القاهرة- وكالة الصحافة العربية: من صفية الدمرداش
برغم مرور أكثر من ثمانين عاماً على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد مؤسسها الإمام حسن البنا في عام 1928 كجماعة دعوية دينية فقط، إلا أنها تطورت بمرور الوقت لجماعة متعددة النشاطات الثقافية والترفيهية والاجتماعية، ولكن سرعان ما تحول مسار هذه الجماعة بدخولها العمل السياسي والتوجه لفكرة التنظيم السياسي الذي تعارض أفكار قياداته مع أفكار النظام الحاكم ووسط حالة من الشد والجذب بين الطرفين لم يكن أمام الجماعة بدٌ من استخدام لغة السلاح من أجل إسكات وإسقاط الأصوات التي تعارض ما يسمى بـ«المشروع الإسلامي»، الذي التف حوله العديد من الأنظمة العربية خلال نشر أفكار جماعة الإخوان المسلمين في معظم دول منطقة الشرق الأوسط ولكن تحت مسميات مختلفة.. وأنشأت أن «التنظيم الخاص أو التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين»، هو نظام عسكري أُسس عام 1940 لإعداد نخبة من الإخوان المسلمين للقيام بمهمات خاصة والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي، ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري في ذلك الوقت - بحسب محمد مهدي عاكف المرشد العام للاخوان السابق - وكانت بداية المواجهات الدامية وتقديم السلاح والعنف لهذه الجماعة في 22 مارس 1948 عندما قتل اثنان من الإخوان المسلمين المستشار أحمد بك الخازندار، بأوامر مباشرة من الإمام حسن البنا، وذلك لإصداره حكماً قاسياً على أحد أعضاء الجماعة سبق أن اتهم بالهجوم على مجموعة من الجنود الإنجليز في أحد الملاهي الليلية، وبتكثيف التحقيقات تبين انتماء هذين الشابين بجانب مجموعة من المجندين بـ«المقطم» كتنظيم مسلح خاص وسري داخل جمعية الإخوان المسلمين، وعلى الفور تم اعتقال المرشد لوقت قصير وتم الإفراج عنه لعدم توافر الأدلة.
مخطط حريق القاهرة
ومن هذه اللحظة بدأ سيناريو حرق مصر بداية من 20 يونيو 1948، حيث اشتعلت النيران في بعض منازل حارة اليهود، وفي 19 يوليو من نفس العام تم تفجير محلي شيكوريل وأركو وهما مملوكان لتجار من اليهود، وتتوالى أعمال العنف والتفجيرات لتشمل القاهرة بالكامل، إضافة لوقوع عدة انفجارات عنيفة بمحافظات مجاورة للقاهرة، حتى ضُبطت سيارة جيب لأهم كوادر الجهاز السري 15 نوفمبر، وتم العثور على وثائق وأرشيفات الجهاز بأكمله بما فيها خططه وتشكيلاته وأسماء الكثيرين من قادته وأعضائه وعلى رأسهم الإمام البنا، وما يقوم به من شحن لنفوس أتباعه بمشاعر التحريض ضد الحكومة تجاه قضية فلسطين، ولكن سرعان ما تخاذل عنهم وحاول أن يتخذ موقفاً وسطاً، برغم رفض الجماعة للشروط المهينة التي خضعت لها الحكومة في اتفاقية الهدنة في فلسطين، ودارت معارك مسلحة بين طلاب الإخوان والبوليس الذي واجه عنف الجماعة بالسلاح، خاصة بعد قتل حكمدار العاصمة «سليم زكي» على أيدي الإخوان المسلمين، الأمر الذي أدى لإصدر قرار من الحاكم العسكري بإيقاف صحيفة الجماعة.
حل الجماعة 1948
وإثر مطاردات الحكومة لهذه الجماعة عقب مخطط حرق القاهرة، حاول البنا إنقاذ الجماعة بشتى الطرق والمحاولات التي باءت جميعاً بالفشل، حيث أصدر مجلس الوزراء قراراً بحل الجماعة بناء على مذكرة أعدها عبد الرحمن عمار وزير الداخلية والصديق الشخصي للبنا، بعد اتهام طويل يعيد إلى الأذهان كل أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعة.. وقد صدرت الأوامر بمحاصرة المركز العام للجماعة والقبض على جميع قياداته باستثناء البنا، الذي تُرك طليقاً بحجة أنه لم يصدر أمر باعتقاله. وتأكيداً على حل هذه الجماعة أصدر الحاكم العسكري العام «محمود فهمي النقراشي» قراراً عسكرياً بحل جمعية جماعة الإخوان المسلمين، وضبط جميع الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وجميع الأشياء المملوكة للجمعية، والحظر على أعضائها والمنتمين إليها بأية صفة كانت مواصلة نشاط الجمعية. واحتدمت المعركة بين الجماعة وأجهزة النظام التي كثفت من هجومها على الإخوان؛ وقد فشل البنا وأعوانه في وقف تروس هذه الحرب التي تهدف للقضاء على الإخوان، وتأكيداً على قلة حيلة الجماعة في المقاومة سوى بـ«العنف» خطط البنا للانتقام من النقراشي باشا حيث قام بتكليف «عبدالمجيد أحمد حسن» ذي الثلاثة والعشرين من عمره بإطلاق الرصاص على رئيس الوزراء النقراشي باشا، وشيع أنصار الحكومة جثمان رئيس وزرائهم هاتفين في صراحة «الموت لحسن البنا». وبالفعل قام إبراهيم عبدالهادي الذي تولى الحكم، ليدير عجلة العنف ضد الجماعة إلى أقصى مداها، بالتوسع من دائرة الاعتقالات التي شملت أكثر من 4000 معتقل متهمين بإثارة العنف والفوضى والإرهاب، وكانت المفاجأة أن استنكر الشيخ البنا هذه الأعمال الإرهابية والتي أمرهم بتنفيذها مراراً وتكراراً واتهم القائمين بها بأنهم «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»! حتى تآمر عليه أتباعه ومريدوه داخل المعتقلات وخارجها، خاصة بعد مدحه بهذه الحكومة التي تعذب رجاله أشد العذاب، في حين يقول: إنها حريصة على أمن الشعب وطمأنينته في ظل جلالة الملك المعظم، بل ويحرض الشعب على التعاون مع الحكومة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، التي أطلق عليهم البنا «رهبان الليل وفرسان النهار» أصبحوا في آخر بيان للشيخ أولئك من العابثين وجهادهم أصبح «سفاسف»، فقرر القتلة أن يُطلقوا الرصاص عليه ليتخلصوا منه، على أيدي الجهاز السري الذي أسسه على الإرهاب والقتل وأعطى قيادته إلى عبدالرحمن السندي.
الجماعة والإرهاب
واستمراراً لسياسات العنف والفوضى للضغط على السلطات الحاكمة من أجل تنفيذ مطالب الجماعة كعادتها، استقبلت قرار صدقي باشا عندما رجع من محادثات في لندن بمسودة معاهدة لم تقبلها المجموعات الوطنية مطلقًا، وانفجرت مشاغبات الطلاب العنيفة، بدأ أعضاء الجهاز السري للإخوان في تنفيذ هجمات على البريطانيين، وعلى مراكز البوليس المصري عبر سنوات ليست بالقصيرة، واستجابت الحكومة لذلك العنف المتصاعد بمعايير قمعية قاسية، بما في ذلك موجة من الاعتقالات بين صفوف الإخوان والمجموعات الوطنية الأخرى، واستمرت المشاغبات حتى استقالت الحكومة.
وبعد عودة الوفد إلى السلطة، حاولت الجماعة التحاور مع الحكومة الجديدة ليحصلوا على التصريح للجماعة بالعمل مرة أخرى، ولكنهم لم يصلوا إلى اتفاق وانتهى الحكم العسكري، وألغيت جميع تدابيره، عدا تلك المطبقة على الإخوان، ومرر البرلمان قانون الجمعيات، وهدف بصفة خاصة إلى الإخوان دون ذكر اسمهم، متطلبًا وصفًا وصورة فوتوغرافية لكل عضو يقدم للسلطات، وأعلن وزير الداخلية أن الوزارة اعتزمت شراء مراكز الجماعة، واستخدام المباني كنقاط للبوليس، وتمكن الإخوان عن طريق القضاء من حل كل هذه القضايا حاصلين على الحق في العمل قانونا، وعودة أملاكها المصادرة، بينما كان الإخوان غير مصرح لهم قانونًا، أصبحت المنافسة لخلافة حسن البنا شديدة، وفي عام 1951 في حركة انتهكت دستور الجماعة، اختير شخص من خارج الجماعة يدعى «حسن إسماعيل الهضيبي»، المعروف بكراهيته للعنف، ولكنه كان معجبًا بالإمام البنا، واستقال من منصبه؛ حيث كان قاضياً ليصبح المرشد العام للجماعة، ولكنه سرعان ما تحقق أنه كان مقصودًا به أن يكون رئيساً صورياً، وأن الأعضاء القدامى ممتعضون من محاولاته لممارسة السلطة، وتحدث صراحة عن الجهاز السري، وحاول حله، إلا أنه لم يفلح إلا في تحجيم أعضائه، الذين اعتبروا أنفسهم محاربين في قضية نبيلة.
وفي أكتوبر 1951 ألغى رئيس الوزراء النحاس باشا المعاهدة المصرية -الإنجليزية لعام 1936، وأثار ذلك مظاهرات ضخمة لدعم استقلال مصر، وبدأت أعداد ضخمة من الناشطين الوطنيين بما في ذلك أعضاء من الإخوان، وبمساعدة الجيش، بدأوا في الإعداد للصراع المسلح مع البريطانيين في منطقة قناة السويس، ومع استمرار الهضيبي في معارضته للعنف تنصل علانية من هذه الترتيبات، وظهر أنه يؤيد نوايا القصر في كبح الحركة الوطنية، وعمق ذلك الصراع بين الهضيبي ومعارضيه في التنظيم خاصة أولئك الذين يعملون في الجهاز السري، وبالفعل لعب الإخوان دورًا مساندًا ولكن ليس حرجًا في الثورة، وكان أعضاء من الضباط الأحرار بمن فيهم جمال عبدالناصر (الذي أصبح قائدًا للنظام الجديد)، وأنور السادات كانوا قد قطعوا صلتهم بالإخوان المسلمين منذ الأربعينيات. برغم أن أعضاء من الإخوان قد حاربوا جنبا إلى جنب مع الضباط الأحرار في فلسطين، وتسلحوا وتدربوا على أيديهم للانتشار في منطقة القنال في العام الذي سبق الثورة، ورغم ازدواجية الهضيبي، إلا أن الإخوان قد وافقوا على مساعدة الثورة، غالبًا بالحفاظ على النظام، وحماية الأجانب والأقليات، وتشجيع الدعم الشعبي للانقلاب العسكري، واستمرت العلاقة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة «هادئة» ولكن سرعان ما تعكَّرت لعدم رغبة الجيش مشاركتهم في السلطة، وإصرار الإخوان على إعلان دستور إسلامي، وعدم ثقة الهضيبي العميقة في عبدالناصر، وحلت الحكومة جميع الأحزاب والجماعات السياسية ما عدا الإخوان المسلمين، وشكلت الثورة هيئة التحرير لكسب أولئك المصريين الذين ظلوا على شكَّهم في الثورة، واقترح النظام دعوة الإخوان إلى هيئة التحرير، وكون النظام قد حيد جميع المجموعات السياسية، لم يستطع النظام أن يتجاهل الإخوان إلا أنه كان غير راغب في إعطائهم دورًا أكبر في الحكومةمعركة ناصر والإخوان
ولكن قرر عبد الناصر تأجيل تنفيذ قراره باعتقال الهضيبى لحين صدور قرارات الإصلاح الزراعي، فإذا عارضها الهضيبي عندئذ لابد من اعتقاله، وبالفعل قد صدرت قرارات الإصلاح الزراعي في 9 سبتمبر 1952، وثار الهضيبي ضدها رافضاً، مما أدى لاعتقال المرشد العام للجماعة وللمرة الأولى في 13 يناير من العام نفسه، وأفرج عنه في شهر مارس من نفس العام، حيث زاره كبار ضباط الثورة معتذرين، وما إن اندلعت الأزمة الأولى عقب ثورة يوليو 1952، باحتدام الصراع على السلطة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة، حتى تم حل الجماعة واعتقال جميع قياداتها قبل وقوع حادث المنشية بالاسكندرية، الذي جرت خلاله محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس عبدالناصر، تم على إثرها تصفية كوادر الجماعة ومحاكمتهم عسكرياً.
تحالف أمريكا والإخوان
ولم يكن أمام الجماعة بد من الفرار من قبضة عبدالناصر سوى الاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث اتصل الشيخ محمود مخلوف وابن شقيقه السيد الهضيبي المرشد العام بالسفير الأمريكي «هنري» لتسهيل سفر إحدى صديقات موشي شاريت وزير خارجية إسرائيل مقابل إزاحه عبدالناصر أو مساعدة الإخوان في الاتصال بعبد الناصر، وعرض مخلوف على السفير الأمريكي صفقة وهي عند وصول الإخوان للسلطه فمن الممكن عمل حوار أو مفاوضات للصلح مع إسرائيل.
محاولة اغتيال عبدالناصر1954
وقرر محمود عبد اللطيف إطلاق النار على عبدالناصر في المنشية عام 1954 هو وزملاؤه في محاولة لقتله، ولكنه فشل واعتقل عدد كبير منهم وقام بحل الجماعة للمرة الثانية، نظرا لكونها تشكل خطرا كبيرا من أعمال العنف التي تقوم بها، ولكن أشاع الإخوان أن هذه تمثيلية من عبدالناصر، كما اعتقل أيضاً الهضيبي للمرة الثانية أواخر عام 1954م حيث حُكم عليه، وصدر عليه الحكم بالإعدام بعد أن أطلق واحد من جماعة الإخوان المسلمين الرصاص على المنصة التي كان يخطب عليها عبد الناصر ليغتاله في المنشية كما حدث مع النقراشي أيام المرشد السابق حسن البنا، ثم خفف إلى المؤبد، وبعد عام من السجن أصيب بالذبحة ولكبر سنه نقل إلى الإقامة الجبرية، وحاول الإخوان استعادة نشاطهم مرة أخرى ومحاولة الانتقام لما حدث لهم من اعتقالات وتعذيب داخل السجون نتيجة لتصرفاتهم الإرهابية، وبدأت حملة التكفيـــر وبدأوا يكفرون الضباط الذين يعذبون الإخوان داخل السجون وبدأ ظهور سيد قطب في ذلك الوقت وأصبح مسؤولا عن الدعوة والفكر ولكن على طريقته الخاصة، وبرغم ذلك أصدر ناصر قراراً بالإفراج عن كل المسجونين من الذين كانت قد صدرت ضدهم أحكام من الإخوان المسلمين في عام 1960، وتم صرف جميع مستحقاتهم بأثر رجعي بموجب قانون جرى استصداره من مجلس الأمة ينص على أن تعاد لجميع المفرج عنهم حقوقهم كاملة، وأن يعودوا إلى وظائفهم بمن فيهم أساتذة الجامعات الذين يملكون حرية الاتصال والتوجيه للنشء الجديد.
وكانت المفاجأة عقب خروج الجماعة من السجون عكف جميع مشايخها وقادتها على تكفير عبد الناصر وهو ما عرُف بـ«تكفير الحاكم»، الذي وضعه سيد قطب في كتابه «معالم على الطريق»، كما اتضح فيما بعد، كما كان مقرراً أن تشمل عملية الاغتيالات عدداً كبيراً من رجال الدولة والكتّاب والأدباء والصحفيين والفنانين وأساتذة في الجامعات وغيرهم رجالاً ونساء، حتى تم اعتقال سيد قطب ثم الإفراج عنه مرة أخرى، وما إن عاد لمخطط الاغتيالات تم اعتقاله مرة أخرى ثم حُكم عليه بالإعدام شنقاً.
السادات وعنف الجماعة
وما إن رحل عبدالناصر عن رئاسة الحكم، خلفه الرئيس أنور السادات الذي تبنى سياسة المصالحة مع القوى السياسية المصرية، وأغلق السجون والمعتقلات التي أُنشئت في عهد عبدالناصر وإجراء إصلاحات سياسية مما بعث بالطمأنينة في نفوس الإخوان وغيرهم بعد حرب أكتوبر1973، حيث أعطى السادات لهم مساحة من الحرية لم تستمر طويلاً ولاسيما بعد تبنيه سياسات الانفتاح الاقتصادي، ولكن سرعان ما تحولت الجماعة وعادت إلى العنف في 1974 عندما أرادت إرغام الأقباط على دفع الجزية حتى بطش بهم السادات، حتى تم تشكيل التنظيم السري بين طلبة الجامعات العسكرية والمدنية لقلب نظام الحكم، من خلال الأحزاب الخارجة عن القانون والعدالة الإنسانية بما فيها الإخوان المسلمون. كما قامت بتنظيم مؤامرة لاغتيال الراحل أنور السادات بعد أن تدربوا داخل السجن الحربي وحينما خرجوا قرروا الانتقام من السادات باغتياله في حادثة «المنصة» الشهيرة أثناء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر.
الإخوان ومبارك
ومن اللحظة الأولى التي تولى فيها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك رئاسة الحكم عقب اغتيال الراحل أنور السادات قرر الإخوان تغيير استراتيجيتهم للسير نحو تحقيق الهدف وهو الوصول للسلطة، وقد اتضح ذلك من خلال خطابها العنيف نحو الحاكم.. وقام مبارك بالإفراج عن جميع قيادات الإخوان الذين تم اعتقالهم بعد اغتيال السادات عام 1984 ففرضوا نفوذهم مرة أخرى بقوة أكبر مما كانت عليه، وبعد الإفراج عنهم قاموا باستغلال الشباب وتجنيدهم حتى يسيطروا على الشارع ويوسعوا نفوذهم للانتخابات البرلمانية التي حصل الإخوان في تلك الفترة على ثمانيِ كراسٍ في إجمالي المقاعد ولكن تم حل البرلمان بموجب قرار من اللجنة الدستورية العليا.. ثم الانتخابات البرلمانية الثانية لعام 1987 والتي حصل فيها الإخوان على 37 مقعداً داخل البرلمان وتم إنهاء الدورة بحكم قضائي من المحكمة الدستورية.. وفي 1990 الثالثة لم يحصل فيها الإخوان على أي مقاعد برلمانية.. وخلال عشرة أعوام متتالية من حكم مبارك حصل خلالها الإخوان على كامل حقوقهم في الاختلاط بين الناس والتعبير عن رأيهم بكل حرية ومع مرور الوقت أصبح الوضع يتغير حينما اكتشفت الأجهزة الأمنية وثائق سرية للجماعة عرفت بخطه التمكين.
وبدأت المحاكمات العسكرية على قيادة الإخوان واعتقال خيرت الشاطر صاحب خطة التمكين التي كان الهدف منها الوصول لكرسي الحكم 1995، وغيرت الدولة من أسس التعامل مع الجماعة بعد اكتشاف مخطط ضد الرئيس الأسبق مبارك وعدد من رجاله، لكن تراجع النظام عن اعتقالهم مع بداية العقد الجديد الذي نجحت الجماعة خلاله في رسم صورة ذهنية أمام العالم للحركات الإسلامية الطيبة، خاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية في عام 2000ـ2005 بعد إبرام صفقة مع النظام الحاكم والحزب الوطني السابق التابع له والتي حصل الإخوان خلالها على 88 مقعداً في هذه الانتخابات البرلمانية. ولكن كانت عن طريق صفقة سرية عقدتها مع الحزب الوطني وكشفها المرشد العام للإخوان في هذه الفترة حينما قال في الانتخابات البرلمانية أنه اتفقوا مع الحزب الحاكم على دخول عدد معين من الإخوان البرلمان مقابل أشياء لم يكشف عنها بعد، وزادت الجماعة من نفوذها بتوجيه الميليشيات المسلحة نحو أقسام الشرطة.
وازدادت حدة الصراع بين النظام والجماعة، حتى وجهت وزارة الداخلية وعناصر أمن الدولة في ذلك الوقت اعتقالات متتابعة لقيادات الجماعة على مستوى الجمهورية، وأطلق عليها في ذلك الوقت «الجماعة المحظورة»، حتى قامت تظاهرات ثورة 25 يناير 2011 التي تندد بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوالت التظاهرات حتى يوم 28 يناير من نفس العام والذي تعرضت فيه السجون المصرية لعملية واسعة من الهجوم والاقتحامات المسلحة كما تعرضت له أقسام الشرطة للحرق وخروج جميع من في المعتقلات وعلى رأسهم الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمون الذين اصطفوا بين الجماهير للمطالبة بإسقاط النظام.. وصعودهم للحكم في 30 يونيو 2012 بنجاح مرشحهم الرئيس محمد مرسي لرئاسة الحكم، إلا أنه فشل في إدارة الدولة بعد معاداته لكافة مؤسساتها حتى خرج الشعب في ثورة ثانية في 30يونيو 2013 للمطالبة بإسقاط الحكم الإخواني، بالتوقيع على حملة تمرد التي تطالب بعزل الرئيس مرسي بعد حنثه بالوعود التي أطلقها للشعب قبل صعوده للسلطة، والتنديد بتدخل مكتب الإرشاد العام للجماعة في إدارة البلاد.. وتصعيد مطالب المتظاهرين والاعتصامات التي تؤكد إقصاء مرسي، أصدر الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، قرارا بعزل الرئيس محمد مرسي عن رئاسة الحكم في 3يوليو 2013، وإبطال العمل بدستور 2012، وذلك عقب الانتهاء من لقاء القوى السياسية والوطنية والدينية التي وضعت خريطة الطريق الجديدة للبلاد.. وما إن صدر القرار العسكري انقسم الشعب المصري عقب قرار العزل بين مؤيد له وآخر معارض قرر التصعيد بالرفض من خلال إثارة العنف والفوضى بالبلاد من خلال تكرار السيناريو الإخواني بحرق أقسام الشرطة، والاعتداء على الكنائس ودور العبادة.. في الوقت الذي عكف فيه أنصار المعزول من المنتمين لتيار الإسلام السياسي في ميداني رابعة العدوية بمدينة نصر، وآخرون بمحيط ميدان النهضة، واستمرت الاعتصامات وسط الهتافات التي تندد بعزل الرئيس الإخواني، وتؤكد على ما يسمى «انقلاباً عسكرياً على الشرعية الدستورية».. وبعد تصاعد حدة العنف والإرهاب في المحافظات وعلى الحدود المصرية بقتل المجندين والاعتداء على معسكرات الجيش والأكمنة الأمنية من قبل الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية، طالب الفريق السيسي بتفويض الشعب له بمواجهة العنف والإرهاب، وبالفعل خرجت الأجهزة الأمنية للشرطة والجيش في 15 أغسطس من نفس العام، لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة معاً وسط مواجهات دامية بين الطرفين أسفرت عن وقوع آلاف من الضحايا والمصابين، مع تصعيد قيادات الجماعة للعنف والإرهاب المفرط ضد الدولة المدنية قامت أجهزة الدولة باعتقال قيادات الجماعة والتيار الإسلامي بتهمة قتل المتظاهرين والتحريض على قتل الأبرياء وتكدير السلم العام في انتظار لصدور محاكمات قد يكون أصدرها التاريخ من قبل على هذه الجماعة الفاشية المتعطشة للدماء والعنف من أجل الوصول للسلطة دون منازعة أو مشاركة من أي فصيل آخر.
برغم مرور أكثر من ثمانين عاماً على تأسيس جماعة الإخوان المسلمين على يد مؤسسها الإمام حسن البنا في عام 1928 كجماعة دعوية دينية فقط، إلا أنها تطورت بمرور الوقت لجماعة متعددة النشاطات الثقافية والترفيهية والاجتماعية، ولكن سرعان ما تحول مسار هذه الجماعة بدخولها العمل السياسي والتوجه لفكرة التنظيم السياسي الذي تعارض أفكار قياداته مع أفكار النظام الحاكم ووسط حالة من الشد والجذب بين الطرفين لم يكن أمام الجماعة بدٌ من استخدام لغة السلاح من أجل إسكات وإسقاط الأصوات التي تعارض ما يسمى بـ«المشروع الإسلامي»، الذي التف حوله العديد من الأنظمة العربية خلال نشر أفكار جماعة الإخوان المسلمين في معظم دول منطقة الشرق الأوسط ولكن تحت مسميات مختلفة.. وأنشأت أن «التنظيم الخاص أو التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين»، هو نظام عسكري أُسس عام 1940 لإعداد نخبة من الإخوان المسلمين للقيام بمهمات خاصة والتدريب على العمليات العسكرية ضد العدو الخارجي، ومحو الأمية العسكرية للشعب المصري في ذلك الوقت - بحسب محمد مهدي عاكف المرشد العام للاخوان السابق - وكانت بداية المواجهات الدامية وتقديم السلاح والعنف لهذه الجماعة في 22 مارس 1948 عندما قتل اثنان من الإخوان المسلمين المستشار أحمد بك الخازندار، بأوامر مباشرة من الإمام حسن البنا، وذلك لإصداره حكماً قاسياً على أحد أعضاء الجماعة سبق أن اتهم بالهجوم على مجموعة من الجنود الإنجليز في أحد الملاهي الليلية، وبتكثيف التحقيقات تبين انتماء هذين الشابين بجانب مجموعة من المجندين بـ«المقطم» كتنظيم مسلح خاص وسري داخل جمعية الإخوان المسلمين، وعلى الفور تم اعتقال المرشد لوقت قصير وتم الإفراج عنه لعدم توافر الأدلة.
مخطط حريق القاهرة
ومن هذه اللحظة بدأ سيناريو حرق مصر بداية من 20 يونيو 1948، حيث اشتعلت النيران في بعض منازل حارة اليهود، وفي 19 يوليو من نفس العام تم تفجير محلي شيكوريل وأركو وهما مملوكان لتجار من اليهود، وتتوالى أعمال العنف والتفجيرات لتشمل القاهرة بالكامل، إضافة لوقوع عدة انفجارات عنيفة بمحافظات مجاورة للقاهرة، حتى ضُبطت سيارة جيب لأهم كوادر الجهاز السري 15 نوفمبر، وتم العثور على وثائق وأرشيفات الجهاز بأكمله بما فيها خططه وتشكيلاته وأسماء الكثيرين من قادته وأعضائه وعلى رأسهم الإمام البنا، وما يقوم به من شحن لنفوس أتباعه بمشاعر التحريض ضد الحكومة تجاه قضية فلسطين، ولكن سرعان ما تخاذل عنهم وحاول أن يتخذ موقفاً وسطاً، برغم رفض الجماعة للشروط المهينة التي خضعت لها الحكومة في اتفاقية الهدنة في فلسطين، ودارت معارك مسلحة بين طلاب الإخوان والبوليس الذي واجه عنف الجماعة بالسلاح، خاصة بعد قتل حكمدار العاصمة «سليم زكي» على أيدي الإخوان المسلمين، الأمر الذي أدى لإصدر قرار من الحاكم العسكري بإيقاف صحيفة الجماعة.
حل الجماعة 1948
وإثر مطاردات الحكومة لهذه الجماعة عقب مخطط حرق القاهرة، حاول البنا إنقاذ الجماعة بشتى الطرق والمحاولات التي باءت جميعاً بالفشل، حيث أصدر مجلس الوزراء قراراً بحل الجماعة بناء على مذكرة أعدها عبد الرحمن عمار وزير الداخلية والصديق الشخصي للبنا، بعد اتهام طويل يعيد إلى الأذهان كل أعمال العنف التي ارتكبتها الجماعة.. وقد صدرت الأوامر بمحاصرة المركز العام للجماعة والقبض على جميع قياداته باستثناء البنا، الذي تُرك طليقاً بحجة أنه لم يصدر أمر باعتقاله. وتأكيداً على حل هذه الجماعة أصدر الحاكم العسكري العام «محمود فهمي النقراشي» قراراً عسكرياً بحل جمعية جماعة الإخوان المسلمين، وضبط جميع الأوراق والوثائق والسجلات والمطبوعات والمبالغ والأموال وجميع الأشياء المملوكة للجمعية، والحظر على أعضائها والمنتمين إليها بأية صفة كانت مواصلة نشاط الجمعية. واحتدمت المعركة بين الجماعة وأجهزة النظام التي كثفت من هجومها على الإخوان؛ وقد فشل البنا وأعوانه في وقف تروس هذه الحرب التي تهدف للقضاء على الإخوان، وتأكيداً على قلة حيلة الجماعة في المقاومة سوى بـ«العنف» خطط البنا للانتقام من النقراشي باشا حيث قام بتكليف «عبدالمجيد أحمد حسن» ذي الثلاثة والعشرين من عمره بإطلاق الرصاص على رئيس الوزراء النقراشي باشا، وشيع أنصار الحكومة جثمان رئيس وزرائهم هاتفين في صراحة «الموت لحسن البنا». وبالفعل قام إبراهيم عبدالهادي الذي تولى الحكم، ليدير عجلة العنف ضد الجماعة إلى أقصى مداها، بالتوسع من دائرة الاعتقالات التي شملت أكثر من 4000 معتقل متهمين بإثارة العنف والفوضى والإرهاب، وكانت المفاجأة أن استنكر الشيخ البنا هذه الأعمال الإرهابية والتي أمرهم بتنفيذها مراراً وتكراراً واتهم القائمين بها بأنهم «ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين»! حتى تآمر عليه أتباعه ومريدوه داخل المعتقلات وخارجها، خاصة بعد مدحه بهذه الحكومة التي تعذب رجاله أشد العذاب، في حين يقول: إنها حريصة على أمن الشعب وطمأنينته في ظل جلالة الملك المعظم، بل ويحرض الشعب على التعاون مع الحكومة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، التي أطلق عليهم البنا «رهبان الليل وفرسان النهار» أصبحوا في آخر بيان للشيخ أولئك من العابثين وجهادهم أصبح «سفاسف»، فقرر القتلة أن يُطلقوا الرصاص عليه ليتخلصوا منه، على أيدي الجهاز السري الذي أسسه على الإرهاب والقتل وأعطى قيادته إلى عبدالرحمن السندي.
الجماعة والإرهاب
واستمراراً لسياسات العنف والفوضى للضغط على السلطات الحاكمة من أجل تنفيذ مطالب الجماعة كعادتها، استقبلت قرار صدقي باشا عندما رجع من محادثات في لندن بمسودة معاهدة لم تقبلها المجموعات الوطنية مطلقًا، وانفجرت مشاغبات الطلاب العنيفة، بدأ أعضاء الجهاز السري للإخوان في تنفيذ هجمات على البريطانيين، وعلى مراكز البوليس المصري عبر سنوات ليست بالقصيرة، واستجابت الحكومة لذلك العنف المتصاعد بمعايير قمعية قاسية، بما في ذلك موجة من الاعتقالات بين صفوف الإخوان والمجموعات الوطنية الأخرى، واستمرت المشاغبات حتى استقالت الحكومة.
وبعد عودة الوفد إلى السلطة، حاولت الجماعة التحاور مع الحكومة الجديدة ليحصلوا على التصريح للجماعة بالعمل مرة أخرى، ولكنهم لم يصلوا إلى اتفاق وانتهى الحكم العسكري، وألغيت جميع تدابيره، عدا تلك المطبقة على الإخوان، ومرر البرلمان قانون الجمعيات، وهدف بصفة خاصة إلى الإخوان دون ذكر اسمهم، متطلبًا وصفًا وصورة فوتوغرافية لكل عضو يقدم للسلطات، وأعلن وزير الداخلية أن الوزارة اعتزمت شراء مراكز الجماعة، واستخدام المباني كنقاط للبوليس، وتمكن الإخوان عن طريق القضاء من حل كل هذه القضايا حاصلين على الحق في العمل قانونا، وعودة أملاكها المصادرة، بينما كان الإخوان غير مصرح لهم قانونًا، أصبحت المنافسة لخلافة حسن البنا شديدة، وفي عام 1951 في حركة انتهكت دستور الجماعة، اختير شخص من خارج الجماعة يدعى «حسن إسماعيل الهضيبي»، المعروف بكراهيته للعنف، ولكنه كان معجبًا بالإمام البنا، واستقال من منصبه؛ حيث كان قاضياً ليصبح المرشد العام للجماعة، ولكنه سرعان ما تحقق أنه كان مقصودًا به أن يكون رئيساً صورياً، وأن الأعضاء القدامى ممتعضون من محاولاته لممارسة السلطة، وتحدث صراحة عن الجهاز السري، وحاول حله، إلا أنه لم يفلح إلا في تحجيم أعضائه، الذين اعتبروا أنفسهم محاربين في قضية نبيلة.
وفي أكتوبر 1951 ألغى رئيس الوزراء النحاس باشا المعاهدة المصرية -الإنجليزية لعام 1936، وأثار ذلك مظاهرات ضخمة لدعم استقلال مصر، وبدأت أعداد ضخمة من الناشطين الوطنيين بما في ذلك أعضاء من الإخوان، وبمساعدة الجيش، بدأوا في الإعداد للصراع المسلح مع البريطانيين في منطقة قناة السويس، ومع استمرار الهضيبي في معارضته للعنف تنصل علانية من هذه الترتيبات، وظهر أنه يؤيد نوايا القصر في كبح الحركة الوطنية، وعمق ذلك الصراع بين الهضيبي ومعارضيه في التنظيم خاصة أولئك الذين يعملون في الجهاز السري، وبالفعل لعب الإخوان دورًا مساندًا ولكن ليس حرجًا في الثورة، وكان أعضاء من الضباط الأحرار بمن فيهم جمال عبدالناصر (الذي أصبح قائدًا للنظام الجديد)، وأنور السادات كانوا قد قطعوا صلتهم بالإخوان المسلمين منذ الأربعينيات. برغم أن أعضاء من الإخوان قد حاربوا جنبا إلى جنب مع الضباط الأحرار في فلسطين، وتسلحوا وتدربوا على أيديهم للانتشار في منطقة القنال في العام الذي سبق الثورة، ورغم ازدواجية الهضيبي، إلا أن الإخوان قد وافقوا على مساعدة الثورة، غالبًا بالحفاظ على النظام، وحماية الأجانب والأقليات، وتشجيع الدعم الشعبي للانقلاب العسكري، واستمرت العلاقة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة «هادئة» ولكن سرعان ما تعكَّرت لعدم رغبة الجيش مشاركتهم في السلطة، وإصرار الإخوان على إعلان دستور إسلامي، وعدم ثقة الهضيبي العميقة في عبدالناصر، وحلت الحكومة جميع الأحزاب والجماعات السياسية ما عدا الإخوان المسلمين، وشكلت الثورة هيئة التحرير لكسب أولئك المصريين الذين ظلوا على شكَّهم في الثورة، واقترح النظام دعوة الإخوان إلى هيئة التحرير، وكون النظام قد حيد جميع المجموعات السياسية، لم يستطع النظام أن يتجاهل الإخوان إلا أنه كان غير راغب في إعطائهم دورًا أكبر في الحكومةمعركة ناصر والإخوان
ولكن قرر عبد الناصر تأجيل تنفيذ قراره باعتقال الهضيبى لحين صدور قرارات الإصلاح الزراعي، فإذا عارضها الهضيبي عندئذ لابد من اعتقاله، وبالفعل قد صدرت قرارات الإصلاح الزراعي في 9 سبتمبر 1952، وثار الهضيبي ضدها رافضاً، مما أدى لاعتقال المرشد العام للجماعة وللمرة الأولى في 13 يناير من العام نفسه، وأفرج عنه في شهر مارس من نفس العام، حيث زاره كبار ضباط الثورة معتذرين، وما إن اندلعت الأزمة الأولى عقب ثورة يوليو 1952، باحتدام الصراع على السلطة بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة، حتى تم حل الجماعة واعتقال جميع قياداتها قبل وقوع حادث المنشية بالاسكندرية، الذي جرت خلاله محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس عبدالناصر، تم على إثرها تصفية كوادر الجماعة ومحاكمتهم عسكرياً.
تحالف أمريكا والإخوان
ولم يكن أمام الجماعة بد من الفرار من قبضة عبدالناصر سوى الاستعانة بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث اتصل الشيخ محمود مخلوف وابن شقيقه السيد الهضيبي المرشد العام بالسفير الأمريكي «هنري» لتسهيل سفر إحدى صديقات موشي شاريت وزير خارجية إسرائيل مقابل إزاحه عبدالناصر أو مساعدة الإخوان في الاتصال بعبد الناصر، وعرض مخلوف على السفير الأمريكي صفقة وهي عند وصول الإخوان للسلطه فمن الممكن عمل حوار أو مفاوضات للصلح مع إسرائيل.
محاولة اغتيال عبدالناصر1954
وقرر محمود عبد اللطيف إطلاق النار على عبدالناصر في المنشية عام 1954 هو وزملاؤه في محاولة لقتله، ولكنه فشل واعتقل عدد كبير منهم وقام بحل الجماعة للمرة الثانية، نظرا لكونها تشكل خطرا كبيرا من أعمال العنف التي تقوم بها، ولكن أشاع الإخوان أن هذه تمثيلية من عبدالناصر، كما اعتقل أيضاً الهضيبي للمرة الثانية أواخر عام 1954م حيث حُكم عليه، وصدر عليه الحكم بالإعدام بعد أن أطلق واحد من جماعة الإخوان المسلمين الرصاص على المنصة التي كان يخطب عليها عبد الناصر ليغتاله في المنشية كما حدث مع النقراشي أيام المرشد السابق حسن البنا، ثم خفف إلى المؤبد، وبعد عام من السجن أصيب بالذبحة ولكبر سنه نقل إلى الإقامة الجبرية، وحاول الإخوان استعادة نشاطهم مرة أخرى ومحاولة الانتقام لما حدث لهم من اعتقالات وتعذيب داخل السجون نتيجة لتصرفاتهم الإرهابية، وبدأت حملة التكفيـــر وبدأوا يكفرون الضباط الذين يعذبون الإخوان داخل السجون وبدأ ظهور سيد قطب في ذلك الوقت وأصبح مسؤولا عن الدعوة والفكر ولكن على طريقته الخاصة، وبرغم ذلك أصدر ناصر قراراً بالإفراج عن كل المسجونين من الذين كانت قد صدرت ضدهم أحكام من الإخوان المسلمين في عام 1960، وتم صرف جميع مستحقاتهم بأثر رجعي بموجب قانون جرى استصداره من مجلس الأمة ينص على أن تعاد لجميع المفرج عنهم حقوقهم كاملة، وأن يعودوا إلى وظائفهم بمن فيهم أساتذة الجامعات الذين يملكون حرية الاتصال والتوجيه للنشء الجديد.
وكانت المفاجأة عقب خروج الجماعة من السجون عكف جميع مشايخها وقادتها على تكفير عبد الناصر وهو ما عرُف بـ«تكفير الحاكم»، الذي وضعه سيد قطب في كتابه «معالم على الطريق»، كما اتضح فيما بعد، كما كان مقرراً أن تشمل عملية الاغتيالات عدداً كبيراً من رجال الدولة والكتّاب والأدباء والصحفيين والفنانين وأساتذة في الجامعات وغيرهم رجالاً ونساء، حتى تم اعتقال سيد قطب ثم الإفراج عنه مرة أخرى، وما إن عاد لمخطط الاغتيالات تم اعتقاله مرة أخرى ثم حُكم عليه بالإعدام شنقاً.
السادات وعنف الجماعة
وما إن رحل عبدالناصر عن رئاسة الحكم، خلفه الرئيس أنور السادات الذي تبنى سياسة المصالحة مع القوى السياسية المصرية، وأغلق السجون والمعتقلات التي أُنشئت في عهد عبدالناصر وإجراء إصلاحات سياسية مما بعث بالطمأنينة في نفوس الإخوان وغيرهم بعد حرب أكتوبر1973، حيث أعطى السادات لهم مساحة من الحرية لم تستمر طويلاً ولاسيما بعد تبنيه سياسات الانفتاح الاقتصادي، ولكن سرعان ما تحولت الجماعة وعادت إلى العنف في 1974 عندما أرادت إرغام الأقباط على دفع الجزية حتى بطش بهم السادات، حتى تم تشكيل التنظيم السري بين طلبة الجامعات العسكرية والمدنية لقلب نظام الحكم، من خلال الأحزاب الخارجة عن القانون والعدالة الإنسانية بما فيها الإخوان المسلمون. كما قامت بتنظيم مؤامرة لاغتيال الراحل أنور السادات بعد أن تدربوا داخل السجن الحربي وحينما خرجوا قرروا الانتقام من السادات باغتياله في حادثة «المنصة» الشهيرة أثناء الاحتفال بذكرى حرب أكتوبر.
الإخوان ومبارك
ومن اللحظة الأولى التي تولى فيها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك رئاسة الحكم عقب اغتيال الراحل أنور السادات قرر الإخوان تغيير استراتيجيتهم للسير نحو تحقيق الهدف وهو الوصول للسلطة، وقد اتضح ذلك من خلال خطابها العنيف نحو الحاكم.. وقام مبارك بالإفراج عن جميع قيادات الإخوان الذين تم اعتقالهم بعد اغتيال السادات عام 1984 ففرضوا نفوذهم مرة أخرى بقوة أكبر مما كانت عليه، وبعد الإفراج عنهم قاموا باستغلال الشباب وتجنيدهم حتى يسيطروا على الشارع ويوسعوا نفوذهم للانتخابات البرلمانية التي حصل الإخوان في تلك الفترة على ثمانيِ كراسٍ في إجمالي المقاعد ولكن تم حل البرلمان بموجب قرار من اللجنة الدستورية العليا.. ثم الانتخابات البرلمانية الثانية لعام 1987 والتي حصل فيها الإخوان على 37 مقعداً داخل البرلمان وتم إنهاء الدورة بحكم قضائي من المحكمة الدستورية.. وفي 1990 الثالثة لم يحصل فيها الإخوان على أي مقاعد برلمانية.. وخلال عشرة أعوام متتالية من حكم مبارك حصل خلالها الإخوان على كامل حقوقهم في الاختلاط بين الناس والتعبير عن رأيهم بكل حرية ومع مرور الوقت أصبح الوضع يتغير حينما اكتشفت الأجهزة الأمنية وثائق سرية للجماعة عرفت بخطه التمكين.
وبدأت المحاكمات العسكرية على قيادة الإخوان واعتقال خيرت الشاطر صاحب خطة التمكين التي كان الهدف منها الوصول لكرسي الحكم 1995، وغيرت الدولة من أسس التعامل مع الجماعة بعد اكتشاف مخطط ضد الرئيس الأسبق مبارك وعدد من رجاله، لكن تراجع النظام عن اعتقالهم مع بداية العقد الجديد الذي نجحت الجماعة خلاله في رسم صورة ذهنية أمام العالم للحركات الإسلامية الطيبة، خاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية في عام 2000ـ2005 بعد إبرام صفقة مع النظام الحاكم والحزب الوطني السابق التابع له والتي حصل الإخوان خلالها على 88 مقعداً في هذه الانتخابات البرلمانية. ولكن كانت عن طريق صفقة سرية عقدتها مع الحزب الوطني وكشفها المرشد العام للإخوان في هذه الفترة حينما قال في الانتخابات البرلمانية أنه اتفقوا مع الحزب الحاكم على دخول عدد معين من الإخوان البرلمان مقابل أشياء لم يكشف عنها بعد، وزادت الجماعة من نفوذها بتوجيه الميليشيات المسلحة نحو أقسام الشرطة.
وازدادت حدة الصراع بين النظام والجماعة، حتى وجهت وزارة الداخلية وعناصر أمن الدولة في ذلك الوقت اعتقالات متتابعة لقيادات الجماعة على مستوى الجمهورية، وأطلق عليها في ذلك الوقت «الجماعة المحظورة»، حتى قامت تظاهرات ثورة 25 يناير 2011 التي تندد بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتوالت التظاهرات حتى يوم 28 يناير من نفس العام والذي تعرضت فيه السجون المصرية لعملية واسعة من الهجوم والاقتحامات المسلحة كما تعرضت له أقسام الشرطة للحرق وخروج جميع من في المعتقلات وعلى رأسهم الجماعات الإسلامية والإخوان المسلمون الذين اصطفوا بين الجماهير للمطالبة بإسقاط النظام.. وصعودهم للحكم في 30 يونيو 2012 بنجاح مرشحهم الرئيس محمد مرسي لرئاسة الحكم، إلا أنه فشل في إدارة الدولة بعد معاداته لكافة مؤسساتها حتى خرج الشعب في ثورة ثانية في 30يونيو 2013 للمطالبة بإسقاط الحكم الإخواني، بالتوقيع على حملة تمرد التي تطالب بعزل الرئيس مرسي بعد حنثه بالوعود التي أطلقها للشعب قبل صعوده للسلطة، والتنديد بتدخل مكتب الإرشاد العام للجماعة في إدارة البلاد.. وتصعيد مطالب المتظاهرين والاعتصامات التي تؤكد إقصاء مرسي، أصدر الفريق أول عبدالفتاح السيسي وزير الدفاع والإنتاج الحربي، قرارا بعزل الرئيس محمد مرسي عن رئاسة الحكم في 3يوليو 2013، وإبطال العمل بدستور 2012، وذلك عقب الانتهاء من لقاء القوى السياسية والوطنية والدينية التي وضعت خريطة الطريق الجديدة للبلاد.. وما إن صدر القرار العسكري انقسم الشعب المصري عقب قرار العزل بين مؤيد له وآخر معارض قرر التصعيد بالرفض من خلال إثارة العنف والفوضى بالبلاد من خلال تكرار السيناريو الإخواني بحرق أقسام الشرطة، والاعتداء على الكنائس ودور العبادة.. في الوقت الذي عكف فيه أنصار المعزول من المنتمين لتيار الإسلام السياسي في ميداني رابعة العدوية بمدينة نصر، وآخرون بمحيط ميدان النهضة، واستمرت الاعتصامات وسط الهتافات التي تندد بعزل الرئيس الإخواني، وتؤكد على ما يسمى «انقلاباً عسكرياً على الشرعية الدستورية».. وبعد تصاعد حدة العنف والإرهاب في المحافظات وعلى الحدود المصرية بقتل المجندين والاعتداء على معسكرات الجيش والأكمنة الأمنية من قبل الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية، طالب الفريق السيسي بتفويض الشعب له بمواجهة العنف والإرهاب، وبالفعل خرجت الأجهزة الأمنية للشرطة والجيش في 15 أغسطس من نفس العام، لفض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة معاً وسط مواجهات دامية بين الطرفين أسفرت عن وقوع آلاف من الضحايا والمصابين، مع تصعيد قيادات الجماعة للعنف والإرهاب المفرط ضد الدولة المدنية قامت أجهزة الدولة باعتقال قيادات الجماعة والتيار الإسلامي بتهمة قتل المتظاهرين والتحريض على قتل الأبرياء وتكدير السلم العام في انتظار لصدور محاكمات قد يكون أصدرها التاريخ من قبل على هذه الجماعة الفاشية المتعطشة للدماء والعنف من أجل الوصول للسلطة دون منازعة أو مشاركة من أي فصيل آخر.