الجنازة العسكرية لشهداء رفح
فى الأوله قُلنا جيِّنلك وجينالك.. ولا تُهنا ولا نسينا
والتانية قُلنا ولا رملاية فى رمالك.. عن القول والله ما سهينا
والتالته إنتى حملى وأنا حمّالك.. صباح الخير يا سينا
منذ 263 يوماً، تقريباً جلسوا يكسرون صيام يوم حار طويل ويفطرون،
التفوا حول طعام فقير يشبههم ويشبهونه، واحد كان يغسل تمرات جافة، وثانٍ
يسترق السمع لصوت المؤذن فى راديو «ترانزستور» متهالك يدعمه «أستك» معقود
حول الخصر، وثالث يفرش «حصيرة» بلاستيكية ليصلّوا عليها المغرب جماعة،
وباقيهم يهتموا بالطعام، وجميعهم ظنّوا أن العدو فى الخارج، فتركوا السلاح
ساعة ليهدأ، وليتهم ما تركوه.
263 يوماً مرت، وتحل اليوم ذكرى تحرير سيناء، كانوا جنوداً شجعاناً
يحمون سيناء، يغنُّون لها كلمات الأبنودى ساعة عادت «ورسيتى فى مراسينا،
تعالى فى حضننا الدافى، ضمينا وبوسينا يا سينا»، فى 5 أغسطس 2012 قُطفت 16
زهرة من بستان هذا الوطن الجاحد، ساعة سقطوا، ثار الرئيس القادم بالصندوق،
مَن أقسم على حماية الأرض والعِرض والدم، وعد بالقصاص ولم يفِ، وتوعّد
الجناة فلم يرتدع أحد، أقال جنرالات الجيش وقلّدهم فى الخلفية أعلى الأوسمة
والنياشين، صرّح فى العلن أنه الفرد الحاكم المسيطر على مقاليد الحكم
ومؤسسات الدولة، لا تلوى ذراعه ولا تُحاك المؤمرات ضده، فأثبتت الأيام غير
ما يقوم، وتغيّرت اللكنة بمرور الأيام، تطايرت وعود القصاص، وبدأت التلويح
بأنه -الرئيس- يعلم هوية الجناة، ولما زادت الأسئلة، وبعدما راحت الأصابع
كلها تشير ناحية حلفائه فى غزة، ماتت القضية، وضاعت الدماء، وتبخّرت
الوعود، وظلت دماء جنود رفح جامدة فى سيناء، تلفظها الأرض وتأبى أن تتشربها
ما دامت لا تعرف قاتلها.
واليوم، ولأن آفة أوطاننا النسيان، وبينما يحتفل الجميع بتحرير
سيناء، نذكر شهداء سيناء، شهداء ماتوا دون حرب أو نفير، ماتوا غدراً،
بأيادٍ يعرف القاصى والدانى مَن يقف وراءها ومن مولها، لكن وحده صاحب
القرار، ومَن فى رقبته الدم، يحتكر الصمت ويراهن على ذاكرة تنسى كل شىء..
إلا الثأر.. وصباح الخير يا سينا.