يا اهل العرب والطرب
-[welcoOome]--
مرحبا بك ايها الزائر الكريم
مرحبًا بك ما خطّته الأقلام من حروف
مرحبًا عدد ما أزهر بالأرض زهور
مرحبا ممزوجة .. بعطر الورد .. ورائحة البخور
مرحبا بك بين إخوانك وأخواتك
منورين المنتدى بوجودكم ايها اعضاء وزوارنا الكرام
تحيات الادارة/يا اهل العرب

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

يا اهل العرب والطرب
-[welcoOome]--
مرحبا بك ايها الزائر الكريم
مرحبًا بك ما خطّته الأقلام من حروف
مرحبًا عدد ما أزهر بالأرض زهور
مرحبا ممزوجة .. بعطر الورد .. ورائحة البخور
مرحبا بك بين إخوانك وأخواتك
منورين المنتدى بوجودكم ايها اعضاء وزوارنا الكرام
تحيات الادارة/يا اهل العرب
يا اهل العرب والطرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

اسلامي ثقافي رياضي فن افلام صور اغاني


أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد! يشرفنا أن تقوم بالدخول أو التسجيل إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى

قصة موسى عليه السلام‏

اذهب الى الأسفل  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

1   قصة موسى عليه السلام‏ Empty قصة موسى عليه السلام‏ الأربعاء يناير 09, 2013 2:32 pm

Admin

Admin
مدير الموقع

قصة موسى عليه السلام‏
قال الله تعالى: "وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى
أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً، فَلَمَّا بَلَغَا
مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي
الْبَحْرِ سَرَباً، فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا
لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً، قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ
أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِي
إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ
عَجَباً، قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا
قَصَصاً، فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً
مِنْعِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً، قَالَ لَهُ مُوسَى
هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً، قَالَ
إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا
لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً، قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً
وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً، قَالَ فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي
عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً، فَانطَلَقَا حَتَّى
إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا، قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ
أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ
لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا
تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا
غُلاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ
لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، قَالَ إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا
فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً، فَانطَلَقَا
حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا
أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ
فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً، قَالَ هَذَا
فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ
عَلَيْهِ صَبْراً، أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ
مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ
أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً
وَكُفْراً، فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ
زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْماً، وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ
يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ
أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا
وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ
أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً".

قال بعض أهل الكتاب: إن موسى هذا الذي رحل إلى الخضر هو موسى بن منسا بن
يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، وتابعهم على ذلك بعض من يأخذ
من صحفهم، وينقل عن كتبهم، منهم نوف، بن فضالة الحميري الشامي البكالي.
ويقال إنه دمشقي، وكانت أمه زوجة كعب الأحبار.

والصحيح الذي دل عليه ظاهر سياق القرآن ونص الحديث الصحيح الصريح. المتفق عليه: أنه موسى ابن عمران صاحب بني إسرائيل.

قال البخاري: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عمرو بن دينار، قال:
أخبرني سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى
صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عباس: كذب عدو الله.
حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن موسى هام
خطيباً في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا. فعتب الله عليه إذ
لم يرد العلم إليه، فأوحى إليه: إن لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك.
قال موسى: يا رب فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيثما
فقدت الحوت فهو ثمَّ، فأخذ حوتاً فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه
يوشع بن نون، حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في
المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، واتخذ سبيله في البحر سرباً. وأمسك الله
عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبره
بالحوت، فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى
لفتاه": "آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا
نَصَباً""قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به، فقال
له فتاه: ""أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ
الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِي إِلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ
وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً". "قال: فكان للحوت سرباً.
ولموسى ولفتاه عجباً. فقال له موسى""ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا
عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصً".

قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة، فإذا رجل مسجى بثوب
فسلَّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام؟ قال: أنا موسى. قال:
موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلمني مما علمت رشداً "إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً". يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه الله
لا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. فقال موسى:
"سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً".

فقال له الخضر: "فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ
حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً، فَانطَلَقَا". يمشيان على ساحر
البحر، فمرت بهما سفينة فكلموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نول
فلما ركبا في السفينة لم يفجأ إلا والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السفينة
بالقدوم، فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها
"لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ
إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً، قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا
نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً".

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكانت الأولى من موسى نسياناً.
قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة، فقال له الخضر:
ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور بمنقاره من هذا
البحر!.

ثم خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاماً
يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى:
"أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً
نُكْراً، قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي
صَبْراً". قال: وهذه أشد من الأولى "إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا
فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْراً".

"فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا
أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً
يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ". قال: مائل. فقام الخضر "فَأَقَامَهُ"بيده. فقال
موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا "قَالَ لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ
عَلَيْهِ أَجْراً، قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ
سَأُنَبِّئُكَ". إلى قوله: "ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ
صَبْراً". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وددنا أن موسى كان صبر حتى
يقص الله علينا من خبرهما".

قال سعيد بن جبير: فكان ابن عباس يقرأ: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة
صالحة غصباً"وكان يقرأ: "وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين".

ثم رواه البخاري أيضاً عن قتيبة عن سفيان بن عيينة بإسناده نحوه. وفيه:
"فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون ومعهما الحوت حتى انتهيا إلى الصخرة
فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام".

قال سفيان: وفي حديث غير عمرو قال: وفي أصل الصخرة عين يقال لها الحياة،
لا يصيب من مائها شيء إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال: فتحرك
وانسل من المكتل فدخل البحر، فلما استيقظ "قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا
غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا". الآية. وساق الحديث.

وقال: ووقع عصفور على حرف السفينة فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر
لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار ما غمس هذا
العصفور منقاره، وذكر تمام الحديث.

وقال البخاري: حدثنا إبراهيم بن موسى، حدثنا هشام بن يوسف: أن ابن جريج
أخبرهم، قال أخبرني يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، يزيد
أحدهما على صاحبه، وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد بن جبير قال: إنا لَعند
ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني. فقلت: أي أبا عباس - جعلني الله فداك -
بالكوفة رجل قاص يقال له نوف، يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل. أما عمرو
فقال لي، قال: قد كذب عدو الله. وأما يعلى فقال لي: قال ابن عباس: حدثني
أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " موسى رسول الله قال
ذكر الناس يوماً حتى إذا فاضت العيون، ورقت القلوب ولَّى، فأدركه رجل فقال:
أي رسول الله! هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا. فعتب الله عليه إذ لم
يرد العلم إلى الله، قيل بلى. قال أي رب فأين؟ قال بمجمع البحرين، قال: أي
رب اجعل لي علماً أعلم ذلك به. قال لي عمرو: قال حيث يفارقك الحوت، وقال لي
يعلى: قال: خذ نوناً ميتاً حيث ينفخ فيه الروح فأخذ حوتاً فجعله في مكتل
فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت
كثيراً، فذلك قوله جل ذكره ""وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ". "يوشع بن
نون، "ليس عن سعيد بن جبير، "قال بينما هو في ظل صخرة في مكان ثريان إذ
تضرب الحوت وموسى نائم، فقال فتاه لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره،
وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كأن أثره في حجر،
قال لي عمرو: هكذا، كأن أثره في حجر وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما".

"لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَباً". "قال: قد قطع الله عنك
النصب ليست هذه عن سعيد. أخبره فرجعا فوجدا خضراً - قال لي عثمان بن أبي
سليمان - على طْنِفسة خضراء على كبد البحر، قال سعيد بن جبير مسجى بثوبه،
قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلم عليه موسى فكشف عن وجهه،
وقال: هل بأرضي من سلام؟ من أنت؟ قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟
قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال: جئتك لتعلمني مما علمت رشداً، قال: أما
يكفيك أن التوراة بيديك، وأن الوحي يأتيك؟ يا موسى إن لي علماً لا ينبغي لك
أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه. فأخذ طائر بمنقاره من
البحر، فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله كما أخذ هذا الطائر
بمنقاره من البحر".

"حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ". "وجد معابر صغاراً تحمل أهل
هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد الله الصالح. قال
فقلنا لسعيد: خضر؟ قال: نعم. لا نحمله بأجر، فخرقها ووتد فيها وتداً قال
موسى: ""أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً
إِمْراً". "وقال مجاهد: منكراً. ""قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ
تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً". "كانت الأولى نسياناً، والوسطى شرطاً،
والثالثة عمداً""قَالَ لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلا تُرْهِقْنِي
مِنْ أَمْرِي عُسْراً، فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاماً
فَقَتَلَهُ". "قال يعلى قال سعيد: وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً
ظريفاً فأضجعه، ثم ذبحه بالسكين""قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً
بِغَيْرِ نَفْسٍ"" لم تعمل بالخبيث. وكان ابن عباس قرأها: زكية زاكية
مسلمة، كقولك غلاماً زكياً".

"فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا
أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً
يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ". "قال سعيد بيده هكذا، ورفع يده
فاستقام. قال يعلى: حسبت أن سعيداً قال: فمسحه بيده فاستقام ""قَالَ لَوْ
شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً". "قال سعيد: أجراً نأكله.""وَكَانَ
وَرَاءَهُمْ"" وكان أمامهم، قرأها ابن عباس: أمامهم ملك يزعمون عن غير سعيد
أنه -هدد من بدد - والغلام المقتول اسمه يزعمون - جيسور""مَلِكٌ يَأْخُذُ
كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً""فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها، فإذا
جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها. ومنهم من يقول: سدوها بقارورة، ومنهم من يقول
بالقار"

"فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ". "وكان كافراً ""فَخَشِينَا أَنْ
يُرْهِقَهُمَا طُغْيَاناً وَكُفْراً". "أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على
دينه""فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ زَكَاةً""
لقوله""أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً""وَأَقْرَبَ رُحْماً""هما بها أرحم
منهما بالأول الذي قتل خضر".

وزعم غير سعيد بن جبير أنهما أبدلا جارية، وأما داود بن أبي عاصم فقال من غير واحد إنها جارية

وقد رواه عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
قال: خطب موسى بني إسرائيل، فقال: ما أحد أعلم بالله وبأمره مني، فأمر أن
يلقي هذا الرجل، فذكر نحو ما تقدم.

وهكذا رواه محمد بن إسحاق عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عيينة، عن
سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب، عن رسول الله صلى الله عليه
وسلم كنحو ما تقدم أيضاً.

ورواه العوفي عنه موقوفاً. وقال الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود عن ابن عباس: أنه تمارى هو والحر بن قيس بن حصن الفزاري في
صاحب موسى، فقال ابن عباس هو خضر، فمر بهما أبي بن كعب فدعاه ابن عباس،
فقال: إني تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه،
فهل سمعت من رسول الله فيه شيئاً؟ قال: نعم، وذكر الحديث.

وقد تقصينا طرق هذا الحديث وألفاظه في تفسير سورة الكهف ولله الحمد.

وقوله: "وأما الجدارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي
الْمَدِينَةِ". قال السهيلي: وهما أصرم وصريم ابنا كاشح "وَكَانَ تَحْتَهُ
كَنزٌ لَهُمَا"قيل كان ذهباً، قاله عكرمة. وقيل علماً، قاله ابن عباس.
والأشبه أنه كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه علم. قال البزار: حدثنا إبراهيم
بن سعيد الجوهري، حدثنا بشر بن المنذر، حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي
عن عياش بن عباس الغساني عن ابن حجيرة، عن أبي ذر رفعه قال: "إن الكنز الذي
ذكره الله في كتابه لوح من الذهب مصمت مكتوب فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر
كيف نصب! وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك؟ وعجبت لمن ذكر الموت كيف غفل؟ لا إله
إلا الله محمد رسول الله".

وهكذا روى عن الحسن البصري وعمر مولى غفرة وجعفر الصادق نحو هذا.

وقوله: "وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً"، قيل إنه كان الأب السابع وقيل
العاشر. وعلى كل تقدير: فيه دلالة على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته والله
المستعان.

وقوله: "رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ "دليل على أنه كان نبياً، وأنه ما فعل
شيئاً من تلقاء نفسه بل بأمر ربه فهو نبي وقيل رسول وقيل لي وأغرب من هذا
من قال إنه كان ملكاً. قلت وقد أغرب جداً من قال هو ابن فرعون، وقيل إنه
ابن ضحاك الذي ملك الدنيا ألف سنة.

قال ابن جرير: والذي عليه جمهور أهل الكتاب أنه كان في زمن
"أفريدون"ويقال إنه كان على مقدمة ذي القرنين، الذي قيل أنه كان أفريدون،
وذو الفرس هو الذي كان في زمن الخليل. وزعموا أنه شرب من ماء الحياة فخلدَ
وهو باق إلى الآن.

وقيل إنه من ولد بعض من آمن بإبراهيم، وهاجر معه من أرض بابل. وقيل اسمه
ملكان، وقيل أرميا بن حلقيا، وقيل كان نبياً في زمن سباسب بن بهراسب.

قال ابن جرير: وقد كان بين أفريدون وبين سباسب دهور طويلة لا يجهلها أحد
من أهل العلم بالأنساب قال ابن جرير: والصحيح أنه كان في زمن أفريدون،
واستمر حياً إلى أن أدركه موسى عليه السلام. وكانت نبوة موسى في زمن
"منوشهر"الذي هو من ولد أبرج بن أفريدون أحد ملوك الفرس، وكان إليه الملك
بعد جده أفريدون لعهد وكان عادلاً. وهو أول من خندق الخنادق، وأول من جعل
في كل قرية دهقاناً، وكانت مدة ملكه قريباً من مائة وخمسين سنة. ويقال إنه
كان من سلالة إسحاق بن إبراهيم.

وقد ذكر عنه من الخطب الحسان والكلم البليغ النافع الفصيح ما يبهر
العقل، ويحير السامع، وهذا يدل على أنه من سلالة الخليل. والله أعلم.

وقد قال الله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ
لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ
مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ
أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا
قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ".

فأخذ الله ميثاق كل نبي على أن يؤمن بمن يجيء من بعده من الأنبياء
وينصره واستلزم ذلك الإيمان وأخذ الميثاق لمحمد صلى الله عليه وسلم لأنه
خاتم الأنبياء فحق على كل نبي أدركه أن يؤمن به وينصره فلو كان الخضر حياً
في زمانه، لما وسعه إلا اتباعه والاجتماع به والقيام بنصره، ولكان من جملة
من تحت لوائه يوم بدر، كما كان تحتها جبريل وسادات من الملائكة.

وقصارى الخضر عليه السلام أن يكون نبياً، وهو الحق، أو رسولاً كما قيل،
أو ملكاً فيما ذكر. وأياً ما كان فجبريل رئيس الملائكة، وموسى أشرف من
الخضر، ولو كان حياً لوجب عليه الإيمان بمحمد ونصرته، فكيف إن كان الخضر
ولياً كما يقوله طوائف كثيرون؟ فأولى أن يدخل في عموم البعثة وأحرى. ولم
ينقل في حديث حسن بل ولا ضعيف يعتمد أنه جاء يوماً واحداً إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ولا أجتمع به، وما ذكر من حديث التعزية فيه، وإن كان
الحاكم قد رواه، فإسناده ضعيف، والله أعلم وسنفرد لخضر ترجمة على حدة بعد
هذا.



قصة قارون مع موسى عليه السلام

قال الله تعالى: "إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى
عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ
بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ
الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ
اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ، قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى
عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ
قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ
جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ الْمُجْرِمُونَ، فَخَرَجَ عَلَى
قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا
يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ
عَظِيمٍ، وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ
خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ
الصَّابِرُونَ، فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ
مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ
المُنْتَصِرِينَ، وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ
يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ
عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا
وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ، تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ
نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ".

قال الأعمش عن المنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: كان
قارون ابن عم موسى، وكذا قال إبراهيم النخعي وعبد الله بن الحارث بن نوفل،
وسِماك بن حرب وقتادة ومالك ابن دينار وابن جريج وزاد فقال: هو قارون بن
يصهب بن قاهث، وموسى بن عمران بن قاهث. قال ابن جرير وهذا قول أكثر أهل
العلم: أنه كان ابن عم موسى، وردَّ قوله ابن إسحاق إنه كان عم موسى. وقال
قتادة: وكان يسمى المنّور لحسن صوته بالتوراة، ولكن عدو الله نافق كما نافق
السامري، فأهلكه البغي لكثرة ماله. وقال شهر بن حوشب: زاد في ثيابه شبراً
طولاً ترفعاً على قومه.

وقد ذكر الله تعالى كثرة كنوزه؛ حتى إن مفاتحه كان يثقل حملها على
الفنام من الرجال الشداد، وقد قيل إنها كانت من الجلود وإنها كانت تحمل على
ستين بغلاً، فالله أعلم.

وقد وعظه النصحاء من قومه قائلين: "لا تَفْرَحْ"أي لا تبطر بما أعطيت
وتفخر على غيرك، "إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ، وَابْتَغِ فِيمَا
آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ"يقولون: لتكن همتك مصروفة لتحصل ثواب
الله في الدار الآخرة، فإنه خير وأبقى، ومع هذا "وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ
الدُّنْيَا"أي وتناول منها بمالك ما احل الله لك، فتمتع لنفسك بالملاذ
الطيبة الحلال، "وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ"أي وأحسن إلى
خلق الله كما أحسن الله خالقهم وبارئهم إليك "وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي
الأَرْضِ"أي ولا تسيء إليهم ولا تفسد فيهم، فتقابلهم ضدَّ ما أمرت فيهم
فيعاقبك ويسلبك ما وهبك، "إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ".

فما كان جواب قومه لهذه النصيحة الصحيحة الفصيحة إلا أن "قَالَ إِنَّمَا
أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي"يعني أنا لا أحتاج إلى استماع ما ذكرتم،
ولا إلى ما إليه أشرتم، فإن الله إنما أعطاني هذا لعلمه أني أستحقه، وأني
أهلٌ له، ولولا أني حبيب إليه وحظي عنده لما أعطاني ما أعطاني.

قال الله تعالى رداً عليه فيما ذهب إليه: "أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ
اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ
مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ
الْمُجْرِمُونَ"أي قد أهلكنا من الأمم الماضين بذنوبهم وخطاياهم من هو أشد
من قارون قوة وأكثر أموالاً وأولاداً؛ فلو كان ما قال صحيحاً لم نعاقب
أحداً من كان أكثر مالاً منه، ولم يكن ماله دليلاً على محبتنا له واعتنائنا
به، كما قال تعالى: "وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي
تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً"وقال
تعالى: "أَيَحْسَبُونَ إنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ،
نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ"وهذا هو الرد عليه
يدل على صحة ما ذهبنا إليه من معنى قوله: "إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى
عِلْمٍ عِندِي".

وأما من زعم أن المراد من ذلك أنه كان يعرف صنعة الكيمياء. أو أنه كان
يحفظ الاسم الأعظم فاستعمله في جمع الأموال، فليس بصحيح؛ لأن الكيمياء
تخييل وصنعة، لا تحيل الحقائق، ولا تشابه صنعة الخالق. والاسم الأعظم لا
يصعد الدعاء به من كافر به، وقارون كان كافراً في الباطن منافقاً في
الظاهر. ثم لا يصح جوابه لهم بهذا على هذا التقدير. ولا يبقى بين الكلامين
تلازم، وقد وضحنا هذا في كتابنا التفسير، ولله الحمد.

قال الله تعالى: "فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ"ذكر كثير من
المفسرين أنه خرج في تجمل عظيم؛ من ملابس ومراكب وخدم وحشم. فلما رآه من
يعظم زهرة الحياة الدنيا تمنوا أن لو كانوا مثله، وغبطوه بما عليه وله،
فلما سمع مقالتهم العلماء، ذوو الفهم الصحيح الزهاد الألباء، قالوا لهم:
"وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً"أي
ثواب الله في الدار الآخرة خير وأبقى وأجل وأعلى. قال الله تعالى: "وَلا
يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ". أي وما يلقى هذه النصيحة وهذه المقالة،
وهذه الهمة السامية إلى الدار الآخرة العلية، عند النظر إلى زهرة هذه
الدنيا الدنية إلا من هدى الله قلبه وثبت فؤاده، وأيد لبَّهُ وحقق مراده.

وما أحسن ما قال بعض السلف: إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، والعقل الكامل عند حلول الشهوات!.

قال الله تعالى: "فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ
لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ
المُنْتَصِرِينَ".

لما ذكر تعالى خروجه في زينته واختياله فيها، وفخره على قومه بها قال:
"فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ"كما روى البخاري من حديث الزهري عن
سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بيَنْا رجل يجر إزاره إذ
خسف به فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة".

ثم رواه البخاري من حديث جرير بن زيد، عن سالم، عن أبي هريرة عن النبي
صلى الله عليه وسلم نحوه. وقد ذكر عن ابن عباس والسدي: أن قارون أعطى امرأة
بغياً مالاً على أن تقول لموسى عليه السلام وهو في ملأ من الناس: إنك فعلت
بي كذا وكذا، فيقال إنها قالت له ذلك، فأرعد من الفرق وصلى ركعتين، ثم
أقبل عليها فاستحلفها من ذلك على ذلك، وما حملت عليه، فذكرت أن قارون هو
الذي حملها على ذلك. واستغفرت الله وتابت إليه. فعند ذلك خرَّ موسى لله
ساجداً، ودعا الله على قارون. فأوحى الله إليه: إني قد أمرت الأرض أن تطيعك
فيه، فأمر موسى الأرض أن تبتلعه وداره، فكان ذلك، والله أعلم.

وقد قيل: إن قارون لما خرج على قومه في زينته مرَّ بجحفله وبغاله
وملابسه على مجلس موسى عليه السلام، وهو يذكِّر قومه بأيام الله. فلما رآه
الناس انصرفت وجوه كثير منهم ينظرون إليه، فدعاه موسى عليه السلام فقال له:
ما حملك على هذا؟ فقال: يا موسى أما لئن كنت فُضِّلت عليّ بالنبوة، فقد
فُضِّلتُ عليك بالمال، ولئن شئت لتخرجن فلتدعون عليّ ولأدعون عليك.

فخرج موسى وخرج قارون في قومه، فقال له موسى: تدعو أو أدعو أنا؟ قال:
أدعو أنا، فدعا قارون فلم يجب له في موسى، فقال موسى: أدعو؟ قال: نعم. فقال
موسى اللهم مُر الأرض فلتطعني اليوم، فأوحى الله إليه إني قد فعلت. فقال
موسى: يا أرض خذيهم. فأخذتهم إلى أقدامهم، ثم قال: خذيهم، فأخذتهم إلى
ركبهم، ثم إلى مناكبهم. ثم قال: أقبلي بكنوزهم وأموالهم، فأقبلت بها حتى
نظروا إليها، ثم أشار موسى بيده فقال: اذهبوا بني لاوى فاستوت بهم الأرض.

وقد روي عن قتادة أنه قال: يخسف بهم كل يوم قامة إلى يوم القيامة. وعن
ابن عباس أنه قال: خسف بهم إلى الأرض السابعة. وقد ذكر كثير من المفسرين
هاهنا إسرائيليات كثيرة، أضربنا عنها صفحاً وتركناها قصداً.

وقوله تعالى: "فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ
اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ"لم يكن له ناصر من نفسه ولا من
غيره كما قال: "فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا نَاصِرٍ".

ولما حل به ما حل من الخسف وذهاب الأموال وخراب الدار وإهلاك النفس
والأهل والعقار، ندم من كان تمنى مثل ما أوتي، وشكروا الله تعالى الذي يدبر
عباده بما يشاء من حسن التدبير المخزون، ولهذا قالوا: " لَوْلا أَنْ مَنَّ
اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ
الْكَافِرُونَ"وقد تكلمنا على لفظ ويكأن في التفسير وقد قال قتادة: ويكأن
بمعنى ألم تر أن. وهذا قول حسن من حيث المعنى، والله أعلم.

ثم أخبر تعالى أن "الدَّارُ الآخِرَةُ"وهي دار القرار، وهي الدار التي
يغبط من أعطيها ويعزَّى من حرمها إنما هي معدة "لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ
عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً". فالعلو هو التكبر والفخر والأشر
والبطر. والفساد هو عمل المعاصي اللازمة والمتعدية، من أخذ أموال الناس
وإفساد معايشهم، والإساءة إليهم وعدم النصح لهم.

ثم قال تعالى: "وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ".

وقصة قارون هذه قد تكون قبل خروجهم من مصر، لقوله: "فَخَسَفْنَا بِهِ
وَبِدَارِهِ الأَرْضَ". فإن الدار ظاهرة في البنيان، وقد تكون بعد ذلك في
التيه، وتكون الدار عبارة عن المحلة التي تضرب فيها الخيام؛ كما قال عنترة:

يا دار عبلة بالجواء تكلمي**وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي

والله أعلم.

وقد ذكر الله تعالى مذمة قارون في غير ما آية من القرآن، قال الله،
"وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ، إِلَى
فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ".

وقال تعالى في سورة العنكبوت بعد ذكر عاد وثمود: "وَقَارُونَ
وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ
فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ، فَكُلّاً
أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ
الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ
وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".

فالذي خسف به الأرض قارون كما تقدم، والذي أغرق فرعون وهامان وجنودهما إنهم كانوا خاطئين.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد، حدثنا كعب بن
علقمة، عن عيسى بن هلال الصدفي، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: "من حافظ عليها كانت له نوراً
وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان
ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف".

تفرد به أحمد رحمه الله.



قصة عبادتهم العجل في غيبة كليم الله عنهم‏

قال الله تعالى: "وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ
حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا
يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا
ظَالِمِينَ، وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ
ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا
لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ، وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ
غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي
أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ
أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ، قَالَ ابن أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ
اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ
وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي
وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ،
إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ
وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ،
وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا
وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، وَلَمَّا
سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى
وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ".

وقال تعالى: "وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى، قَالَ هُمْ
أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى، قَالَ
فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمْ
السَّامِرِيُّ، فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ
يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ
عَلَيْكُمْ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ
رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي، قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ
بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ
فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ، فَأَخْرَجَ لَهُمْ
عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى
فَنَسِيَ، أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا
يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً، وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ
قَبْلُ يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ
فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ
عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى،قَالَ يَاهَارُونُ مَا
مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي أَفَعَصَيْتَ
أَمْرِي، قَالَ يَبْنَؤُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي إِنِّي
خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ
قَوْلِي، قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ، قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ
يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا
وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي
الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ
تُخْلَفَهُ وَانظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً
لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً، إِنَّمَا
إِلَهُكُمْ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ
عِلْماً".

يذكر تعالى ما كان من أمر بني إسرائيل، حين ذهب موسى عليه السلام إلى
ميقات ربه فمكث على الطور يناجيه ربه ويسأله موسى عليه السلام عن أشياء
كثيرة وهو تعالى يجيبه عنها.

فعمد رجل منهم يقال له هارون السامري، فأخذ ما كانوا استعاروه من الحلي،
فصاغ منه عجلاً وألقى فيه قبضة من التراب، كان أخذها من أثر فرس جبريل،
حين رآه يوم أغرق الله فرعون على يديه. فلما ألقاها فيه خار كما يخور العجل
الحقيقي. ويقال إنه استحال عجلاً جسداً أي لحماً ودماً حياً يخور، قال
قتادة وغيره. وقيل بل كانت الريح إذا دخلت من دبره خرجت من فمه فيخور كمن
تخور البقرة، فيرقصون حوله ويفرحون.

"فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ". أي فنسي موسى
ربه عندنا، وذهب يتطلبه وهو هاهنا! تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً،
وتقدست أسماؤه وصفاته، وتضاعفت آلاؤه وهباته.

قال الله تعالى مبيناً بطلان ما ذهبوا إليه، وما عولوا عليه من إلهية
هذا الذي قصاراه أن يكون حيواناً بهيماً أو شيطاناً رجيماً: "أَفَلا
يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرّاً
وَلا نَفْعاً". وقال: "أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا
يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ".

فذكر أن هذا الحيوان لا يتكلم ولا يرد جواباً، ولا يملك ضراً ولا نفعاً،
ولا يهدي إلى رشد، اتخذوه وهم ظالمون لأنفسهم، عالمون في أنفسهم بطلان ما
هم عليه من الجهل والضلال.

"وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ". أي ندموا على ما صنعوا "وَرَأَوْا
أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا
وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ".

ولما رجع موسى عليه السلام إليهم، ورأى ما هم عليه من عبادة العجل، ومعه
الألواح المتضمنة التوراة، ألقاها، فيقال إنه كسرها. وهكذا هو عند أهل
الكتاب، وإن الله أبدله غيرها، وليس في اللفظ القرآني ما يدل على ذلك، إلا
أنه ألقاها حين عاين ما عاين.

وعند أهل الكتاب: أنهما كانا لوحين، وظاهر القرآن أنها ألواح متعددة.
ولم يتأثر بمجرد الخبر من الله تعالى عن عبادة العجل، فأمره بمعاينة ذلك.

ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان عن ابن عباس قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ليس الخبر كالمعاينة". ثم أقبل عليهم
فعنفهم ووبخهم وهجنهم في صنيعهم هذا القبيح فاعتذروا إليه، بما ليس بصحيح،
قالوا إنا "حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا
فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ". تحرجوا من تملك حلي آل فرعون وهم أهل
حرب، وقد أمرهم الله بأخذه وأباحه لهم، ولم يتحرجوا بجهلهم وقلة علمهم
وعقلهم من عبادة العجل الجسد الذي له خوار، مع الواحد الأحد الفرد الصمد
القهار!.

ثم أقبل على أخيه هارون عليه السلام قائلاً له "يَا هَارُونُ مَا
مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا، أَلاَّ تَتَّبِعَنِي". أي هلا لما
رأيت ما صنعوا اتبعتني فأعلمتني بما فعلوا، فقال: "إِنِّي خَشِيتُ أَنْ
تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إسرائِيلَ". أي تركتهم وجئتني وأنت قد
استخلفتني فيهم.

"قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ
وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ". وقد كان هارون عليه السلام نهاهم عن هذا
الصنيع الفظيع أشد النهي، وزجرهم عنه أتم الزجر.

قال الله تعالى: "وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِنْ قَبْلُ يَا
قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُمْ بِهِ". أي إنما قدر الله أمر هذا العجل وجعله
يخور فتنة واختباراً لكم، "وَإِنَّ رَبَّكُمْ الرَّحْمَانُ". أي لا هذا
"فَاتَّبِعُونِي". أي فيما أقول لكم "وَأَطِيعُوا أَمْرِي، قَالُوا لَنْ
نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى". يشهد
الله لهارون عليه السلام "وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً". أنه نهاهم وزجرهم
عن ذلك فلم يطيعوه ولم يتبعوه.

ثم أقبل موسى على السامري "قَالَ فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ". أي ما
حملك على ما صنعت "قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ". أي رأيت
جبرائيل وهو راكب فرساً "فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ". أي
من أثر فرس جبريل. وقد ذكر بعضهم أنه رآه، وكلما وطئت بحوافرها على موضع
اخضّر وأعشب، فأخذ من أثر حافرها، فلما ألقاه في هذا العجل المصنوع من
الذهب كان من أمره ما كان. ولهذا قال: "فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ
لِي نَفْسِي، قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ
لا مِسَاسَ". وهذا دعاء عليه بأن لا يمس أحداً، معاقبة له على مسه ما لم
يكن له مسه، هذا معاقبة له في الدنيا، ثم توعده في الأخرى فقال: "وَإِنَّ
لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ"- وقرئ "لَنْ تُخْلَفَهُ""وَانظُرْ إِلَى
إِلَهِكَ الَّذِي ظَلَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ
لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً". قال: فعمد موسى عليه السلام إلى هذا
العجل، فحرقه قيل بالنار، كما قاله قتادة وغيره. وقيل بالمبارد، كما قاله
عليّ وابن عباس وغيرهما، وهو نص أهل الكتاب، ثم ذراه في البحر، وأمر بني
إسرائيل فشربوا، فمن كان من عابديه علق على شفاههم من ذلك الرماد ما يدل
عليه، وقيل بل اصفرت ألوانهم.

ثم قال تعالى إخباراً عن موسى أنه قال لهم: "إِنَّمَا إِلَهُكُمْ
اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً".

وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ
غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ
نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ".

وهكذا وقع. وقد قال بعض السلف: "وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ"مسجلة لكل صاحب بدعة إلى يوم القيامة!.

ثم أخبر تعالى عن حلمه ورحمته بخلقه، وإحسانه على عبيده في قبوله توبة
من تاب إليه، بتوبته عليه، فقال: "وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ
ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا
لَغَفُورٌ رَحِيمٌ".

لكن لم يقبل الله توبة عابدي العجل إلا بالقتل، كما قال تعالى: "وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ
بِاتِّخَاذِكُمْ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا
أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ
إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ"فيقال إنهم أصبحوا يوماً وقد أخذ من
لم يعبد العجل في أيديهم السيوف، وألقى الله عليهم ضباباً حتى لا يعرف
القريب قريبه ولا النسيب نسيبه، ثم مالوا على عابديه فقتلوهم وحصدوهم فيقال
إنهم قتلوا في صبيحة واحدة سبعين ألفاً!.

ثم قال تعالى: "وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ
الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ
لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ". استدل بعضهم بقوله: "وَفِي نُسْخَتِهَا". على
أنها تكسرت، وفي هذا الاستدلال نظر، وليس في اللفظ ما يدل على أنها تكسرت،
والله أعلم.

ذكر ابن عباس في حديث الفتون كما سيأتي: أن عبادتهم.. على أثر خروجهم من
البحر. وما هو ببعيد، لأنهم حين خرجوا "قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا
إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ". وهكذا عند أهل الكتاب، فإن عبادتهم العجل
كانت قبل مجيئهم بلاد بيت المقدس. وذلك أنهم لما أمروا بقتل من عبد العجل،
قتلوا في أول يوم ثلاثة آلاف، ثم ذهب موسى يستغفر لهم، فغفر لهم بشرط أن
يدخلوا الأرض المقدسة.

"وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا
أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ
قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ
هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ
أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ
الْغَافِرِينَ، وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي
الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ
أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا
يُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ
الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ
يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ
لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ
عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ
آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي
أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ".

ذكر السدي وابن عباس وغيرهما أن هؤلاء السبعين كانوا علماء بني إسرائيل،
ومعهم موسى وهارون ويوشع وناذاب وأبيهو، ذهبوا مع موسى عليه السلام
ليعتذروا عن بني إسرائيل في عبادة من عبد منهم العجل. وكانوا قد أمروا أن
يتطيبوا ويتطهروا ويغتسلوا، فلما ذهبوا معه واقتربوا من الجبل وعليه الغمام
وعمود النور ساطع صعد موسى الجبل.

فذكر بنو إسرائيل أنهم سمعوا كلام الله. وهذا قد وافقهم عليه طائفة من
المفسرين، وحملوا عليه قوله تعالى: "وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ
يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا
عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ".

وليس هذا بلازم، لقوله تعالى: "فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ
اللَّهِ". أي مبلغاً، وهكذا هؤلاء سمعوه مبلغاً من موسى عليه السلام.

وزعموا أيضاً أن السبعين رأوا الله، وهذا غلط منهم، لأنهم لما سألوا
الرؤية أخذتهم الرجفة، كما قال تعالى: "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ
نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمْ الصَّاعِقَةُ
وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ، ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". وقال هاهنا "فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ
قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ".

قال محمد بن إسحاق: اختار موسى من بني إسرائيل سبعين رجلاً: الخير
فالخير، وقال انطلقوا إلى الله فتوبوا إليه بما صنعتم وسلوه التوبة على ما
تركتم وراءكم من قومكم، صوموا وتطهروا وطهروا ثيابكم.

فخرج بهم إلى طور سيناء، لميقات وقَّته له ربه، وكان لا يأتيه إلا بإذن منه وعلم. فطلب منه السبعون أن يسمعوا كلام الله، فقال: أفعل.

فلما دنا موسى من الجبل، وقع عليه عمود الغمام حتى تغشى الجبل كله، ودنا
موسى فدخل في الغمام، وقال للقوم: ادنوا. وكان موسى إذا كلمه الله، وقع
على جبهته نور ساطع لا يستطيع أحد من بني آدم أن ينظر إليه. فضرب دونه
الحجاب، ودنا القوم حتى إذا دخلوا في الغمام وقعوا سج

https://taamelbyot.yoo7.com

2   قصة موسى عليه السلام‏ Empty رد: قصة موسى عليه السلام‏ الأربعاء يناير 09, 2013 2:36 pm

Admin

Admin
مدير الموقع

ذكر وفاته عليه السلام‏

قال البخاري في صحيحه: "وفاة موسى عليه السلام" حدثنا يحيى بن موسى،
حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن ابن طاوس، عن أبيه عن أبي هريرة قال:
أرسل ملك الموت إلى موسى عليه السلام، فلما جاءه صكَّه فرجع إلى ربه عز
وجل، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال ارجع إليه فقل له يضع يده
على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم
الموت، قال: فالآن.

قال: فسأل الله عز وجل أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر قال أبو
هريرة: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فلو كنت ثَم لأريتكم قبره إلى
جانب الطريق عند الكثيب الأحمر".

قال: وأنبأنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.

وقد روى مسلم الطريق الأول من حديث عبد الرزاق به - ورواه الإمام أحمد
من حديث حماد بن سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة مرفوعاً وسيأتي.

وقال الإمام أحمد: حدثنا الحسن، حدثنا لهيعة، حدثنا أبو يونس - يعني
سليم بن جبير - عن أبي هريرة، قال: الإمام أحمد لم يرفعه، قال: "جاء ملك
الموت إلى موسى عليه السلام، فقال أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت
ففقأها، فرجع الملك إلى الله فقال: إنك بعثتني إلى عبد لك لا يريد الموت،
قال: وقد فقأ عيني. قال فردَّ الله عينه. وقال: ارجع إلى عبدي فقل له:
الحياة تريد؟ فإن كنت تريد الحياة فضع يدك على متن ثور، فما وارت يدك من
شعره فإنك تعيش بها سنة. قال: ثم مه؟ قال: ثم الموت. قال: فالآن يا رب من
قريب".

تفرد به أحمد، وهو موقوف بهذا اللفظ.

وقد رواه ابن حبان في صحيحه من طريق معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن أبي
هريرة، قال معمر: وأخبرني من سمع الحسن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكره.

ثم استشكله ابن حبان وأجاب عنه بما حاصله: أن ملك الموت لما قال له هذا
لم يعرفه، لمجيئه على غير صورة يعرفها موسى عليه السلام كما جاء جبريل في
صورة أعرابي، وكما وردت الملائكة على إبراهيم ولوط في صورة شباب، فلم
يعرفهم إبراهيم ولا لوط أولاً. وكذلك موسى لعله لم يعرفه؛ لذلك لطمه ففقأ
عينه لأنه دخل داره بغير إذنه، وهذا موافق لشريعتنا في جواز فقء عين من نظر
إليك في دارك بغير إذن.

ثم أورد الحديث من طريق عبد الرزاق عن معمر، عن همام عن أبي هريرة قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "جاء ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه،
قال له: أجب ربك، فلطم موسى عين ملك الموت ففقأ عينه" . وذكر تمام الحديث
كما أشار إليه البخاري.

ثم تأوله على أنه لما رفع يده ليلطمه، قال له: أجب ربك، وهذا التأويل لا
يتمشى مع ما ورد به اللفظ؛ من تعقيب قوله أجب ربك بلطمه. ولو استمر على
الجواب الأول لتمشى له، وكأنه لم يعرفه في تلك الصورة ولم يحمل قوله هذا
على أنه مطابق؛ إذ لم يتحقق في الساعة الراهنة أنه ملك كريم، لأنه كان يرجو
أموراً كثيرة كان يحب وقوعها في حياته؛ من خروجهم من التيه، ودخولهم الأرض
المقدسة. وكان قد سبق في قدرة الله أنه عليه السلام يموت في التيه بعد
هارون أخيه، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.

وقد زعم بعضهم: أن موسى عليه السلام هو الذي خرج بهم من التيه ودخل بهم
الأرض المقدسة. وهذا خلاف ما عليه أهل الكتاب وجمهور المسلمين.

ومما يدل على ذلك قوله لما اختارت الموت: رب أدنني إلى الأرض المقدسة
رمية حجر، ولو كان قد دخلها لم يسأل ذلك. ولكن لما كان مع قومه بالتيه
وحانت وفاته عليه السلام أحب أن يتقرب إلى الأرض التي هاجر إليها، وحث قومه
عليها. ولكن حال بينهم وبينها القدر، رمية بحجر.

ولهذا قال سيد البشر، ورسول الله إلى أهل الوبر والمدر: "فلو كنت ثَم لأريتكم قبره عند الكثيب الأحمر".

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا حماد، حدثنا ثابت وسليمان التيمي
عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما أسري بي مررت
بموسى وهو قائم يصلي في قبره عند الكثيب الأحمر" ورواه مسلم من حديث حماد
بن سلمة به.

وقال السدي عن أبي مالك وأبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة، عن ابن مسعود،
وعن ناس من الصحابة قالوا: ثم إن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوفٍّ
هارون فائت إلى جبل كذا وكذا.

فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل، فإذا هم بشجرة لم تُر شجرة مثلها،
وإذا هم ببيت مبني، وإذا هم بسرير عليه فرش، وإذا فيه ريح طيبة. فلما نظر
هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه، قال: يا موسى إني أحب أن أنام
على هذا السرير، قال له موسى: فنمْ عليه، قال: إني أخاف أن يأتي رب هذا
البيت فيغضب عليّ، قال له: لا ترهب.. أنا أكفيك رب هذا البيت فنم. قال: يا
موسى بل نم معي فإن جاء رب هذا البيت غضب عليّ وعليك جميعاً. فلما ناما أخذ
هارون الموتُ، فلما وجد حسه قال: يا موسى خدعتني، فلما قبض رفع ذلك البيت،
وذهبت تلك الشجرة ورفع السرير به إلى السماء.

فلما رجع موسى إلى قومه وليس معه هارون قالوا إن موسى قتل هارون، وحسده
على حب بني إسرائيل له، وكان هارون أكفَّ عنهم وألين لهم من موسى، وكان في
موسى بعض الغلظة عليهم. فلما بلغه ذلك قال لهم: ويحكم! كان أخي أفتروني
أقتله؟ فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين، ثم دعا الله فنزل السرير حتى
نظروا إليه بين السماء والأرض.

ثم إن موسى عليه السلام بينما هو يمشي ويوشع فتاه إذ أقبلت ريح سوداء،
فلما نظر إليها يوشع ظن أنها الساعة، فالتزم موسى وقال: تقوم الساعة وأنا
ملتزم موسى نبي الله؟ فاستلَّ موسى عليه السلام من تحت القميص وترك القميص
في يدي يوشع. فلما جاء يوشع بالقميص أخذته بنو إسرائيل وقالوا: قتلت نبي
الله. فقال: لا والله ما قتلته، ولكنه استُل مني، فلم يصدقوه وأرادوا قتله.
قال: فإذا لم تصدقوني فأخروني ثلاثة أيام، فدعا الله فأُتي كل رجل ممن كان
يحرسه في المنام فأخبر أن يوشع لم يقتل موسى، وإنا قد رفعناه إلينا.
فتركوه.

ولم يبق أحد ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع موسى إلا مات ولم يشهد الفتح وفي بعض هذا السياق نكارة وغرابة والله أعلم.

وقد قدمنا أنه لم يخرج أحد من التيه ممن كان مع موسى،سوى يوشع بن نون،
وكالب بن يوفنا، وهو زوج مريم أخت موسى وهارون، وهما الرجلان المذكوران
فيما تقدم، اللذان أشارا على ملأ بني إسرائيل بالدخول عليهم.

وذكر وهب بن منبه: أن موسى عليه السلام مرّ بملأ من الملائكة يحفرون
قبراً، فلم ير أحسن منه ولا أنظر ولا أبهج، فقال: يا ملائكة الله لمن
تحفرون هذا القبر؟ فقالوا لعبد من عباد الله كريم، فإن كنت تحب أن تكون هذا
العبد فادخل هذا القبر، وتمدد فيه وتوجه إلى ربك، وتنفس أسهل تنفس، ففعل
ذلك، فمات صلوات الله وسلامه عليه، فصلت عليه الملائكة ودفنوه.

وذكر أهل الكتاب وغيرهم أنه مات وعمره مائة وعشرون سنة.

وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أمية بن خالد ويونس، قالا: حدثنا حماد بن
سلمة، عن عمار بن أبي عمار، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال
يونس: رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كان ملك الموت
يأتي الناس عياناً، قال فأتى موسى عليه السلام فلطمه ففقأ عينه، فأتى ربه
فقال: يا رب عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لعتبت عليه وقال يونس:
لشققت عليه - قال له اذهب إلى عبدي، وقل له فليضع يده على جلد - أو مسك ثور
- فله بكل شعرة وارت يده سنة، فأتاه فقال له، فقال: ما بعد هذا؟ قال:
الموت قال: فالآن. قال فشمه شمة فقبض روحه".

قال يونس: فرد الله عليه عينه وكان يأتي الناس خفية. وكذا رواه ابن جرير
عن أبي كريب، عن مصعب بن المقدام عن حماد بن سلمة به فرفعه أيضاً.

https://taamelbyot.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة  رسالة [صفحة 1 من اصل 1]

صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى