احمد رامي
والحقيقة أننا أمام رجل لم يعان تقريبا في حياته، فادخر كل معاناته لحبه للسيدة أم كلثوم، فكتب لها 110 أغاني فصحي علي عامية دون أجر، وجري في الشارع بالبيجاما عندما عرف أنها تزوجت الموسيقار محمود الشريف، حتي يمنع استمرار هذه الزيجة، بحسب رواية الشريف في مذكراته، ولم يكتب حرفا بعد وفاتها عام 1975، حتي رحل هو في الخامس من يونيو 1981 عن عمر 89 عاما.
وأول لقاء بينهما كان عقب عودته من باريس، كان رجلا مرفها، تعلم أحسن تعليم، وعين بأرقي المناصب (مواليد السيدة زينب في عزها لوالد طبيب، ومن الخديوية لمدرسة المعلمين التي تخرج فيها 1914، لبعثة في فرنسا لدراسة الوثائق والمكتبات واللغات الشرقية، لوظيفة ميري في دار الكتب). رجل كامل "من مجاميعه" كما يقولون، وكان فوق كل هذا مهتما بالشعر والغناء، ويحضر المجالس والندوات، ويذهب مع السميعة كأي "برنس" يهز رأسه وهو يقول: "الله. الله" طربا بما يقدمون. وجد البرنس العائد "طازة" من باريس فتاة تغني قصيدة من قصائده هي "الصب تفضحه عيونه" فذهب لسماعها، وانسحق أمام موهبتها كما انسحق ابن زيدون أمام ولادة بنت المستكفي، وكتب لها قصيدة كلها "شجو" و"مكنون" و"سلوي" وغيرها، ثم تعهدها بحبه وعطفه ورعايته. والتقطت هي طرف الخيط، فلم تشبع له رغباته، ولم تتركها تهدأ، كان يخاصمها فتصالحه، ويقبل عليها فتعامله بحيادية، واستفادت كثيرا من ذلك الأوروبي المتطور، الشرقي المتحفظ، الذي قدم لها نصائح غالية، كانت أهمها اعادة تقديم أغنية كانت قدمتها بعنوان "الخلاعة والدلاعة مذهبي" لتصبح "اللطافة والخفافة مذهبي"، وكذلك الخروج نهائيا من منطقة الفتاة اللعوب، لتصبح مطربة الأسرات، ورائدة "الأغنية النظيفة". لم تكن قيمة رامي في كلمات أغانيه، فهي عادية، وإنما كانت قيمته الأكبر دوره في حياة محبوبته التي كانت بتعبيراته "عروس الحلم وعروس القصائد"، هي الأمل والألم، والهجر والوصل والمني، في حين كانت أم كلثوم نفسها أكثر واقعية وتحديدا فقال: "مع أحمد رامي قرأت الشعر العربي في كل عصوره. لقد ساعدني رامي بذوقه وإحساسه الفني الخصب في قراءة الشعر العربي. الشعر هو المفضل عندي منذ البداية. لكن رامي ساعدني علي تنمية هواية قراءة الشعر". ولأنه لم يكن ممكن أن يبقي رامي بلا لقب، ولأن الألقاب ليس عليها جمرك، فقد منحوه لقب "شاعر الشباب" وذلك حتي تكتمل الأسطورة.