حملة «تمرد» واستمرار الثورة عبد الغفار شكر

فاجأت حملة «تمرد» جميع الأطراف فى مصر بما لم تكن تتوقعه، فقد تشكلت
الحملة من مجموعة من الشباب خارج السياق السياسى تماماً وحققت نتائج سريعة
فى دعوتها المواطنين إلى التوقيع على وثيقة بسحب الثقة من رئيس الجمهورية
والدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، فاجأت الحملة نظام الحكم الذى
اقتنع أن الأمور قد دانت له، وفاجأت جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها
الحزب الحاكم التى توجد فروعها وفروع حزبها الحرية والعدالة فى كل مدن مصر
وقراها، والتى تعتبر نفسها القوة السياسية التى لا يستطيع حزب أو قوة
سياسية أخرى منافستها سياسياً أو انتخابياً. كما فاجأت أحزاب المعارضة
عموماً وجبهة الإنقاذ خصوصاً. ووجه المفاجأة هنا عند الجميع أنهم كانوا
يتصرفون على أساس أنهم وحدهم فى الساحة وأن شباب الثورة قد تم استيعابه فى
الحياة الحزبية أو انصرف عن العمل العام يائساً من القدرة على استرجاع
الثورة بعد أن تم إجهاضها بفعل فاعل وهو المجلس العسكرى وجماعة الإخوان
المسلمين. وبينما كان الحاكم يتصرف بثقة متزايدة فى عدم وجود من يستطيع
إحراجه أو الضغط عليه، وبينما أحزاب المعارضة مترددة فى الدعوة إلى إجراء
انتخابات رئاسية مبكرة أو الاكتفاء بالقول إن الرئيس لو واصل نهجه فى الحكم
فإنه فى الطريق لفقدان شرعيته. وأنها سوف تحسم أمرها عندما يتأكد لها أن
الرئيس سيواصل أداء دوره لصالح الجماعة فقط وليس كرئيس لكل المصريين.
وفاجأت الحملة أيضاً وسائل الإعلام التى كانت تدور فى نفس دائرة الحكم
والمعارضة دون الانتباه إلى أن الشعب المصرى قادر على إبداع صيغ جديدة
يتمكن من خلالها من تغيير المعادلة السياسية القائمة (معادلة
الحكم/المعارضة).

ويعتبر ظهور حملة «تمرد» ونجاحها فى جمع عدة ملايين من التوقيعات
تعبيراً عن حيوية الشعب المصرى وتخلصه من السلبية والخوف وقدرته على إبداع
صيغ جديدة للعمل إذا استهلكت الصيغ القديمة. فجاءت الدعوة إلى سحب الثقة من
رئيس الجمهورية مصحوبة بأسباب تمس المواطن العادى فى معيشته وكرامته
ومستقبله، وتمس الثورة وأهدافها التى لا يمكن بدونها تحقيق أحلام الشعب فى
معيشة كريمة، وكان لبساطة الفكرة وطرح هدف مباشر هو إجراء انتخابات رئاسية
مبكرة دافعاً لتجاوب المواطنين مع الحملة وتوقيع الملايين مسجلين رقمهم
القومى. وبمقارنة هذا النجاح النسبى فى وقت قصير بتردد الأحزاب السياسية
واتباعها أساليب تقليدية فى الحركة تبعدها عن المواطنين وتحول دون قدرتها
على كسب ثقتهم أو تعبئتهم حول أهداف محددة تمس مصالحهم المباشرة ومصالح
الوطن، مما يطرح السؤال هل تسحب «تمرد» البساط من تحت أقدام أحزاب المعارضة
والحكم فى نفس الوقت؟ أم أنها ما تزال فى مرحلة التكوين ولم تكتسب القدرة
بعد على طرح نفسها كطرف أساسى فى الساحة السياسية؟ هناك محاولات من أحزاب
المعارضة لركوب الموجة والمشاركة فى جمع التوقيعات وفتح مقراتها للحملة
لتنسيق نشاطها فى مختلف أنحاء الجمهورية، وهناك رد فعل معاكس من جماعة
الإخوان المسلمين التى يتصدى شبابها لأعضاء الحملة ويعتدون عليهم بالضرب
المبرح وتسليمهم لأقسام الشرطة بتهمة السعى إلى قلب نظام الحكم، وهو ما
يؤكد أن الجماعة بدأت تستشعر الحرج والخطر من نجاح الحركة وشكلت فى
مواجهتها حركة «تجرد» التى تساند الرئيس وتدعو إلى استكمال مدته. نحن إذن
أمام مواجهة سياسية جديدة. وأمام نهوض شعبى محتمل إذا طورت حملة «تمرد»
أساليبها ولم تكتف بجمع التوقيعات وعندما تستهدف التحول من حملة لجمع
التوقيعات إلى حركة سياسية لاستئناف مسيرة الثورة يساعدها على ذلك هذا
التجاوب الشعبى السريع معها. هناك إمكانية أمام «تمرد» للتحول من حملة إلى
حركة إذا نجحت فى عقد ندوات سياسية فى مواقع تجمع المواطنين، بالإضافة إلى
تنظيم وقفات فى مواقع استراتيجية تحمل شعارات الحملة، وتنظيم حملة إعلامية
بالملصقات والمشاركة فى البرامج التليفزيونية، وإشراك المواطنين فى مسيرات
لا تتجاوز نطاق الحى الذى تنظم فيه مصحوبة بمناقشات حول سحب الثقة وإجراء
انتخابات رئاسية مبكرة وعلاقة ذلك باستئناف مسيرة الثورة وتحقيق أهدافها.

وبهذا نستعيد مرة أخرى قوة الدفع الشعبى ونرفع معنويات المواطنين
ونقبل التحدى بإثبات قدرة الشعب المصرى على حماية ثورته وضمان استمرارها
وتحقيق أهدافها.