهم كشأن أى حاكم غير عادل يخاف من ظلمه للناس، ومن قطعة للرقاب وللأرزاق، فليس أخطر من أن يضيق العيش على معدم، وتضيق السبل بمنكسر الجناح.
ميزة الانقلابات فى مشيخة قطر، أنه يبدأ التخطيط لها فى فصل الشتاء لتكتمل فصولها فى فصل الصيف، تقريباً لا يمر صيف دون الكشف عن محاولة انقلابية، الكثير منها يقع كتمانه رغم وجود قناة المخابرات «الجزيرة» على بعد أمتار فقط من المواقع المسترابة، مما يجعل من صيف قطر جحيماً فوق جحيم، وكأن الله أراد بالحاكمين بأمرهم فى المشيخة العذابَ فى الدنيا قبل الآخرة، لا يهنأ لهم بال، لا فى الشتاء ولا فى الصيف.
تبدو مشيخة قطر بحجمها الصغير كقرية وديعة، وهى ككل دول الخليج العربى حارة جداً صيفاً، بما لا يسمح لأهلها بالبقاء فيها خلال أشهر القيظ، فتبدو شبه خالية إلا من العمالة الآسيوية الرخيصة والمغلوبة على أمرها، مما يساعد على أى تحرك عسكرى، لا يتحرك العسكر إلا عندما يخرج الأمير فى رحلته الصيفية، فهو وإن خرج يحمل معه ما ثقل من المتاع ومن الحجّاب والخدم، وكل الذين لا ينالون ثقته.
2 - المرأة التى هزت عرش قطر
موزة بنت ناصر المسند، والدها واحد من أعيان قطر، كان معارضاً لحكم آل خليفة، تكبد والدها ناصر المسند، بسبب دفاعه عن حقوق أهل قطر، التضييق والسجن، واضطر إلى اختيار المنفى الاضطرارى عام 1964 متوجهاً إلى الكويت يصحبه آلاف القطريين من أتباعه ومحبيه، تعبيراً عن مكانة الرجل ومستوى التضامن مع ما يمثله من معارضة ومطالبة.
كانت دعوته لكبار أهل قطر، ومنهم والده وآخرون، أن يقوموا بواجبهم، وأن يفاتحوا حاكم قطر ويصارحوه، مطالبين بحقوق أهل قطر والمساواة بينهم فى الحقوق والواجبات عامة، وفى الانتفاع من عائدات النفط تحديداً، كما يطالبون الحاكم بتطبيق إصلاحات اقتصادية واجتماعية والمساواة أمام العدالة وفى القانون، ووقف حظر الهجرة وضبط عملية التجنيس، أسوة بما حققته دولة الكويت، وما تقدمه لمواطنيها فى ذلك الوقت من رعاية وحماية وخدمات اجتماعية ومساواة أمام القانون والمحاكم.
قامت باعتقاله القوات القطرية سنة 1963 وبقى فى السجن إلى حدود سنة 1964، بعد أن توفى رفيقه «حمد العطية» فى السجن، أُطلق سراحه، واختار المنفى، فهاجر نحو الكويت، مما اضطر قبيلة «المهاندة» وأهل «الخور» و«الذخيرة» كلهم إلى أن يهاجروا مع ناصر المسند إلى الكويت عام 1964 بعد التضييقات الكبيرة التى يتعرض لها.
ظل «ناصر» يناضل من الكويت، ويحث أتباعه على عدم التراجع عن مطالبهم، مما أقلق راحة النظام القطرى، بما يمثله «ناصر» من وزن فى الشأن القطرى العام. أمام عدم انكسار شوكته، ولإيجاد مصالحة شاملة وراديكالية، خاصة أن شوكة «ناصر» بدأت تقوى، فهو حر طليق بالكويت رغم ما قد يمثله من إحراج للسلطات الكويتية التى من مصلحتها حصول اتفاق بين «ناصر» و«خليفة» حتى لا تبقى فى إحراج بين نفوذ «ناصر» المعارض ونظام «خليفة» الرسمى، بدأ البحث عن طريق يحفظ ماء وجه الجميع، ولا شك فإن الطريق المثلى لمثل هذه العداوات هو طريق المصالحة عن طريق المصاهرة.
لـ«ناصر المسند» فتاة يانعة، جميلة ورقيقة يمكن أن يزوجها حاكم قطر «خليفة» لابنه «حمد»، ستصبح هذه الفتاة مع مرور الوقت المرأة الحاكمة بأمرها فى قطر، والأكثر نفوذاً وتأثيراً فى العالم العربى، امرأة توفرت لها جل الإمكانيات المادية والمعرفية، شديدة الذكاء، عنيدة، محبة للتحدى وطموحة، كل هذه العوامل ستفتح لها طرقاً جديدة.
سترسم سياسة جديدة براجماتية، قائمة أحياناً على النفعية المباشرة وأحياناً أخرى على الانتهازية المقيتة. امرأة لا ترحم أعداءها، تعرف كيف تفتك بهم، تقتنص الفرص فتحولها لبرامج ومشاريع خطيرة.. لإيقاف هذا الإبعاد ولإجراء مصالحة بين ناصر المسند وحاكم قطر، وقع تزويج «موزة» ابنة ناصر المسند بـ«حمد بن خليفة».
فى الأصل، الشيخة موزة كانت ضحية لصفقة مالية وسياسية بين أبيها ناصر المسند والحاكم السابق «خليفة»، فقد كان ناصر المسند من أهم المعارضين للحكم، وتزويج ابنته من ابن الحاكم تم عبر صفقة سياسية تخلى بموجبها المعارض عن معارضته فى مقابل نفوذ من نوع خاص.
لم يكن تزويج «حمد» بـ«موزة المسند» إلا ليشكل انقلاباً فى حياة خاصة، وفى تاريخ المشيخة عامة، كانت صفقة الزواج بين «آل خليفة» و«آل المسند» صفقة سياسية بالدرجة الأولى تهدف إلى وضع حد لطموحات «آل المسند» السياسية وتخفيف الضغوطات من والدها المعارض على نظام حكم خليفة آل ثانى، ولم يكن الشيخ خليفة يتخيل أن ابنة خصمه ناصر المسند يمكن أن تدق المسمار الأخير فى نعشه وتجرده من حكمه فى وضح النهار وتحكم على بقائه منفياً بالخارج.
لم تكن «موزة» أكثر من معادلة لتقريب وجهات النظر والقطع مع المعارضة فى بلد صغير جداً، عدد سكانه يحسب بالآلاف، كانت المعادلة لا تمنحها أكثر من مجرد زوجة ثانية للشيخ الصغير «حمد بن خليفة» الذى ارتبط ببنات عمومته -«حمد» متزوج من ثلاث نساء- وبدل أن تكون «موزة» مجرد رقم فى زوجات «حمد» ومثلما كان الهدف الأساسى من زواجها متمثلاً فى الإنجاب والإكثار من النسل، اختارت «موزة» أن يكون لها رأى آخر غير الذى وقع رسمه.
تتميز «موزة» بذكاء حاد، امرأة عصرية وتسلطية تسعى للحكم ولفرض الرأى. متعطشة للسلطة وللسلطان. لكن مساعى «موزة» وزوجها سوف تصطدم بحقائق التاريخ، خاصة أن المشيخة بتكوينها الحالى كانت خطأ جسيماً تواطؤ فيه النظام البريطانى الذى عمل على تجزئة المنطقة، إضافة إلى أن تاريخ قطر الحديث لم يعرف استقراراً سياسياً حيث مثل التكالب والصراع على الحكم أهم ميزة.
لم تعرف قطر استقراراً بين أبناء نفس العائلة الحاكمة وهذا ما جعل البلاد تغرق فى وحل الدسائس والمؤامرات، تداخلت فيها فضائح أخلاقية ومالية وجنسية وصراعات على النفوذ بين أفراد العائلة الواحدة، وغدر بالمحارم توّجها الحاكم الحالى الشيخ حمد الذى طرد والده العجوز من الحكم واتهمه بالسرقة والاختلاس وتركه يعتاش على الهبات فى السعودية وغيرها من دول الخليج.
لم يكن الشيخ خليفة نفسه يتوقع أن تتطور المصالحة إلى درجة تصبح فيها الصفقة «موزة» هى الحاكم الفعلى فى قطر والعقل المدبر لعملية انقلاب أبيض أطاح بالشيخ الأب «خليفة» بل وأطاح فيما بعد بأولاد زوجها «حمد» من زوجته الأولى مريم بنت محمد آل ثانى.
لم تقتنع الشيخة موزة بأن تكون مجرد زوجة ولى العهد أو أن تعيش على الهامش وسط ثلاث نساء لا يقتسمن معها حلم السيدة الأولى فقط، وإنما يسبقنها فى شرعية السلطة لأبنائهن، وضع موزة كزوجة ثانية بين ثلاث زوجات ليس أبنائها حظ فى الخلافة، كما أنه ليس لها حظ فى أن تكون امرأة التغيير، ما ميز الشيخة موزة أنها كانت الأقرب إلى قلب زوجها وأكثرهن فطنة وحيلة من بين زوجاته، حيث نجحت فى تأليب «حمد» الطامح بخلافة والده وعملت على إيقاظ نار السلطة والنفوذ فيه، وأن يسبق أبناء عمومته الذين بدأت شوكتهم فى التعاظم، حيث تجلى ذلك جيداً فى مجاهرتهم فى المطالبة بالحكم، فحركت فيه غرائز السلطة فهمّ بالإسراع للاستيلاء على الحكم من أبيه، خاصة أنه تناء إلى علمه بأن والده يحضر لدعوة أخيه من الخارج لتسليمه مقاليد السلطة.
لقد اجتمعت العديد من المتناقضات لتصب كلها فى مصلحة الشيخة موزة، سيتحقق هدف زواجها الذى كان من الأساس الاستيلاء على الحكم والثأر لوالدها.
ألم نحرق القائدة البربرية الكاهنة تونس حتى لا ينعم بخيراتها الفاتحون الجدد؟ ألم تحرق عليسة حاكمة قرطاج نفسَها وأبناءها عندما خسرت المجد والسلطان؟
استطاع والد «موزة» الثأر من والد «حمد» عن طريق ابنته، عن طريقها استطاع الحصول على نفوذ لم يكن يحلم به من قبل، فلم ينسَ ناصر المسند التنكيل وأساليب الاضطهاد التى مورست عليه وعلى ذويه وأتباعه فى عهد والد «حمد» وجعلهم يعيشون فى الشتات.
استطاع ناصر المسند الانتقام من الشيخ خليفة وجعله يعيش بدوره فى الشتات، لقد كانت ضربة مدوية لعبت فيها الشيخة موزة وزوجها «حمد» دوراً حاسماً، فليس أكثر جرحاً وإيلاماً من عقوق الوالدين، كعادة جل المخططين البارعين يديرون كل شىء من وراء الستائر، تمسك الشيخة موزة فقط بخيوط الماريونات توجهها أينما تشاء ووقت ما تشاء، فكان لها ما أرادت، استراحت من «خليفة» ونصبت زوجها «حمد»، أوغرت صدره ضد نسائه الأخريات وضد ولى عهده «مشعل» من زوجته مريم بنت محمد آل ثانى، فكان لها ما أرادت فعُزل ولى العهد ووضح تحت الإقامة الجبرية رفقة أخيه «فهد».
حمد بن جاسم أول من بارك الانقلاب وكان متواطئاً فيه، وهو من يحكم فعلياً فى قطر رفقة الشيخة «موزة»، الشىء الذى يجعل ابن أخته الأمير «حمد» كثير الشك به، غير ذى ثقة، فكيف يمكن الارتياح لشخص باع زوج أخته لصالح ابنها، ميزة الانقلابيين والمتواطئين أنهم يجتمعون حول الشك والريبة وعدم اطمئنان كل للآخر، لا يمكن لـ«حمد» السفر خارج قطر إلا وخاله «حمد» فى صحبته، ينتظر منه أن يغدر به، ولذلك فهو يصحبه فى كل رحلاته خارج قطر، خاصة الصيفية منها، وذلك خوفاً من أن يقود انقلاباً ضده أحمد بن جاسم، رجل متحدث لبق له العديد من العلاقات خارج قطر مع مؤسسات وحكومات وأشخاص نافذين فى عالم المال والسياسة والسلطة، وهذا ما يثير الحنق لدى «حمد».
يكتوى الأمير حمد بن خليفة بنارين: فمن جهة لا يمكنه الاستغناء على إمكانيات خاله فهو المحنك والسياسى والدبلوماسى الخطير والمهندس الفعلى للسياسة الخارجية القطرية، ومن جهة أخرى يحتاط من إمكانياته الكبيرة وطموحه العنيف الذى قد يقوده إلى الانقلاب على «حمد» وافتكاك الحكم منه.
بعد نجاح «موزة» فى تثبيت زوجها «حمد» فى الحكم، ستمر للمرحلة الموالية وهى تنصيب ابنها «جاسم» ولياً للعهد، وذلك بإيغال صدر «حمد» على ابنه «مشعل» من الزوجة الأولى، لقد كان لموقع الشيخة موزة فى القصر أن مكنها من الاطلاع بالاهتمام الكبير الذى يوليه الجد «خليفة» بحفيده مشعل، وهو ابن من الزوجة الأولى لـ«حمد» على اعتباره الحاكم القادم، خصوصاً أن زوجها «حمد» مصاب بقصور كلوى مما يقلل من فرص التوريث الذى تسعى إليه الشيخة موزة، فكان لزاماً عليها المسارعة بالتخطيط والتنفيذ قبل حصول أى مكروه لزوجها فتضيع بذلك الفرصة من يدها إلى الأبد، ولن يصير لها أن تصبح كاهنة أو حاكمة.
لكى يبعدوا «مشعل» عن ولاية العهد، وقع الاهتداء إلى نعته بالمختل حتى يثبتوا عدم أهليته للحكم، كان لزاماً على «حمد» أن يحسم الأمر فى تنصيب ابنه «جاسم»، لم يمنع إقصاء ولى العهد «مشعل» من إمكانية الحكم وتنصيب ابنها «جاسم» مكانه من أن يحد من تثبيت مركزها داخل البلاط الأميرى، فعملت «موزة» على تقوية علاقاتها فى أوساط الأسرة الحاكمة حتى تضمن المشيخة لابنها، خاصة أن زوجها يعانى من قصور كلوى، بالإضافة إلى أن للشيخ الصغير أكثر من متربص يتحين الفرصة للانقضاض عليه، فأخواه «مشعل» و«فهد» من زوجة «حمد» الأولى يطلبان المشيخة لأنفسهما وعمه القوى الشيخ عبدالله يرى نفسه أحق بولاية العهد، وحمد بن جاسم لا يخفى حلمه بحكم قطر، فالعصر عصر الثورات وهو المسيطر على اقتصادها، لذا فتحت الشيخة موزة نافذة على واشنطن لتبارك هذا الاختيار وتزكيه وتدعم ابنها الصغير فى أول زيارة قام بها إلى أمريكا بعد أن تولى ولاية العهد، قيل يومها إن الشيخة تحاول أن تقدم نفسها كشيخة خليجية متحررة تخرج دون محرم ولا تضع العباءة والنقاب وهى مثال للمرأة التى يمكن أن تكون صديقاً وفياً للأمريكان والفرنسيين.
سريعاً ما جاء الرد الأمريكى جريئاً ومشجعاً أمام حزمة من الامتيازات التى لم يقدر الأمريكان على رفضها، قدمت وزوجها قاعدة عسكرية دائمة ومطاراً وخدمات لوجيستية فى الخليج لم يكن الأمريكان ليحلموا بها.
عمل النظام الأمريكى على إيلاء زيارة ابن موزة مكانة مرموقة وقوبلت فى واشنطن باهتمام خاص من قِبل أجهزة الإعلام لرغبة هذه الأجهزة فى معرفة خبايا الشيخ الصغير والدور الذى لعبه فى عملية تنحية جده الشيخ خليفة وتنحية أخويه الأكبر منه سناً من منصب ولاية العهد بل وإشرافه شخصياً على وضعهما قيد الإقامة الجبرية فى الدوحة بعد اتهامهما بالتورط فى محاولة الانقلاب التى استهدفت إرجاع جدهما الشيخ «خليفة» إلى الحكم.
3 - من هو حمد بن خليفة آل ثانى؟
الشيخ حمد أكبر أولاد «خليفة»، كان أقلهم اهتماماً بدراسته وتعليمه، أكمل دراسته الثانوية بصعوبة بالغة وبتدخل أميرى حيث كان ضعيفاً جداً فى الرياضيات وفى الفلسفة وفى الجغرافيا وفى التاريخ، كان عوض أن يمشى للمدرسة ليتعلم ما قد يفيده فى حكمه فإنه يقضيه فى الجلوس عند بيت أصدقائه من التلامذة يجتمعون على نظم الشعر البدوى وأكل «الثريد» و«المضروبة» كما كان محباً للحلويات كـ«الخنفروش». «الثريد» أكلة شعبية قطرية تتكون من الخبز المغموس فى مرق اللحم، «والمضروبة» وهى كذلك أكلة شعبية قوامها الطحين والسمك المملح.
أرسل الشيخ حمد إلى كلية ساندهيرست العسكرية ببريطانيا، لم ينهِ دراسته فى الكلية المذكورة ففصل منها بعد 9 أشهر إلا أنه عاد إلى قطر برتبة جنرال فأصبح قائداً للجيش ثم ولياً للعهد سنة 1971.
الثلاثاء 27 يونيو 1995، الطقس حار والسماء مغبرة.
العواصف الرملية كثيراً ما تلوث صيف قطر. ثمة شىء ما ينذر بحدوث الأسوأ. تطيّر الشيخ خليفة من هذا اليوم. فقد عرف عنه عدم التشاؤم، محب للمرح والمزحة الخفيفة. كان الشيخ خليفة قد غادر قطر إلى سويسرا فى رحلة استجمام كعادة شيوخ ومترفى دول الخليج خلال فصل الصيف. يهربون من الحر والقيظ لطقس أوروبا المنعش.
أُجرى للأمير حفل وداع فى مطار الدوحة. ينحنى «حمد» مثلما تقتضيه المراسم الأميرية ليقبّل يد والده أمام عدسات التليفزيون. قُبلة كانت طابعاً وختماً وقّع به «حمد» صكاً قلب تاريخ الإمارة وسيقلب مستقبل أنظمة عربية. وقتها كان «حمد» قد انتهى من وضع خطته للإطاحة بأبيه واستلام الحكم.
صبيحة ذلك اليوم المشؤوم، بعد أن اطمأن الجميع من مغادرة طائرة الشيخ خليفة الأجواء القطرية وحلقت بعيداً، قطع تليفزيون قطر إرساله لإعلان البيان رقم واحد. وعرض التليفزيون صوراً لوجهاء المشيخة وهم يقدمون البيعة للشيخ «حمد» خلفاً لأبيه. وفق بعض الشيوخ الذين حضروا ذكروا فى مجالسهم الخاصة أنه وقع التغرير بهم وإيهامهم بأن «حمد» دعاهم للتسليم عليه لا ليباركوا انقلابه الأبيض. بلع الشيوخ الطعم. فـ«حمد» قد خدعهم عن بكرة أبيهم رفقة معاونيه الذين قاموا بتركيب جميع الصور دون صوت. الشىء الذى دفع مجلة «روزاليوسف» المصرية إلى وصف الانقلاب بأنه «انقلاب تليفزيونى».
تمخض الانقلاب عن اعتقال 36 شخصاً من المقربين للشيخ الأب «خليفة» وتم الزج بهم فى سجن دائرة «بوهامور»، كانت تلك هى بداية الانهيار الجديد فى الأسرة الحاكمة.
سنعرف لاحقاً سنة 2011 كيف سيقوم «حمد» بتصدير فكرة الانقلابات التليفزيونية إلى الخارج، فعن طريق الصور المركبة التى بثتها وتبثها قناة «الجزيرة» استطاع حمد إيهام العالم بوجود مجازر بليبيا وبسقوط مدن ومراكز قرار وفعلاً نجح فى ذلك، لا شك أن حمد متأثر جداً بالأفلام الهوليوودية فمثل تلك الأشياء تتطلب سيناريوهات كبيرة ودقيقة لا تحتمل الأخطاء، ولـ«حمد» السبق فى تجربة الانقلابات التليفزيونية منذ 1995.
لكى يقنع الرأى العام المحلى والإقليمى بشرعية انقلابه على أبيه، اتهم «حمد» والده بأنه سلك سياسة تقرب وانحياز لإيران التى تعادى دول الخليج العربى، وأن والده كان بصدد شراء المياه من إيران لتزويد قطر بها، كما أن والده يقود إصلاحاً بطيئاً جداً لا يجارى الإمكانات المادية والثروات الطبيعية التى تتحكم عليها الدولة.
فى الواقع أراد الشيخ خليفة بن حمد «وهو الأمير المخلوع» إقامة توازن فى العلاقات بين المملكة العربية السعودية وبين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، كان الانفتاح القطرى على إيران يهدد مصالح إسرائيل. فطالما ثمة انفتاح عربى نحو إيران فإنه وفق وجهة نظر إسرائيل تقلص لفرص السلام وتهديد لوجودها وأمنها.«موزة» تتميز بالانتهازية المقيتة ولا ترحم أعداءها وتزوجها «حمد» ضمن صفقة سياسية ليتخلى أبوها عن معارضة الحاكم
وفق كثير من الروايات ساندت إسرائيل حمد بن خليفة فى انقلابه على والده. كان حمد بن جاسم بن جبر هو صلة الوصل بين إسرائيل والولايات المتحدة من جهة ولى العهد حمد بن خليفة من جهة أخرى. فالأخبار الواردة عن اكتشاف حقول غاز هائلة لا يمكن أن تبقى فى يد نظام بدأ فى نسج تحالفات مع إيران الشىء الذى سيزيد من تقوية شوكتها.
لقد رفضت أغلب دول الخليج ما أتاه «حمد» فى حق أبيه من جور واستيلائه على الحكم دون وجه شرعى. حرّك الشيخ زايد رئيس الإمارات جيشاً من قبائل العيديد وذلك لدك قطر برّاً وجوّاً لاسترداد شرعية الأب خليفة المغدور به من جهة، وكى لا يتحول ما أتاه حمد إلى عرف فى منطقة الخليج حتى لا يتشجع آخرون على القيام بانقلابات ضد حكامهم.
الطبخة جاهزة وتنتظر الأوامر. لم تتحرك الجيوش فى حين لزمت الطائرات مكانها. جاءت ساعة الحسم. تدخلت أمريكا لتقول للشيخ زايد بأن هذا شأن أمريكى بالبلاد وعليه ليس العدول عن قراره فحسب وإنما تسليم كل القادة القطريين الفارّين بأبوظبى فكان لهم ما أرادوا.
لضمان حكمه وتثبيته اقتسم «حمد» الكعكة مع جل الذين شاركوه الانقلاب. فمنح رئاسة الوزراء لعبدالله ونصّب خاله وزيراً للخارجية وهو الأمر الذى دفع مجلة «روزاليوسف» إلى القول: «لقد وصل الملك لير إلى الدوحة» والملك «لير» هو بطل إحدى مسرحيات «شكسبير» وتقوم المسرحية المذكورة على الخيانات والغدر فى أوساط العائلة الواحدة.
وإذا كان الانقلاب التليفزيونى فى قطر قد نجح فى إيصال الشيخ حمد إلى حكم المشيخة إلا أن رفض الأب خليفة القبول بالأمر الواقع ودعمه لعملية الانقلاب الفاشلة كشف النقاب عن الكثير من أسرار الحكم فى مشيخة قطر وعن علاقاتها الدولية والإقليمية. لم يكن هذا الرفض من والده المغدور به بل من والدته زوجة الشيخ المعزول خليفة التى أصدرت بياناً داخلياً فى أوساط العائلة ووزعته من مقر إقامتها آنذاك فى أبوظبى أعلنت فيه براءتها من أخيها حمد بن جاسم ومن ولديها عبدالله ومحمد اللذين انضما إلى أخيهما حمد فى الانقلاب على أبيه بعد أن وزّع الكعكة على الجميع.
حارب «حمد» والده وخصومه ببيان وثائق تثبت أن عائدات النفط تذهب بالكامل إلى حساب شخصى باسم والده الأمير -حوالى عشرة مليارات دولار- وأن أقل من عشرين بالمائة من هذا الدخل يصرف على سكان المشيخة والأجهزة الخدماتية فيها.. وتبين أيضاً أن للأمير حصة معلومة فى جميع الشركات والمؤسسات العاملة فى المشيخة، وأن جميع رشاوى وعمولات صفقات العلاج والسلاح وخلافه تذهب إلى الأمير وأولاده.
هذه الأسرار خرجت إلى العلن بعد أن قام الابن بالطلب رسمياً من البنوك السويسرية بالحجر على أموال أبيه على اعتبار أنها تعود للمشيخة وتم حل المشكلة وراء الأبواب المغلقة وبوساطات عربية بعد تعهد الأب بالامتناع عن القيام بأية تحركات مريبة أو الاتصال بمؤيديه فى الداخل وموافقته على تسليم كبار معاونيه ممن كانوا آنذاك يقيمون فى هيلتون أبوظبى إلى المخابرات القطرية وخروج الأمير المخلوع من أبوظبى.
فبراير 1996، هذه المرة لم يكن تاريخ الانقلاب مطابقاً لموسم الانقلابات الناجحة. لهذا فشل. أعلن عن اكتشاف مؤامرة لقلب نظام الحكم الجديد يتزعمها ابن عم الشيخ خليفة رفقة أكثر من 110 متهمين أغلبهم من قبيلة «مرى» التى تعاطفت مع الأمير المخلوع «خليفة» كما تورط فى هذه المحاولة مصريان وسعوديان وبحرينى وثلاثة فلسطينيين وتنزانى وسريلانكى. ويبدو أن أولاد الشيخ حمد قد شاركوا بشكل أو بآخر فيها انتصاراً لجدهم، لذا تم طرد الشيخ فهد بن حمد من سلاح الدروع واتهامه بأنه «إسلامى متطرف» وتم وضع الشيخ مشعل بن حمد قيد الإقامة الجبرية. وقيل يومها إن الشيخين عزلا بضغط وتخطيط من الشيخة موزة حتى تمهد لولديها «جاسم» و«تميم» الطريق نحو البلاط الأميرى. وهذا ما كان، حيث أعلن فى أكتوبر عام 1996 عن تعيين جاسم بن حمد ولياً للعهد وهو الابن البكر للشيخة موزة وهو -مثل أبيه- تخرج فى كلية ساندهيرست فى بريطانيا دون أن يكمل تعليمه الثانوى العادى.
سنة 1997 تصالح «حمد» مع والده الذى اختار العيش بفرنسا بعد أن غنم هو الآخر من مال المشيخة ما يجعله «غنياً فوق العادى» شرط عدم التدخل فى الشئون الداخلية القطرية أو ممارسة أى عمل سياسى له علاقة بالشأن القطرى.
عاش «الأمير الوالد المخلوع» متنقلاً بين المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا قبل أن يعود إلى الدوحة سنة 2005 للمشاركة فى تشييع جنازة إحدى زوجاته التى توفيت فى الدوحة، ومنذ ذلك الحين نال اللقب الرمزى «الأمير الوالد» لكنه غاب تماماً عن الأضواء دون أى أخبار عنه رغم وجوده فى الدوحة، فى ظل تسريبات تقول إنه قيد الإقامة الجبرية، ومعلومات أخرى تقول إنه فى أحد المراكز الطبية فى الدوحة ويعانى من أمراض شيخوخة متفاقمة.
4 - «جاسم» فى حضرة شيخه
كان الطفل «جاسم» على غير عادة الأطفال الأشقياء الذين يمزقون الكراريس ويلوثون ثيابهم بالحبر وطباشير الألواح. لعل الورع المزيف لشيخه قد بعث فيه السكينة لحين وسيكون دماراً عليه فى ما بعد بحكم تربية غير متوازنة ستقضى على ولايته للعرش.
كان الطفل «جاسم» مستمراً أمام شيخه فى استماع لدروس دينية غاية فى التشدد وعوض أن يتلقن الطفل تربية دينية رفقة أترابه بالمدارس العامة حتى يحدث له توازن بيئى وعقلى ونفسى فإنه وقع تخصيص جناح بالقصر الأميرى لشيخ متزلف ومرتزق كان هدفه الأساسى شحنه قدر الإمكان بأفكار موغلة فى المناهج المذهبية التى تجد لها مكاناً خصباً فى بعض دول الخليج. وكان من الحظ العاثر للطفل جاسم أن درس الدين على يد واحد من أكبر المتاجرين بالدين والموغلين فى التطرف الفكرى، وثبت بالحجة أثناء قيام الثورات العربية الأخيرة أنه يحرض الناس على القيام ضد أولى الأمر وزرع الفتن والتقاتل فيما بينهم، وكأن فى قطر لا يوجد هناك أولو أمر ولا شباب ليثور.
القرضاوى «معلماً»
لم يكن معلم الطفل «جاسم» إلا الشيخ الذى لا يشق له غبار فى الفتاوى الجائرة، حرق الأمصار وخلاء الديار، درس الشاب الصغير جاسم الدين على يد رئيس المجلس العالمى للإخوان المسلمين يوسف القرضاوى الذى خصص له الشيخ حمد بن خليفة جناحاً خاصاً فى القصر الأميرى لتدريس أبنائه العلوم الدينية، ومَنحَه الجنسية القطرية وأعطاه جواز سفر خاصاً وخصص له راتب وزير وأوصى بمعاملته فى كل الدوائر الحكومية كأحد أفراد الأسرة الحاكمة.
اتجه «جاسم» نحو التشدد أكثر من إخوته، لكنه لم يعد يكتفى بمفاهيم «القرضاوى» المتبدلة. فلم يعد له ميل لمفتى البلاط الذى يفسر ويبدل الدين حسب أهواء السلطان. أحس الفتى «جاسم» بأن تكليف «القرضاوى» بتدريسه لم يكن الهدف منه إلا جعله داخل الملعب لا خارجه. فـ«القرضاوى» مفتى البلاط مهمته خدمة العائلة لتأمين الحكم والحفاظ على الطاعة والولاء.
تأثر «جاسم» بخطابات سلفيين وتفسيرات متشددين فى الدوحة غير راضين بحكم والده وغير قانعين بتصرفات والدته الذين يرون فى تصرفاتها خروجاً عن نواميس وعادات البيئة الخليجية.
تزامن تقارب «جاسم» والخطاب السلفى مع تصاعد المناخ المتطرف الذى وجد فى أفغانستان أرضاً خصبة لإقامة أول إمارة إسلاموية فى التاريخ الحديث، ومعسكراً لتدريب الشباب المغرر به أو المتحمس لقتال أهله ومجتمعه وبلده. مثلما حصل ويحصل فى بلاد عربية وإسلامية عديدة.
بدا تأثر «جاسم» بهذه الثقافة الجديدة بإحاطة نفسه بفقهاء ومدرسين من مشايخ السلفية من دعوية وجهادية كوّنوا حلقة تثقيفية فاتخذ اتجاهاً فكرياً سلفياً متشدداً بدأت تظهر آثاره على سلوكه وحياته اليومية، وعلاقته بأسرته، خاصة والده حمد بن خليفة ووالدته موزة المسند. لم تكن هذه الدروس فى واقع الأمر إلا تحريضية. فلقد أراد المشايخ إعادة فتح قطر من جديد. فهم يرون فى حال قطر تفسخاً أخلاقياً كبيراً ووجدوا فى الابن «جاسم» الوسيلة المثلى للتغيير.
بدأ «جاسم» يجهر بآرائه السياسية الرافضة لسياسة والده القريبة لإسرائيل وأمريكا. وسياسة «الجزيرة» المشبوهة فى التهليل والتطبيل لحزب الله ولإيران وما يفعلانه فى لبنان والعراق. حدث أن طلب «حمد» من ابنه «جاسم» مرافقته لزيارة لبنان بعد عدوان إسرائيل عليه سنة 2006. فرفض «جاسم» الذهاب إلى هناك سائلاً والده كيف يمكنه الوصول إلى لبنان والحال أن الأجواء مراقبة من طرف سلاح الجو الإسرائيلى، قائلاً له: «إلا إذا حصلت على إذن فى ذلك».
أحس المجلس العائلى بالخطر المحدق سيما مع تواتر التقارير عن انحرافات «جاسم» الخطيرة التى لا تنبئ بحسن العواقب. لم يكن أمام «موزة» و«حمد» إلا التصرف قبل أن تقع الفأس فى الرأس ويستولى الطفل على الحكم وما قد ينجر عنه من انحرافات قد تكون مدمرة لقطر نفسها. ففكره متشدد والعصبية الانقلابية مكوّن من مكونات الحكم القطرى. بسرعة كبيرة وقع تجريد «جاسم» من ولاية العهد وتعيين أخيه «تميم» ولياً للعهد.
انقلاب عسكرى أم عائلى؟
بدأ التذمّر فعليّاً من سياسة الابن جاسم وأصبح يمثل عبئاً على البلاط الأميرى وكان لا بد من إبعاده تماماً عن دوائر النفوذ وإراحة رأس البعض من المنتفعين بأوضاع القصر لتعزيز مواقعهم أو للحصول على تكريمات وترقيات أو كذلك لفرض توازنات داخلية جديدة بين قيادات أسرة آل ثانى والتخلص السلمى من «جاسم» وظهرت الفكرة بتسريب إشاعة مفادها أن «جاسم» يستعد للانقلاب على أبيه.
وصلت إلى مسامع القصر الأميرى وأجهزة الأمن فى الدوحة تحركات متطورة فى سلوك وأعمال الشيخ جاسم بين تحريض سياسى وتحرك شبه عسكرى وحيازة أسلحة لمجموعات محسوبة على الشيخ جاسم أو محيطه.
تصاعدت الأخبار التى وصلت إلى حمد بن خليفة حتى قيل إن الشيخ جاسم ينوى القيام بعمل ما ضده وإنه على أهبة الاستعداد. استنفر «حمد» جميع الأجهزة الأمنية والمخابراتية لتطويق الدوحة. فانتشر الجيش والشرطة فى مداخل ومخارج الدوحة وفى جميع المرافق الاستراتيجية للدولة حول القصر الأميرى ووزارات السيادة ومبنى الإذاعة والتليفزيون.
الغريب فى الأمر أن إزاحة «جاسم» من ولاية العهد لم تكن وفق مرسوم أميرى يعلن فيه اكتشاف عملية الانقلاب، فقطر مهووسة بكلمة انقلاب ثم إن السلطة القطرية أرادت إفضاء صيغة الأمر العادى حتى يظهر للرأى العام بأنه شأن روتينى وحتى يسهل هضمه فهذا على الأقل ما ذكرته قناة «الجزيرة» قبل حدوث قرار العزل بأنّ «هناك اتجاهاً لإجراء تغيير فى ولاية العهد القطرى..».
بعد ساعات صدر مرسوم أميرى جاء فيه أن الشيخ «جاسم» تنازل عن ولاية العهد لأخيه الشيخ «تميم».
طبعاً لم يذكر المرسوم أن الشيخ جاسم لم يتنازل عن ولاية العهد لأكبر إخوته الشيخ مشعل، لأن الشيخ مشعل موضوع قيد الإقامة الجبرية فى الدوحة هو وأمه، ابنة الشيخ محمد بن أحمد آل ثانى.. ولم يتنازل الشيخ جاسم لأخيه «فهد» الذى يكبره سناً لأن هذا -بدوره- يعيش فى منزل محاصر بعناصر المخابرات بعد طرده من سلاح الدروع واتهامه بالجنون لأنه رفض جريمة الانقلاب على جده «خليفة».
لم يدم الاستنفار العسكرى طويلاً فى شوارع الدوحة. وتم حصار الزوبعة التى يذهب البعض إلى أن جهاز المخابرات القطرى هو الذى ابتدعها وذلك خدمة لبعض الأجنحة على حساب أخرى، وذلك لإبعاد «جاسم» عن السلطة حيث يرون فى اتجاهاته الجديدة خوفاً كبيراً على مصالحهم ودائرة نفوذهم. تمت السيطرة على الأمر بسرعة وتم اعتقال عدد من المسلحين، وعزل «جاسم» بعيداً عن أنصاره.
انتهى تحرك الشيخ جاسم بن حمد مؤقتاً، وربما تحسب والده لأى انقلاب يقوم به أى من أبنائه أو إخوته كما حصل سابقاً مع والده ومعه شخصياً. وضع «جاسم» تحت الإقامة الجبرية وبدأ الإعلام يشتغل على صورة أخيه تميم الذى حل محله كولىّ للعهد.. صبر الأم موزة لم يدُم. فرقّت لحال ابنها الذى أصبح تحت الإقامة الجبرية وسعت للتوسط بينه وبين والده حمد وبحثت عن طريق لحفظ ماء وجه الجميع فوقعت مطالبة الابن جاسم بترتيل خطاب فى غاية السذاجة والسفاهة على قناة «الجزيرة» مبيناً أنه تنازل عن الحكم لصالح أخيه وهو فى كامل قواه العقلية والأدبية مقابل فك عزلته والسماح له بالسفر.
هذه هى ديمقراطية الحكم القطرى، يتنازل الكبير للصغير عن الحكم طواعية غير راغب فيه، زاهداً فى المسئولية فهى ولا شك أمانة ويوم القيامة خزى وندامة.
تبقى قطر بركاناً يخمد لفترة ثم سرعان ما يثور من جديد.. لا يُعرف له وقت، وإن كان المتابعون للشأن القطرى بإمكانهم الاستدلال على إمكانية حدوثه مع فارق فى عدم إمكانية تحديد وقت لذلك. ميزة قطر أنها ما إن يخمد بركان حتى يشتعل آخر. فى قطر السلطة لا تمنح وفق أطر دستورية وشرعية بل تنتزع. محنة الحكم فى قطر أن كل انقلاب يخفى وراءه آخر. الأعداء كثيرون وطرق الاستيلاء على الحكم كانت كلها مشبوهة، فمن الغدر إلى القتل، إلى خيانة الأمانة.
النار تحت الرماد فى مشيخة قطر.. وأى شىء يحصل لن يبدو خروجاً عن المألوف، لكن من شأنه أن يصنع تحالفات جديدة وقد يؤثر على وضعيات أخرى، وما تكثيف أمير البلاد من التحالفات مع جهات بعينها حتى يستقوى على أعدائه ويضمن حكمه إلا دليل قوى على ذلك.
تلعب العديد من المعطيات فى بسط الأمن وتحديد السلم الاجتماعى من عدمه. فالمعطى البشرى المتمثل فى قلة عدد السكان والمعطى الجغرافى المتمثل فى صغر المساحة، والأمنى المتمثل فى وجود ضمانات أجنبية بالداخل، يساند سياسة القمع التى يسلكها النظام القطرى. فنسبة 15 بالمائة من السكان وإن كانت لهم اهتمامات سياسية إلا أن حجر العمل السياسى بما يعنيه من تكوين للأحزاب يبقى مكبّلاً للحريات والحقوق السياسية. إضافة إلى أن نسبة 75 بالمائة من سكان المشيخة هم أجانب غير معنيين بالأوضاع السياسية، يناضلون فقط من أجل ضمان الحق الاقتصادى الأدنى، هم أنفسهم يمثلون قنبلة موقوتة.
5 - الشيخة موزة: تسويق الصورة الجديدة
منذ مدة تحولت الشيخة موزة من مجرد زوجة ساعدت زوجها على افتكاك الحكم من والده -ثم افتكت من أبناء الزوجة الأولى ولاية العهد لأحد أبنائها- إلى امرأة تسعى لأن تكون واجهة قطر الخارجية وذلك بتوظيف نفسها لتغطية عيوب قطر الداخلية، فجندت الخبراء العرب والغربيين من أجل استحداث مؤسسات شكلية تعنى بمسائل حيوية وبراقة كالديمقراطية والتنمية والمرأة، والحال أن قطر من أكثر الدول المنتهكة للديمقراطية وللحقوق الأساسية، كاغتصاب حقوق المرأة والاعتداء على حق المواطنة وممارسة الإبعاد القسرى والنفى والتهجير. كما عملت «موزة» على تجييش الآلة الإعلامية خدمة لمهامها، فأصبحت قطر تختصر فى «موزة» مثلما كان يعرف الإعلام الأجنبى ليبيا بـ«القذافى».
ما يجمع سيدات السلطة العربيات أنهن مكروهات من جانب بنات جنسهن لتكبّرهن وخروجهن عن بعض الأطر التقليدية التى تحكم المجتمع، خاصة إذا ما صاحب ذلك ضجيج إعلامى كبير دون حصول إنجازات على الأرض. حيث تنتقد القطريات «موزة» لكونها استعاضت عنهن بتجنيس العراقيات والفلسطينيات واللبنانيات المؤهلات علمياً وعملياً لإدارة البلاد. وما أكثر اللبنانيات بمكاتب ودواوين إمارة قطر فهن الآمرات الناهيات بكل من مكتب الديوان الأميرى ومكتب الشيخة موزة. كما استعاضت عن الاهتمام بقضايا المرأة القطرية التى تعانى من القيود الاجتماعية المجحفة بالاهتمام بالحفلات والاحتفالات. كما كنّ يعتقدن بأن «موزة» سوف تعمل على تطوير صورة المرأة القطرية وتقديمها بشكل يلائم طموحاتها ويعبر عن آمالها فجعلت همّها الأول والأخير التشبّه بالملكة رانيا، زوجة ملك الأردن ولتبدو صغيرة استعاضت عن كل ذلك بمصممى الأزياء وبصالونات ومعاهد التجميل الفرنسية والأمريكية لصبغ الشعر وشد البشرة.
باتت الشيخة موزة الشريك الأكبر، إن لم نقُل الحاكم الفعلى لقطر، بمساندة مباشرة من عائلة المسند، جاءت بهم إلى أعلى مراكز السلطة والقرار عبر أجهزة الأمن، فـ«محمد المسند» الذى جىء به كنائب مدير جهاز أمن الدولة أصبح الآن مدير الجهاز، و«خالد المسند» كان يشغل منصب المنسق العام بين الديوان الأميرى والأجهزة الأمنية، فلا يمر تقرير للأمير إلا عن طريقه. يقوم بغربلة التقارير ولا يسمح بمرور إلا التقارير التى تخدم العائلة، خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن «حمد» متزوج من ثلاث نساء وكثيراً ما ترد إليه تقارير عن وضع أبنائه الآخرين فيقع عرضٌ ما قد يدينهم، أما ما قد يزيد فى إشعاع صورتهم على حساب أبناء «موزة» فإن مصير هذه التقارير الإهمال.
أما شقيقها «على» فهو أكبر مقاول فى قطر الآن، وهو يدير أعمالها العقارية التى تجعلها من أكبر مُلاك العقارات، لا فى قطر فحسب بل فى كامل منطقة الخليج العربى.
تشتغل عائلة موزة فى المقاولات والعقارات والتجارة والتكنولوجيا والخدمات البحرية والجوية والإدارية والقانونية والاستشارية، وذلك عن طريق شركة «المستثمرون القطريون» التى يديرها «عبدالله بن ناصر المسند». فمعظم مفاصل الاقتصاد القطرى تحت سلطتها. انفردت بذلك مثلما انفردت بتونس عصابة النصب والاحتيال المسماة بـ«الطرابلسى» و«الماطرى».
فبالإضافة إلى أنه رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذى لـ«شركة المسند القابضة» يرأس أو ينوب عبدالله بن ناصر المسند مجموعة أخرى من الشركات، فهو عضو مجلس الإدارة لـ«هيئة سوق المال القطرية»، وعضو مجلس الإدارة لـ«رابطة رجال الأعمال القطريين»، ورئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذى لـ«شركة الخليج القابضة» ونائب رئيس مجلس الإدارة لـ«بنك الخليج التجارى»، ونائب رئيس مجلس إدارة شركة معلوماتية، ونائب رئيس مجلس إدارة «فودافون».
تتمتع الشيخة موزة بصفات عديدة تؤهلها لمنافسة أو صد حمد بن جاسم بن جبر، الذى بدوره يسعى إلى الاستحواذ على السلطة عبر تكوين شبكة من العلاقات النافذة فى دائرة مغلقة للانقضاض على السلطة فى اللحظة المناسبة. فهو يرى أن حمد بن خليفة غير كفء لإدارة البلاد كما أن أبناءه لا يمتلكون الكاريزما والتكوين اللازمين، إضافة إلى أن وجود امرأة فى السلطة فى الخليج العربى يلقى معارضة كبيرة، خاصة من جانب السلفيين والمتشددين.
وإن كان حمد بن جاسم وموزة الحاكمين الفعليين لقطر، وأن ما يجمعهما هو الطابع العصرى والتحررى بعيداً عن قيود المجتمع القبلى. فإن «موزة» باتت منافساً لحمد بن جاسم فى مجال الأعمال وهى تتحرك لتصبح أغنى امرأة فى الخليج العربى كله.
تبقى حظوظ «موزة» وافرة فى الاستحواذ على السلطة فى قطر، فهى كذلك تتمتع بدائرة نفوذ كبيرة لدى الأمريكان والإنجليز.
وإن اكتفى حمد بن جاسم بنسج علاقات مصلحية مع شركات السلاح وغيرها، فإن «موزة» مهتمة جداً بنسج علاقات قوية مع منظمات المجتمع المدنى الدولى التى تعنى بشئون الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية، كما أنها تحيط نفسها بحلقة من نساء الأعمال القطريات، بالإضافة إلى حوافز ذاتية بحكم أنها زوجة الأمير المدللة التى لا يرد لها طلب وطغت على زوجات «حمد» الأخريات اللاتى لا يقع ذكرهن مطلقاً، كما أن «موزة» هى التى فرضت ابنها تميم ولياً للعهد على حساب ابنى الأمير من زوجته الأولى «مريم بنت محمد آل ثانى»، إضافة إلى توظيف أبنائها الإناث والذكور فى مفاصل الدولة، كالقوات المسلحة والديوان الأميرى.. هذا دون أن نغفل عن كونها ابنة «المسند» إحدى العائلات الأساسية فى هذه المشيخة، شريكة السلطة والثروة والصفقات.
6 - حمد بن جاسم الوجه البراجماتى
لم تكن الشيخة موزة لتستطيع لوحدها أن تخطط وتدبر وتنفذ فلم تجد بداً من اختيار شخص يتمتع بالحنكة والقوة الكافيتين للقيام بهذه المهمة، فكان أن وجدت ذات الصفات فى ذات الشخص فى نفس العائلة، وهو الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى، رئيس الوزراء، وزير الخارجية آنذاك.
ولد «حمد» سنة 1959 فى قطر ودرس فى لبنان، ولإتقان اللغة الإنجليزية ذهبت إلى بريطانيا، بدأ مسيرته المهنية فى الحكومة موظفاً إدارياً عند عمه.
لـ«حمد بن جاسم» 9 أبناء من زوجته الأولى الشيخة «جواهر بنت فهد بن محمد آل ثانى» و5 أبناء من زوجته الثانية الشيخة «نور بنت عبدالعزيز بن عبدالله بن تركى السبيعى» وزير تربية وتعليم سابق وأحد وجهاء قطر.
المتأمل فى سيرة حمد بن جاسم الذاتية وتدرجه فى السلطة يلحظ أنه كان بعيداً كل البعد عن العمل السياسى إلى سنة 1992 رغم أنه خال أمير قطر الحالى، وقد وجد فيه حليفاً استراتيجياً بعد انقلابه على والده سنة 1995.
بدأ حياته فى الدولة سنة 1982 كإدارى حيث كان يشعل مدير مكتب وزير الشئون البلدية والزراعة، وحتى بالنظر إلى تدرجه بشكل عام يُلحظ أن جل الوظائف التى قام بها كانت تكنوقراطية، الشىء الذى سيساعد «حمد» على تكوين علاقات جيدة مع الجميع بعيداً عن الحسابات أو الانتماءات السياسية الضيقة.
يمتلك «حمد» عقارات بداخل قطر وخارجها. فى قطر، تمتد ممتلكاته من فندق فورسيزنز الفاخر إلى الخطوط القطرية السريعة النمو. كما يرأس مجالس إدارات شركات ومؤسسات ضخمة كـ«هيئة الاستثمار الخارجى» و«شركة الديار القطرية للاستثمار العقارى»، وقد خلقت له ثروته الواسعة الكثير من الانتقادات. فقد كشفت صحيفة «التايمز» اللندنية عن أنه أنفق 100 مليون جنيه إسترلينى على شراء شقة هى الأغلى من نوعها فى لندن تطل على حديقة الهايد بارك، مجهزة بجدران ونوافذ مقاومة للرصاص، كما أن المبنى مزود بممر تحت الأرض متصل بفندق «الماندرين أورينتال» القريب، حيث تم تخصيص 36 موظفاً من موظفيه لخدمة المقيمين فى الشقق الفاخرة.
يجمع حمد بن جاسم بين الدهاء السياسى والنفوذ الاقتصادى، وهو، وفق أحد المسئولين الكبار فى الدولة، المالك الاقتصادى لقطر.
يصفه الصحفى الكويتى «فؤاد الهاشم» بأنه مدمن على حيل السياسة متناقض فى السلوك.. يزور إسرائيل فى يوم، و«نصر الله» فى يوم آخ